إعلان قضائي    إعلان قضائي    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    بيَّن أن الدفاع الساحلي تمكن من بناء قوات بحرية محترفة    جامعة صنعاء... موقف ثابت في نصرة فلسطين    لا مكان للخونة في يمن الإيمان والحكمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    مكتب الصناعة بشبوة يغلق ثلاث شركات كبرى ويؤكد لا أحد فوق القانون "وثيقة"    أبين.. مقتل شاب بانفجار عبوة ناسفة في لودر    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    أبو عبيدة: مستعدون للتعامل مع الصليب الأحمر لإدخال الطعام للأسرى    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    عدن.. البنك المركزي يوقف ويسحب تراخيص منشآت وشركات صرافة    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    المعتقل السابق مانع سليمان يكشف عن تعذيب وانتهاكات جسيمة تعرض لها في سجون مأرب    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    اجتماع للجنتي الدفاع والأمن والخدمات مع ممثلي الجانب الحكومي    بدلا من التحقيق في الفساد الذي كشفته الوثائق .. إحالة موظفة في هيئة المواصفات بصنعاء إلى التحقيق    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس بحجة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    العسكرية الثانية بالمكلا تؤكد دعمها للحقوق المشروعة وتتوعد المخربين    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    طعم وبلعناه وسلامتكم.. الخديعة الكبرى.. حقيقة نزول الصرف    الشيخ الجفري: قيادتنا الحكيمة تحقق نجاحات اقتصادية ملموسة    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    ما أقبحَ هذا الصمت…    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولاية المرأة بين ماضي حكم الفرد المطلق وحكم الحاضر المؤسسي
نشر في نبأ نيوز يوم 21 - 02 - 2009


- أ/ محمد سيف عبد الله العديني -
إن الدارس لتاريخ المسلمين سيجد بأن التنظير للعمل السياسي توقف بعد ما تحول الحكم إلى وراثي وأصبح الحديث عن الولاية السياسية للرجل والمرأة خارج إطار الأسرة الوارثة للحكم لا قيمة له سواء ما قيل عن شرط القرشية أو الذكورة ومع هذا سنجد بأن الحديث عن ولاية المرأة في الفقه عند المسلمين أخذ منحى الإجازة والمنع بنما هو ممنوع على الكل بحكم الأمر الواقع وفي هذا المقال ليسمح لي القارئ من الأخوة والأخوات أن نأخذ بأيديهم إلى التصور الأقرب إلى مقاصد الشريعة في العمل السياسي للمرأة في المنهج الإسلامي .
إن ولاية المرأة في الإسلام لا يحتاج إلى أدلة وفتاوى، لماذا؟
لأن الولاية ( أي إدارة الحكم ) هي من قبيل السياسات والإجراءات الإدارية الخاضعة للتغير والتبديل من خلال الاجتهاد ولهذا أسلوب الحكم ليس له صورة محددة كما هو معلوم ولهذا في المنهج الإسلامي هناك أهداف فقط وأصول فأصول الحكم في الإسلام أصلان:
الأول : أصول التشريع والمرجعية لكتاب الله وسنة رسول الله الصحيحة الصريحة.
الثاني : الشورى في اختيار الحاكم من قبل الأمة .
وهناك هدفان هما :
الأول: تحقيق العدل في الأمة.
الثاني: تحقيق المساواة الشاملة بين الناس.
وأما أساليب الحكم في تحقيق الأصول والأهداف لم تحدد ولهذا كان أسلوب انتخاب أبي بكر الصديق يختلف عن أسلوب عمر وأسلوب عثمان يختلف عن أسلوب علي رضي الله عنهم وعند موت رسول الله r طُلِب منه أن يستخلف فأبا لأن من يحكم؟ وكيف يحكم ؟ تخضع لظروف الزمان والمكان والأحوال الأشخاص ولأنه لا يوجد نص في القرآن ولا يوجد نص صريح قطعي يبين من يحكم الرجل أم المرأة وكذلك في كيف يحكم لا نص فيه ولهذا كان الخلاف في ولاية المرأة والقرشية وسط الكتب.
