يتجدد المشهد اليمني بحلة جديدة يكشف عن المشاريع التشطير لشطب الهوية اليمنية وتفتيت جغرافيا التراب الواحد، وكأن التاريخ عائد إلى ما قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر. فبعد ثلاثة عقود من إعلان "الوحدة" بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي، التي مثلت الانجاز القومي والحدث الايجابي الوحيد في التاريخ العربي المعاصر، يحتفل اليمنيون بالذكرى الثلاثين لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي كانت القضية الأولى للحركة الوطنية التحررية في اليمن والتي ناضلت لتحقيقها منذ اندلاع ثورة 26 من سبتمبر ضد النظام الأمامي، ومن ثم طرد المستعمر البريطاني من جنوباليمن.
جاء إعلان الوحدة اليمنية كترجمة لرغبة وإرادة شعبية وسياسية كبيرة في شطري اليمن، حتى تحقق لليمنيين حلمهم بالإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في ال 22 مايو1990 في مدينة عدن، وهو أجمل ما حصل لليمنيين في عصرهم الحديث لينهوا عقودا من التشرذم والصراعات الداخلية.
لكن التحولات السياسية في المشهد اليمني جعلت من الوحدة اليمنية الضحية الأبرز، في زمن الحرب الدائر منذ خمس سنوات في اليمن.
يتزامن حلول ذكرى الوحدة، هذا العام، مع انتكاسةٍ غير مسبوقة لآخر ما تبقى من ملامح الدولة اليمنية ووحدة ترابها.
فالحضور الشكلي للحكومة الشرعية والوحدة اليمنية، بدأ يتوارى بشكلٍ شبه كلّي في المحافظات المحررة، عقب إعلان "الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، لما يسمى ب"الإدارة الذاتية".
وحدة تلاشت، في عبثية الحرب، الممزوجة بالتقاربات المحرمة والاستثمارات الإقليمية، ومشاريع الوصاية، لإعادة رسم المشهد اليمني.
هي رهانات مستعمري الألفية السابقة التي وجدت طريقها إلى اليمن نتيجة فشل معادلة المحمدين، (بن سلمان وابن زايد) في اليمن، عقب ما أطلق علية عملية "عاصفة الحزم" لإعادة الشرعية باليمن.
مع اختمار انتهاء فترة الحرب في اليمن التي تجاوزت عامها الخامس، أفرزت معادلة المحمدين، سلطتين للأمر الواقع، وعاصمتين للقرار السياسي، وتنذر على المدى القريب باتقسيم اليمن الموحد إلى يمنين، (شمالي وجنوبي)، يتقاسمها جماعة الحوثي الانقلابية المدعومة إيرانيا، بالهيمنة على القرار السياسي في الشمال اليمني، ومليشيا المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيا، بالتتفرد المطلق بالسلطة في الجنوب.
بحسب رئيس الجمهورية " عبدربه منصور هادي"، فأن الوحدة اليمنية في ذكرها الثلاثين، تتعرض للاستغلال من قبل البعض والابتزاز من البعض الآخر والاعتداء من طرف ثالث.
"هادي" قال في كلمته التي توجهها بمناسبة الذكرى ال30 للوحدة اليمنية بين شطري البلاد قال: أن وحدة الشعب اليمني بشقية الشمالي والجنوبي تتعرض للمخاطر وتهشم نسيجه الاجتماعي بفعل الضربات المستمرة داخليا وخارجيا".
* من الثورة إلى الوحدة شهد الجنوباليمني تغيرات عدة، ومراحل مختلفة، بدءات باستقلاله الوطني عن الاستعمار البريطاني أواخر العام 1967، ومرورا بالمرحلة الزمنية التي أعقبت الاستقلال، ثم إعلان الوحدة مع شمال اليمن قبل نشوب حرب أدت إلى تغيير المشهد اليمني عامة والجنوبي على وجه الخصوص. في صبيحة الثاني والعشرين من مايو1990 أعلن نظاما الشطرين في شمال اليمنوجنوبه "الانخراط في دولة واحدة" عبر الدمج السريع للمؤسسات السياسية والاقتصادية دون الخضوع لفترة انتقالية.
وظهر زعيما الشطرين علي عبد الله صالح، وعلي سالم البيض، وهما يرفعان علم الدولة الجديدة على سارية بمحافظة عدن عاصمة الشطر الجنوبي التي تخلت عن رمزيتها السياسية كعاصمة سياسية لصالح العاصمة الشمالية صنعاء لتتحول إلى عاصمة اقتصادية للبلاد.
خطوة مفاجئة حظيت بترحيب عربي، ودولي إلا أن طرفي الاتفاق، وفق خبراء، "لم يوفرا مناخا سياسيا ملائما لاستكمال التحول القائم في البلاد، وقيادة دولة الوحدة إلى الرخاء والاستقرار، والبناء.
تضمنت اتفاقية الوحدة الموقعة في العام 1989 الترتيب لتقاسم السلطة مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني على جميع مستويات الحكومة خلال المرحلة الانتقالية، وتشكيل مجلس رئاسي يتكون من خمسة أشخاص برأسه "علي عبدالله صالح" ويتقلد "علي سالم" منصب نائب الرئيس.
