التوقيع على اتفاقية دفاع مشترك بين اليمن ومصر قنن تواجد القوات المصرية في اليمن للمشاركة في القتال إلى جانب الثورة ضد القوات التابعة للإمام المخلوع محمد البدر المدعومة من المملكة العربية السعودية منذ الشهور الأولى للثورة بدأت جهود عربية ودولية لوقف الحرب اليمنية، لكن القوات الملكية كانت ترفض كل تلك الجهود استمراراً في عرض مجريات الاحداث التاريخية منذُ ستة عقود من الزمن واليمن تعيش حالات عدم الاستقرار ، تم استعراض الجزء الاول من هذه الدراسة « الثورة وصراع الهوية « في الثلاث الحلقات الاولى والتي بينت من خلالها الاحتكاكات التي حصلت بين الاستعمار البريطاني جنوباليمن والحكم الملكي الامامي في شمال اليمن وكذلك مراحل تكوين ونشوء الحركات والاحزاب السياسية المعارضة والمناهضة لحكم تلك السلطات في ذلك الوقت.. هنا في المبحث الثاني من هذه الدراسة نواصل سرد تفاصيل الاحداث بين حرب الامامة وصراعات الثوار نستعرض هنا الحلقة الرابعة التي تبين تأثير القوى العربية وصراعاتها في اليمن ، التي كانت آبان قيام ثورة السادس والعشرون من سبتمبر عام 1962 م حيث كان التدخل بشكل مباشر لمساندة الثوار والثورة ضد الملكيين كما فعلت جمهورية مصر ويضاً وقوف سورياوالجزائر بجانب الجمهوريين ، وبالمقابل كان الملكيين يتلقون دعماً من المملكة العربية السعودية والمملكة الاردنية الهاشمية الى أن تم التوصل الى اتفاق برعاية أممية وحلت جهود السلام في اليمن وانتهاء تلك الاحداث وقيام الجمهورية العربية اليمنية .. الصراع العربي في اليمن في أغسطس/آب 1962 ،قرر الملك السعودي/سعود بن عبدالعزيز، وملك الأردن الحسين بن طلال، التنسيق في المجالات العسكرية، وتنمية التعاون الاقتصادي بين المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية ، وفي نوفمبر/تشرين من العام نفسه، تم إعلان التحالف العسكري بن البلدين، وفي الشهر نفسه تم التوقيع على اتفاقية دفاع مشترك بين الجمهورية العربية اليمنية، والجمهورية العربية المتحدة (مصر) ،وبموجبها قنن تواجد القوات المصرية في اليمن للمشاركة في القتال إلى جانب الثورة ضد القوات التابعة للإمام المخلوع محمد البدر ، المدعومة من المملكة العربية السعودية، وأنشئت في الولاياتالمتحدةالأمريكية لجنة خاصة برئاسة ضابط المخابرات السابق/ روبرت كوتر، تولت اختيار وارسال المرتزقة الأجانب إلى معسكرات الأماميين في اليمن ولم يمض على قيام الثورة أيام قليلة حتى بدأت الطائرات المصرية تهبط في مطارات صنعاء وتعز، حاملة الجنود المصريين الذين أخذوا يتمركزون في معسكرات مخصصة، لتبدأ القوات المصرية وقوات الثورة اليمنية مواجهة عسكرية واسعة وطويلة مع فرق الأماميين المكونة من جيش العهد الإمامي وبعض أبناء القبائل. ونظراً لتوتر العلاقات بين مصر والسعودية، فقد بدأ اتفاق السعودية والأردن الذي تم التوقيع عليه في أغسطس/آب 1962 ،وتضمن التنسيق في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسة الخارجية، وكأنه لمواجهة مصر التي تبنت دعم حركات التحرر العربية، ومنها الحركة الوطنية اليمنية وثورتها الوليدة التي فجر إعلانها حربا داخلية بين الجمهوريين والملكيين (الأماميين) ، و كما أدت الثورة إلى نشوب الحرب العربية الباردة بين القاهرة والرياض بعد سنوات من الوفاق، وبفعل الثورة اليمنية وإعلان النظام الجمهوري بات الصراع العربي- العربي يكتسب بعداً نوعياً من طراز أيديولوجي سياسي جديد . وإضافة إلى الدعم المصري للثورة اليمنية قدمت سوريا دعماً مادياً وعسكرياً شمل بعض الأسلحة والغذاء، وشارك طيارون سوريون في الحرب، وكذلك كان موقف الجزائر داعماً ومسانداً للثورة والنظام الجمهوري، وكان للموقف العريب السوري والجزائري آثاره الإيجابية في مصلحة النظام الجمهوري داخلياً وخارجياً . وعلى المستوى الدولي كان للمساعدة التي قدمتها المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي أثرها ودورها في ترجيح كفة الثوار الجمهورين، وشملت المساعدة السوفيتية العتاد الحريب والخراء والطائرات المقاتلة والقاذفة، بالإضافة إلى الوقود والغذاء. أما الملكيون (الإماميون) فبدأوا ينشئون قيادات لهم في الكهوف والأماكن الحصينة في أطراف البلاد بعدما تدفق المال والسلاح من السعودية، ومتركز الإمام المخلوع البدر في الكهوف الواقعة جنوب غرب صعدة، بينما ّ استقر عمه الحسن في أحد كهوف صعدة، وذهب عبدالله بن الحسين إلى الجوف، ومحمد بن إسماعيل إلى قبيلة بكيل، وعبدالله بن الحسن إلى خولان، والحسن بن الحسن إلى مأرب، وأحمد السياغي إلى حريب، وأصبحت