وسأقف مع الخلاف حول المرأة ومع عدم قناعتي بأن المسألة تحتاج هذه الضجة من حراس الفهم البشري فالضجة تعبر عن أزمة فكرية وأزمة سياسية. لماذا؟
لأنه ببساطة العمل السياسي أو الإداري يحتاج إلى خبرة وكفاءة ومهارة والكفاءة السياسية الإدارية وغيرها أمور مكتسبة تخضع للتدريب وتنمية المهارات والخبرات وتهيئة البيئة المستوعبة والظروف المساعدة ولا دخل للذكورة والأنوثة بهذه الأمور هذا أمر والأمر الثاني : العمل السياسي ف ذا العصر لم يعد كما كان قديما مرهون بفرد الحاكم وشدته وحنكته ولهذا عند سماع كلمة الولاية يتبادر إلى ذهن حراس الفهم البشري المعنى القديم للولاية أيام الجمال والحمير وتباعد المسافات ووجود الجمود في وسائل الحياة المختلفة والسلطان فرد والقاضي فرد ......الخ.
وينسون متغيرات الحياة اليوم السمع والطاعة من الأمة للدستور والقانون وليس لولي الأمر الفرد اليوم السلطان للمؤسسة فالسلطة التنفيذية تمثل مجلس الوزراء وله لائحة تسيره والوزير له مجلس وزارة ولائحة تسيره والسلطة القضائية لها قوانينها والأحكام مقننه ولم يعد القاضي كل شيء ... وكذا السلطة التشريعية ... الخ إذا من السذاجة أن نقارن بين أساليب الحكم قديما وحديثا فلا بد أن نفرق بين مفهوم الولاية الفردية والولاية المؤسسية التي تصنع القرار ولهذا الدارس لنصوص الشريعة سيجد ما يثبت للرجل يثبت للمرأة لأن النساء شقائق الرجال ووصف الذكورة والأنوثة طردي لا يؤثر في الأحكام وما خصص بدليل شرعي يؤخذ به مثل حكم التنصيف في حد الزنا المنصوص عليه في قوله تعالى: ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) ولهذا ألحق العلماء العبيد بالماء في حكم التنصيف واليوم انتهى الرق فإذا عاد ولن عود ولكن افتراض عاد الحكم والسؤال المطروح : ما هي الأدلة التي يستند إليها المانعون للمرأة من الولاية السياسية رئاسة الجمهورية وغيرها ... والولايات ولايات مؤسسات وليست ولايات مطلقة؟
وسأجيب على السؤال مستند إلى التراث الفقهي للمسلمين.
من المعلوم بان الأصل في الشريعة الإسلامية في الأشياء الإباحة ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح ولا قرائن تصرفه وقد يكون هناك تحريم مؤقت لمصلحة عامة تخص مسألة معينة من خلال الاجتهاد المؤسسي التابع لنظام الحكم وهذا لا يعتبر حكم شرعي عام يتعدى الزمان والمكان والأشخاص و إنما مرتبط بمشكلة معينة وزمان معين وهذا ما عمله عمر بن الخطاب بل والمعصوم محمد r كما في الأضاحي وغيرها ... والآن لنقف على أهم الأدلة التي يستند إليها المانعون لولاية المرأة السياسية بحسب تصور الولاية قديما :
الدليل الأول : قوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهنم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ... )
وأصحاب الكتب المعتمدة ( عند المانعين ) من أهل التفسير مثل الطبري والرازي والبيضاوي والشهاب الخفاجي والجصاص في أحكامه والصابوني وابن كثير والشوكاني فهؤلاء يتعرضوا للاستدلال بهذه الآية على منع ولاية المرأة وإنما حديثهم كان عن الأسرة وكذلك الفقهاء مثل ابن قدامه في المغني وكتاب إعلاء السنن وحاشية ابن عابدين والمذهب للشيرازي وشرحه المجموع والبيان للعمراني ومغني المحتاج ومنار السبيل والروض المربع أيضا هؤلاء لم يتعرضوا للاستدلال بهذه الآية على المنع والمانعون يتوهمون المنع من خلال ذكر التفضيل المشار اليه في الآية ( بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا ) أو توهم تشبيه الأسرة بالدولة والقوامة بالولاية وأفراد الأسرة بالشعب والأولون قد كفونا المؤنة ومنعوا الاستدلال بهذه الآية على تحريم ولاية المرأة مثل ابن حزم الحنفية وغيرهم وقالوا إن الآية ( ال رجال ، ال نساء ) للاستغراق العرفي قاله ابن عاشور وابن حبان وأيضا قالوا:
أنها جنسية لبيان حقيقة الجنس وعلى المحملين لا تقضي عموم المنع لان ذلك لا يكون إلا مع اعتبارها استغراقية حقيقية واعتبارها كذلك يؤدي إلى معنى باطل إذا لم نجعل المراد بالنساء والرجال والزوجات والأزواج إذا ليس كل رجل قوام على امرأة فكم من رجل ليس قوام على أحد.