وتم تشكيل البنى اللازمة لنظام حكم اندماجي.. الدستور والبرلمان والانتخابات والمؤسسات البيروقراطية المندمجة وفتح المجال لحرية التعبير السياسي، فازدهرت الصحافة وتأسست الأحزاب والاتحادات وعقدت المؤتمرات، بعدما كان كل ذلك محظورا في كلا الدولتين قبل الوحدة.
خطوة تبخرت مع اندلاع الأزمة السياسية في عام 1993، بين رئيس المجلس الرئاسي علي صالح ونائبة علي البيض.
وأدت التجاذبات السياسية عن انهيار الثقة، وتصاعد الاتهامات بين الطرفين بالإقصاء والاستحواذ على القرار السياسي، إلى اندلاع توتر عسكري بين الجانبين، في عدد من محافظات البلاد.
وفقاً ل"مايكل هدسون"، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون، فأن الخلافات التي ظهرت بين شريكي الوحدة (المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي)، رغم أنهما اتفقا على صيغة للمشاركة في السلطة بنسبة 50/50 تقريباً، كانت بسب أن الطرفين كانا يعدّان استراتيجيات تراجع وخطط للطوارئ تحسباً لنزاع متوقع.
هذا التوتر تحول في مايو 1994 إلى حرب شاملة عقب اتخاذ الحزب الاشتراكي قرارا بالتراجع عن الوحدة، وإعلان رغبته بالعودة إلى "التقسيم".
تمكنت القوات الموالية للرئيس صالح مسنودة، وبدعم من قيادات عسكرية جنوبية نجحت بعد شهرين من القتال بهزيمة الحزب الاشتراكي وفرض سيطرة كاملة على عدن، والمحافظاتالجنوبية.
أسباب كثيرة رجحت كفة الرئيس صالح، في معركته ضد نائبة في الوحدة "علي سالم "، من ضمنها نجاح الأول في استقطاب عدد من المكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية الجنوبية، خاصة تلك التي تضررت من صراعات الفترة الماضية، وفي المقدمة أنصار الرئيس الجنوبي السابق "علي ناصر محمد" الذين خسروا معركة 13 يناير 1986، وهي آخر جولة من جولات الصراع المسلح في الجنوب قبل الوحدة.
أستوعبهم صالح ضمن مؤسسة الجيش والأمن، وكان أغلبهم قادة محاور وجبهات ووحدات عسكرية، وعلى رأسهم الرئيس الشرعي "عبدربه منصور هادي"، الذي شغل حينها منصب القائم بأعمال وزير الدفاع.
في المقابل يرى مختصون، إن الواقع الذي فرضته "حرب الانفصال" وفر مناخا مناسبا لتحقيق العدالة الاجتماعية، وإصلاح الاختلالات في بنية النظام السياسي، لضمان عملية التحول نحو "الدولة الديمقراطية".
* تفرد سياسي غير أن نظام الرئيس صالح واجه اتهامات ب"الاستحواذ" على السلطة، وإحكام قبضته على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية، والقضائية في البلاد.
وفشلت قوى المعارضة اليمنية في فرض عملية التغيير السياسي عبر الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2006، والتي انتهت ب"اكتساح" صالح للنتائج على حساب مرشح المعارضة القيادي الجنوبي فيصل بن شملان وسط اتهامات محلية لصالح ب"التزوير" وتشكيك دولي بالنتائج المعلنة.
وبانتهاء الانتخابات الرئاسية خريف 2006، انتهت آخر جولة انتخابية وطويت أوراق التنافس الحزبي والسياسي عبر صناديق الاقتراع، لتبدأ فترة مليئة بالاحتقان جراء شعور المعارضة بانسداد أفق التغيير السياسي مقابل شعور حزب المؤتمر الشعبي بزعامة "صالح" أن حصوله على نحو 80 بالمائة من أصوات الناخبين في آخر انتخابات يمنحه الحق المطلق في إدارة شؤون البلد دون تقديم أي تنازل للمعارضة.
وظهر المشهد السياسي أكثر تعقيدا مع إغلاق أبواب الحوار بين الحكم والمعارضة.
* الحراك الجنوبي بداية العام 2007 كان جنوباليمن على موعد مع ظهور حركة احتجاجية يقودها المتقاعدون العسكريون والمدنيون الذين يشكون التسريح القسري من أعمالهم بعد حرب 1994، ويطالبون بإعادتهم إلى أعمالهم وتحسين أوضاعهم.
في يوليو2007، بدأ تصاعد الحراك الشعبي الجنوبي بقيادة جمعيات المتقاعدين مطالباً بإنهاء سياسية الإقصاء والتهميش والفساد وتصحيح أوضاع المتضررين من حرب صيف1994، وكانت أبرز الفعاليات الجماهيرية التي قادها المتقاعدون فعالية كبرى مركزية في عدن يوم 7 يوليو، باسم مجلس التنسيق الأعلى لجمعيات المتقاعدين الإطار الجامع لجمعيات المتقاعدين على مستوى المحافظاتالجنوبية كافة، ويرأسه العميد ناصر النوبة.
