إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. [ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما (1). (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) (2). المطلب الرابع: الأحكام المترتبة على ثبوت الإجماع إذا صح الإجماع ترتبت عليه جملة من الأحكام، وهذا بيان أهمها: أ - وجوب إتباعه وحرمة مخالفته: وهذا معنى كونه حجة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم، ويترتب على هذا الحكم أنه لا يجوز للمجمعين مخالفة ما أجمعوا عليه، وأنه لا يجوز لمن بعدهم أن يخالفهم" (1). ب - أن هذا الإجماع حق وصواب، ولا يكون خطأ: ويترتب على هذا الحكم أنه لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف نص أبدا لأن مخالفة النص ضلالة، والأمة لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف إجماع سابق فمن ادعى ذلك فلا بد أن يكون أحد الإجماعين باطلاً، لأن ذلك يستلزم تعارض دليلين قطعيين وهو ممتنع (2). كما يترتب على ثبوته حرمة الاجتهاد: فمتى ثبت الإجماع وجب اتباعه، لأنه لا بد أن يستند إلى نص ووجوده مسقط للاجتهاد، فإذا انضم إلى النص الإجماع سقط الاجتهاد من باب أولى (3). ج- حكم منكر الحكم المجمع عليه: إن كان الإجماع على أمر معلوم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة، والصوم، وحرمة الزنا، والخمر، فإن مخالفه يكفر بلا ريب؛ لأن جحده يستلزم تكذيب النبي -صلى الله عليه وسلم- (4). وأما إن كان الإجماع على غير ذلك فقد اختلف العلماء في حكم جاحده أو خارقه والصحيح أنه لا يكفر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه. . . ، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره" (5). وهو ما رجحه الخطيب البغدادي (6) حيث جعل من رد إجماع العامة كافراً يستتاب وإلا قتل، أما إجماع الخاصة- ما يدركه العلماء فقط - فلا يكفر إلا بعد تعريفه (7). وفصل الجويني (8) بين من أنكر وجود الإجماع في مسألة، وبين من أقر بوجوده، ثم أنكره، فالأول: لا يكفر، والثاني: يكفر، لأن هذا التكذيب آيل إلى الشارع -صلى الله عليه وسلم- ومن كذب الشارع كفر. وأما إن أنكر أصل الإجماع، أي أنكر كونه حجة فقد كفر، قال في كشف الأسرار: "حكمه في الأصل- أي الإجماع- أن يثبت المراد به حكماً شرعياً على سبيل اليقين، ومن أهل الهوى من لم يجعل الإجماع حجة قاطعة. . . وهذا خلاف الكتاب والسنة والمعقول" (9). وقال في موضع آخر: ". . . فصار الإجماع كآية من الكتاب أو حديث متواتر في وجوب العمل به، فيكفر جاحده في الأصل قال الشارح: أي يحكم بكفر من أنكر أصل الإجماع بأن قال الإجماع ليس بحجة". د- حرمة الاجتهاد. إذا يجب اتباع الإجماع، فإن الإجماع لا يكون إلا على نص، ووجود النص - كما هو معلوم مسقط للاجتهاد (10) ه- سقوط نقل دليل الإجماع: يستغنى بنقل الإجماع عن نقل دليله، ويسقط أيضاً: البحث عن الدليل اكتفاءً بالإجماع (11) المبحث الرابع: القياس قياس الدية على الميراث والجامع في الميراث حاجة الرجل إلى الإنفاق في الزواج وعلى أهله دون المرأة، وفي الدية أن الأسرة بموت الرجل تفقد العائل بخلاف المرأة متى كانت الدية للورثة فإن كانت الدية فيما دون النفس فهي للمجني عليه قلنا كذلك إن حاجة الرجل إلى المال أشد من حاجة المرأة إليه لمكان إلزامه بالنفقة قضاءً وديانة على من يعول ولأجل دفع الصداق إلى زوجته في النكاح ولتحمله من دية الخطأ مع العاقلة دون النساء مع ملاحظة أن الدية ليست قيمة