وقال المناوي في حاشته على اللب المصون : هي جنسية لا تقتضي عموم المنع كقول الرجل خير من المرأة أي هذا الجنس خير من هذا أفراد جنس الرجال لا ينافي كون بعض أفراد جنس المرأة خير من بعض أفراد جنس الرجل ولذا قال أبو حيان : والذي يظهر أن هذا إخبار عن الجنس لم يتعرص فيه إلا اعتبار أفراده كأنه قيل هذا الجنس خير من هذا الجنس وقوله تعالى: (بما فضل الله بعضهم على بعض) جاءت مبهمة ولم يقل ( بما فضل كل الرجل على كل النساء ) وهذا العدول إلى الإبهام كما قال ابو حيان: ( لما في ذكر – بعض من الإبهام الذي يقتضي عموم الضميرين فرب أنثى فضلت ذكرا ) ثم قال: وفي هذا دليل على أن الولاية تستحق با لفضل لا بالتغليب.
وهنا تفهم بأن الله علل القوامة بسببين الأفضلية والإنفاق غير حاصل في الولايات بالعكس يأخذ أو تأخذ مرتب على الولاية وفي الأسرة تسقط القوامة بالعجز على الإنفاق كما قال القرطبي[1] : أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها وكان لها الفسخ لزوال المقصود الذي شرع من أجله النكاح وبهذا السبب بطل قياس المانعين على سائر الولايات على ولاية النكاح والذي يقرأ الآية كاملة سيجد بأن السياق ذكر الحافظات للغيب والنشور وهذا كله شؤون الحياة الزوجية .
والذين جعلوا القوامة كالولاية نطلب منهم أن يحلو إشكالين هم يقولون تعريف الولاية : هي تنفيذ القول على الغير شاء أم أبا ويرتبوا على هذا الفهم أحاديث السمع والطاعة ومن المعلوم بأن للمرأة شرعا أن تتخذ لنفسها من مالها شركة أو مصنعا... يقوم عليها رجال فهل أمرها على القائمين بإدارة شركتها من الرجال نافذ أم لا؟...
وكذلك الأم هل أمرها على أبنائها الكبار نافذ أم لا ؟...
وقد يقول المانعون ما دامت الآية الكريمة خاصة بالقوامة الأسرية فلماذا لم يقل القرآن : ( الأزواج قوامون على الزوجات بما فضل ... ) والجواب جمع زوجة الأزواج وهذا قليل في لغة العرب حتى أنكرها الأصمعي على سعة معرفته بكلام العرب قال زوج [2] لا غير ولذا لم يستعملها القرآن وإنما استعمل زوج كما في قوله تعالى ( ... اسكن انت وزوجك ... ) وجمعها أزواج (... ولهم فيها أزواج مطهرة ) فلو ذكرت بلفظ زوجات لوقع لبس . ولقد سما القرآن الزوجات بالنساء في مواضع كثيرة منها ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) ومعلوم بان الطلاق للزوجات والخلاصة أن الآية لا تصلح للاستدلال على من الولاية للمرأة مطلقا .
الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: ( لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة) وهذا لا يصلح للاستدلال به على منع المرأة من تولي الولايات. لماذا؟
الحديث إخبار وتعليق من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاء المخبر يقول فارس بعد مقتل كسرى وصراع قادة الجيش اتفقوا على بنت كسرى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث ... وفعلا هذا هو الذي تم لم تفلح فارس وزال ملكهم فهذا استشراف سياسي وتنبؤ بالمآل من خلال الواقع وليس تقرير حكم فتقرير الحكم يحتاج إلى نص شرعي لا تجعلوا المرأة تحكمكم.
