من المفاهيم المهمة في التراث الإسلامي مفهوم الزهد، فما معناه وهل يفهمه الناس على الوجه الصحيح، هذا ما نعرفه من كتاب "مفاهيم يجب أن تصحح في فقه السيرة والسنة" الصادر ضمن سلسلة رؤية، التي تصدرها وزارة الأوقاف مع الهيئة المصرية العامة للكتاب. يقول الكتاب: عن سهل بن سعد الساعدي، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم "ازهد فى الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدى الناس يحبوك". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه". وعن عبد الله بن عمر، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر يقول "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك". وعن عبد الله بن مسعود، رضى الله عنه، قال "نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثَّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها". فالحديث الأول مرماه ترسيخ معنى العفاف، والثاني يرسخ لثقافة الزهد، والثالث ينحو منحى التحذير من الغفلة، والرابع إلى معرفة حقيقة الدنيا. فالزهد أمر قلبي، وليس أمرا شكليا، وهو لا يعنى أبدا الانعزال عن الحياة، ولا ترك الأخذ بالأسباب والتقاعس عن عمارة الكون، وصناعة الخير، غير أن بعض الناس قد يفهمون الزهد على غير وجهه الحقيقي، حيث يرتبط الزهد في أذهان بعضهم بجوانب شكلية لا علاقة لها بحقيقته، فيوهمون أن الزهد رديف الفقر، أو حتى الفقر المدقع، فالزاهد في تصور البعض شخص بالضرورة فليل المال، وربما قليل الحيلة، وبما رث الثياب أو مخرقها، صوته لا يكاد يبين، ويده لا تكاد تلامس مصافحها، ثم تطور الأمر بسلبية أشد بهجر العمل، وربما ترك الدراسة العلمية، أو عدم الاكتراث بها، والخروج من الدنيا بالكلية إلى عالم أقرب ما يكون إلى الخيالات الخاطئة منه إلى دنيا الواقع في تعطيل مقيت وغريب وعجيب وشاذ للأسباب مع أن ذلك كله شيء، والزهد شيء آخر. وقد قال أهل العلم: ليس الزاهد من لا مال عنده، إنما الزاهد من لم تشغل الدنيا قلبه ولو ملك مثل ما ملك قارون.