ناقشت وسائل إعلام يمنية، الجمعة، تداعيات فشل الإستراتيجية السعودية في إداراتها للحرب في اليمن خلال ما يقارب ست سنوات، منذ بدء عملية «عاصفة الحزم» في مارس 2015 وحتى يومنا هذا، والذي تكلل بإعلان إيران وصول سفيرها لدى مليشيات الحوثيين إلى صنعاء قبل أيام، بالتزامن مع أكبر صفقة تبادل أسرى بين الحكومة اليمنية الشرعية ومليشيات الحوثيين. وجاء ذلك في تقرير لقناة بلقيس الفضائية، بعنوان « تدليل الحوثيين.. هل العقل الإستراتيجي السعودي مختَرق؟». وبحسب التقرير الذي تعيد نشرة صحيفة «أخبار اليوم»، فقد حركت إيران المياه الراكدة في الأزمة اليمنية مؤخرا بإعلانها وصول سفيرها لدى مليشيات الحوثيين إلى صنعاء قبل أيام، بالتزامن مع أكبر صفقة تبادل أسرى بين الحكومة اليمنية الشرعية ومليشيات الحوثيين. وبالرغم من أن ذلك أثار حفيظة الحكومة اليمنية التي قدمت رسالة احتجاج إلى مجلس الأمن على الخطوة الإيرانية، غير أن أكثر ما زاد الأمر غموضا ما نقلته قناة «بلقيس» عن مصدر دبلوماسي يمني قوله إن وصول السفير الإيراني لدى مليشيات الحوثيين كان بواسطة طائرة خاصة أقلته من طهران إلى صنعاء بتصريح من تحالف دعم الشرعية، واستقبلته قيادات حوثية في مطار صنعاء، أي أنه لم يصل إلى صنعاء تهريبا كما توقعت مصادر إعلامية. - السعودية وتدليل الحوثيين يقول التقرير الذي أعده الزميل «عبد السلام قائد»: «إذا تأملنا في طريقة إدارة السعودية وحليفتها دولة الإمارات للأزمة اليمنية خلال ما يقارب ست سنوات، منذ بدء عملية «عاصفة الحزم» في مارس 2015 وحتى يومنا هذا، تبدو مثل هكذا خطوة متوقعة، نظرا لتدليل السعودية للحوثيين خلال السنوات الأخيرة. فبرغم من أنها وجهت لهم ضربات موجعة في البداية، إلا أنها لم تعد تفعل ذلك مؤخرا، حيث كان لافتا تغاضيها عن توجيه ضربات موجعة لهم رغم كثافة الهجمات التي نفذوها في العمق السعودي بواسطة صواريخ بالستية وطائرات مسيرة، وبعضها تسببت بأضرار وخسائر بشرية ومادية، مثل الضربات التي استهدفت منشأة أرامكو، في 14 سبتمبر 2019، وتسببها في توقف ما يقارب نصف إنتاج المملكة من النفط، وتبنى الحوثيون تلك الهجمات، بصرف النظر عن مدى صحة ذلك». وقد شكلت تلك الضربات إحراجا كبيرا للسلطات السعودية أمام مواطنيها وأمام المجتمع الدولي، وسط اتهامات لها من قبل وسائل إعلام دولية بالفشل العسكري في مواجهات مليشيات محدودة العدد والعدة، كما أثيرت تساؤلات حول مدى قدرتها على مواجهة إيران عسكريا في حال اقتضت الضرورة ذلك في حين أنها عجزت عن هزيمة مليشيات الحوثيين رغم فارق التسليح والتدريب والإمكانيات المادية والبشرية بين الطرفين. وفي حال كان هناك رد من قبل الجيش السعودي على هجمات الحوثيين التي تطال مواقع حيوية في المملكة، فإنه غالبا يستهدف مواقع عسكرية في صنعاء خالية من مخازن السلاح ومن المسلحين الحوثيين. كما أن تدليل السعودية للحوثيين أثّر على المعركة داخل البلاد بين الجيش الوطني والمليشيات الحوثية، حيث تحرص