تنتشر محطات الغاز العشوائية في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظاتاليمنية، خصوصاً تلك الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وحليفهم المخلوع صالح. يتزامن ذلك في وقت تشهد صنعاء أزمات متلاحقة في المشتقات النفطية، ما أدى إلى حدوث ارتفاع كبير في أسعارها، وظهور العديد من رجال الأعمال المنتفعين في هذا المجال. وزادت هذه المحطات المتنقلة من منسوب المخاطر، حيث وثق عشرات الحوادث وتضرر الأحياء والمنازل، من بينها حادثة احتراق منزل حمود سنهوب في فبراير الماضي، إذ تم إنشاء محطة غاز ملاصقة للمنزل في حارة الصياح، ما أسفر عن احتراق طوابقه الأربعة بالكامل، وأثارت استياء واسع من قبل سكان العاصمة. وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لمحطة وقود متنقلة في أحد شوارع العاصمة صنعاء تبيع المشتقات النفطية في السوق السوداء وتحت حماية من ميليشيا الحوثي وصالح. وأشار الناشطون إلى أن "هذه الصورة تعبر عن احد أهم انجازات الحوثيين بعد سيطرتهم على العاصمة اصنعاء قبل ثلاث سنوات ودخول البلاد في حرب ونفق مظلم منذ ذلك الحين". وأدى منع ميليشيا الحوثي التي تسيطر على شركة الغاز بصنعاء من احتكار توزيع الغاز للمستهلكين عبر محطاتها الخاصة، الى انتشار المحطات المتنقلة بأحياء العاصمة التي يديرها نافذون في الجماعة، وتدر عليها أموالا طائلة. وتستعين المحطات العشوائية بمولدات كهرباء لتواصل عملها بسبب انقطاع الكهرباء منذ بداية الانقلاب، الأمر الذي يزيد من احتمالات نشوب حرائق وتضاعفت حالات الحروق بسبب حوادث محطات الغاز. وكانت جماعة الحوثي قد أقرت للمرة الثانية خلال أسبوعين رفع أسعار المشتقات النفطية، في المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث أكد المتحدث باسم شركة النفط اليمنية، أنور العامري، إن الحوثيين أقروا سعر “دبة” البترول (20 لترا)، ب8500 ريال. وتكشف إحصاء أجرتها الشركة اليمنية للغاز عن وجود 647 محطة تعبئة للغاز غير مرخصة، في مديريات أمانة العاصمة والتي يعيش فيها 3 ملايين نسمة. في أمانة صنعاء وحدها قفز عدد تلك المحطات من 43 محطة عام 2015، إلى 600 محطة عام 2016، بحسب وثائق رسمية صادرة عن الشركة اليمنية للغاز. وتكشف أن مديرية السبعين تحتل المرتبة الأولى في عدد المحطات بنحو 145 محطة. وتؤدي نسبة الربح الكبيرة التي يجنيها أصحاب المحطات إلى زيادة انتشارها. وأغلقت العديد من محطات الوقود التي يسيطر عليها نافذون من الجماعة الحوثية، أبوابها في العاصمة صنعاء، لإجبار المواطنين على اللجوء إلى السوق السوداء، المنتشرة في أرجاء صنعاء، والتي تديرها قيادات حوثية. وتقدر أرباح الحوثيين من مادة البنزين فقط، بحوالي مليون ونصف مليون دولار يومياً. أرقام مخيفة ويكشف إحصاء أجرته الشركة اليمنية للغاز عن وجود 647 محطة تعبئة للغاز غير مرخصة، في مديريات أمانة العاصمة الاثنتي عشرة والتي يعيش فيها 3 ملايين نسمة. ويقول المهندس عبد الرب آغا، عضو اللجنة التي أجرت الحصر إن: "العدد في ازدياد في ظل العشوائية الموجودة، وغياب أية آلية للرقابة، أو