تلعب إيران دورًا محوريًّا مؤثرًا في توازن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، حيث تعتبر من الدول المحرکة للتفاعلات السياسية والأمنية في المنطقة العربية، والشرق الأوسط، نظرًا لما تمتلكه من قدرات عسكرية وسياسية تمكنها من التدخل والتأثير في مسارات وتطورات القضايا المحورية في مناطق الشرق الأوسط. تواجد المعسكرات الإيرانية كأطراف نزاع صنعت معظم الأزمات العربية في العراقولبنانوسوريا وصولًا الى اليمن، رفع مستوى خطر إيران على أمن الشرق الأوسط، لاسيما بعد أن دعم مكانة إيران الإقليمية على حساب الدول العربية، وساهم في زيادة تعقيد الأزمات بدلًا من تسويتها، وأضعف من دور الدول العربية المحورية مثل المملكة العربية السعودية. حيث تسعى سياسات طهران الى إعادة تشكيل وهيكلة منطقة الشرق الأوسط، لتضمن نفاذ مشروعها التوسعي، وزيادة نفوذها ومكانتها الإقليمية، حتى تتمكن من توظيف ذلك في صراعها مع الدول الكبرى في النظام الدولي.. فهل شكلت التهديدات الميدانية والسياسية التي لعبتها طهران خلال السنوات الماضية، نموًا في الوعي السياسي العربي يستشعر خطرها العقدية التي تهدف الى السيطرة على كل ما هو إسلامي. مخاطر تهدد الرياض أحاطت المعسكرات الإيرانية بالمملكة العربية السعودية من الشمال والجنوب، لتشكل التهديد الأخطر على الأمن القومي السعودي، ففي الشمال الشرقي يتواجد معسكر طهران في العاصمة العراقيةبغداد، وفي الجنوب الغربي تخوض الرياض معركتها الوجودية ضد وكيل إيران في اليمن –جماعة الحوثيين– التي تسيطر على العاصمة صنعاء. التواجد السياسي للمملكة العربية السعودية في اليمن ليس نتيجة ظروف طارئة فراضتها تطورات المرحلة الراهنة، ولكنه تواجد قديم، حيث لعبت الرياض دورًا محوريًا خلال العقود الماضية. الا أن أحداث ما بعد الإنقلاب الحوثي على الحكومة اليمنية الشرعية في ال21 من سبتمبر/ايلول 2014، شكلت مفارقة ميدانية فرضت على الرياض أن تتواجد بثقلها العسكري في اليمن، وذلك لما تشكله الحوثية من خطرٍ إيراني يهدد أمنها القومي. يقول الإعلامي السعودي عبدالرحمن الراشد في مقال على جريدة الشرق الأوسط "الحرب في اليمن بالنسبة للسعودية ليست شأناً في آخر العالم، بل على حدود المملكة مباشرة.. مشيرًا في حديثه الى ما تخوضه الرياض من حروب دفاعية ضد الهجمات الحوثية الباليستية والدرونز الملغمة، التي تستهدف مدنها ومنشآتها". وأضاف الراشد "أبعاد حرب اليمن تتجاوز الخلاف على الحكم في صنعاء... ويرى أن السعودية مستهدفة بالحرب وليس وحده الشعب اليمني، حيث اختارت إيراناليمن كقاعدة لتهديد أمن السعودية وشرق أفريقيا". حد تعبيره وتابع " كما فعلت إيران في لبنانوسورياوالعراق، تكرر نفس استراتيجية التوسع والتهديد باستخدام المليشيات لزعزعة أمن دول المنطقة وفرض هيمنتها". فيما أشار المقال الى أن "اليمن، مثل سوريا وأفغانستان وغيرهما، تستوطن فيه الجماعات الإرهابية وأبرزها "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب".. وهذه الحرب تحول دون تمدد هذه الجماعات المسلحة، والتعاون مع القوى الحوثية". وأردف "الحرب في اليمن على الحوثي الإيراني و"القاعدة" الإرهابية، هي حرب، بالنيابة عن العالم، لمنع إيران و"القاعدة" من الوصول وتهديد الممرات البحرية في البحر الأحمر وبحر العرب". وأشار الراشد في مقاله الى أن صواريخ الحوثيين وألغامهم سبق وأصابت السفن العابرة، قبل طردهم من المناطق البحرية الحساسة". وأضاف "أيضاً، "القاعدة" له ذات الاهتمام البحري.. فهو من استهدف البارجة الأمريكية "كول" في عدن قبيل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001". وزاد بالقول "تسعى هذه الجماعات المسلحة للتموضع على مناطق تطل على الممرات البحرية، وتتطلع أيضاً إلى عبور البحر الأحمر باتجاه دول القرن الأفريقي". ضغوطات على الرياض يأتي مقال الراشد على خلفية التطورات والضغوطات السياسي التي تعيشها الرياض من حليفتها واشنطن، لاسيما تلك المتعلقة بالقرار