باشراف أبوعلي الحضرمي: توجه لإنهاء أزمة التمرد القبلي في الهضبة "عسكريا"    مجلس الأمن يبحث توسيع العدوان الإسرائيلي على غزة    وقفة في المسراخ بتعز تضامناً مع غزة    مركز لاهاي الدولي يشكّل فريقًا حقوقيًا لزيارة سجن الأمن السياسي في مأرب اليمنية    مدرب أهلي تعز: جاهزون لمواجهة التعاون ونبحث عن النقاط الثلاث    انتقالي لحج يدشن المخيم الصيفي الأول في مدارس مديرية الحوطة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ محمد محمد الزايدي    المعهد العالي للقضاء يقر النتيجة العامة التراكمية للدفعة 24 قسم الدراسات التخصصية العليا قضاة    إتلاف كمية من الأدوية المخدرة في محافظة تعز    النفيعي يختار قائمة اليمن لخليجي الشباب الأولى..    مليشيات الحوثي الارهابية تختطف طفلين بعد اختطاف والدهما في ذمار    المحرّمي يناقش مع قيادات عدن التحديات الأمنية والخدمية وسبل تجاوزها    المشي قبل الأكل أم بعده.. أيهما يحرق الدهون أكثر؟    الحديدة.. لقاء موسع للعلماء والخطباء بالمراوعة لتعزيز الحشد لفعاليات المولد النبوي    الرهوي يشارك في اللقاء التحضيري لأمانة العاصمة لتدشين فعاليات المولد النبوي    اجتماع حكومي يقر استكمال تنفيذ مشروع إعادة تأهيل ميناء الاصطياد    إلى حضارم العزلة: خريطة حضرموت التاريخية من باب المندب إلى المهرة    الرئيس الزُبيدي يؤكد حرص الدولة على دعم الاستثمارات المحلية    السلطات البريطانية تعتقل 365 شخصا في مظاهرة مؤيدة لمنظمة "فلسطين أكشن"    رامي المحمود وفعل الإدارة الوطنية للإفراج عنه    فعالية لشركتي النفط والغاز بذمار بذكرى المولد النبوي    وجع بحجم اليمن    روسيا تحذر إسرائيل من عواقب وخيمة بعد قرارها احتلال غزة    تقرير أممي: نزوح داخلي لعشرات الأسر اليمنية لاسباب متعددة    هل ينجح برشلونة في تجاوز حاجز ال100 هدف في الليغا؟    شكراً للفريق السامعي الذي ألف بينهم    الاصاد يحذر من أمطار رعدية مصحوبة بحبات البرد على 9 محافظات خلال الساعات القادمة    أحمد سيف.. الذاكرة التي لا تغيب وصوت الدولة المدنية    أسعار الصرف مقابل الريال اليمني الأحد 10 أغسطس/آب 2025    الدكتورة زايد : هذا ما يحدث للإنسان عند فقدان أحد الأسنان    بعد محاولة اختطاف طفلة في ذمار .. ظاهرة اختطاف الأطفال يعود إلى الواجهة    رسميا.. النصر يضم مدافع برشلونة    علماء يكتشفون أن نقص عنصر غذائي "شائع" قد يسبب الزهايمر    فوائد صحية لتناول القرفة لا يعرفها كثيرون    المناظرة اليتيمة التي طأطأت رأس الإمامة في التاريخ!    مأرب بلا كهرباء.. الفساد يلتهم جزء من موازنة المحطة الغازية ويخرجها عن الخدمة    عودة 6 صيادين بعد أشهر من الاختطاف في سجون العدوان السعودي    بالعلامة الكاملة.. نيوزيلندا في ربع النهائي    تراجع حوادث الدراجات النارية بنسبة 65%    وزارة التربية والتعليم تعلن نتيجة الدور الثاني لاختبارات الشهادة الأساسية    موريتانيا تنعش آمالها في بلوغ ربع نهائي كأس إفريقيا للمحليين    مواجهة نارية مساء اليوم بين ليفربول وكريستال بالاس    جيولوجيون يعثرون على آثار كارثة كونية في قاع المحيط    لماذا تتجعد أصابعنا في الماء تفسير طبي    الدكتور عبدالله العليمي يعزي أمين عام محلي شبوة عبدربه هشلة في وفاة شقيقه الشيخ محمد هشلة    وقف صرف مرتبات المسؤولين بما فيهم أعضاء مجلس الرئاسة بالعملة الأجنبية    الانفصال الذي يسوّقه إخوان اليمن على مقاسهم    لا للمنطقة العسكرية الاولى ولا للكلاب الحمر و للجرو الرضيع من ثديها    بطولة " بيسان " تعز 2025... -عودة الحياه الرياضية وعجلتها الكروية!    إصلاح المهرة ينفذ برنامجاً تدريبياً لتعزيز قدرات كوادره في الإعلام الجديد    وزير الثقافة والسياحة يؤكد على أهمية الدور التنويري للمثقفين والأدباء    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية وهبوب رياح شديدة السرعة    انتقالي حضرموت يشارك في ختام مهرجان خريف حجر السنوي ويطّلع على أبرز فعالياته    استئناف أعمال الترميم والصيانة في قلعة القاهرة التاريخية بتعز    فؤاد الحميري، له من اسمه نصيب    هل هما شخص واحد.. الشبه الكبير بين البغدادي والشيباني    مهرجان القاهرة السينمائي يطلق «CAIRO'S XR»    من أين لك هذا المال؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترحيل القسري من عدن: انتقام بالعنوان الخاطئ
نشر في عدن بوست يوم 12 - 05 - 2016