السعودية على أن تراوح المعركة ميدانيا داخل اليمن مكانها، وعدم السماح للجيش الوطني اليمني بالتقدم صوب مناطق سيطرة الحوثيين، وفي حال حدث ذلك يتم قصف الجيش اليمني بواسطة الطيران الحربي والزعم بأن ذلك حدث بالخطأ، ومنع الحكومة الشرعية من استيراد أسلحة متطورة، وتعطيل موارد البلاد التي يمكن استخدامها في شراء السلاح ودفع رواتب أفراد الجيش، كما قطعت الرواتب عن منتسبي الجيش الوطني، ومحدودية السلاح والذخائر المقدمة له، ويشمل ذلك المجندين اليمنيين في الحد الجنوبي للسعودية الذين يدافعون عنها أمام محاولات الحوثيين التوغل داخل أراضيها. - فشل إستراتيجي يعكس تدليل السعودية للحوثيين فشل ما يمكن وصفه بالعقل الإستراتيجي السعودي، وهو الفشل الذي ظل ملازما للسياسة السعودية في تعاملها مع مختلف الملفات الساخنة في المنطقة خلال العقود الأخيرة، وكانت نتيجته تغول إيران وتمكنها من مد نفوذها في عدة بلدان في المشرق العربي، وتطويقها للسعودية بالمليشيات الطائفية من جميع الجهات تقريبا، باستثناء الحدود الغربية للمملكة، حيث شمل النفوذ الإيراني كلا من لبنانوالعراق وسوريا وشمال اليمن، بينما السعودية غارقة في صراعات عبثية نتيجتها الوحيدة إضعاف الجبهة المناهضة للنفوذ الإيراني، أي أن السعودية كل ما تفعله في صراعها مع إيران أنها تحفر قبرها بيدها. =صحيح أن السياسة السعودية في اليمن نابعة من توجه رئيسي يتمثل في إضعاف البلد وتكبيله وجعله ممزقا ومفككا وضعيفا، وبالتالي الحرص على بقاء الحوثيين كلاعبين رئيسيين في المشهد اليمني والحيلولة دون القضاء عليهم لاتخاذ وجودهم كمبرر لترسيخ هيمنة المملكة في اليمن، لكن تطورات الصراع الإقليمي تحتم على المملكة إعادة ترتيب أولوياتها، وفي مقدمة ذلك التخلص من مخاوفها المزمنة من بزوغ أي قوة إقليمية خشية منافستها لها، وهي المخاوف التي جعلت المملكة تتآمر مع قوى أجنبية لإضعاف العراق وسوريا عسكريا، وإضعاف لبنان اقتصاديا بعد أن كان يطلق عليه «سويسرا الشرق»، وإضعاف مصر (عبد الناصر) عسكريا، وحاليا إضعاف اليمن في كل الجوانب، والنتيجة أنه عندما تحين لحظة المواجهة المباشرة بين السعودية وإيران أو وكلاء إيران في المنطقة، ستكتشف السعودية أنها محاطة بتخوم رخوة صنعتها بنفسها وأنها مكشوفة أمام إيران وميلشياتها في المنطقة تطوقها من معظم الجهات. - بين الاختراق والارتجال يعكس الفشل الإستراتيجي للسعودية أمرين أساسيين: الأول، أن العقل الإستراتيجي السعودي مخترق بواسطة أجهزة مخابرات غربية تنظر للسعودية كوكيل إقليمي لتمرير السياسات الغربية في المنطقة، ومن تلك السياسات الحفاظ على بقاء الجماعات والطوائف الشيعية فاعلة سياسيا وعسكريا والحيلولة دون القضاء عليها لاستخدامها في مهام آنية أو مؤجلة، من أهمها جعل المنطقة في حالة من عدم الاستقرار الذي يحول بينها وبين النهوض الاقتصادي والعسكري وغيره، لتبقى إسرائيل هي المهيمنة في المنطقة، ويعني ذلك أن تدليل الحوثيين من قبل المملكة ربما نتيجة ضغوط غربية أو استشارات مقدمة من أجهزة مخابرات غربية تمكنت من خداع حكام الرياض وأقنعتهم بأن القضاء المبكر على الحوثيين سيفسح المجال لقوى أخرى تهيمن على اليمن وتجعل منه قوة منافسة للسعودية اقتصاديا وعسكريا وغير ذلك.