التصعيد في الجغرافيا الجنوبية شمل سلسلة من الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية التي نفذها المتقاعدون العسكريون في محافظة الضالع، تحت لافتة جمعية المتقاعدين بقيادة العميد عبده المعطري، أحد أبرز المتقاعدين العسكريين.
في المقابل واجهت السلطات الأمنية تلك الاحتجاجات باستخدام "القمع المفرط" والاعتقالات والتشويه المتعمد والاتهام بالانفصال، وبدا أن صالح لم يكن يريد الاستماع لأي مطالب في ظل استمرار مشروع توريث السلطة لنجله من بعده.
* الثورة الشعبية اكتسبت القضية الجنوبية بالثورة الشعبية اليمنية التي انطلقت بداية العام 2011، عنصر نصر إضافي، خاصة أن هناك كثيراً من العوامل المشتركة بين الحراك السلمي المعبر عن القضية الجنوبية والثورة السلمية، وأول هذه العوامل يتمثل بالنضال ضد خصم مشترك، واتخاذ العمل السلمي وسيلة، كما أن الثورة عبرت عن ملايين اليمنيين في الشمال والجنوب على حدٍ سواء. وعمت فعاليات الثورة الشعبية أغلب المحافظاتاليمنية شمالا وجنوبا، ونصب الثوار في الساحات والميادين العامة منصات خطابة وملتقيات مستمرة للأنشطة والتعبير عن الثورة وأهدافها ومطالبها التي بدت مقاربة لما فعلته الموجات الأولى من الربيع العربي في كل من تونس ومصر، وبعد سقوط نظام مبارك بداية شهر فبراير 2011، تصاعد حماس الثوار اليمنيين، خاصة في مدينتي تعزوعدن التي شهدت مقتل أول مجموعة من شباب الثورة، في السادس عشر من فبراير نفسه، يتقدمهم "محمد علي شاعن" أول شهداء الثورة اليمنية.
وفي عدن تواصلت فعاليات الثورة، كما في بقية المدن والمحافظات، غير أن حالة الركود التي أعقبت وهج انطلاق الثورة، جعلت بعض أنصار الحراك الجنوبي يتراجعون عن دعم الثورة ومطلبها الرئيس في إسقاط النظام.
أخذت المطالب الانفصالية تتصاعد من جديد، خاصة بعدما تدخلت في مسار الثورة عوامل داخلية وخارجية، أفضت إلى الاتفاق بين السلطة والمعارضة على المبادرة الخليجية التي حددت آلية نقل السلطة بشكل سلمي من الرئيس (صالح) إلى نائبه (عبدربه منصور هادي)، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة السياسي الجنوبي (محمد سالم باسندوة) وفقا للمبادرة.
حظيت المبادرة الخليجية بدعم إقليمي ودولي، خاصة من السعودية أبرز الفاعلين الخارجيين في هذا الاتفاق، ومن جهتها وجدت إيران الفرصة مواتية لتحقيق أهدافها في اليمن، كونها سهلة المنال ومنخفضة الثمن، فاستغلت ضعف سيطرة الحكومة المركزية لتزيد من دعمها لجماعة الحوثي الانقلابية، استنادا إلى اعتبارات مذهبية وأيديولوجية، للضغط على خصومها السعوديين.
وأشرف حزب الله اللبناني الحليف الإقليمي لإيران بتقديم التدريبات والدعم المالي والسياسي للحوثيين، ولعب دوراً هاماً للصلة بين طهران وصعدة، ولم يكن الدور الإيراني محصوراً على الحوثيين، حيث قامت إيران أيضاً باستقطاب شخصيات من المحافظاتالجنوبية منذ وقت مبكر، مستفيدة من زخم الحراك المطالب بالانفصال.
تشير المعلومات أن طهران، تواصلت مع رئيس الشطر الجنوبي السابق علي سالم البيض، وبعض أجنحة الحراك الجنوبي.
حالة الفوضى وعدم الاستقرار عظم من الدور الإيراني في الساحة اليمنية، نتيجة لتعثر عملية الانتقال السياسي وتفاقم الانقسامات الداخلية، وإخفاق الحكومة في التعامل مع المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية.
في المقابل استفاد الحراك الجنوبي جناح "علي البيض"، من ضعف الحكومة والأحزاب السياسية في تقديم نفسه وتصعيد مطالبه في انفصال الجنوب وإنهاء الوحدة اليمنية، ومعلنا رفضه المشاركة في الحوار مع الحكومة التي يعتبرها حكومة (احتلال)
وظهر تيار سياسي جنوبي آخر عُرف باسم (مؤتمر القاهرة)، بقيادة الرئيسين السابقين/ علي ناصر محمد وحيد أبوبكر العطاس، ويرى أن حل القضية الجنوبية يتمثل في "إعادة صياغة الوحدة في دولة اتحادية-فيدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي بحدود 21مايو 1990، بدستور جديد يحتوى الضمانات الدستورية اللازمة، ويكفل تأمين سلامة مستقبل الشعب شمالا وجنوبا، وإرساء الأسس الراسخة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وبناء مقومات النجاح والشراكة والثقة لفترة خمس سنوات، بعدها يتم إجراء استفتاء لأبناء الجنوب لإعطائهم الحرية الكاملة في تحديد مستقبلهم".
