عدن أونلاين/ متابعات أكد فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة الأمين العام لاتحاد العلماء المسلمين أن الثورة يجب أن تكون قطيعة مع مرحلة أو نظام كامل وليست مجرد استبدال شخص أو مستبد بآخر، مشيراً إلى أنّ روح الثورة يجب أن تكون حاضرة إلى أن يتم تغيير الأوضاع كلها حتى لا تقع بعد ذلك فيما يعرف ب"ثورات التصحيح"، كما أشار إلى أنّ التجربة الإسلامية محاولة بشرية قد تنجح في بلد وتخفق في آخر. وقال د. العودة لبرنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة مساء الأحد إن مسألة الاستبدال في قوله تعالى " وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ " إنما جاءت لخطاب المستضعفين الذين مكنهم الله تعالى، حيث خاطبهم بقوله "وإن تتولوا" بمعنى إن لم تلتزموا بالشعارات أوالمعايير التي أطلقتوها والحق الذي أجمعتم عليه فإنه "يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ". من الثورة إلى الدولة وأشار فضيلتُه، إلى مسئولية الناس بعد ذلك في الانتقال من شجرة التغريد بالشعارات إلى حقل الواقع العملي، ومن الثورة إلى الدولة، بمعنى أن الشعارات التي رفعت بالأمس لن تكون كافية اليوم، وأن الحاجة ماسة هنا إلى الاجتماع على مفهوم الدولة التي تمثل إرادة الجميع وليست مجرد حزب أو طائفة، لافتاً إلى أن الدولة هنا هي التي تستطيع أن تكبح جماح الغرائز في التشفي والانتقام والثأر إلى غير ذلك من الأمور التي تتبع الثورات دائما والتي من المهم تداركها في أسرع وقت. وحذر فضيلته من خطورة تحوِّل هذه الروح الثورية الواقع أو المستقبل إلى مجرد تصفية حسابات مع الماضي وكأنّ الطاغية لا يزال يحكم من قبره أو منفاه أو سجنه، لأن المجتمع يجني غرسه من الفوضى وبث روح الانتقام والفرقة ، مشدداً في هذا الصدد على أنه لا بد هنا من التسامي عن الأحقاد وروح الانتقام والانتقال إلى مرحلة البناء وإعادة الحياة التي يسودها القانون ويحكمها العدل. ولفت إلى دور الدعاة والعلماء والمصلحين في توجيه الناس إلى القيم القرآنية مع الأخذ في الاعتبار أهمية عنصر الوقت الذي يحتاجه الناس في مثل هذه الحالة لتصفية القلوب من أضغانها حتى تتهيأ لسماع هذه الآيات والتأثر بها. انتكاسة ثورية وحذر فضيلته، من أن تنتاب هذه المحتمعات حالة انتكاسية نتيجة ما قد تفاجأ به من فراغ هائل في مؤسسات الاستبداد بعد زوال الطغاة، مع عدم قدرنها على سد هذا الفراغ بطريقة صحيحة، مشيرا إلى أن أخطر ما يمكن أن يصيب الثورات هو أن تقع أخطاء أو تجاوزات من البعض تجعل الناس تبدأ في الموازنة بين القمع والاستبداد ومصادرة الحقوق مع وجود الأمن، أو الثورة مع الإحساس بعدم الأمن وشيوع الفوضى. وأوضح في هذا الصدد أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاع في مشروعه استيعاب الناس كلهم أصدقاء وأعداء، بل إن بعض الذين وقفوا ضده قد تحولوا بعد أن دخلوا الإسلام إلى قادة في الجيوش وأمراء وسفراء، لافتاً إلى أنه صلى الله عليه وسلم استطاع في مجتمع المدينة بالرغم من تشكيلته المختلفة أن يجعل اليهود والمنافقين جزءاً من المشروع الإسلامي ولم يحتج أن يقيم لهم أو لغيرهم مقاصل أو محاكمات وإنما كان هناك حراكا دعوياً ناضجا