يبدوا أن الرئيس هادي في طريقة لترويض قيادات الحراك الجنوبي الذي ظلت ترفع شعار استعادة الدولة وتقرير المصيره منذ سبع سنوات مضت وباءت كل المحاولات والجهود في اقناع تلك القيادات بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بالفشل بما في ذلك الجهود التي بذلها ممثل الأمين للأمم المتحدة جمال بن عمر وسفراء الدول الراعية للمبادلة الخليجية (دول الخليج والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن) لكن يبدوا أن الرئيس عبدربه منصور هادي المدعوم اقليميا ودوليا في طريقه لترويض أسود الحراك . العقوبات الدولية وجدت بعض قيادات الحراك الجنوبي في الخارج نفسها في مأزق حقيقي في حال ظلت متمسكة بمواقفها الرافضة لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي أصبح تنفيذها مطلب دولي وإقليمي وفقا لقرار مجلس الأمن 2140 الذي صدر في فبراير الماضي بشأن فرض عقوبات دولية رادعة ضد معرقلي التسوية السياسية في اليمن الأمر الذي جعل تلك القيادات عرضة لعقوبات مجلس الأمن الدولي إن ضلت تمارس أي دور سياسي من شأنه تقوض العملية السياسية في اليمن وبالتالي أصبحت أمام خيارين إما التمسك بخيار استعادة الدولة وتقرير المصير وهو خيار يبدو مستحيل تحقيقه في الوقت الراهن في ظل دعم المجتمع الدولي لوحدة وأمن واستقرار اليمن ويجعلها عرضة لعقوبات دولية . أو تغيير مواقفها والتعاطي بشكل ايجابي مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني كونها تلبي الحد الأدنى من مطالب أبناء الجنوب وهو ما أشار إليه الرئيس حيدر العطاس نائب رئيس مؤتمر القاهر (الفصيل الذي تبنى خيار الفيدرالية من إقليمين ) في حواره مع قناة عدن لايف التابع لعلي سالم البيض بعد صدور قرار مجلس الامن مباشرة ثم أعقبها تصريحات لاحقه للرئيس العطاس الذي قال أن مخرجات الحوار تعتبر ايجابية إذا ما توفرت الإرادة السياسية في تطبيقها على أرض الواقع وكانت المفاجأة هي إعلان الرجل عن رغبته في العودة إلى الوطن برفقة أكثر من مئة شخصية جنوبية من معارضة الخارج جاء ذلك بعد اللقاء الذي عقده العطاس مع الرئيس عبدربه منصور هادي على هامش القمة العربية التي عقدت في دولة الكويت في مارس الماضي , هذا التغيير في موقف العطاس لم يكن وليد الصدفة بقدر ما كان ثمرة للجهود الدولية والإقليمية التي بذلها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر وعبداللطيف الزياني الأمين لمجلس التعاون الخليجي إضافة إلى الجهود التي بذلها سفراء دول الخليج والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن , وقد أثار هذا التحول في موقف الرئيس العطاس الكثير من التساؤلات والجدل في الشارع الجنوبي عامة والنخب السياسية في الحراك بشكل خاص في الداخل والخارج .. ويرى بعض المتابعين السياسيين في تصريحات العطاس الأخيرة وما تلاه من مواقف مؤيده لرؤيته وتوجه من بعض قيادات الحراك الجنوبي في الداخل والخارج بداية مرحلة جديدة وخطوة أولى في مسيرة الحراك الجنوبي الذي بدأ ينتقل من الفعل الثوري إلى العمل السياسي بعد ان ظلت هذه القيادات تتعامل مع المتغيرات السياسية في اليمن بمنطق لا يعنينا وبالتالي فرضت على نفسها طوق من العزلة الدولية فيما استطاعت قيادات الحراك الجنوبي التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني من إيصال صوتها المعبر عن القضية الجنوبية ومعاناة الشعب في الجنوب إلى المجتمعين الدولي والإقليمي وكسرت حالة الجمود السياسي الذي أصاب معظم قيادات الحراك , وتمكنت من انتزاع اعترافا محليا وإقليميا ودوليا بأن حل القضية الجنوبية حلا عادلا يعد المدخل الرئيسي لحل كافة القضايا الوطنية . اصطفاف جنوبي خلف هادي لقد كان التحول الإيجابي للعطاس تجاه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بمثابة بداية مرحلة جديدة في العمل السياسي وانتقال الحراك