* الحوار الوطني حضر الملف الجنوب في مارس 2013، كقضية رئيسة في مؤتمر الحوار اليمني الشامل الذي رعته الأممالمتحدة، وشاركت فيه معظم الأطراف السياسية في البلاد، إضافة إلى جزء من قوى الحراك الجنوبي.
وتضمنت وثيقة الحوار حلولا للقضية الجنوبية، تحت سقف "دولة اتحادية" مكونة من ستة أقاليم لضمان إنهاء "المركزية" السائدة في البلاد منذ عام 1990.
كما نصت الوثيقة، على إنهاء كافة المظالم الواقعة على المحافظاتالجنوبية منذ اندلاع الحرب في 1994، وإعادة كافة الممتلكات المنهوبة، وجبر الضرر، وضمان تنفيذ ذلك بشكل كامل وفق مبادئ العدالة الانتقالية، دون تمييز.
لكن الآمال بتنفيذ هذه الإجراءات تلاشت باقتحام المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران للعاصمة اليمنيةصنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 واستيلائهم على السلطة، ودخولهم إثر ذلك في حرب شاملة مع القوات الحكومية المدعومة من قبل تحالف عربي بقيادة السعودية.
* انقلاب الحوثيين عقب انتهاء المؤتمر تصاعدت أعمال التوسع العسكري من قبل مليشيا الحوثي الانقلابية، مستغلاه دعم طهران له بالمال والسلاح، وانضمام أغلب وحدات الجيش والقبائل الموالية للرئيس السابق صالح إلى صفوفهم، في السيطرة على عدد من المناطق في محافظات الشمال، وصولا إلى العاصمة صنعاء التي أسقطتها في سبتمبر 2014.
ودشنت الجماعة الحوثية بذلك الانقلاب الكامل على الحكومة والسيطرة على مؤسسات الدولة ونهب أسلحة الجيش، على الرغم من توقيع الأطراف السياسية بما فيها جماعة الحوثي على اتفاق السلم والشراكة بعد ساعات من سقوط صنعاء.
لم تلتزم جماعة الحوثي الانقلابية بالاتفاقية، وواصلت فرض سلطة الأمر الواقع، ما أدى إلى استقالة الحكومة والرئيس هادي، بداية العام 2015.
عقب الانقلاب الحوثي بمشاركة الرئيس السابق "علي صالح"، أقدم الانقلابيين على إعلانهم ما وصفوه ب(الإعلان الدستوري)، الذي بموجبه صاروا يحكمون البلاد بشكل رسمي عبر لجنة شكلوها للغرض نفسه، وأسموها (اللجنة الثورية العليا) برئاسة "محمد الحوثي"، أحد أقرباء زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، مع أن مجلس الأمن كان قد أصدر أواخر العام 2014 قرارا قضى بالعقوبات وفق الفصل السابع على الرئيس السابق "علي صالح" ونجله أحمد، وكذلك زعيم الحوثيين واثنين من مساعديه باعتبارهم معرقلين للعملية السياسية في البلاد.
في 21 فبراير 2015 ظهر الرئيس هادي في مدينة عدن، معلنا من هناك استئناف ممارسة مهامه، وإنهاء الاستقالة التي قدمها في صنعاء احتجاجا على ممارسات الانقلابيين، وبعد أيام قليلة أعلن كل من عبدالملك الحوثي وحليفه الجديد الرئيس السابق علي صالح بداية الحرب لاستكمال السيطرة على محافظات الوسط والجنوب، لتبدأ مليشيا الحوثي مع الوحدات عسكرية الموالية لصالح هجومها على المحافظات التي لم تكن قد خضعت لهم بشكل كامل، ومنها محافظاتتعز والبيضاء والحديدة وإب، بالإضافة إلى المحافظاتالجنوبية (عدن- لحج- أبين- حضرموت- شبوة- الضالع- المهرة-سوقطرى).
* عاصفة الحزم شهد شهر مارس 2015، مواجهات مسلحة في أكثر من منطقة يمنية، بين مليشيا الحوثي وحلفائهم من أتباع الرئيس السابق صالح من جهة، ووحدات عسكرية ومسلحين مناوئين للجماعة الانقلابية، بعدما أعلنت الأخيرة عن سعيها لاستكمال السيطرة على كافة المحافظات بما فيها عدن التي أعلنها الرئيس هادي عاصمة مؤقتة.
وبدأ من هناك يلتقي السفراء والدبلوماسيين العرب والغربيين، بيد أن تقدم الحوثيين وحلفائهم تجاه عدن أجبر الرئيس وأغلب المسؤولين على مغادرة المدينة، خاصة بعدما سيطرت الجماعة على قاعدة العند العسكرية – أكبر قاعدة عسكرية في البلاد.