صبورا استوعب كل هذه الطوائف، وهو الأمر الذي نحتاج الاقتداء به. وأشار إلى أن تصفية الحسابات ورفع المظالم لا بد أن يكون من خلال محاكمات عادلة تقوم بها الدولة وليس عن طريق الأفراد، وأنه إذا كان هناك عشرات الآلاف من السجناء بدون جريمة في ظل الأنظمة البائدة فمن غير المعقول أن نكون بنفس المستوى بعد أن منّ الله تعالى علينا بالفتح وزوال الطغاة، لافتاً إلى قول الله تعالى: "عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ". شرعية التصالح وأضاف د. العودة أن الله تعالى وضع ضوابط لمسألة رفع الخصومات بين المجتمع المسلم كما في قوله تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، مشيراً إلى أن القائم بالإصلاح بين طرفي النزاع هو جهة ذات قوة وسيادة وي حالة رفض طرف للتصالح فإنها تتعامل معه بشكل آخر. وأشار إلى أنه فيما يتعلق بالحراك الثوري الذي نشهده الآن فلكل حالة سياقها المختلف من حيث التصالح مع الأنظمة الحاكمة، غير أن تلك التي بطشت وسفكت الدماء كالنظام السوري لا مجال فيها للتصالح. الجامعة العربية والدور الغامض وأكد أنّ وضع الجامعة العربية في تعاملها مع الأزمة السورية لم يضف جديدا أو يحول دون وقف آلة القتل مشيراً إلى أن أداء البعثة العربية ليس واضحا وهو ما يثير تساؤلا مهما حول دور الجامعة في الأراضي السورية، هل هو لحماية الشعب أم تغطية لجرائم النظام. وأوضح أنه وإن كان هناك بعض السلبيات التي نشاهدها في واقعنا الحالي بعد الثورات إلا أن الوضع يدعو كثيراً إلى التفاؤل، مشيراً إلى أن مرجع هذه السلبيات هو أن الأنظمة السابقة كانت تستولي على كل شيء، وأنه في ليبيا مثلاً كانت اللجان الثورية أداة بيد النظام الذي أحكم قبضته عليها إلى جانب كل أوجه الحياة، وأنه بعد انكشاف الثورة ظهر نتيجة لذلك فراغ كبير يحاول الجميع علاجه. نظرية المؤامرة وأوضح فضيلته، أنّ نظرية المؤامرة لدى البعض حول هذه الثورات مرجعها إلى أنها كانت مفاجئة، لجميع أجهزة الاستخبارات الغربية ولمراكز الأبحاث وللعالم وللبلاد البلاد التي حدثت فيها ، مشيراً إلى أن طبع الناس حينما يقع شيء بهذه المفاجأة يميلوا إلى تفسيره بأنه جزء من المؤامرة. وقال: إن الولاياتالمتحدةالأمريكية -مثلاً- والغرب لم يتوقعوا هذه الثورات كما لم يرحبوا بها ً لأنها كانت ثورات على حلفائهم ولا أحد يجهل العلاقة ما بين النظام المصري وأمريكا -مثلاً- أو بين النظام التونسي وأوربا وكذلك النظام الليبي الذي عادت علاقاته من جديد مع تلك الدول، وأيضاً ما يسمى بالأمن الاستراتيجي للدولة الصهيونية في ظل الظروف السابقة، وهو ما عبرت عنه إسرائيل نفسها والنظام والإعلام الصهيوني الذي كان ينادي باستخدام القوة والعنف ضد الشعب المصري وقمع المظاهرات بالقوة وقدَّم نصائحه في هذا المضمار. مناشدة للشيخ البوطي وأكد د. العودة أن هذه الأنظمة تشن حربا إعلامية ضد مخالفيها، وهي قضية معروفة لممارسة الضغط عليهم مما قد يؤثر على البعض. وأشار إلى أن الناس يتعجبون من أن هناك شخصيات في سوريا كان المتوقع أن تكون في صف "كلمة حق عند سلطان جائر" أو أن تكون قائمة بأفضل الجهاد، كالدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الذي ظل يتحدث مدافعاً عن النظام في هذه المرحلة. وقال: "أنا أُناشده من هذا المنبر أن ينضم ليس إلى ركب الناجين من هذا القارب المعطوب فحسب بل إلى ركب كلمة حق عند سلطان جائر وإلى ركب أفضل المجاهدين وسيد الشهداء ، فإن لم يفعل فعلى أقل تقدير أن يكون صمتٌ عند سلطان جائر!