لا تتول المرأة الولاية
يحرم على المرأة كذا وكذا ... الخ
وإذا قلنا بان إضافة الأمر إلى الضمير ( أمرهم ) تدل على العموم وهذا محل خلاف بين أهل العلم [3] والخلاف معزوا إلى الحنفية والشافعية وسبب الاختلاف لاحتمال العهد فإذا قلت أعطيت زيدا كتابه احتمل الكتاب المعهود وكل كتاب لزيد ولا سيما في هذا الحديث الذي ذكرنا سببه وخاصة أن كسرى مزق خطاب رسول الله r وقد دعا عليه بقوله ( مزق الله ملكه ) فكان الأمر بمثابة المعهود والمعلوم ، وعلى افتراض العموم فهو ظني كما قال السبكي، والظنية من جهة أخري منها : أن قوم نكره في سياق تفيد العموم على سبل الظهور لا النصية قال السيوطي[4] في شرح الكواكب وإن أعربت النكرة في سياق النفي ولم يدخلها ( من ) فدلالتها كلمه ( أي العموم ) ظاهره لا نصا وعرف الظاهر بأنه ما دل على المعنى دلالة ظنيه.
ومنها: أن دلالة العام على كل فرد بخصوصه بحيث يستغرق الظنية عند جمهور العلم والحنفية يقولون قطعية حتى يظهر تخصيصه وقد ظهر عندهم تخصيصه كما سيأتي في تحرير أقوالهم إذا الجميع على الظنية.
ومنها: أن القرآن الكريم قص علينا خبر ولاية بلقيس وحكمها والتي ولى .قومها أمرهم إليها فقالوا: ( والأمر إليك ) وكان مآل تصرفهم معها الفلاح ، ومآل حكمها الفلاح فيكون إخبار القرآن مع القول بعموم الحديث قرينه على أن ما في الحديث من عموم هو من العام المخصوص بسببه تتضح الصورة لهذا الموضوع أضرب مثلا بما يقوله المانعون لولاية المرأة فهم يعزون نقل الإجماع إلى ابن قدامه[5] قال ما نصه . ( ولا تصلح المرأة للإمامة العظمى ولا تولية ، ولهذا لم يولي النبي صلى الله علمه وسلم ولا أحد من الخلفاء الراشدين ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا ) ، وهنا نفهم من العبارة أنه ليس فيها إجماع صريح بالمعنى الواضح الجلي من إبداء الرأي الجماعي وذكر المذاهب المجمعة وغاية ما في فول ابن قدامة انه لم يبلغه الوقوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده ، وهنا نريد أجوبة على هذه الأسئلة ؟ هل نفي العلم بوقوع دليل إجماع وتحرم ؟ وهل نفي الوقوع بأي عمل دليل تحريم؟
وهل إذا لم يعمل الصحابة والتابعون اجتهادات أو أعمالا نحتاجها اليوم هي محرمه علينا ... الخ ؟ إن في هذا الفهم خطورة وهي أن اعتبار عدم العمل يعد إجماع على المنع ، وهذا سيؤدى إلى إصابة باب السياسات الشرعية فيما لا نص فيه ، وفيما يحتمل وجوها عده وفي المصالح المرسلة ، وحصرها فيما فعله الصحابة والتابعون ، سيؤدى هذا إلى الجمود والانسداد والانغلاق وتوقف العقل المسلم عن الاستخلاف وعمارة الأرض ومواجهه مشكلات الحياة و مستجداتها وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل القوانين الغربية تحل محل القوانين الإسلامية لتجمدها ولا أحد يقول بهذا، وإنما المتفق عليه ولمقبول هو في العبادات المحضة الموقوفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما في العاديات والسياسات ، والإجراءات فليس بمقبول قطعا ، ولهذا كان ابن قدامه موفقا في قوله : ( فيما بلغنا ) فإن عدم الورود لا يدل على عد م الوقوع ، وكذلك كان موفقا في قوله : ( ولو جاز ذلك لم يخل منه الزمان غالبا ) ، ولم يقل قطعا ، والطبري أجاز للمرأة القضاء وكذلك هي رواية عن ملك وأبي حنيفة تلي الحكم تجوز فيه شهادة النساء.
وقال الكسائي في بيان من يصلح للقضاء : ( لها شرائط منها العقل وأما الذكورة فليست من شرط جواز التقليد في الجملة إلا أنها لا تقضي في الحدود والقصاص لأنها شهادة لها في ذلك وأهلية القضاء تدور مع أهلية[6] الشهادة وفي الدر المختار[7] وأهلية أي أهلية القضاء أهلية الشهادة وشرط أهليتها شرط أهلية القضاء فإن كلا منهما من باب الولاية والشهادة أقوى لأنها ملزمه على القاضي، والقضاء ملزم على الخصم فلذا هل حكم القضاء يستقي من حكم الشهادة.
