لم تقتصر ظاهرة تجنيد الأطفال في البلاد على مليشيا الحوثي الإنقلابية، بل حتى أن كشوفات الجيش في الحكومة الشرعية تزخر بأرقام كبيرة من الأطفال المجندين. مليشيا الحوثي الإنقلابية التي جندت أكثر من 15 ألف طفل في الوهلة الأولى لاندلاع الحرب في سبتمبر/أيلول من العام 2014م، يقابلها إحصائيات كبيرة لأطفال مجندين في إطار جيش الشرعية الوطني. ومع اتساع ظاهرة تجنيد الأطفال في صفوف الجيش الوطني، يعتبر ناشطون وإعلاميون إن هذه الظاهرة لا تختلف عن ما تقوم به المليشيا المدعومة إيرانيا في تجنيد الأطفال واستخدامهم في الحرب العبثية، بل إنها تعتبر جريمة أكبر كون الحكومة مسؤولة عن ذلك أمام العالم بالقانون بعكس المليشيا الحوثية التي لا تعترف بالقانون. ويقول الصحفي عمار زعبل، في السياق، إن عديداً من الأطفال المجندين راحوا ضحايا هذه الحرب العبثية التي لم تحترم الطفولة بل استخدمتها كوسيلة من إحدى وسائلها في الحرب. ويؤكد زعبل- الذي يعمل مسئولاً إعلامياً في مشروع إعادة تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين بالحرب في اليمن، الذي يموله مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية- أن أحد الأطفال الذين جندتهم المليشيا الحوثية وتم تأهيلهم في المركز، استشهد في أحد الجبهات القتالية وهو يقاتل في صفوف الجيش الوطني. ويقول زعبل- الذي يعمل في المشروع الذي يستهدف تأهيل 2000 طفل يمني مجند من المتأثرين بالحرب- إن الأطفال في اليمن، ضحايا حرب عبثية لم يسلموا من نارها من كلا الطرفين المتحاربين. جاء ذلك، يوم الثلاثاء، في ندوة حملت عنوان "معا_للحد_من_تجنيد_الأطفال" نظمها الفريق في مؤسسة فتيات مأرب، فريق السلام النسوي (صانعات السلام) بمحافظة مأرب، قدمت فيها العديد من أوراق العمل في هذا السياق. وصادف إقامة الندوة التوعوية الذي أقيمت في قاعة فندق بلقيس، بمدينة مأرب، وحضرها قرابة ال50 مشاركا ومشاركة من الصحفيين والإعلاميين والناشطين والحقوقيين والمهتمين، علاوة على عدد من الأكاديميين المتخصصين في مجال القانون الدولي، صادف اليوم العالمي للطفولة الذي يصادف ال20 من نوفمبر من كل عام. وهدفت الندوة التي شارك فيها المناضل السبتمبري اللواء/ أحمد قرحش، إلى الإسهام في نشر الوعي القانوني بمخاطر تجنيد الأطفال في المجتمع من أجل الحد منها من خلال البرنامج الذي يقومون به بدعم من المعهد الديمقراطي. وناقشت الندوة ثلاث أوراق عمل تضمنت الورقة الأولى التي قدمها عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة إقليم سبأ الدكتور محمد طليان "موقف القانون الدولي والإنساني والقوانين الوطنية من تجنيد الأطفال"،فيما تناولت الورقة الثانية التي قدمها الباحث صفوان المنيفي "الجيش الوطني وتجنيد الأطفال الأسباب والحلول" واستعرض الدكتور عمار البخيتي في الورقة الثالثة جهود الأمن في الحد من تجنيد الأطفال. وتخلل الندوة عدد من النقاشات التي أظهرت تجارب الحاضرين، وكيفية الخروج ببرنامج عملي يعمل على تحجيمها، والتوعية بمخاطرها، إضافة إلى واجب الحماية، وعن المسؤولية القانونية التي تلاحق مرتكبي التجنيد القسري للأطفال. وقبل ختام الندوة أثريت أوراق العمل بالآراء والنقاشات من قبل المشاركين الذين أدانوا الصمت الدولي عن الانتهاكات التي تقوم بها مليشيا الحوثي الإنقلابية المدعومة من إيران في حق الطفولة وتجنيدها الواسع للأطفال والزج بهم قسرا في جبهات القتال. تفشي واسع للتجنيد من أمراء الحرب في بداية الندوة، تحدثت حمدة أحمد الولص (عضوة في الفريق) عن التعريف