أدوات تساعد السلطات على الحد من انتشار تلك المحطات". في أمانة صنعاء وحدها قفز عدد تلك المحطات من 43 محطة عام 2015، إلى 600 محطة عام 2016، بحسب وثائق رسمية صادرة عن الشركة اليمنية للغاز. وتكشف الوثائق أن مديرية السبعين تحتل المرتبة الأولى في عدد المحطات بنحو 145 محطة. وتؤدي نسبة الربح الكبيرة التي يجنيها أصحاب المحطات إلى زيادة انتشارها، إذ يشترون 20 لترا من الغاز الذي يعبأ في أسطوانات الغاز المنزلية ب 1250 ريالا (5 دولارات)، ويبيعونها ب 4300 ريال (17 دولارا) بحسب الشركة. أحياء مهددة وتستعين المحطات العشوائية بمولدات كهرباء لتواصل عملها بسبب انقطاع الكهرباء منذ بداية الحرب، الأمر الذي يزيد من احتمالات نشوب حرائق. وتضاعفت حالات الحروق بسبب حوادث محطات الغاز، وفقا للدكتور صالح الحيضاني، مدير مركز الحروق والتجميل بالمستشفى الجمهوري والذي يعد المؤسسة الحكومية الوحيدة لعلاج الحروق في العاصمة. يقول الحيضاني: "حالات حروق الغاز تمثل 70% من إجمالي حالات الحروق التي يستقبلها المركز". ويقول الحيضاني بأن هذه المحطات عبارة عن "قنابل موقوتة"، تنتج عن حوادثها ما يوصف علميا بأنه "حروق كاملة". ويشكو مواطنون من الانتشار الكبير لتلك المحطات، وهو ما أكده المهندس عبدالرب آغا المهندس، مهندس في الإدارة الفنية بشركة الغاز: "نتلقى شكاوى بشكل شبه يومي من إنشاء محطات تعبئة الغاز بجوار منازل أو محلات تجارية". ومن بين هذه الشكاوى تلك المقدمة من علي صالح ثابت، والذي قال ل"العربي الجديد": "نعلم أن شكوانا لن يتم البت فيها، لكننا نحاول إيقاف الضرر. كيف يعقل إنشاء محطة غاز بجوار مركز لبيع الأخشاب، وبجوار مدرسة للأطفال؟ نخاف من حدوث كارثة على حارة السلام بأكملها في حال نشوب حريق في المحطة". ويتم إحالة تلك الشكاوى إلى أمانة العاصمة التي ألقت باللوم على الجهات الأمنية، ويعزو العقيد الركن عبد الكريم محمد البخيتي مدير عام الدفاع المدني بأمانة العاصمة ضعف دوره في الحد من انتشار تلك المحطات إلى "عدم توافر الإمكانات بسبب الحرب". مخالفة علنية يحدد القرار الجمهوري رقم (80) لسنة 1993 مسؤولية الشركة اليمنية للغاز في منح التراخيص لإنشاء محطات تعبئة الغاز. ويضع أنظمة الأمن الصناعي والسلامة المهنية والنظم الخاصة بحماية البيئة وتنفيذ برامج التفتيش الميداني لمنشآت الغاز للتأكد من تطبيق تلك الأنظمة. الإجراءات التي حددتها الشركة لمنح تراخيص إنشاء محطات تعبئة الغاز والتي تبدأ بعد أن تتلقى الشركة طلب الترخيص، إذ ترسل فريقا فنيا وتجاريا لمعاينة موقع الإنشاء، وترفع تقريرًا بقبول أو رفض الموقع، ثم تكلف فريقا فنيا وتجاريا آخر للتأكد من اكتمال أعمال التركيبات في المحطة ويقيمها فنيًا. ويرفع الفريق تقريرا ثالثا يغطي كل المتطلبات الفنية ويؤكد على توافر أدوات الأمن الصناعي والسلامة المهنية. ولكن هذه الإجراءات تبقى حبرا على ورق بحسب الشركة، وما رصده معد التحقيق وهو ما يؤكده مدير إدارة التفتيش الفني بالشركة اليمنية للغاز المهندس الشريف عبود قائلا: "لم نمنح تراخيص لأي محطة منذ عام 2014، وانتشارها