وقد نقل الخلاف في المغني لأبن قدامه ومغنى المحتاج وبداية المجتهد وموسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي[8] وفي المحلي لأبن حزم[9] ما نصه : ( وجائز أن تلي المرأة وهو قول أبي حنيفة وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه ولى الشفا امرأة من قومه السوق فإن قيل قد قال رسول الله . ( لن يفلح قوم أسندوا أمرهم امرأة ) ، قلنا إنما قال ذلك في الأمر العام الذي هو الخلافة ، برهان ذلك قول رسول الله : ( والمرأة راعية في مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها ) ، وقد أجاز المالكيون أن تكون وصية ووكيلة ولم يأتي نص من منعها أن تلي بعض الأمور .. انتهى كلا ابن حزم.
ومن المعلوم أن ابن حزم من الظاهريين المتمسكين بصريح الكتاب والسنة وهو بشهادة معظم العلماء حافظا للحديث فلم يثبت عنده ما يمنع ولاية المرأة إلا حديث (لن يفلح .....)، فصرفه للولاية العظمي فقط ء والعلماء لا يحكون الإجماع فيما خالف فيه المجتهدون ولو كان مستنداتهم ضعيفة، لجواز أن يرى رجحان رأيه فيدعى الإجماع لضعف مستندات مخالفة فيبطل بذلك اعتبار أقوالهم.
ولهذا نجد ابن حزم قال :( روى عن عمر بصيغة التمريض وأورد الخبر في معرض الحكاية و هو لا يرى حجية فعل الصحابي أو قوله[10] ولهذا أورد دليلا صحيحا ليصرف عموم قول رسول الله ( أمرهم ) وهو معارض في نظره كما صح عن رسول الله ( إن المرأة راعية في بيت زوجها ) فجمع بينهما بجواز الولايات فيما عدا الخلافة العظمى كما هو صريح في كلامه رحمه الله وإذا عرقنا أنه لا يوجد إجماع صريح وأن الخلاف ثابت في تراثنا الإسلامي ، فهل هناك إجماع سكوتي بالمعنى المبين في زمن الصحابة والتابعين مع العلم بان الإجماع السكوتي ظني عند الجمهور وليس بحجة أصلا عند بعض العلماء [11].
جاء في إعلاء السنن ( والأولى أن يستدل لمذهب. الحنفية في جواز قضاء المرأة وإمارتها بعمل عائشة رضي الله عنها عندما قتل السبئيون الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه وتولي الخلافة بين المسلمين علي و الفتنه قائمة لم تحسم فخرجت عائشة مع الصحابة بهدف الصلح بين المسلمين والمطالبة بإقامة الحدود على قتلة عثمان رضي الله عنه ، وانقسم القتلة بين الطرفين وعملوا على إنشاب القتال في ما يسمى موقعه الجمل وعائشة كانت أميرتهم ، وفى هذا أصرح دلالة على كون عائشة أميرة القوم وفيهم عدد كبير من الصحابة بل ومن العشرة المبشرين بالجنة كما لا يخفي على الدارس والمتأمل للتاريخ ، وكلهم لم يحمل الحديث ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) على بطلان إمارة عائشة ، وما نقل عنها أنها ندمت، و هذا لم يثبت كما بينت ذلك الباحثة أسماء أحمد محمد زيادة في بحثها الموسوم ( دور المرأة السياسي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ) وفيها تحقيق تاريخي وفقهي وتشريع لفهم دور عائشة رضي الله عنها في أحداث الفتنة.
والله الموفق
----------------------------------
[1] تفسير القرطبي ج 3 ص 149
[2] لسان العرب ج 2 ص 292
[3] حاشة الكواكب الساطعة حاشية الكتاب ج 3 ص 136
[4] شرح الكواكب ج 1 ص 285
[5] المغني لابن قدامة ج 11 ص 38
[6] بدائع الصنائع ج7 ص3
[7] شرح تنمير الأبصار مع حاشية رد المختار ج9 ص23
[8] ج 3 ص 946
[9] ج9 ص 429
[10] أحكام الحكام لابن حزم ج 1 ص 620
[11] إعلاء السنن ج 15 ص 33


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.