عدن اون لاين / استطلاع: أثمار هاشم عدن مدينة ليست كباقي المدن اليمنية يصعب الحديث عنها او وصفها لأنه مهما استخدمت من عبارات لوصفها ستظل الكلمات قليلة في حقها ان لم نقل انها لا تفيها حقها فهذه المدينة التي تستقبل البحر بوجهها ويحمي الجبل ظهرها كانت منذ ان اوجدها الله على هذه البسيطة قبلة لكل الناس وما من احد زارها خلال أي عصر من العصور إلا وأعجب بها وتغزل بموقعها وبطيبة اهلها . عدن هذه المدينه الساحلية التي جاء ذكرها في كثير من كتب الرحالة العرب والأجانب لطالما كانت ملاذا آمنا لكل من استقر فيها تعطيه الحب بقدر ما يعطيها.. كانت مكانا للتعايش بين كافة الاجناس والعرقيات وحتى مختلف الديانات لتجسد بذبك اروع مثال للتسامح والقبول بالآخر .. ولكن في الاونه الاخيرة بدأت تظهر في عدن دعوات غريبة عنها لم يحدث ان عرفتها بمثل تلك الحدة والجدية كما يحصل الآن تلك هي دعوات المناطقية التي تدل على عدم القبول بالآخر ورفض التعايش معه جنبا الى جنب . في شوارع عدن والتقينا بعدد من سكانها لتعرف الاسباب التي ادت الى ظهور هذه الدعوات المناطقية في الآونة الاخيرة حيث التقينا بالقرب من مسجد النصيري الذي يقع في حافة القاضي (واحد من اقدم الشوارع في عدن) بمجموعة من الرجال الكبار في السن وعندما سألناهم عن الأسباب التي أدت الى بروز هذه الظاهرة والمتمثلة بغياب الالفة والمحبة بين الناس ورفض الآخر اعلن الجميع استنكاره واستهجانه لهذه الظاهرة التي يراها شاذة على المجتمع العدني الذي عرف ببساطته وقبوله للآخر مؤكدين ان تلك الظاهرة ليس لها وجود في شارعهم ثم تطوع واحد منهم بالرد قائلا انه ربما تكون بالفعل ظاهرة عدم القبول بالآخر وانتشار ثقافة المناطقية بدأت بالظهور مؤخرا في عدن لكنهم يرون ان اسباب تلك الظاهرة تعود بالدرجة الاساسية لحكم الرئيس السابق الذي اوجد نوعا من التمييز بالتعامل بين الجماعات حيث منح جماعات معينة كل شيء فيما حرم اخرى من اشياء اساسية .وأضاف ان هذه التصرفات اوجدت نوعا من التشاحن والتنافر بين الناس كما ان الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الناس تركت اثرا نفسيا سيئا عليهم وأصبح الفرد غير قادر على تقبل أي كلمة او تصرف من احد سواء من افراد اسرته او من جيرانه . وأيده بالقول صديقه الذي كان يجلس بالقرب منه عندما قال ان هناك حالة من فقدان الثقة بين الناس والتي بدورها تعد سببا رئيسيا لانتشار تلك الافكار الغريبة على مدينة عدن التي لم تعرف التمايز بين ابنائها يوما حتى في فترة الحكم الشمولي . واجمع المسنون في حافة القاضي ان هناك بالفعل بعض التصرفات غير المقبولة والجديدة على عدن ولكن قد يكون مردها الى اشخاص ذوي نفوس ضعيفة يتصرفون بدون تعقل ويدخلون بخلافات مع المحيطين بهم لأسباب تافهة يعمدون خلالها الى استخدام الالفاظ والعبارات التي تدل على المناطقية والتقليل من شان الآخر. ومع ذلك فهم مصرون على الحفاظ على حيهم بعيدا عن تلك النعرات المناطقية والتي تهدد النسيج المجتمعي لعدن مؤكدين انهم سيبذلون قصارى جهدهم للحيلولة دون ظهور تلك السلوكيات في حيهم لأن الجار بنظرهم هو في مقام الاخ ولا يمكن التفريط به او اللجوء الى أي سلوك من شانه ان يسبب ضررا له . يحصدون ما يزرعون أما محمود حسن فهو يرى ان مدينة عدن منذ نشأتها تضم