الجنوبي من الفعل الثوري إلى العمل السياسي , جاءت دعوة عراب الحراك والمنظر القانوني الاول للقضية الجنوبية الدكتور محمد علي السقاف قوى الحراك الجنوبي في الداخل والخارج بالاصطفاف خلف الرئيس هادي لمواجهة القوى التقليدية التي تعيق جهوده في حل القضية الجنوبية بعد أن ظلت تعبث بالجنوب طيلة عقدين من الزمن , واليوم تعمل على تقويض جهود الرئيس هادي في حل القضية الجنوبية حلا عادل يلبي تطلعات الشارع الجنوبي , خاصة في ظل وجود إرادة سياسية حقيقة عند الرئيس في رفع المعاناة والظلم الذي وقع على شعب الجنوب نتيجة الممارسات الخاطئة للنظام السابق الذي تعامل مع الجنوب بعقلية النهب والفيد واستباح كل ثرواته ومقدراته وأراضيه وقام بتسريح عشرات الآلاف من كوادره العسكرية والأمنية والمدنية من وظائفهم في عملية انتقامية لم يشهد التاريخ المعاصر مثيل لها. الأمر الذي يتطلب من أبناء الجنوب مغادرة موقفهم السلبي والتعامل مع المتغيرات بعقلية ايجابية منفتحة على الأخر ووضع مصلحة الشعب الجنوبي فوق كل المصالح الشخصية والحزبية الضيقة التي كانت سببا في ما وصلت إليه اليوم ثورة الشعب في الجنوب من تشظي وصراع بين قياداته بحثا عن دور أو زعامة وهمية .. ومن هذا المنطلق جاء لقاء مؤسس ثورة الحراك الجنوبي وجمعية المتقاعدين العسكريين العميد ناصر النوبة بالرئيس عبدربه منصور هادي في صنعاء صباح الأحد الماضي. قيادات جنوبية تتقاطر نحو صنعاء يبدو أن صنعاء ستكون خلال المرحلة القادمة قبلة لزيارات العديد من قيادات الحراك الجنوبي وأن المرحلة القادمة ستكون حاسمة ويأتي فتح الرئيس هادي قنوات تواصل وحوار مع قيادات الحراك يدل على ان الرئيس ماضي نحو بناء الدوله المدنيه واعتبار القضية الجنوبيه المفتاح الرئيسي لحل كل مشكلات اليمن ومن هنا جاءت زيارة العميد ناصر النوبة مؤسس جمعية المتقاعدين العسكريين ورئيسها السابق , إضافة على لقائه المرتقب مع الشيخ عبدالعزيز المفلحي بمثابة بداية لتدشين مرحلة جديدة في تعاطي الرئيس مع قيادات الحراك الجنوبي لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة التي تتطلب تضافر كافة الجهود الوطنية للاصطفاف خلف الرئيس لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وتفويت الفرصة على القوى التقليدية التي تسعى لتقويض العملية السياسية من خلال خلق المزيد من بؤر التوتر والصراع بدعمها المادي والعسكري لجماعات العنف والإرهاب في الجنوب والمليشيات المسلحة في شمال الشمال من اجل تشتيت جهود القيادة السياسية وإشغالها بإطفاء الحرائق التي تشعلها بدلا من التفرغ لتنفيذ استحقاقات المرحلة القادمة والمتمثلة في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والمضي قدما في بناء الدولة اليمنية الاتحادية المدنية الحديثة, وهنا يجب النظر إلى أن نجاح الرئيس هادي في استقطاب قوى الحراك وأبرز قياداته للوقف إلى جانبه ودعم جهوده في معالجة القضية الجنوبية وإزالة المظالم التي يعاني الشعب في الجنوب نتيجة الممارسات الخاطئة للنظام السابق سيمثل انتصارا حاسما في إزاحة أهم المعضلات الرئيسية في طريق بناء الدولة اليمنية الاتحادية المدنية الحديثة , فالشارع اليوم مهيأ أكثر من أي وقت مضى لقبول اي بادرة أمل تخرجه من هذه الدوامة التي تضيق حلقاتها يوم عن يوم الذي بات مقتنعا أن انفراط العقد قد يؤدي الى مالا يحمد عقباه. ازعاج مراكز القوى التقليدية لقد أثار لقاء العميد ناصر النوبة بالرئيس هادي استياء مراكز القوى التقليدية التي عبثت بالجنوب ونهبت ثرواته بعد حرب صيف 1994م ولذلك تبنت وسائل الإعلام التابعة والموالية لهذه القوى حملة إعلامية تهاجم النوبة وتشكك في لقائه بالرئيس هادي باعتباره خيانة للقضية الجنوبية ودماء الشهداء وذلك من خلال تحريك أدواتها في الحراك باستضافتها لشخصيات جنوبية ظلت تعمل وسط الحراك لخدمة اجندة القوى التقليدية