للإنسان فالإنسان بناء الله وابن آدم لا يملك نفسه ولذلك جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) (12). ومن هذا الباب النهي عن بيع الدم. المناقشة والترجيح وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: توصيف المسألة. المبحث الثاني: مناقشة دعاوى المخالف. المبحث الثالث: القول الصحيح. المبحث الرابع: المؤيدات. وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: الترابط الوثيق بين منظومة الأحكام الشرعية. المطلب الثاني: الدية ليست قيمة للمقتول. المطلب الثالث: الدية ليست عقوبة جنائية للجاني. المطلب الرابع: الميزان الصحيح لتكريم المرأة. المطلب الخامس: الاستقراء المبحث الأول: توصيف المسألة من المعلوم لدينا، أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. وقبل الشروع في مناقشة الآراء المتعلقة بدية المرأة وتوجيهها، ينبغي توصيف هذه المسألة توصيفاً دقيقاً، نتمكن من خلاله من وضعها في إحدى دائرتي الفقه الإسلامي: القطعيات، أو الظنيات. وممالا شك فيه أن هناك فرق بين الثابت والمتغير، وبين المحكم والمتشابه، وبين المجمع عليه والمختلف فيه، فيستقيم من ذلك، أن أحكام الشريعة الإسلامية تنتظم في دائرتين متمايزتين هما: دائرة القطعيات، ودائرة الظنيات. (13). فالأولى: هي منطقة الثابت المحكم والمجمع عليه، وهي منطقة مغلقة لا يدخلها الاجتهاد ولا مسوغ فيها للخلاف. فما كان من الأحكام في هذه الدائرة، اعتقدناه حقاً وصواباً لا يحتمل الخطأ بحال، ويجب اتباعه، وتحرم مخالفته (14). وفي إطار هذه الدائرة شاع قول العلماء: "لا اجتهاد مع النص"، ولا بد من تحرير المراد بالنص في هذه المقولة، ذلك أن النص قد يراد به المعنى العام أي الكتاب والسنة، أي ما قابل القياس والاستصلاح والأدلة الأخرى، وهو بهذا المعنى، منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني، وقد يراد به المعنى الأصولي، وهو ما دل على معناه بغير احتمال، فلا يشمل في هذه إلا القطعي فقط، إذن فالمقصود بالنص الذي لا يجوز الاجتهاد معه، النص بالمعنى الأصولي، أي القاطع الدلالة، وهو ما دل على معناه بغير احتمال. كما أنه لا اجتهاد مع الإجماع، لأنه حجة قاطعة، فمتى انعقد الإجماع وجب أتباعه وحرمت مخالفته ورده (18). والإجماع إما أن يكون على أمر معلوم من الدين بالضرورة، وهذا النوع إنكاره ومخالفته كفر بلا ريب، أو يكون إجماعاً على مسائل غير معلومة من الدين بالضرورة ومع عدم جواز مخالفة هذا النوع كذلك إلا أنه قد وقع الخلاف في حكم منكره (19). والصحيح أنه لا يكفر ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه، كما يكفر مخالف النص بتركه. . . ، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره" (20). وهذا القول هو الذي رجحه الخطيب البغدادي وذهب إليه قال الإمام الحافظ الخطيب البغدادي: "الإجماع على ضربين: أحدهما:إجماع الخاصة والعامة، وهو مثل إجماعهم على القبلة أنها الكعبة، وعلى صوم رمضان، ووجوب الحج، والوضوء والصلوات وعددها وأوقاتها، وفرض الزكاة، وأشباه ذلك. والضرب الآخر: هو إجماع الخاصة دون العامة، مثل ما اجتمع عليه العلماء من أن الوطء مفسد للحج، وكذلك الوطء في الصوم مفسد للصوم، وأن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، وأن لا وصية لوارث، وأن لا يقتل السيد بعبده، وأشباه ذلك، فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب و إلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر فهو جاهل يُعلَّم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله" (21). وأما الدائرة الثانية: فهي دائرة الظنيات، وهي الدائرة الأوسع في الشريعة، وهذه هي الدائرة المفتوحة للمجتهدين حصراً فيدخلها الاجتهاد بشروطه المعتبرة المذكورة في مظانها في كتب أصول الفقه. وهذه الدائرة يجوز الاجتهاد فيها من جهة كون أدلة الأحكام فيها ظنية في ثبوتها أو في دلالتها أو فيهما معاً. فنصوصها الظنية الثبوت تجعل المجتهدين يبحثون فيها من هذا الوجه فمن ترجح لديه منهم نسبتها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجب عليه العمل بمقتضاها اتفاقاً. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن خبر الآحاد- أي الذي لم يبلغ حد التواتر ينظر إليه من جهتين: هو من إحداهما قطعي ومن الأخرى ظني، ينظر إليه من حيث أن العمل به واجب وهو من هذه الناحية قطعي لأن العمل بالبينات مثلاً قطعي منصوص في الكتاب والسنة، وقد أجمع عليه المسلمون وهي أخبار آحاد. وينظر إليه من ناحية أخرى، وهي: هل ما أخبروا به مطابق للواقع في نفس الأمر، فلو قتلنا رجلاً قصاصاً بشهادة رجلين فقْتلُنا له هذا قطعي شرعاً لا شك فيه، وصدق الشاهدين فيما أخبرا به مظنون في نفس الأمر لا مقطوع به لعدم العصمة" (22) 1) ) مجموع الفتاوى 20/10. 2) ) انظر: شرح الكوكب المنير 2/258. 3) ) انظر: الرسالة 472. 4) ) انظر: شرح الكوكب المنير 2/263، وشرح مختصر الروضة 3/137. 5) ) مجموع الفتاوى 19/270. 6) ) هو: أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي أبوبكر الخطيب، الحافظ الكبير، أحد أعلام الحفاظ ومهرة الحديث، عرف بالفصاحة والأدب، تفقه على فقهاء الشافعية، له مصنفات منتشرة منها: تاريخ بغداد، وشرف أصحاب الحديث، توفي سنة 463ه. أنظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/12. 7) ) انظر: الفقيه والمتفقه 1/434. 8) ) هو: عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن عبدالله الجويني: أبو المعالي الملقب بإمام الحرمين، إذ جاور بمكة أربع سنين وبالمدينة، شيخ الشافعية في زمانه، المجمع على إمامته وغزارة مادته، وتفننه في العلوم من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك، من تصانيفه: الشامل، والتلخيص لكتاب التقريب للباقلاني: توفي سنة 478ه. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/249. 9) ) انظر: أصول البزدوي 1/245. 10) ) انظر: الأحكام في أصول الأحكام 1/201، وشرح مختصر الروضة 3/29، و معالم أصول الفقه 184. 11) ) انظر: شرح الكوكب المنير 2/260، ومعالم أصول الفقه 184. 12) ) صحيح البخاري، باب: إثم من باع حراً، رقم: 2114- 2/776. 13) ) انظر: دية المرأة في الشريعة الإسلامية، نظرات في ضوء النصوص والمقاصد للقرضاوي، بحث مقدم إلى المجلس الأعلى للأسرة. . 14) ) انظر: الرسالة ص 472، وشرح الكوكب المنير 2/. 258 15) ) انظر: دية المرأة في الشريعة الإسلامية، نظرات في ضوء النصوص والمقاصد للقرضاوي، بحث مقدم إلى المجلس الأعلى للأسرة. . 16) ) انظر: الرسالة ص 475، وشرح الكوكب المنير 2/258. 17) ) انظر: المحاورة ص 53. 18) ) انظر: شرح الكوكب المنير 2/214، وشرح مختصر الروضة 3/29. 19) ) انظر: شرح الكوكب المنير 2/263، وشرح مختصر الروضة 3/137. 20) ) انظر: مجموع الفتاوى 19/270. 21) ) انظر: كتاب الفقيه والمتفقه البغدادي 1/434. 22) ) انظر: مذكرة أصول الفقه ص 204.