نشوة انتصارات مليشيا الانقلاب الحوثية، لم تكتمل، فبعد ساعات من سيطرتهم على بعض أحياء عدن الشرقية ومدخلها الشمالي، انطلقت (عاصفة الحزم) بقيادة السعودية مع عشر دول أخرى عربية وإسلامية، أعلنت عن تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية، ويهدف إلى إعادة الشرعية اليمنية إلى العاصمة صنعاء، واستعادة السلطة من الحوثيين.
فيما يتعلق بموقف الحراك الجنوبي من تطورات المواجهة بين الرئيس هادي والانقلابين (الحوثي - صالح)، ظلت الغالبية تعلن الحياد وعدم مناصرة أي منهما على الآخر، لأنها رأت في تلك المواجهات صراعا يخص حكومة صنعاء فقط. بدورة علق "علي البيض" الذي يتزعم أكبر فصيل في الحراك حينها، إنه سيتم "التصدي لمحاولات تمرير الصراع السياسي إلى الجنوب".
وكان البيض قد قطع تعاملاته مع إيران عقب استيلاء حلفائها الحوثيين على السلطة في صنعاء، أما عناصر الحراك الذين حصلوا من قبل على الدعم والتدريب من إيران فقد انضم أغلبهم إلى قوات المقاومة التي تصدت للحوثيين في الجنوب.
وبعد تدخل التحالف العربي في اليمن قامت السعودية والإمارات، بعمليات تسليح وتجنيد واسعة في المحافظاتالجنوبية من أجل مواجهة الانقلابيين الذي كانوا يسيطرون على أجزاء من عدن، بالإضافة إلى محافظتي أبين ولحج المجاورتين، وقاتل الجميع ضد الحوثيين حتى تم تحرير عدن في يوليو 2015، وكذلك تحرير لحج وأبين في أغسطس/آب من العام نفسه.
وشارك أغلب أبناء عدن ومن مختلف الانتماءات السياسية في مقاومة الاجتياح الحوثي، وخاصة التيار الإسلامي سواء السلفي أو المنتمين لحزب الإصلاح، غير أن الإمارات التي سيطرت –باسم التحالف- على عدنوالمحافظات القريبة، بدأت في استقطاب الموالين لها في التيار السلفي وأنصار الحراك الجنوبي، وعملت –بطرق ووسائل مختلفة، على استبعاد قيادات المقاومة الموالين للحكومة الشرعية، وقامت بدعم أتباعها بالمال والسلاح، ومارست الضغط على الحكومة ليتم استيعاب عدد منهم في مؤسسات الدولة، وتولى بعضهم مناصب عليا في الحكومة المركزية والسلطات المحلية، أمثال السلفي المتشدد/ هاني بن بريك الذي عينه الرئيس هادي وزير دولة، والقائد العسكري عيدروس الزبيدي الذي عُيّن محافظاً لعدن بداية ديسمبر 2015، خلفاً للمحافظ جعفر محمد سعد الذي اغتيل بسيارة مفخخة.
*أجندات إماراتية منذ العام 2016 بدأت الإمارات بناء تشكيلات شبه عسكرية معظمها من "السلفيين"، وأطلقت على هذه القوة تسمية "الحزام الأمني" في (عدن ولحج وأبين، والضالع) والنخبة في (حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى)، وتعمل هذه التشكيلات خارج هيئة الأركان اليمنية، وبدأت تستخدمها في تحقيق أهدافها وتنفيذ الأعمال الانتقامية ضد خصومها، مثل حرق مقرات الأحزاب والصحف وملاحقة الناشطين واختطاف قادة المقاومة والأحزاب والمنظمات المدنية.
كما منحت هذه القوات صلاحيات "الإدارة المطلقة" للمحافظاتالجنوبية التي تشرف عليها في إطار تقاسم النفوذ العسكري مع السعودية قائدة التحالف.
في خضم ذلك بدأت الخلافات تظهر بين الحكومة الشرعية، ودولة الإمارات، خاصة بعد إقالة "خالد بحاح" -الموالي للإمارات- في ابريل 2016، من منصبيه كنائب لرئيس الجمهورية، ورئيس للحكومة، وتعيين علي محسن صالح الأحمر نائباً للرئيس، وأحمد عبيد بن دغر رئيساً للحكومة.
وزادت الخلافات بين الطرفين في فبراير 2017، عندما منعت قوة موالية لأبوظبي الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن، واضطر حينها إلى الانتقال إلى جزيرة سقطرى، وفي وقت لاحق تدخلت قوة إماراتية لضرب قوة يمنية موالية للرئيس في محيط مطار عدن، فيما عُرف حينها ب"أحداث المطار".
ومطلع مايو 2017 أعلن في العاصمة المؤقتة عدن ولادة "المجلس الانتقالي الجنوبي" برئاسة عيدروس الزبيدي بدعم من الإمارات، صاحبة النفوذ العسكري في المدينة.
لم يكن ثمة صعوبة لأي متابع في إدراك خطورة هذه الخطوة على وحدة البلاد، والتماسك الداخلي للشرعية اليمنية بقيادة الرئيس "هادي" التي تخوض معركة مفتوحة مع الحوثيين شمال، وغرب، ووسط البلاد.
لم يحرج الكيان الوليد في إعلان أهدافه الواضحة التي في مقدمتها "تحقيق الانفصال واستعادة الدولة الجنوبية".