أما الأمر الثاني، فيتمثل في أن السياسة السعودية تقوم غالبا على أسلوب الارتجال الذي تحركه الضغائن والأحقاد التاريخية، ويعني ذلك أن السعودية تنظر للحوثيين كفئة تقدم لها خدمات جليلة في هدم اليمن من داخله من خلال نهب الموارد والقضاء على التعليم وتعطيل فاعلية المجتمع وجعله أسير مخاوفه واحتياجاته اليومية، وأيضا نشر الجهل والتخلف والخرافات وكل ما من شأنه جعل الفجوة بين اليمن وجارته السعودية كبيرة جدا من الصعب ردمها في المدى المنظور، وإلا فما هي المصلحة التي ستعود على السعودية من خلال حرصها الشديد على عدم الحسم العسكري ضد الحوثيين، خاصة أنه لا يهمها أن يتعرض أمنها القومي للخطر بسبب سياساتها التآمرية والارتجالية، نظرا لاعتمادها كليا على حليفتها الولاياتالمتحدة في حال تعرضها لخطر وجودي، سواء من قبل إيران أو من قبل المليشيات الطائفية الموالية لها. إن السياسة السعودية القائمة على الارتجال والمبنية على الأحقاد والضغائن، وأيضا اختراق العقل الإستراتيجي السعودي من أطراف أخرى، هذا إن كان هناك بالفعل ما يمكن وصفه بالعقل الإستراتيجي السعودي، سيكون لذلك عواقب وخيمة على المملكة عاجلا أو آجلا، خاصة أن اعتماد المملكة على الحماية الغربية في حال تعرض أمنها لخطر كبير لا يمكن أن يستمر في ظل المعطيات الحالية، ذلك أن الحماية الغربية للمملكة تأتي بدافع الحفاظ على أهم مصادر الطاقة في العالم، وفي حال نضوب النفط هناك ستنتفي الحاجة لدفاع الغرب عن المملكة، ولا يمكن لأي دولة أن تنصب نفسها ك»كلب حراسة» إلى الأبد لأجل حكومة ديكتاتورية غارقة في الفساد وانتهاك حقوق الإنسان وغير ديمقراطية، وبدت مؤشرات ذلك في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي حول اهتمامات الولاياتالمتحدة صوب شرق آسيا، وتراجع حضورها في الشرق الأوسط، كما تراجعت أهمية المملكة لدى الولاياتالمتحدة بعد ظهور النفط الصخري فيها. ويزيد الطين بلة أن القيادة السعودية لا تعير مراكز التفكير والبحوث والدراسات الإستراتيجية أي أهمية، فرغم إمكانيات المملكة المالية الكبيرة، إلا أنها تعد من أقل الدول إنفاقا على البحوث والدراسات الإستراتيجية، علما بأن عدد مراكز الدراسات والبحوث في دولة فقيرة مثل الصومال أكثر من عددها في السعودية، كما أن مراكز الدراسات والبحوث السعودية تفتقر للتأهيل والنزاهة والرصانة، وغير قادرة على تقديم استشارات لصناع القرار في المملكة أو التحذير من مواقف وسياسات محددة، وكل ما تفعله هو التنظير لسياسات العائلة الحاكمة، ولا يمكنها الاعتراض عليها، باعتبار كلمة «الملك» المرجع الأول والأخير لرسم سياسات المملكة، بصرف النظر عن مدى صوابيتها ومدى عواقبها، وهنا مكمن الخطر.