وضح الباحث محسن خصروف أن أي دور سياسي للعسكريين لا يمكن أن يتم بمعزل عن تأثير القوى الاجتماعية، سواء كانت قوى طبقية خالصة، أو قوى متخالفة وإن عوامل انتشار الظاهرة العسكرية لا ينبغي اختزالها في عامل بعينه. وأكد خصروف في المحاضرة التي ألقاها بمركز منارات مساء الأمس حول (الظاهرة العسكرية في الوطن العربي ) أن التخلف الاقتصادي الشامل قد أفرز تقسيمات وعلاقات وأدواراً اجتماعية بنيت في معظمها على أسس قوامها القبيلة ، العرق ، الدين ، المذهب والمنطقة الجغرافية، مبينا أن الجيوش في العالم الثالث قد لعبت دور المؤسسة الرسمية أحياناً ومثلت دور المؤسسة ذات النوعية الخاصة أحياناً وأدت الدورين في آن معاً أحياناً أخرى. فالمؤسسة العسكرية هي جزء لا يتجزأ من جهاز الدولة أولاً، وتعتبر بمثابة التنظيم السياسي المتميز عن الأحزاب والتشكيلات التقليدية ثانياً. وقال:" اتسعت دائرة التدخلات العسكرية في العالم الثالث حتى صارت المؤسسة العسكرية هي الحكم النهائي في معظم العمليات الاجتماعية والسياسية (الدستورية)، وكثيرا ما قادت المهنة العسكرية إلى السلطة السياسية. وأسهمت في تهميش القوى الاجتماعية الأخرى حتى وصفوا بناء على ذلك بأنهم الحزب الفائق. وأضاف خصروف في حديثه (لقد بدأ دور العسكريين السياسي بوضوح عندما بدأ الصراع على السلطة السياسية في الدولة الإسلامية يأخذ طابع العنف المسلح بدلاً من " البيعة " و " الشورى " اللذين غيبهما صراع المصالح الاقتصادية والسياسية، إذ غالباً ما كان العسكريون موزعين بين أطراف تلك الصراعات إن لم يكونوا هم أطرافها الأساسيين) وأوضح خصروف أن الظاهرة العسكرية قد انتشرت في العالم الثالث إلى الدرجة التي أصبح معها التدخل العسكري شبه الدائم هو السمة الغالبة على التفاعل السياسي - الاجتماعي، وصارت السيطرة المدنية هي الاستثناء وهناك ثلاثة مؤشرات تبين مدى الدور العسكري في القارات الثلاث هي كثرة الانقلابات العسكرية حيث شهدت المنطقة العربية 41 انقلاباً عسكرياً بين عامي 1936 و 197 ووضع القوات المسلحة كحكم أساسي في العمليات الاجتماعية- السياسية وما يرتبط بذلك من مظاهر الحكم العسكري في بعض مجتمعات العالم الثالث حيث تتركز السلطة في يد شخص واحد غالباً ما يكون من العسكريين وأخيرا حجم الميزانية العسكرية التي تراوحت بين. 20و 25% من الميزانية العامة للدولة وأكد على أهمية أن تكون السيطرة المدنية أو بمعنى آخر الحكم المدني في العالم الثالث مشفوعاً بخطط وبرامج تنموية وفق أيديولوجيه معينة تضمن الحفاظ على توازن التغير الاجتماعي ، حيث أن العسكريين لا يندفعون إلى الأعمال السياسية إلا عندما تفشل الطبقات أو الفئات الحاكمة في القيام بعملية التحديث التي تتطلب إيجاد مؤسسات وهياكل تنظيمية تساعد على التوسع في عملية التعبئة الاجتماعية ، لاسيما وأن خبرات العالم الثالث قد أثبتت أن المؤسسات التقليدية غير قادرة على إحداث التقدم المادي، وأن التدخل العسكري في مثل هذه الأوضاع ليس إلا من قبيل ، حمل العبء الناتج عن أزمة التحديث التي عادة ما تكون مصحوبة بتدهور أشكال العمل البرلماني ، وضعف المؤسسات السياسية وشيوع الفساد السياسي الذي قد يطول القوات المسلحة ذاتها. وأشار محسن خصروف إلى أن العسكريين بمستوياتهم المختلفة في معظم مجتمعات العالم الثالث يتسمون بمجموعة من السمات الاجتماعية والأيديولوجية المتباينة وأن هذه السمات تمثل جزءاً من المقدمات الهامة للتدخل العسكري في الشئون السياسية، منوهاً إلى أن العسكريين يؤثرون في توجيه السياسة العامة داخلياً وخارجياً من خلال أشكال مختلفة من التدخلات العسكرية التي قد تبدأ بالضغوط الهادفة إلى توجيه القرار السياسي وتنتهي بالاستيلاء المباشر على السلطة السياسية.