مزيجا من الاجناس المختلفة التي عاشت فيها بسلام ووئام ولم تكن هناك حساسيات مناطقية لان هذه هي طبيعة سكان عدن المحبين للجميع حتى ابناء المناطق الشمالية الذين عاشوا في عدن خلال فترة الاستعمار البريطاني او بعده اصبحوا جزء اساسيا من التركيبة المجتمعية لهذه المدينة كما ان الحزب الاشتراكي كان يمنع ظهور المناطقية ويعتبرها نوعا من العنصرية، مضيفا انه عندما تكون هناك دولة قوية ولها هيبتها بين الناس فان الجميع يحترم تلك الدولة ويتجنب الوقوع في اخطاء او مخالفات تعود عليه بالضرر ولكن كل ذلك تغير فبعد الوحدة اصبحنا نجد ان البعض يتعالى على الآخرين بانتمائه لمنطقة معينة او قبيلة ما وينظر بنوع من الازدراء وعدم الاحترام لأبناء عدن باعتبارهم انهم خليط من اجناس متعددة وبالتالي فهم ادنى مرتبة من الآخرين . واسترسل بالقول : لقد ظلت تلك السلوكيات تنتشر في عدن منذ الوحدة وعندما جاءت الازمة السياسية في العام الماضي كان التشاحن قد وصل الى درجة كبيرة جدا بين الناس وبالتالي تفشى تبادل الالفاظ والتعامل بمناطقية مع الجميع وتحديدا مع الطرف الآخر الذي كان له دور كبير في نشر هذه الثقافة الدخيلة على هذه المدينة وبالتالي فإنهم اليوم يحصدون ما زرعوه طوال سنوات. كنت واحدا منهم متحسرا على أيام مضت تحدث معنا الحاج عبدالله قائلا: أنا انتمي لإحدى المناطق الشمالية وقدمت للعيش في عدن عندما كنت شابا يافعا خلال فترة الاستعمار البريطاني وعشت سنوات عمري فيها وتزوجت وأنجبت أبنائي وبناتي فيها واعتبرت نفسي واحدا من أهلها حتى الجيران كانوا يعتبرونني منهم ولم يحدث ان قال لي احدهم كلمة عن أصولي حتى أبنائي درسوا وحصلوا على فرص عمل فيها كغيرهم من أبناء عدن ومررت بكل التجارب القاسية التي عاشها الجنوب من حرب 86 م وحرب 94 م لكنني اليوم اشعر بالحسرة والمرارة عندما أرى البعض يطلقون علينا أوصافا مناطقية متناسين أننا تركنا مناطقنا منذ زمن طويل حتى قبل ان يولد بعضهم ولا ندري إلى أين قد تنتهي الأمور .. نتمنى ان يكون ما يحدث مجرد سحابة عابرة. رفض واقع سياسي ويبدو ان سؤالنا عن سبب ظهور المناطقية في عدن قد فاجأ حسين الذي بقي امامنا مذهولا لبضع دقائق قبل ان يجيبنا انه اصبح بالفعل يلحظ في الآونة الاخيرة انتشار الالفاظ التي تدل على المناطقية بشكل واضح فهو وان كان يستغرب انتشارها بهذا الشكل إلا انه يرى ان ابناء عدن او المناطق الجنوبية يتداولونها فيما بينهم كنوع من المزاح الذي لا يؤخذ على محمل الجد، فيما يتم استخدامها ضد ابناء المناطق الشمالية كتعبير عن رفضهم لواقع سياسي مفروض عليهم . تمييز في التعامل بغيظ شديد تحدثت معنا الأخت حياة قائلة انا من ابناء مدينة عدن ربما تكون جذوري تنتمي الى منطقة اخرى لكنني ولدت وتربيت ودرست فيها ولم اشعر بأي فرق بيني وبين جيراننا الذين كانوا من مناطق مختلفة لأننا في الأخير كلنا ننتمي الى عدن . اليوم كل شيء تغير اصبح انتماء الشخص لمنطقة معينة هو الذي يحدد طبيعة المعاملة التي سيحظى بها فيكفي ان تعرف انني عندما كنت اقوم بإحدى المعاملات في احد المرافق الحكومية توضع بطريقي العقبات بينما تفرش الورود لغيري الذي يأتي حاملا معه توصية من مسؤول او شيخ من المناطق الشمالية فتضيع حقوقنا التي نركض وراءها شهورا ليأخذها غيرنا بمنتهى البساطة وكأننا