، مشيراً إلى أنه لا يجوز أن يصبح الخوف من الهجوم الإعلامي سبباً في أن يبرر الإنسان الباطل. بين المطرقة والسندان وطالب د. العودة بضرورة الإسراع في سحب السلاح من الليبيين من خلال الإغراء بالمال أو توظيف الثوار في جهات رسمية كالجيش والشرطة أو غيرها لكي تعود الأمور إلى نصابها، مشدداً على ضرورة أن تصبح الثورة مكسبا للجميع وليس لفئة دون أخرى. وأشار في هذا الصدد إلى أن بعض المدن الليبية كانت تعاني ما بين مطرقة النظام وسندان الثورة، كما هو الحال في الزاوية وأجدابيا وغيرها حينما خرجت تؤيد الثورة ولاقت الكثير من تنكيل النظام وتعذيبه وقتله، ولذلك فلا بد من الأخذ في الاعتبار موقف هؤلاء المستضعفين وعدم معاقبتهم وأن يشعر الليبيون بأن الثورة ربحا لهم جميعاً. و بيّن د. العودة أنه لا بد أن تتحول المجالس الانتقالية والحكومات المؤقتة إلى أدوات فاعلة ومؤسسات قوية تستطيع وضع برامج تستوعب كل هذه الخلافات إلى جانب قضاء نزيه لحل النزاعات. الثورة تجب ما قبلها وقال د. العودة إن الثورة تجب ما قبلها بمعنى أن هناك أناساً ممن شاركوا في الثورة قد يُتّهمون بأنهم كانوا ضمن أدوات النظام السابق أو أنهم أعضاء في حكوماته وهي فكرة لا بد من تصحيحيها، لأن اندماج هؤلاء ضمن الحراك الثوري كافيا لإبعاد هذه التهم عنهم. وأوضح، أنّ الأنظمة في العالم العربي تتسم بشموليتها واستبدادها بمعنى أنها كانت تحكم قبضتها على جميع الأطراف، وأي نشاط سياسي أو اقتصادي أو تجاري كان بالضرورة متصلا بخيط ولو رفيع بهذه الأنظمة الرسمية الشمولية والمستبدة، وعلى ذلك فمن الخطأ أن نحاسب وأن نفتش عن أرشيف كل شخص كان موظفا أو عاملا بأي مجال ضمن النظام السابق، محذراً من أن يحدث انشقاق في الثورة ذاتها نتيجة لتلك المفاهيم لدى البعض. ما بعد الثورة وأوضح د. العودة، أن الثورة ليست هدفاً بذاتها بل هي وسيلة ولا يمكن أن يظل الناس في ثورة لا تتوقف إلا إذا فهمنا أن الثورة هي حالة من التطوير والتجديد والتغيير والإصلاح كما أن الثورة على الذات نفسها بالدعوة إلى التغيير المستمر وإلى التجديد والإصلاح معنى مطلوب أيضاً، مشيراً إلى أن الأولوية هي لبناء مؤسسات الدولة بشكل صحيح، ووضع دستور واضح يتوافق عليه الجميع، بحيث يضمن هذا الدستور -مثلاً- فصل السلطات، ليكون هناك قدرة على مقاومة الفساد. وأضاف أن من أولويات هذا الدستور تكريس مرجعية الشريعة لأن جزءاً من الحراك الثوري كان على مصادرة الحريات، والتي على رأسها حرية التعبير، التي ستقود إلى الرغبة في الإسلام كمرجعية عليا، ونحن نعرف ما لاقته تونس في عهد بورقيبة ثم في عهد بن علي -مثلاً- وكذلك في أكثر من دولة عربية من حرمانهم حتى من حقوقهم في العبادة أو في اللباس أو في التعليم أو غير ذلك من انتهاك الهوية الإسلامية. المعارضة الإسلامية وأشار إلى أن الإسلاميين هم أحد الأرقام المهمة في الثورة، لأنهم الفصيل الأكثر ثباتاً