في صنعاء , وهذا يدل على مدى انزعاج القوى التقليدية وعدم رضاها عن أي تقارب بين الرئيس هادي وقيادات الحراك الجنوبي قد تكون مقدمة لحل القضية الجنوبية حلا عادل وتهيئة الأرضية السياسية في الجنوب للاستحقاقات السياسية القادمة وتأتي في مقدمتها الاستفتاء على الدستور الجديد وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية القادمة مطلع العام المقبل وهو ما لا تريده تلك القوى التي تتطلع للعودة إلى السلطة مرة أخرى بعد أن أطاحت بها ثورة الشباب السلمية من السلطة , وباتت اليوم تشعر بفقدان مصالحها وامتيازاتها في الجنوب خاصة واليمن عامة في حال نجح الرئيس هادي في حشد كل الطاقات والجهود الوطنية وتوظيفها لمصلحة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ويأتي حل القضية الجنوبية حلا عادلا أبرز التحديات التي تعترض طريق هادي , ولذلك كان لقائه بالعميد النوبة عبارة عن مقدمة للقاءات أخرى سيعقدها الرئيس هادي مع القيادات البارزة والمؤثرة في الحراك الجنوبي تؤسس للمرحلة القادمة ويمكن قراءة ذلك في التصريحات الصحفية التي أدلى بها العميد ناصر النوبة بعد لقاء بالرئيس هادي لكل من وكالة سبأ الحكومية وصحيفة السياسة الكويتية. ملامح تحولات استراتيجية تصريحات العميد ناصر النوبة لوكالة سبأ وصحيفة السياسة الكويتية تعطي اشارات لملامح المرحلة القادمة والتي يمكن ان تشهد الكثير من التحولات في السياسات والمواقف ويمكن قراءة هذا التحول من خلال التصريح الذي نشرته وكالة سبأ الحكومية للعميد ناصر النوبة بعد لقائه بالرئيس هادي مباشرة ، حيث نقلت على لسانه الكلام التالي: "سمعت من الأخ الرئيس شرحا حول استمرارية المعالجات والعمل الاستراتيجي، ونحن نؤكد أننا سنبذل قصارى جهدنا من اجل التعاون مع الأخ الرئيس في كل ما يهم القضايا الوطنية، وسنعمل برؤية تخدم التطلعات نحو المستقبل الجديد وما يحمله من آمال عريضة من اجل الحرية والعدالة والمساواة". إضافة إلى تصريحه لصحيفة السياسة الكويتية حيث قال "إن لقائي مع الرئيس كان مطولاً واتفقنا على كثير من الخطوط والقضايا الاستراتيجية بما يخدم القضية الجنوبية ومن ضمن ما كلفني به الترتيب لإجراء لقاءات بينه وبين قيادات من الحراك , خاصة التي لم تشارك في مؤتمر الحوار بهدف إيجاد حلول للقضية الجنوبية وفق مخرجات الحوار". وأكد العميد النوبة أن لقاءه مع هادي تم بموجب دعوة من الرئيس ومن مبعوث الأمين العام إلى الأممالمتحدة إلى اليمن جمال بن عمر, واصفاً اللقاء بأنه "كان مثمراً وتضمن بحث الكثير من القضايا وليس مخرجات الحوار فقط". واعتبر أن ذلك لا يعني أنه وافق على مخرجات الحوار لأن هناك الكثير من القضايا لم يكشف عنها بعد. وقال النوبة رداً على منتقديه "ليسامحهم الله, وإذا كان هناك من لديه أي خطة أو برنامج آخر لحل القضية الجنوبية غير ما خرج به مؤتمر الحوار الوطني فإنني مستعد أن أكون جندياً معه لتنفيذ ذلك ", نافياً أن يكون لقاءه مع هادي لمصالح شخصية. وأضاف "عُرضت علي كثير من المناصب والأموال في العام 2007 ولو كانت لي مصالح شخصية لكنت قبلتها إلا أنني رفضتها ولم آت إلى صنعاء للقاء الرئيس (هادي) من أجل مصالح شخصية بل من أجل مصلحة عامة". ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان لدى "الحراك" استعداد للتخلي عن مشروع فك ارتباط الجنوب عن شماله, قال النوبة "إننا مع ما يقرره المجتمع الدولي ويرتضيه شعب الجنوب ولكل حادث حديث. وهذا إن دل على شي إنما يدل على أن قيادات الحراك تبدي اليوم مرونة كبيرة في تعاطيها مع مخرجات الحوار الوطني باعتبارها الممكن المتاح في الوقت الحالي , خاصة بعد ان صار تنفيذ هذه المخرجات مطلب للمجتمع الدولي ومن سيقف حجر عثرة في طريق تنفيذها سيجد نفسه معرضا للعقوبات الدولية وفقا لقرار مجلس الأمن رقم (2140 ) الصادر في فبراير الماضي . صحيفة خليج عدن