بأهداف الندوة التي تهدف إلى الحد من تجنيد الأطفال، موضحة إن الآلاف الأطفال في اليمن تعرضوا لانتهاكات جسيمة تمثلت بإقحامهم في أتون الحرب العبثية من كلا طرفي الحرب. ويأتي ذلك - وفق ما تؤكد حمدة - ضمن نشاط الحد من تجنيد الأطفال الذي تنفذه المؤسسة، علاوة على التعريف بموضوع تجنيد الأطفال من عدة جوانب مختلفة، وخلق رأي عام لهدف التوعية بمخاطر تجنيد الأطفال الذي أصبح متفشيا في البلاد من كلا طرفي الحرب، مليشيا الحوثي الإنقلابية والشرعية. وتذكر حمدة، العضوة في الفريق النسوي بمحافظة مأرب، الذي تقول أنه يسعى إلى المشاركة مع صناع القرار في تحقيق هدف الحد من تجنيد الأطفال، وذلك - بحسب ما توضح حمدة - عبر سلسلة من الانشطة المختلفة في ذات السياق، لإنهاء اتساع ظاهرة تجنيد الأطفال في البلاد الذي تأتي نتاجا للصراعات القائمة في البلاد، إضافة إلى ان الفريق يعمل جاهدا في رفع الوعي لدى المواطنين والأهالي بمخاطر التجنيد للأطفال. الخوف من مصالحة وطنية تلغي حقوق الأطفال المجندين في الورقة الأولى التي قدمها عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة إقليم سبأ الدكتور محمد طليان، أكد فيها إن تجنيد الأطفال ظاهرة يجرمها القانون الدولي الإنساني، باعتبارها جريمة تغتال الطفولة والإنسانية. وقال طليان، لدينا طموح كبير في الوصول إلى حلول نهائية في إنهاء ظاهرة تجنيد الأطفال التي اتسعت رقعتها في جيوش طرفي الحرب، أملا في أن يتم الأخذ لهؤلاء الأطفال ممن عرضوا طفولتهم لانتهاكات الحرب والموت، لافتا إلى أن الخوف من أنه في حالة الوصول إلى مصالحة وطنية بين الطرفين، يبقى الخوف من أن هؤلاء الأطفال لن ينالوا حقهم ممن قاموا بتجنيدهم. بداية التجنيد الورقة الثانية في الندوة والتي قدمها الباحث صفوان المنيفي تناولت محور "الجيش الوطني وتجنيد الأطفال الأسباب والحلول"، أكد فيها المنيفي إن حالة الفقر والبطالة والغلاء في المعيشة والظروف الصعبة الحاصلة، هي أهم الأسباب التي دفعت بالآلاف الأطفال لقبول التجنيد في سن مبكرة. يؤكد المنيفي، أن ظاهرة تجنيد الأطفال بدأت لدى مليشيا الحوثي الإنقلابية في العام 2014م من أجل الحرب، لافتا المنيفي، إلى أن اتفاق السلم والشراكة بتوقيعه حينها وقع على قبول أكثر من 15 ألف طفل مجند في كشوفات الدولة من إجمالي 90 ألف مسلح جندتهم المليشيا الحوثية وقدمتها شارطة اعتمادها من أجل القبول بالاتفاق. الجيش الوطني وتجنيد الأطفال الجيش الوطني، لا تخلو كل معسكراته من وجود عشرات الأطفال تم تجنيدهم منذ منتصف العام 2016م. وفقا لما يؤكد المنيفي، الذي يتحدث أيضا عن عشرات الحالات لأطفال مجندين في معسكرات الشرعية، مبررا ذلك بأن ظاهرة التجنيد لدى الشرعية تأخذ طابعا إنسانيا من خلال ضمها هؤلاء الأطفال تعويضا لانتهاكات عديدة تعرضوا لها من قبل المليشيا الحوثية. يتابع المنيفي "في بداية الأمر قامت الشرعية بتجنيد الأطفال ممن سقطوا ضحايا بالألغام التي زرعتها مليشيا التمرد والانقلاب الحوثية، فكان ضمهم للجيش قرار تعويضيا مما تعرضوا له"، لافتا إلى إن تجنيد الأطفال في الجيش الوطني لدى الشرعية يعتبر ظاهرة اجتماعية من أجل الراتب ومصدر دخل، لهؤلاء الأطفال، إضافة إلى أطفال الشهداء الذين تم تسجيلهم عوضا عن آبائهم. فئات تجنيد الأطفال العمرية في الجيش الوطني يقول المنيفي، إن فئات تجنيد الأطفال في الجيش الوطني وفق السنة والفئة العمرية يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام، تتمثل بالأطفال المجندين دون سن العاشرة ويمثلون 5% من