القيادة الفعلية للمعسكر الملكي عامة في نجران وفيها محمد بن الحسين وخلال الحرب التي استمرت ثماني سنوات (1962_ 1970)ظهرت المساندة الأمريكية لقوات الملكيين من خلال سلاح الطيران الرابض في قاعدتها العسكرية جنوب المملكة السعودية آنذاك وكذلك دعم القوات العسكرية البريطانية الموجودة في جنوباليمن، وقد اتهمت حكومة اليمنبريطانيا بأنها «كانت تسمح للإمدادات العسكرية من مرتزقة وأسلحة أن تعبر حدودها بحرية وتذهب الى الملكيين، كما أنها كانت تأمر قواتها في بيحان بدعم الملكيين في مأرب بالأسلحة والذخائر «،ولا يخفى حرص كل من الولاياتالمتحدةوبريطانيا على مصالحها في الشرق الأوسط، ومحاولة كل منها معادلة ما اصطلحوا على تسميته ب(توسع وتغلغل النفوذ السوفيتي ) في المنطقة، وكان ذلك الدعم عاملاً حاسماً وأساسياً في إطالة أمد الحرب. جهود السلام في اليمن منذ الشهور الأولى للثورة بدأت جهود عربية ودولية لوقف الحرب اليمنية، ففي أواخر العام 1962 ،وجه الرئيس الأمريكي جون كنيدي رسائل ،إلى الرئيس اليمني عبدالله السلال والرئيس عبدالناصر، والملك الأردني الحسين بن طلال، والأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، عرض خلالها تقديم مساعيه من أجل التوصل إلى تسوية سلمية، مقرتحاً انسحاب مرحلي للقوات المصرية، ووقف المساعدات السعودية والأردنية للملكين، وسحب القوات السعودية من الحدود، فرحب الرئيس السلال بالجانب المتعلق بوقف المساعدات المقدمة للملكين، ورد الرئيس عبدالناصر على كنيدي أن تدخل مصر ليس القصد من ورائه إسقاط العرشين السعودي والأردني، ولكن بغرض حامية الجمهورية اليمنية الفتيه ، معرباً عن رغبته في سحب قواته بمجرد توقف المساعدات السعودية والأردنية ، بينما اقترح الملك الحسين قيام فريق من الأممالمتحدة بتقصي الحقائق في اليمن، أما الأمير فيصل فصرح بأن المسألة اليمنية ينبغي أن تسوى من خلال تحكيم عربي مشترك. وفي الأممالمتحدة كان مقعد اليمن لا يزال يسيطر عليه الملكيون، وتصادف قيام الثورة مع انعقاد الدورة ال17 للجمعية العامة، وبذلت حكومة الثورة جهوداً مضنية من أجل الحصول عل المقعد، من خلال وفد يرأسه وزير الخارجية محسن العيني، ولم يحسم الأمر إلا في الجلسة الختامية بعدما أقرت لجنة أوراق الإعتماد الوفد الجمهوري ممثلا شرعياً لليمن، في 19 ديسمبر/كانون أول 1962 ،بعد اعتراف عدد كبير من الدول بالنظام الجمهوري. وفي فبراير/شباط 1963 أعلنت حكومة الثورة بصنعاء مواقفتها على وساطة تقوم بها الأممالمتحدة، وفي مارس/آذار من العام نفسه وصل إلى اليمن رالف بانش الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون السياسية، وزار عدداً من المحافظاتاليمنية، والتقى مسؤولين في الحكومة في صنعاء وتعز ومأرب، وبعدها زار القاهرة والتقى الرئيس عبدالناصر الذي أكد له أن مصر ستسحب قواتها في حال توقف الدعم السعودي والبريطاني للملكيين، إلا أن بانش لم يواصل مهمته لأن السعودية رفضت استقباله بحجة أن تصريحاته أظهرت تحيزه إلى النظام الجمهوري وحكومة الثورة .وفي كتابه (اليمن الثورة والحرب)، يوجز الكاتب البريطاني (إدجار وبالأنس) تدخل الأممالمتحدة في اليمن، بأنه «كان إخفاقاً كئيباً بسبب التأييد الضئيل الذي يقع تحت رحمة مزيد من الضغوط المتصارعة، وأدى إلى سوء فهم وعداء أكثر من تهيئة المناخ الذي يقود إلى السلام «،مضيفاً: «إن بعثة الأممالمتحدة أحيطت بمنازعات داخلية، ونظر إليها بشك عميق من جانب كل الأطراف المشتركة في النزاع والحرب». وبدا الموقف الدولي من حرب اليمن والصراع العربي المتعلق بها، مطابقاً لعبارة أطلقها أحد مستشاري البيت الأبيض حينها في جمع من الدبلوماسيين العرب: «دعوهم ينزفون حتى الموت، المصريون تنشغل قواتهم، والسعوديون ينفقون، واليمنيون يعانون، وعندما يتعبون سيصلون إلى حل». وفي سبتمبر/أيلول 1964 خلال مؤتمر القمة العربية اتفقت مصر والسعودية على التعاون من أجل السلام فب اليمن، ونص الاتفاق على إجراء حوار مباشر بين الجمهوريين والملكيين في مرحلة لاحقة ،وهو ما تم أواخر العام نفسه بانعقاد مؤتمر آركويت بالسودان، بين الوفد الجمهوري برئاسة محمد محمود الزبيري، والوفد الملكي برئاسة أحمد محمد الشامي، وتمخض عنه اتفاق على وقف العمليات الحربية، لكنه لم ينفذ، واستمرت الحرب بين الطرفين حتى عام 1970 ،بعدما اتفق اللاعبان الرئيسيان في ميدان الصراع اليمني، وهما مصر والسعودية، وتحققت المصالحة الوطنية واعترف الملكيون بالنظام الجمهوري، وصدر عفو عام باستثناء الأسرة الحاكمة قبل الثورة بيت حميد الدين.