لسنا أصحاب حق او اننا لسنا جميعا يمنيين وبالتالي علينا جميعا ان نحصل على نفس المعاملة ، بالنسبة لي انا لا الوم الشباب حينما يتحدثون بمناطقية لأنه لو كانت هناك عدالة منذ البداية لما وصولنا الى هذه الحالة من التنافر فيما بيننا . مسالة فردية الدكتورة نبيهة بيضاني من قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عدن كان لها رايها في هذا الشأن حيث ترى ان المناطقية كانت موجودة منذ مرحلة الكفاح المسلح وانقسام الجبهة القومية التي كانت تضم عددا من ابناء المناطق الشمالية وبعض ابناء المناطق الجنوبية ،اما بعد الاستقلال فقد عرفت عدن المناطقية ايام الحزب الاشتراكي عندما كان يحكم جنوب اليمن (فعلى الرغم من ادبيات الحزب الاشتراكي اليمني واستنادا الى النظرية الاشتراكية العلمية كان يرفض التمييز لكن ممارسته كانت شيئا آخر) والدليل على ذلك ان القيادات التي حكمت عدن في تلك الفترة هم من ابناء مناطق معينة (الضالع ويافع) وبالتالي كان هناك تمييز بين ابناء هذه المناطق الذين حصلوا على امتيازات شتى حينها وبين ابناء باقي المناطق وعندما انتقل حكم عدن الى ابناء محافظتي ابين وشبوة اطلق على الحكومة حينها اسم (حكومة البدو) وهذه المشاحنات المناطقية تعد من المسببات الاساسية لحرب 86 م بين مجموعة علي ناصر التي كان يطلق اسم الزمرة ومجموعة علي سالم البيض التي كانت تعرف بالطغمة . وتابعت الدكتورة البيضاني: المناطقية مسالة فردية يخلقها الفرد بسلوكه ليحدد مصلحة سياسية يريد ان يصل اليها كما ان هناك قيادات سياسية يدعمون اولئك الاشخاص الذين ينادون بالمناطقية لتحقيق اغراض معينة يسعون اليها وتفتيت المجتمع . وطالبت البيضاني بان يكون لوسائل الاعلام المختلفة دور اكبر في توعية الناس بأهمية إزالة الصوت الفردي حول مفهوم المناطقية وان يلعب الخطاب الديني كذلك دوره في القضاء على مفهوم المناطقية وحث الاسر على التعامل بروح التسامح والإخاء مع جيرانها ونبذ كل ما له علاقة بالمناطقية. واختتمت الدكتورة نبيهة حديثها معنا بالقول ان اليمن مقبل على مرحلة جديدة من تاريخه السياسي وبالتالي اذا اردنا ان نبني اليمن الجديد الذي ننشده فانه لابد لنا من تغيير سلوكنا كأفراد والتخلص من مفهوم المناطقية لننقل الى مجتمع نظيف خال من الفساد ومن المحسوبية التي تولدها الانتماءات الضيقة . مسك الختام عدن مدينة عرفت التسامح قبل ان يدعو إليه العالم.. فيها تجاورت المساجد والكنائس والمعابد وكانت قبلة للمبدعين العرب والأجانب من مثقفين وسياسيين وشعراء ومؤرخين فلم يحدث ان مر واحد منهم فيها الا وتركت في نفسه ابلغ الأثر. هذه المدينة تعرضت ولا تزال تتعرض لمحاولات عدة لطمس ثقافتها وهويتها ومحاولة فرض هوية جديدة عليها لا تمت إلى هويتها الأصلية التي اشتهرت بها بصلة ، تلك هي ثقافة المناطقية والإقصاء والتهميش للآخر التي بدأت تغزوها وتسيطر على كثير من تصرفات أبنائها في التمييزبين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد . لكل أولئك الذين يمارسون المناطقية بعدن بوعي او من دون وعي نقول ان انتماء الفرد إلى منطقة معينة ليس عيبا مطلقا ولا يجب ان يكون سببا للتقليل من شأنه، لا تجردوا هذه المدينة من خصوصياتها ومميزاتها ولا تدعوا السياسة تفسد علينا حياتنا . المصدر: صحيفة الأولى