(أسامة.م "10 سنوات") طفل يدرس في الصف الرابع الابتدائي، يستقبل العام الدراسي الجديد بظروف مادية صعبة كغيره من عشرات الآلاف من الطلاب الذين كانوا ضحايا لهذا الوضع التعليمي والمعيشي في البلاد. لم تتح له هذه الظروف شراء واقتناء احتياجات الطالب المدرسية المعروفة في ظل غلاء جنوني وارتفاع حاد للأسعار، تشهده مدينة مأرب. * الحلم بزي مدرسي وحقيبة.. أسامة.. كغيره من الطلاب يحلم بستة دفاتر وحقيبة مدرسية وقلمين وزي مدرسي، غير أن ظروف أسرته المعيشية لم تساعده على توفير ذلك، فغلاء الأسعار واستغلال التجار وضيق المعيشة، ثلاثي مؤلم يقف بينه وبين مدرسته. إن تريد شراء هذه الأشياء البسيطة - يقول أسامة - عليك توفير مبلغ لا يقل عن 20 ألف ريال، متسائلاً: من أين لي أنا بهذا المبلغ وبالكاد كل ما نستطيع توفيره في هذا الوضع المعيشي هي لقمة عيش كريمة؟. ويضيف والد أسامة "كل سنة ترتفع الأسعار ولكن كان الارتفاع في هذه السنة بشكل جنوني وأنا أرى أن نسبة الارتفاع بمقدار 100%"، لأن كل شيء بهذه السنة قيمته ضعف ما كان عليه في السنة السابقة". وأضاف "ولكن من الذي نوجه الشكوى إليه عن جشع التجار غير رب العالمين". * تزايد المصروفات .. ويمثل الاستعداد للعام الدراسي وما يتطلبه من مستلزمات مدرسية قلق موسمي يثقل كاهل العوائل مع اقتراب موسم الدراسة، حيث العودة إلى المدارس وما يصاحبها من مصروفات دراسية مستحقة والتي تتطلب نفقات مالية تشكل ضغطاً كبيراً على ميزانية الأسرة. يأتي ذلك خصوصاً في ظل تزايد الأرقام المالية في كل عام، والتي تحسب على المواطن، خصوصاً أصحاب الدخل المحدود. * وضع كارثي.. هكذا أصبح الوضع أكثر آلماً لآلاف الطلاب ليس "أسامة" الطالب النازح فحسب، فثمة طالب في مناطق الشرعية يعاني من غلاء الأسعار وضيق المعيشة، وثمة طالب في مناطق المليشيا الحوثية الإنقلابية يعاني من المشكلة ذاتها، إضافة إلى ملاحقته لتجنيده واستخدامه وقودا للحرب. * الحال واحد.. أحد أولياء الأمور - مساء الأربعاء الماضي، بتأريخ 5 سبتمبر الجاري - في مكتبة السامعي، في الشارع العام، بمنطقة المجمع، وسط مدينة مأرب، دخل المكتبة حاملا بين يديه كيس (علاقية) بداخله زي مدرسي، فسأله موظف المكتبة عن سعر ذلك، ليجيب بمبلغ قرابة (4 آلاف ريال). ويتابع الرجل الذي نتمكن من معرفة اسمه، حديثه: جريمة أصبحت الأسعار في هذه البلاد وفي ظل هذا الوضع، مضيفا "الحمد لله توفرت الفلوس والدراسة أجت والدنيا سعة فاشترينا الزي المدرسي، لكن المشكلة تبقى عند الذي مابش معه". قالها للموظف مرفقة بتنهيده كبيرة طالعة من صدره، وهو يمضي متجها باتجاه سيارته، في حال يلخص مدى ما وصلت إليه الأوضاع المعيشية بالمواطن حتى من كان يمتلك ما يعيش به في يومه. * بداية الموسم .. مع إطلالة شهر سبتمبر، من كل عام يبدأ الاستعداد للموسم الدراسي الجديد ومعه تبدأ رحلة البحث عن المستلزمات المدرسية، كما هو الحال في مدينة مأرب، التي استطلعت "أخبار اليوم" رحلة الطلاب وأولياء الأمور في البحث عن مستلزمات أطفالهم في العديد من المكتبات والمراكز التجارية التي اكتظت بهذه المستلزمات رغم أسعارها الباهظة والجنونية. لم يتبق سوى أيام قليلة على بدء العام الدراسي الجديد، يحمل فيه أولياء الأمور هم المصروفات التي يخصصونها لشراء احتياجات ومستلزمات المدارس لأبنائهم الطلبة، بعد أن تكون هذه التجهيزات قد اقتطعت جزءً كبيراً من ميزانية دخلهم. * جولة استطلاعية.. أثناء جولتها الاستطلاعية، التقت "أخبار اليوم" طالب