والتعديلات التي تمنع تزويد المملكة بالخدمات العسكرية اللوجستية والأسلحة الأمريكية بحجة الحرب في اليمن. حيث يرى الراشد أن للقصة جوانب أخرى حد تعبيره بإشارة منه الى اللقاء الذي جمع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في "نيوم"، والذي أكد بدوره التزام الولاياتالمتحدة تقديم وسائل الدفاع عن المملكة، لاسيما ضد الصواريخ الباليستية وطائرات الدرونز الحوثية الإيرانية. فيما يعتقد أن "الحكومة الأمريكية لا تريد -في هذه الظروف المعقدة إقليمياً ودولياً- أن ترسل رسالة خاطئة نتيجة تصويت الكونغرس واشتراطاته". وبإشارة منه الى الوضع الميداني، يقول الراشد "ليست هناك عمليات عسكرية جوية منذ أكثر من عام، إضافة إلى أن التضييق على القدرات العسكرية السعودية سيؤدي إلى التوجه إلى أسواق أوروبية وشرقية، فسحب بطاريات الباتريوت من المنطقة بما فيها السعودية، أدى إلى جلب مثيلاتها من اليونان". وقال الراشد "المعارك مع الكونغرس في واشنطن ليست طارئة.. ففي الثمانينيات، خلال الحرب العراقيةالإيرانية، سعت السعودية للتفاوض مع البريطانيين على طائرات النمرود كبديل في حال امتنعت واشنطن عن بيع خمس طائرات الأواكس نتيجة تهديدات الكونغرس.. الصفقة الأمريكية في الأخير تمت". إستشعار الخطر على ما يبدو أن الساحة الخليجية وعلى وجه الخصوص السعودية، تشهد تطورًا في الوعي بمخاطر التمدد الإيراني في المنطقة على الأمن القومي للدول العربية والخليجية، حيث أظهر الخطاب الإعلامي والسياسي لنشطاء وإعلاميون سعوديون إستشعارًا للخطر الإيراني القادم من الشمال والجنوب. يقول الأكاديمي والكاتب السياسي السعودي خالد الدخيل بتغريدة له على تويتر "كيف وصل الحال بالعالم العربي أن عملاءً مثل جماعة الحوثي في اليمن، وحزب نصرالله في لبنان، والخزعلي في العراق وغيرهم، يجاهرون بعمالتهم تحت شعار المذهب". حيث اعتبرها الدخيل مجاهرة بالطائفية الفاقعة، وبالعمالة غير المواربة. وهوما يمثل تعد فاضح على مركزية الدولة والمواطنة، وحدود علاقة الدولة بالدين. حسب قوله وفي سياق متواصل يتساءل الدخيل "لماذا لا يريد الحوثي التفاهم مع اليمنيين في الشمال ولا في الجنوب، ولا مع الشرعية، أو الإصلاح أو الانتقالي. وفوق ذلك يتجنب التفاهم مع السعودية". وأجاب "لأن كل هؤلاء يرفضون العودة إلى حكم الإمامة، ويرفضون جعل اليمن ورقة إقليمية في يد إيران. وهو ما يقاتل من أجله الحوثيون بدعم إيراني". ومن جهة أخرى يرى الدخيل أنه بات واضحا منذ عقود أن الميليشيات المرتهنة لمشروع إيران المذهبي في المنطقة مدمرة، وهذا ما تؤكده تجربة العراقوسورياولبنانواليمن." فيما يرى أن الحلى الأول لهذه المشاريع هي الحلول العسكرية التي تقضي عليها تنظيميا وتشل قدراتها على العمل، ثم مشروع سياسي اجتماعي ينسف المشروع الذي أفرز هذه الميليشيات العميلة". ويتساءل الدخيل في تغريدة أخيرة عن مدى إتاحة الحل العسكري مع ميليشيات إيران؟ ويقول "لاحظ تناغم هوس التدمير اللامسؤول بين هذه الميليشيات. هل لاحظت أين وصل العراق، أغنى بلد عربي، وسورياولبنانواليمن بالتعاقب التاريخي؟ هذا يعني أن الخطر كبير ويطال الإقليم العربي، ثانيا أن شله عسكريا متاح، لكنه يتطلب إرادة سياسية عربية". يتشكل الخطر الإيراني أولاً من الأيديولوجية الإسلامية الشيعية المتطرفة، والتي وفرت أرضية لسياسة خارجية تصادمية، سرعان ما دخلت في صراع مع الأيديولوجية السنية التي تقودها المملكة العربية السعودية. حيث أنه وبطريقة ما، تشكك الأيديولوجيتان في شرعية بعضهما البعض. لكن طموح فرض الأيديولوجيا الشيعية على دول عربية في الأصل ذات أغلبية سنية، اتخذ أساليب مختلفة هي الأخرى، تجاوزت تصدير الفكرة المذهبية إلى الترسانة الصاروخية، والسباق النووي، لتتضاعف بذلك خطر الزحف الإيراني على مستقبل الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط، فهل تستعيد القيادة السياسية لدول الخليج وعيها وتعمل على إنقاذ نفسها من هذا شبح طهران المتطرف.