مرّت الوحدة اليمنية منذ الإعلان عنها في العام 1990 بمحطات وتحديات عديدة. أسباب ذلك كثيرة، بدءاً من الظروف التي قادت إلى توقيع الاتفاق على الوحدة بين “العليين” (علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض) دون أسس متينة تضمن استمرارها بشكل سليم، مروراً بسلوك صالح في ذلك الحين الذي حاول الاستئثار بالسلطة على حساب شريك الوحدة الآخر المتمثل بالحزب الاشتراكي. وهو ما تسبب تباعاً في خلافات عدة وأزمات تعطلت معها مسارات الحلول السياسية قبل أن تنفجر الخلافات عبر حرب صيف 1994 التي أعيد فيها فرض الوحدة بقوة السلاح، لتتحول الوحدة منذ ذلك الحين إلى نقمة بالنسبة لفئات واسعة من الجنوبيين بعدما كانوا يطالبون بها، ولتنتهي بذلك أولى مراحل الوحدة.

المرحلة الثانية من الوحدة، لم تكن أقل سوءاً، ويمكن اختصار عنوانها ب”تعميق جراح الوحدة”. بدأت هذه المرحلة بعد عام 1994 عبر سلسلة من الإجراءات التهميشية والإقصائية التي طاولت منتمين للجنوب سواء أكانوا سياسيين أم موظفين في مؤسسات الدولة المدنية أو العسكرية، فضلاً عن إجراءات أخرى تمثلت في عمليات النهب الواسعة للأراضي في الجنوب وغياب التنمية. وهو ما دفع منذ أواخر عام 2006 إلى ظهور جمعية المتقاعدين العسكريين التي كانت ترفع مطالب حقوقية عدة تتضمن بشكل أساسي إعادة المسرّحين إلى وظائفهم ودفع التعويضات قبل أن تتحول هذه المطالب تدريجياً إلى مطالب سياسية تنادي بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، وذلك بعدما كان الجنوبيون قد خطوا نحو طي صفحة خلافات الماضي، عبر إقرار مبدأ التصالح والتسامح في عام 2006 تزامناً مع مرور 20 عاماً على مجازر 1986.

أما المرحلة الثالثة فيمكن القول إنها امتدت من 2009 مع تزايد زخم الحراك الجنوبي كحامل سياسي للقضية الجنوبية ينادي بفك الارتباط، وإن تعددت رؤاه ومشاريعه، بعدما كان قد ظهر من عام 2007. واستمرت هذه المرحلة حتى بداية الثورة اليمنية في 2011. وبينما خرجت قيادات سياسية جنوبية خلال هذه المرحلة عن صمت التزمت به لأكثر من 10 سنوات لتنادي من جديد بمطلب فك الارتباط في موازاة تبني المطلب نفسه من سياسيين جنوبيين آخرين لم يمانعوا تولي مناصب في السلطة بعد 1994، حاول صالح اعتماد سياسة إنكار وجود أزمة أو قضية جنوبية عادلة في موازاة قمع أي فعاليات للحراك الجنوبي، قبل أن تدخل البلاد مرحلة رابعة جديدة بتوقيع المبادرة الخليجية وتنحي صالح وتسلم الرئيس عبد ربه منصور هادي دفة الحكم حتى اليوم.