وشرع المجلس الانتقالي في اتخاذ سلسلة من الخطوات التصعيدية، وصولا لإعلان ما سماه "الإدارة الذاتية" للجنوباليمني في 26 أبريل/نيسان الماضي.
*تقاربات محرمة بعد نحو شهرين من إعلان أبو ظبي انسحاب قواتها من اليمن في يونيو 2019، نشبت مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية ومليشيات تتبع المجلس الانتقالي الموالي للإمارات، على خلفية مقتل القيادي في الحزام الأمني منير اليافعي (أبو اليمامة) بصاروخ استهدف حفلا عسكريا أقيم غرب عدن في الحادي من أغسطس 2019.
ومع أن الحوثيين تبنوا العملية، إلا أن نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، أبرز الموالين لدولة الإمارات، اتهم الحكومة الشرعية باستهداف اليافعي، وأعلن النفير العام والزحف إلى القصر الرئاسي في عدن.
حادثة اعتبرها مراقبون أنها احد اهم عوام خيوط التقارب بين أبوظبي وطهران في اليمن والتي جاءات بعد التفاهمات بين العاصمتين على تأمين الملاحة في مضيق هرمز وتعزيز أمن حدودهما المشتركة، عقب التوترات العسكرية التي تشهدها الضفة الخليجية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
طلاسم التحولات في المواقف الإماراتيةالإيرانية انعكست سلبا على ملف الحرب في اليمن، التي يرها الطرفين ساحة تخادم مشترك، تتقاسم فيها الأدوات الإيرانيةوالإماراتية مساحة لاتستهان بها في خارطة النفوذ الجغرافي.
ويرى خبراء أن التفاهمات الخفية بين أبوظبي وطهران، شكلت أحد العوامل الرئيسية للانسحاب العسكري للإمارات من التحالف العربي، والساحة اليمنية.
سيناريوهات التقارب الإماراتيالإيراني في اليمن، قوبلت بترحيب جماعة الحوثي الانقلابية، والتي سبقها اتصالات بين جماعة الحوثي الانقلابية وحكومة أبوظبي، كشف عنها نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، "نعيم قاسم".
وبالعودة إلى حادثة اغتيال "أبو اليمامة"، في عدن ورفع المجلس الانتقالي شعار تطهير الجنوب من "الشرعية"، وبعد ثلاثة أيام من المواجهات، تدخلت السعودية وسحبت وزير الداخلية أحمد الميسري، الذي كان يقود المواجهات ضد الانتقالي، ما أدى إلى سيطرة الأخير على عدن.
وبعدها تحركت مليشيا الانتقالي باتجاه مدينة "زنجبار" عاصمة محافظة أبين، وأسقطتها وطردت القوات الحكومية منها.
لم يقتصر الأمر على عدنوأبين، فبعد أيام من السيطرة عليهما بدأت مليشيا "النخبة الشبوانية" التابعة للإمارات العمل على إسقاط مدينة "عتق" عاصمة شبوة.
*الغرق في شبوة الاثنين 26 أغسطس 2019، كانت علامة فارقة في تاريخ الدولة اليمنية، ومستقبلها وحدة ترابها، ومستقبل وحدة التحالف العربي الداعم للشرعية.
حيث مُنيت مليشيا النخبة المدعومة إماراتيا بهزائم متلاحقة أمام قوات الجيش الوطني التي أعلنت تحرير محافظة شبوة بالكامل من قوات النخبة في 26أغسطس/آب2019.
بهذا الانتصار لقوات الجيش الوطني، أجهضت مشروع الإمارات بتشطير اليمن، وانتزع من جديد مشروع الدولة اليمنية الاتحادية.
انتصار أسفر عن تداعى المشروع الإماراتي التشطير جنوباليمن، الذي يتربص به الطموح الإيراني بتطويق اليمن، والمملكة العربية السعودية.
* إعادة التوازن مثّل الانتصار الحكومي في محافظة شبوة الغنية بالنفط، نقطة لإعادة التوازن السياسي والعسكري والاجتماعي، جنوباليمن، عقب محاولة إماراتية كانت تسعى إلى خلط الأزرق وتغيير خارطة النفوذ السياسي والعسكري، وإعادة هندسة الجنوب، التي يمكن فهمها، من زاوية التقارب الإماراتيالإيراني.
ويمكن أن يقرأ- أيضاً- من زاوية الترتيبات الدولية، الموازية للتقارب بين أبوظبي وطهران، والتي تسعى لإعادة صياغة المشهد الجنوبي، المحضرة لها مسبقاً والتي اختمرت أركانها، عقب الانقلاب الإماراتي في عدن في العاشر من أغسطس 2019.
معادلة حكام أبوظبي سعت إلى تشطير اليمن الموحّد من خلال تفكيك البنية الأساسية للدولة اليمني، وتغيير معطيات الهوية والتنوع الثقافي والحضاري، عبر أذرعها "المجلس الانتقالي" المنادي بالانفصال، والسطو العسكري المباشر على الجنوباليمني بأسلوب قسري وأدوات مليشاوية.