مخالف للقوانين، كونها لا تخضع للمواصفات والمقاييس الفنية التي تحددها الشركة". ويقول: "يمنع منعا باتا إنشاء أي محطة في أي منطقة مأهولة بالسكان، بينما الآن نجد الكثير منها وسط الأحياء السكنية وهذه كارثة". ويبدو أن كل جهة حكومية تلقي بكرة اللهب في مرمى الجهة الأخرى. إذ يجيب المهندس الشريف عبود على سؤال حول سبب عدم قيام الشركة بإزالة تلك المخالفات، بقوله: "نرفع تلك المخالفات أولا بأول إلى أمانة العاصمة وهي الجهة المسؤولة عن إزالة تلك المخالفات بموجب اتفاقنا معها". لكن الأمانة تلقي بالمسؤولية على الدفاع المدني، والدفاع المدني يشكو من نقص الإمكانات بسبب الحرب، وهكذا تدور الدائرة. أزمات متلاحقة وتشهد صنعاء أزمات متلاحقة في المشتقات النفطية، ما أدى إلى حدوث ارتفاع كبير في أسعارها، وظهور العديد من رجال الأعمال المنتفعين في هذا المجال. يقول المهندس عبد السلام الجرادي مدير عام الأشغال في أمانة العاصمة صنعاء: "حاولنا جاهدين متابعة الأمر مع شركة الغاز لكن الموضوع للأسف يفوق قدرتنا، لأن الجانب الأمني التنفيذي غير متوافر بالشكل المطلوب. لدينا مخالفات ولو وجهنا بإزالتها لا نجد أي دعم أمني لتنفيذ الإزالة". ويضيف: "هناك قضايا في النيابة بخصوص تلك المحطات، لكن النيابة تردها بحجة أننا، كمكتب أشغال، لسنا جهة اختصاص، وأن جهة الاختصاص هي شركة الغاز". ولا تقوم النيابة بتسجيل القضايا بل تعيدها إلى شركة الغاز والتي تحولها إلى أمانة العاصمة. ويؤكد الجرادي أن أمانة العاصمة أرسلت كتابا إلى وزارة الداخلية أخلت فيه مسؤوليتها. وتابع: "شركة الغاز لم تستطع إدارة الأزمات المتلاحقة. ونحن في أمانة العاصمة نسعى بكل ما نستطيع لتوفير الغاز، كون المتضرر الأول والأخير هو المواطن". ويعترف الجرادي بعجز الأمانة عن الحد من انتشار هذه المحطات قائلا: "لا توجد لدينا بدائل في ظل وضع البلد. وإن عملنا على منعها فإننا نفاقم الوضع على المواطن ونرفع من سعر الغاز". أرباح خيالية تشهد أسعار الغاز ارتفاعا مستمرا في الفترة الأخيرة. وارتفع سعر الأسطوانة سعة 20 لترا من 1200 ريال (4.8 دولارات) إلى 4300 ريال، خلال العامين الماضيين. وتبلغ تكاليف إنشاء هذه المحطات المخالفة نحو 10 ملايين ريال يمني (40 ألف دولار)، حسب مسؤول في وزارة النفط اليمنية. وقال المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب اعتبارات النزاع المسلح في اليمن، واحتمالات خطورة ذلك عليه: "هناك شخصيات نافذة سعت لتقليص صلاحيات شركة الغاز، وسعت لانتشار تلك المحطات بهذا الشكل العشوائي. إذ يمتلك بعض تلك الشخصيات 150 محطة عشوائية ويعرقلون إزالتها، لأنهم يجنون منها أرباحا هائلة". ما السبب؟ يجيب البخيتي: "هناك قوى تدعم وجود مثل هذه المحطات لاستفادتها الكبيرة منها. لكننا في الدفاع المدني نحرص على عدم منح أي موافقة لأن هناك مخاطر كبيرة لهذه المحطات". ويضيف: "يوجد مستفيدون كبار، لا تهمهم سوى مصلحتهم، ويسعون لتحقيق مكاسب شخصية، وهؤلاء يعرقلون خطط قيادة الأمانة والداخلية لإزالة ولو بعض المحطات التي تشكل خطورة كبيرة على السكان".