وصبراً من المعارضة بالرغم من السجون والمعتقلات والقتل والإيذاء والتشويش والتشنيع بكافة الوسائل وهو ما يعني أن من حق هذه المعارضة الإسلامية بعد نجاحها في الثورة وحصولها على الأغلبية في تونس و مصر كما هو المتوقع في أن تأخذ دورها بشكل واضح، وأن تمارس هذا الدور. وأكد أيضاً أن هذه المعارضة سوف تسمح بالتداول وأنها لن تمارس نوعاً من التسلُّط أو الاستبداد، وسيكون هناك قبول بالتعددية السياسية، مشيراً إلى أن التجربة الإسلامية ليست شيئاً مقدساً وإنما هي محاولة بشرية قد تنجح في بلد وتخفق في آخر أو تنجح في مرحلة وتخفق في أخرى أو تنجح في جانب وتخفق في آخر. نموذج الإسلامين وأوضح فضيلته أن الإسلاميين في الماضي كانوا يتحدثون عن قضية السمع والطاعة مع محاولة إيجاد صيغة أكثر اعتدالاً وتوازناً لا تجعل الواجب فقط طاعة الحاكم وإنما أيضاً حق المواطن في التعبير وفي الدفاع عن نفسه وفي النقد وفي ملاحقة الخطأ وهذا جزء من حقوق الإنسان المقررة في الشريعة والمقررة في الدساتير العالمية اليوم، مشيراً إلى أن الإسلاميين إذا وصلوا إلى السلطة سيتحدثون عن الطاعة بقدر واضح من الاعتدال. وأشار إلى أن تونس، تُلهم الثوار أيضاً نمطاً معتدلاً في التعاطي مع الأوضاع القائمة ومع الأحزاب، لافتاً إلى أن حزب النهضة مع أنه حاز على أغلبية إلا أنه تقبَّل بسلاسة أن يكون رئيس الدولة من حزب آخر وليس شخصية إسلامية. الإسلاميون والغرب ورداً على سؤال حول مغازلة حزب النور السلفي وحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين بمصر للغرب اليوم وهل هو من باب فقه الواقع وسد الذرائع أوضح فضيلته، أن الغرب هو عبارة عن حكومات وشعوب وجمعيات وتجمعات، وهناك فرصة تاريخية لبناء علاقة جديدة تتسم بالاحترام والتوازن، إذا استطاع الغرب أن يتفهَّم واقع الشعوب الإسلامية، ومطالبها، وهذا ما وجدناه في تصريحات عدد حتى من السياسيين الغربيين وهي أن الغرب اليوم أمام واقع جديد، مشيراً إلى أن هذا المبدأ جميل إذا استطاع الغرب إدراك أن هذه الحكومات الجديدة تُمثِّل شعوبها، وأنه لن يأمن على مصالحه المادية المختلفة إلا من خلال علاقة نديَّة -إن صح التعبير- مع العالم العربي والعالم الإسلامي. ورأى أن الإسلاميين اليوم مضطرون إلى التعامل مع الغرب تعاملاً واقعياً وليس تعاملاً نظرياً، داعيا إلى أن لا يكون هناك تسرُّع في التعاطي مع مفردات هذا الملف. تجربة بشرية وأكد أن التجربة الإسلامية أو ما يسمى بالإسلام السياسي هي تجربة بشرية ليست متعالية على النقد ولا أعتقد أن أحداً من الإسلاميين أبداً يفكر بدولة دينية على نمط -مثلاً- الدولة الإيرانية وإنما الكل يتحدث عن دولة مدنيَّة وعن تداول سلمي على السلطة، مشيراً إلى أن الإسلامييين يعرفون أن الشعب الذي جاء بهم عبر صناديق الاقتراع يمكن أن يتخلى عنهم إذا لم يحصل هناك تطور في الجانب الاقتصادي وفي التنمية وفي معالجة البطالة أوفي إنجاز عدد من الملفات الجوهرية والضرورية. وكرر د. العودة دعوته إلى العفو والتسامح مشيرا أيضاً إلى أن الشريعة أجازت للإنسان أن يأخذ حقه إلا أن من أعظم الخطأ أن يقوم الإنسان بالحصول على حقه بذاته. كما ترحَّم فضيلته على أرواح الشهداء الذين قضوا