الانتصار الحكومي أوحى بانتكاسة كبرى للإمبراطورية الصغيرة "الإمارات" وأذرعها، وانعكست على باقي المحافظاتالجنوبية من عتق بشوة حتى أبواب عدن، وأبين، وامتدادا إلى حضرموت والمهرة، وصولا إلى سقطرى.
وهو ما تجلى بانتزاع قوات الجيش الوطني في 29 أغسطس 2019، محافظة أبين وتوجهها إلى مداخل عدن تمهيدا لاستعادتها، لكنها فوجئت بقصف جوي من طائرات إماراتية ما أدى إلى مقتل وإصابة قرابة 300 من أفراد الجيش، واضطر الجيش بعدها للانسحاب شرقاً، فيما سارعت مليشيا الانتقالي مجددا للسيطرة على الأجزاء الغربية من أبين، وأحكمت سيطرتها على عدن
* اتفاق الرياض قادت المملكة العربية السعودية مفاوضات بين الحكومة والانتقالي، استمرت قرابة شهرين تكللت بتوقيع الطرفين على اتفاق حمل اسم (اتفاق الرياض)، بداية نوفمبر 2019، وتضمن تشكيل حكومة جديدة في غضون 30 يومًا، يكون للجنوبيين فيها تمثيل يساوي الشماليين، ويحصل المجلس الانتقالي على عدد من المقاعد فيها، وضم جميع القوات العسكرية وقوات الأمن من الجانبين لوزارتي الدفاع والداخلية، وعودة الحكومة الحالية إلى عدن وتفعيل المؤسسات الحكومية، وتعيين محافظين جدد في المحافظاتالجنوبية.
بدت بعض بنود الاتفاق سهلة التنفيذ مع تولي السعودية الملف الجنوبي خلفاً لدولة الإمارات التي أعلنت تقليص وجودها، بيد أن الاتفاق اصطدم بمعوقات كثيرة حالت دون تنفيذه، أو تنفيذ النقاط الأكثر أهمية على الأقل، فيما يتبادل الطرفان الاتهامات كما هو الحاصل في أغلب الأزمات، ولم يظهر الموقف السعودي اتهاما لأي طرف، ولا يزال.
اتفاق اعتبره البعض محاولة من قبل دول التحالف (السعودية، الإمارات) لتقسيم البلاد، بين محاصصة جهوية، في الجنوب وطائفية في الشمال، لإبعاد البلاد عن مشروع الدولة الاتحادية.
يعد إنفاق الرياض، بحسب خبراء، وثيقة تمنح دول التحالف حق الوصاية الكاملة على المحافظاتالجنوبية، وتنتزع معظم صلاحيات الرئيس "عبدربه منصور هادي" وحكومته على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني.
الاتفاق يفتح الباب مستقبلا لمناقشة القضية على أسس تختلف مع كل القرارات الدولية يرى الخبراء، فقد أجاز الخروج على أهم وثيقة سياسية وهى مخرجات الحوار الوطني في معالجة القضية الجنوبية والوحدة اليمنية.
فريق أخرى يعتقد إن الاتفاق جاء ليؤسس لصراعات وحروب مستقبلية في اليمن. مشيراً إن الاتفاق أعطى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد السيطرة على الموانئ اليمنية وشرعنة تنفيذ مخططات الإمارات عبر الانتقالي.
رواد هذا الفريق يشرون أن الاتفاق يستهدف إضعاف الدولة اليمنية وتقسيم اليمن مناطقيا وعنصريا.
بمعنى أخر الاتفاق أعاد تثبيت وتعزيز وتقوية دور الإمارات سواء بشكل مباشر عبر رعايتها المستمرة للاتفاق أو بشكل غير مباشر عبر أدواتها من المجلس الانتقالي وكذا الحفاظ على كامل سلاحها العسكري.
*جسر عبور بعد توقيع "اتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية و الانتقالي الجنوبي، كسرت السعودية، التي رعاة الاتفاق، طوق المحظورات باعترافها إجراء اتصالات مع المتمردين الحوثيين الذين تقاتلهم منذ عام 2015، حيث قال مسؤول سعودي بارز: "لدينا قناة مفتوحة مع الحوثيين منذ عام 2016 ولم يعطي المسؤول، أي تفاصيل إضافية حول طبيعة الاتصال.
دراماتيكية التحولات في السياسية السعودية، جاء بعد أسابيع فقط على الهجوم الصاروخي على منشآت أرامكو النفطية، التي حملت فيها الرياض مسؤولية الهجوم لطهران، نافية أن يكون لدى الحوثيين قدرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم.
تحولات الحرب باليمن، وتقارب الأجندات السعودية والإماراتيةوالإيرانية، كانت تهدف إلى تجريد الشرعية اليمنية من مرجعياتها الأساسية، وإبقائها خارج خارطة النفوذ السياسي والعسكري.
مختصون يرون أن الحكومة الشرعية من بعد اتفاق الرياض والتقارب السعودي مع حلفاء إيران في اليمن، تدفع أكثر من إي وقت مضى نحو مقصلة الإعدام، وهو ما تمخض عنه إعلان مايعرف بالانتقالي الجنوبي "حالة الطوارئ" وما أسماها "الإدارة الذاتية" لجنوباليمن في منتصف ليل 25 أبريل/نيسان الماضي (2020).