الصف السادس الابتدائي (عوض نبيل "11 عاما") في مكتبة الجيل الجديد وهو يبحث عن مستلزمات المدرسة من كشاكيل وكراريس وأقلام وحقيبة مدرسية وكتب، ومقالم، وغيرها. * أسعار جنونية .. أثناء شرائه لإحدى الحقائب المدرسية، وجهت إليه "أخبار اليوم" السؤال عن سعرها، فأجاب: ب6500 ألف ريال، الأمر الذي يلفت الانتباه عن الأسعار الخيالية التي وصلت إليه أسعار الأدوات المدرسية، ولا زالت تلاقي إقبالاً للشراء من قبل المواطنين بالرغم من أسعارها المحددة مسبقا عليها. حصيلة ما تم جمعه في كيس واحد (علاقية كبيرة) كانت عبارة عن مجموعة من الدفاتر والأقلام والألوان هي ما أشتراه الطالب "عوض" بمبلغ يفوق 15 ألف ريال، علاوة على علبة تستخدم للماء (زمزمية) يتجاوز سعرها 1800 ريال. كراسة تلوين رسم صغيرة لا يتجاوز عدد صفحاتها 10 صفحات، وأثنين دفاتر إحداهما أرقام والآخر أحرف أبجدية للمستوى التمهيدي، قام عوض بشرائها لأخته في التمهيدي بسعر (1700 ريال)، يؤكد "عوض" أنه وجد نفس المجموعة في مكتبة أخرى ب570 ريال، بفارق سعر (1130 ريالا). * عام مختلف.. هذا الأمر في الارتفاع الجنوني للأسعار في مستلزمات الدراسة هذا العام - يقول المواطن/ راشد أحمد - مختلف وحمل صدمة غير متوقعة لأولياء أمور الطلاب وللتجار على حد سواء. * 55 ألفاً ولم نكمل بعد.. يضيف "حيث فوجئ المواطنون بارتفاع كبير في الأسعار لمستلزمات الدراسة بنسبة 100% عن العام الماضي"، مضيفا "لدي ثلاثة أطفال يدرسون في الصف الثالث والرابع والسادس كلفتني أدوات ومستلزمات الدراسة لهم هذا العام أكثر من (55 ألف ريال) حتى الآن، وعاد الكثير من الاحتياجات لم نشتريها بعد، "الله يعين بس". أسعار الدفاتر والكراسات والكشاكيل والشنط والأقلام زادت بنسبة 100٪، لكن جنون الأسعار لم يمنع أولياء الأمور من شراء المستلزمات حتى يستقبل أولادهم عامهم الدراسي الجديد ودون أن تؤثر على تعليمهم أي عوائق أو مسببات. وفي مركز المستهلك التجاري، شهدت أقسام المركز إقبالاً واسعا للآلاف من الطلاب وأولياء الأمور بحثا عن مستلزمات المدرسة، لكن بأسعار متفاوتة نسبيا عن الأسعار في العديد من المكتبات، في الوقت الذي تبقى فيه المكتبات أكثر إقبالاً بسبب توفر كل احتياجات الطالب المدرسية. ففي مركز المستهلك، رغم ان هناك فارق بين الأسعار ينخفض إلى حد ما في بعض الاحتياجات إلا أن إقبالاً متواضعاً شهده من أولياء الأمور نتيجة لعدم توفر كل الأشياء واضطرار الطالب للذهاب إلى المكتبة. * مقارنة.. وبسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار، رصدت "أخبار اليوم" من خلال جولتها الاستطلاعية، ظاهرة ارتفاع أسعار كل المستلزمات المدرسية مقارنة بالعام الماضي وردود فعل تجار المنطقة في المحلات والمكتبات الكبرى في المدينة. ورصدت حالة الإقبال الكبيرة في أسواق بيع الأدوات المدرسية ببعض المراكز التجارية، فوجدت إن الحرص الكبير من قبل أولياء الأمور على تعليم أبناءهم وعدم جعل الأسعار الناهضة تؤثر على مستقبل تعليمهم هي الأبرز مهما كانت هذه الأسعار مرتفعة وجنونية. ويأمل أصحاب المكتبات والتجار من جانبهم أن تنخفض أسعار الصرف الأجنبي للعملة المحلية التي - وفق ما يؤكدون - هي السبب في هذا الارتفاع الجنوني للأسعار، آملين بأن يزيد الإقبال على شراء المستلزمات الدراسية التي يؤكدون أيضا أن تكلفة شرائها هي أيضا عليهم باهظة. من جانبهم يؤكد أولياء الأمور عدم شراء الأدوات المدرسية التي تكفي العام الدراسة كاملاً منتظرين انخفاض