منذ ذلك الحين وحتى ما قبل بدء اجتياح الحوثيين وصالح المحافظات اليمنية، طرأت تغييرات عدة في الجنوب وإن لم تعالج مظالم أبنائه، ولا سيما بعدما تلاشى التضييق على أنصار الحراك الجنوبي، قبل أن يطيح تحالف الانقلاب بأي فرصة لاختبار مخرجات الحوار الوطني وما تضمنه من تقسيم البلاد إلى أقاليم كان نصيب الجنوب منها إقليمين، وإن لم يكن هذا الخيار يرضي أنصار الحراك الجنوبي المطالبين بفك الارتباط عبر مرحلة انتقالية لعدد من السنوات تبدأ بتقسيم البلد إلى إقليمين فقط شمالي وجنوبي.

وبالتالي فإن ما تعرض له الجنوب في عهد صالح منذ الوحدة وحتى عام 2011، هو أولاً وأخيراً، سياسة نظام ظالم. وفي السياق، يشترك أبناء المحافظات الجنوبية مع باقي أبناء المحافظات الشمالية، بأنهم كانوا يواجهون قمع صالح وتسلط رجال حكمه، وهؤلاء كانوا ينتمون للمحافظات الشمالية والجنوبية على حد سواء، ولم يكن في أي لحظة للمواطنين أي دخل أو قدرة على تغيير ذلك، على الرغم من أن للجنوب خصوصيته التي لا يمكن إنكارها إن لجهة كونه بلداً منفصلاً قبل عام 1990 أو لجهة أنّ المظالم التي تعرض لها كانت أقسى.

كما أن الظلم الذي لحق بالجنوبيين بعد اجتياح تحالف الانقلاب لا يبدو مختلفاً عما تعرض له أبناء محافظات صنعاء، ذمار، تعز، إب، مأرب… وكل من قرر عدم الاستسلام للحوثيين والرئيس المخلوع، فضلاً عن تعميم تحالف الانقلاب لسياسة الاعتماد على خلايا نائمة من أبناء هذه المحافظات للتصدي لأنصار الشرعية.

مرد هذا الاستعراض لمراحل الوحدة اليمنية والسياسة الانتقامية التي ارتكبها تحالف الانقلاب في المحافظات عبر خلاياه يبدو ضرورياً بعد التطورات الأخيرة في محافظة عدن، إذ تشهد منذ أيام ترحيل عدد من أبناء المحافظات، تحديداً الشمالية، بذريعة أنهم لا يحملون بطاقة هوية تعرّف عنهم، بعدما كانت أولى المؤشرات حول وجود توجه لاعتماد هذا المسار قد بدأت تظهر قبل أسابيع من خلال توقيف العشرات في نقاط التفتيش واعتقال بعضهم بذريعة أنهم ينتمون إلى محافظات شمالية، من بينها تعز.

خطورة ما تشهده عدن ليس سببه أن السلطة المحلية، التي تواجه تحديات أمنية عديدة وكانت قيادتها عرضة لأكثر من محاولة اغتيال، تحاول ضبط الأمن في أهم محافظة جنوبية في البلاد. تكمن الخطورة الأساسية في تحريك ما يجري لعدد من المخاوف المشروعة، فضلاً عن التوقيت السياسي الذي اختير لبدء هذه الحملة وما يرافقها من غطاء إعلامي يحاول تخوين كل من يعترض عليها.