* الإدارة الذاتية لم يأت إعلان المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات "حالة الطوارئ" وما أسماها "الإدارة الذاتية" لجنوباليمن في منتصف ليل 25 أبريل الماضي من فراغ، فقد جاء في سياقات متعددة بعضها يتعلق بالتأريخ الطويل للصراع المناطقي في اليمن بين الشمال والجنوب وداخل الجنوب ذاته واستفادة الإمارات منه في تشكيل قوى موالية منذ ثمانينات القرن الماضي، والبعض يتعلق بالتنافس السعودي-الإماراتي داخل التحالف العربي.
سعت الإمارات من خلال هذا التصعيد لفرض بعض من استراتيجيتها في اليمن على شريكها في التحالف؛ ومن بين تلك الاستراتيجيات إعطاء دور لقوات طارق صالح في الشمال والتعامل مع الانتقالي كممثل وحيد للجنوب في أي اتفاقيات قادمة، وهي استراتيجيات تُبقي دور الإمارات وتأثيرها كبيرين في اليمن مستقبلًا.
وشجعت الخسائر العسكرية التي مُنيت بها قوات الجيش الوطني في معارك نهم والجوف بين فبراير ومارس الماضي، الانتقالي والقوة الإقليمية الداعمة له على التصعيد، تنتظر سقوط اهم معاقل الشرعية بمأرب، حتى يتسنى لها السيطرة على محافظة شبوة التي تسيطر عليها الشرعية والسطو على ميناء بلحاف المرتبط بأكبر مشروع للغاز الطبيعي في اليمن .
مختصون يرون أن تلك الانتصارات لم تكن بمعزل عمَّا يحصل في الجنوب، وفي إطار التخادم الإماراتيالإيراني في اليمن، لتجريد الشرعية من خارطة النفوذ.
وفي السياق يذكر تقرير لفريق خبراء لجنة العقوبات التابع للأمم المتحدة لعام 2017، أن بنوكًا بالإمارات العربية المتحدة موَّلت شراء معدات للطائرات الحوثية المسيرة من إيران، التي يستخدمها الحوثيون لمهاجمة عدد من المواقع والمعسكرات التابعة للحكومة الشرعية، وكان آخرها قصف قاعدة العند.
إلى ذلك حاولت السعودية التغاضي عن تلك الخسائر لتضغط على الحكومة الشرعية للذهاب إلى هدنة من طرف واحد مع الحوثيين، بحجة مطالب أممية تتعلق بمواجهة فيروس كوفيد 19، لكن المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًّا استغل فرصة حرص السعودية على عدم التصعيد العسكري ومنع القوات الحكومية من العودة إلى عدن، ليعلن حلفاء الإمارات في 27 أبريل 2020، عن الانفصال من طرف واحد وإدارة حكم ذاتي للمحافظاتالجنوبية، متجاهلين كل التنديدات الدولية بعدم تطبيق اتفاقية الرياض الذي أشرفت عليه السعودية لتمكينه من المشاركة في الحكومة الشرعية والتفرغ لمواجهة الحوثيين الذين استفادوا من التناقضات وتمددوا على الأرض.
* تداعيات إعلان تشير معظم التحليلات أن إعلان حلفاء الإمارات "الانتقالي" حكمًا ذاتيًّا في جنوباليمن يقوِّض الحكومة الشرعية، ويعطي مشروعية لحكم الحوثيين على محافظات الشمال، بل ويعزز هذا الحدث من الدعم الشعبي لهم خاصة إذا ما أعلنوا عن عمليات عسكرية باتجاه الجنوب للحفاظ على وحدة البلاد، كما أنه يهدد سيادة الجمهورية اليمنية ويشجع ظهور حركات تمرد مسلحة أخرى تؤسس لإمارات ودويلات ومشيخات وسلطنات جديدة.
التحليلات ترى أن رفض مكونات سياسية واجتماعية والسلطات المحلية في شبوة وحضرموت وسقطرى والمهرة لهذه الخطوة التي اعتبروها متهورة يجعل تحركات الانتقالي تبدو ضمن تصفية حسابات مناطقية مع الرئيس هادي وحكومته، وهو ما قد ينذر بحروب مناطقية قادمة ضمن دورات صراع جديدة في جنوباليمن.
كشفت خطوة الانتقالي بإعلان إدارة ذاتية للجنوب، فشلًا كبيرًا لاتفاق الرياض الذي تشرف السعودية على تطبيقه، وبينما كانت تعتقد أنها وسيط مقبول إذا بها تكتشف أن الإمارات أكثر تأثيرًا منها في جنوب البلاد؛ ما يجعل المناطق التي تحت سيطرة الانتقالي خارج أي تأثير سعودي، كما هي عليه الحال في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وفي الأخير نستنتج من كل ماسبق أن التخادم الإماراتيالإيراني في اليمن يصب في هدف واحد هو تقسيم التراب اليمني، وتطويق الأمن القومي للمملكة العربية السعودية ما استطاعت إلية سبيلا من الشمال والجنوباليمن.