إجمالي الأطفال المجندين في صفوف الجيش الوطني، لافتا إلى أن هذه الفئة العمرية تتواجد في كشوفات الجيش كغرض إنساني بحت. وبحسب المنيفي فإن الفئة العمرية من 11-13 عاماً للمجندين من الأطفال في صفوف الجيش الوطني تمثل 9%، فيما تمثل الفئة العمرية من 13-15 عاما ما نسبته 25%، في حين ما نسبته 61% من الأطفال المجندين تتراوح للفئة العمرية ما بين 15-17 عاما. أسباب التجنيد يوضح المنيفي، في ورقته إن هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في حدوث ظاهرة تجنيد الأطفال في صفوف الجيش الوطني، تتمثل بقسمين إنسانية وأخرى غير إنسانية، فالأسباب الإنسانية - طبقا لما يؤكد المنيفي - منها الأطفال ضحايا الألغام، وأبناء الشهداء. وتتمثل الأسباب الغير إنسانية في إتساع ظاهرة تجنيد الأطفال في جيش الشرعية، بعديد من الأسباب - طبقا لا يذكر المنيفي - منها غياب الدولة ومؤسساتها العسكرية في هذا الجانب، من خلال استغلال الموظفين في السلك العسكري وفي وظائف الدولة الحكومية الوظيفة في ضم أسماء أولادهم في كشوفات الجيش الوطني، إضافة إلى الوساطات والمحسوبية، أيضا قيام القيادات العسكرية بتسجيل أسماء أبنائهم في الجيش. يؤكد المنيفي، أن تفاقم انتشار هذه الظاهرة أهم أسبابها تتمثل من أجل الراتب والتقاسم الجغرافي من أجل حدوث توازن اجتماعي، إضافة إلى كسب الولاءات والمجاملات في الأوساط الاجتماعية العسكرية. جهود الأمن واستعرض الدكتور/ عمار البخيتي، في الورقة الثالثة جهود الأمن في الحد من تجنيد الأطفال، أن الأجهزة الأمنية تبذل الكثير من الجهود في الحد من تجنيد الأطفال، لافتا إلى أن حالات التجنيد للأطفال لها الكثير من السلبيات أهمها أنها تمثل عامل مؤثر على الجهاز الأمني. ولفت البخيتي، إلى أن العديد من التجاوزات حصلت في الجيش الوطني مع الانتقال والتكوين تخللها حالات تجنيد أطفال، مشيرا إلى ان هذا التجنيد تجنيد غير ممنهج كما هو التجنيد الممنهج الحاصل عند مليشيا الحوثي الإنقلابية. الأمن ومكافحة التجنيد الجدير بالذكر أن لقاءات عدة قام بها الفريق النسوي (صانعات السلام) مع الجهات الأمنية والعسكرية في جانب التنسيق من أجل الحد من ظاهرة تجنيد الأطفال، منها لقائه بالعميد/ عبدالملك المداني- مدير عام شرطة محافظة مأرب- الذي أكد للفريق أن شرطة المحافظة قامت بإعادة تأهيل العشرات من الأطفال الأسرى الذين جندتهم مليشيا الحوثي وزجت بهم في الجبهات وسلمتهم إلى أهاليهم. ونوه العميد المداني إلى خطورة الزج بالأطفال في المعارك والصراعات، وما لها من آثار سلبية تنعكس على نفسياتهم ومستقبلهم، مؤكداً أن الشريعة الإسلامية والقوانين جميعها تحترم حقوق الإنسان بشكل عام، وتولي اهتماماً خاصاً بالأطفال، وتفرد لهم تشريعات خاصة تراعي حقوقهم ومرحلتهم العمرية التي تتطلب عناية واهتمام لانهم أمل الأوطان وصناع المستقبل. نشر السلام ويقول عبد الخالق الحجازي- منسق فريق السلام النسوي- إن تفاقم ظاهرة تجنيد الأطفال في صفوف الجيش الوطني، خصوصا في محافظة مأرب، أحد أهم الأسباب التي أقيمت من أجلها الندوة، معا للحد من تجنيد الأطفال التي تأتي ضمن العديد من الأنشطة التي ينفذها فريق السلام النسوي (صانعات السلام) بمأرب. ويؤكد الحجازي، إن الفريق النسوي يعمل لنشر السلام مع صناع القرار ونشاط الحد من تجنيد الأطفال له دور في انتشار السلام، لافتا إلى إن الفريق النسوي يعتبر بادرة إيجابية لعمل المرأة بمحافظة مأرب وإثبات دورها الإيجابي، مؤكدا ان سماع صوت المرأة والاستجابة له دليل نضوج المجتمعات والسلطات.