أولاً لا يوجد أي مسوغ دستوري أو قانوني يبرر قرار ترحيل مواطن يمني من أي من محافظات البلاد إذا كان لا يحمل بطاقات هوية تعرف عنه. وبالتالي السماح بتكريس هذا الإجراء ك”حق” لأي سلطة محلية في أي محافظة يمنية وسط اكتفاء مؤسسة الشرعية، الرئاسة والحكومة، ببيانات الإدانة، من شأنه أن يحمل في طياته خطر تحويل الحدود بين المحافظات اليمنية إلى ما يمكن وصفه ب”الحدود بين الدول”، وهو أمر له انعكاساته الخطيرة في ظل وجود مطلب فك الارتباط بين الشمال والجنوب.

وما يعزز هذه المخاوف أنه بدا واضحاً منذ اللحظة الأولى للإعلان عن عمليات الترحيل أنها تأخذ بعداً مناطقياً. وذهب البعض إلى حد القول إنها تحمل في طياتها طابعاً عنصرياً، تحاول من خلاله السلطات المحلية، أو على الأقل من يديرون “سياسة الترحيل” على الأرض، فرض ما هو أقرب إلى “عقاب جماعي” على أبناء المحافظات الشمالية بذريعة أنهم يشكلون خطراً أمنياً كونهم لا يحملون بطاقات تعريف وبالتالي يسهل إلصاق تهمة أنهم من “رجال صالح والحوثيين” في الجنوب. وبعدما تصدّر أبناء محافظة تعز المحاذية للمحافظات الجنوبية قائمة المرحلين، تتعالى الأصوات التي تحذر من تداعيات ما يجري على العلاقة بين المحافظة وخطورة تجاهل ما تشكله “الحالمة” من جهة وعدن والجنوب من جهة ثانية، من عمق وامتداد تاريخي لبعضهما البعض منذ عقود لا يمكن وضع نهاية له أو محاولة خلخلته بسياسة ترحيل عشوائية أو إعادة نصب البراميل التي كانت تفصل بين الشمال والجنوب قبل الوحدة، في محاولة لحرق مراحل وفرض أمر واقع يستبق تطورات عدة يتوقع أن يشهدها اليمن في المرحلة المقبلة بمجرد وقف الحرب، من خلال تكريس الفدرالية على أساس الهوية واللعب على وتر النزعات المناطقية.

وبينما لم يخرج محافظ عدن عيدروس الزبيدي ومدير الأمن في المحافظة شلال علي شائع، بصفتهما من يقودان المحافظة وصاحبي الصوت الأعلى والقرار فيها، حتى يوم أمس، لتوضيح ما إذا كانا فعلاً يتبنيان هذه الحملة وحدودها أو أنها مجرد ممارسات تقوم بها لجان أمنية على الأرض تحاول فرض الأمن دون أن تكترث لخطورة تداعيات هذه الإجراءات، فإن ما جرى عكس تراجعاً غير مسبوق لسلطة مؤسسة الشرعية، ممثلة تحديداً بالرئيس اليمني والحكومة في المحافظات الجنوبية وخصوصاً في عدن التي باتت قيادتها عملياً تحت سلطة قيادات الحراك الجنوبي.

ضمن هذا السياق، بدت تصريحات التنديد الصادرة عن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والتي وصف فيها ترحيل اليمنيين من عدن بأنها “ممارسات فردية مرفوضة يحاول بعضهم زرعها خدمة لأجندة مكشوفة تخدم الحوثي وصالح” طوال الأيام الماضية غير كافية، قبل أن يشكل إعلان السلطات الأمنية في محافظة عدن، ليل أمس الثلاثاء، عن مراجعة حملتها والتوجيه ب”الالتزام بالقانون في التعامل مع الأشخاص المشتبه بهم”، مع ما يعنيه هذا الأمر من الإقرار ضمنياً بوقف عمليات الترحيل، خطوة أولى على طريق تصحيح الأخطاء التي ارتكبت خلال الأيام الماضية. أما الحد من تداعيات ما جرى فيرتبط أولاً بعدم تكرار عمليات الترحيل، وثانياً بإجراء تحقيقات جدية تظهر من المسؤول عن قرار الترحيل، وهل هو بأبعاد محلية أمنية فقط، أم أنه أبعد من ذلك يحظى بتأييد خارجي يستعجل تكريس واقع تقسيمي بين المحافظات الشمالية والجنوبية على أساس الهوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.