الأسعار وتراجعها، والاكتفاء بشراء الاحتياجات الضرورية فقط وبالقطعة. أسرة الطالب "محمد" طالب الصف السابع، لم تشتري سوى بضع أقلام ودفاتر، الاحتياجات الضرورية لبدأ العام الدراسي الجديد لأبنها بسبب الارتفاع الكبير للأسعار وفاقتها المادية، طبقا لما أكدت ل"أخبار اليوم"، موضحة أنها تفاجأت بشكل كبير بما وصلت إليه الأسعار هذا العام. وتؤكد أسرة "محمد" طالب نازح، إنها تمكنت بعد مشاهدتها للأسعار من إقناعه من استخدام حقيبته القديمة بسبب الارتفاع الرهيب في أسعار الحقائب المدرسية. * ترك الدراسة اضطرارا.. محمد صالح- أحد المواطنين في محافظة مأرب- يقول ل"أخبار اليوم" كيف لا يريدون أن تنتشر الأمية والتسيب من المدارس بوجود هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار، موضحاً بأنه يوجد ناس دخلهم محدود بالكاد يستطيعون توفير قوت يومهم لهم وأطفالهم. وتابع قائلاً: وفي ظل الارتفاع الذي نشاهده عند بداية كل موسم لن يستطيعون شراء هذه المستلزمات التي يحتاجها الطالب في مشوار دراسته فيضطرون بأن يخرجوا أولادهم من المدارس بحكم عدم المقدرة على توفير الأدوات المدرسية، والبعض يخرجوا أطفالهم ليدخلوهم في سوق العمل لكي يؤمنوا لقمة عيش حلال لهم حتى وإن كان على حساب مستقبل أطفالهم. وفي ظل الزحام الذي نشاهده في السوق ببداية العام الدراسي الجديد، يحدثنا أحد أولياء الأمور قائلاً: "درت بكل المحلات والمكاتب واستغربت كثيراً من الأسعار المرتفعة جداً، ما في أي شيء رخيص حتى الأشياء التي كنا نشوفها بالسنوات الماضية عند المفرشين بأسعار رخيصة الآن بالمحلات بأسعار جنونية. موضحاً أنه أقل سعر للشنطة ممكن تسأل عنها البائع يقولك سعرها (4500 ريال) تجي تسأل عن سعر الدفتر أبو (40 ورقة) الذي كان سعره ب60 ريالاً يقولك الآن سعره ب115 ريال. ويضيف مؤكداً أنه فصل لأبنته التي تدرس بالمرحلة الثانوية زيا مدرسيا بقيمة (10 آلاف ريال)، ليؤكد ل"أخبار اليوم" أن موضوع ارتفاع الأسعار ليس لمجرد ارتفاع سعر الدولار بل هو احتكار يبدأ من عند جشع التجار ثم إلى استغلالية الباعة والتجار وينتهي عند مأساة المواطنين. * استغلال التجار لموجة النزوح.. وفي ظل موجة النزوح الكبير لمحافظة مأرب، يقول صاحب مكتبه : "إن السوق يشهد إقبالاً كبيراً في شراء الأدوات المدرسية رغم ارتفاع أسعارها، والظروف الاقتصادية القاسية، وقد كانو يتوقعون أن في ظل النزوح سينتعش السوق بصورة أكبر مع اقتراب بداية العام الدراسي". * صرخات تتعالى .. صرخات تتعالى واتهامات توجه لكل الأطراف، يؤكد أحد التجار، أن زيادة أسعار الأدوات المدرسية خصوصا المنتجات الورقية تعتبر زيادة طبيعية نتيجة ارتفاع سعر الدولار. ومن جانب آخر يوضح الأهالي أن جانباً كبيراً من هذا الضغط المالي وراءه أصحاب المحلات التجارية الخاصة بالأدوات المدرسية الذين يستغلون هذه الظروف، والحاجة لتلبية متطلبات العام الدراسي الجديد، مما يغريهم لرفع الأسعار. حيث وجه أولياء الأمور كلماتهم ل"أخبار اليوم" متأملين من ان ترى وتصل معاناتهم للجهات المعنية ليقوموا بإيجاد قوانين أكثر انضباطاً وأكثر حزماً لمراقبة أسعار الملابس والمستلزمات التي يحتاجها الطالب لبدء مشوار عامه التعليمي الجديد، فهل سيظل المواطن يتحمل فشل الحكومة في صورة ارتفاع الأسعار، أم ستجد الحكومة حل، أم ستقوم بحل أزمة بأزمة أخرى وتعالج الأزمة الاقتصادية برفع أسعار السلع والخدمات جميعاً، أم سيكون هناك تحسنات في الرواتب نظيراً لارتفاع الأسعار الجنونية.