لازالت الإدارة الأميركية تواصل سيناريو المحاولات المتتالية لخلق ذرائع التدخل الأميركي باليمن من خلال تصريحات المسئولين الأميركان التي لا تفتأ تظهر من فينة لأخرى ومن حين لآخر. وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة وبسطن غلوب الأمريكية نقلاً عن مسئولين أميركيين أن الولاياتالمتحدة تصعد من مطاردة تنظيم القاعدة في أفغانستانوباكستان، فيما بعض أعضاء الشبكة الإرهابية المخضرمين بدأوا بمغادرة المنطقة والتدفق إلى اليمن، حيث حرب أهلية متصاعدة هناك،حيث تحول هذا البلد العربي، الذي يفتقد لحكم القانون تقريباً، إلى بديل جذاب كمعقل لعمليات القاعدة - حسب تعبيرهم. واستشهد المسئولون الأميركيون بتقارير استخباراتية واتصالات ملتقطة، إذ يتعقدون أن عشرات من المقاتلين الأشداء من أتباع أسامة بن لادن قد سافروا مؤخراً إلى الجارة الفقيرة الجنوبية للسعودية، اليمن، للانضمام إلى متعاطفين آخرين مع القاعدة هناك الذين يحاولون جعل محافظة مأرب الجبلية النائية ملاذاً جديداً لهم. وأفادت الصحيفة الأميركية أن أحد كبار المسئولين العسكريين قال إن مسئولي الجيش والمخابرات الأمريكيين، الذين لديهم طائرات بدون طيار وقوات العمليات الخاصة بمقرهم في جيبوتي في القرن الأفريقي، قد ابتكروا وسائل جديدة لمكافحة هذا التهديد، لكنه امتنع عن تقديم تفاصيل أكثر. وقال المسئول الأمريكي المشارك مباشرة في عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط: "في الواقع، هناك قلق إزاء وضع عناصر تنظيم القاعدة في اليمن". لقد تورطت عناصر القاعدة في اليمن في سلسلة من التفجيرات التي قُتل فيها سياح وتضررت منشآت نفطية، ويحكمون قبضتهم عن طريق اغتيال المسئولين المحليين في القرى الرئيسية. ووفقا للصحيفة ذاتها فإن مسئولاً في الحكومة السعودية رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية القضايا الاستخباراتية،أشار إلى أنه تم في الأيام الأخيرة اعتقال آخرين كانوا يحاولون تهريب العشرات من الأحزمة الناسفة من اليمن إلى السعودية. وأضافت أن تسجيلاً مصوراً لأحد المتشددين نُشر على الانترنت بتخويل من مسئولي المخابرات الأمريكيين، كشف عن العديد من أبرز قيادات القاعدة الموجودين في اليمن قد تم إطلاق سراحهم من السجن الأمريكي في خليج غوانتنامو، ومنهم إبراهيم الربيش، وهو أحد الإيديولوجيين الدينيين في المجموعة، المعروف بشاعر غوانتنامو والذي تم اعتقاله في باكستان في أواخر عام 2001 وتسليمه إلى الولاياتالمتحدة، التي احتجزته في غوانتنامو حتى عام 2006، حيث تم إطلاق سراحه ليخضع لبرنامج تأهيلي في السعودية. ونسبت الصحيفة لمسئول سعودي، قوله إنه اطلع مؤخراً على معلومات استخباراتية كشفت أن عناصر من القاعدة غادروا باكستان وأفغانستان وحتى العراق يتجمعون باليمن،فهناك حكومة مركزية تقاتل انفصاليين في الجنوب ومتمردين في الشمال ومعقل تنظيم القاعدة في الوسط. واليمن لا تملك الموارد اللازمة لمتابعة هذا النزال'' حسب "وبسطن غلوب الأمريكية". وأنه نتيجة لذلك، فإن عدداً متزايداً من صناع القرار الأمريكيين يدقون نواقيس الخطر من أن يصبح الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، أحد مراكز التهريب النشطة من أفريقيا إلى آسيا، المقر القادم للقاعدة حيث تكسب موطئ قدم لإعداد هجمات في المستقبل. يقول السناتور بين كاردن، عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس: "الظروف في ذلك البلد هي غالبا عرضة للاختراق من قبل الإرهابيين ليستخدموه كمعقل لهم، لاسيما إذا أصبح من الصعب جدا لهم البقاء في أفغانستانوباكستان''. لقد صاغ كاردان الأسبوع الماضي قراراً ينص على أن مزيجاً من التهديدات الأمنية والتحديات التنموية التي تواجه اليمن يختلف عن أي بلد آخر في العالم. لذا فإن الحاجة ملحة أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لاتخاذ جميع التدابير المناسبة لمساعدة هذا البلد. وعلى الرغم من تأكيدات كبار القادة العسكريين في الأسبوع الماضي بأن زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان لن تجهض جهود مكافحة الإرهاب في أي مكان آخر، يقول السناتور روس فينجولد عضو لجنة الاستخبارات، إنه يعتقد أن إدارة اوباما بحاجة إلى إستراتيجية أكثر عالمية لمنع تنظيم القاعدة من ترسيخ جذوره في اليمن وغيرها من الدول الفاشلة مثل الصومال. وأضاف قائلاً: "إننا نرتكب خطأ استراتيجياً خطيراً في الحرب ضد تنظيم القاعدة"،مشيرا إلى أن الموارد العسكرية والاقتصادية الأمريكية التي تُرسل تقريبا إلى أفغانستانوباكستان هي تعبير عن "سوء فهم أساسي" للتهديد. وقالت الصحيفة إن موقع اليمن بجوار السعودية الغنية بالنفط،جعل القاعدة تحاول الإطاحة بالحكومة هناك لأنها تعتبرها غير شرعية لحماية أقدس المواقع الإسلامية، وهو أيضا عامل جذب أساسي للجهاديين. يقول ايفان كولمان، متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة: "نحن نتحدث عن شخصيات مخضرمة في تنظيم القاعدة وعن فضاء مكشوف لا تسيطر عليها حكومة وعن موقعا حساس جدا، دينيا واقتصاديا، كل ذلك ملائم لسوق تجنيد القاعدة التقليدي". بسكانها ال23 مليون نسمة تقريبا، تُعتبر اليمن أيضا بلدا غير مستقر بسبب الانقسامات القبلية والعرقية التي غالبا ما تتحول إلى أعمال عنف. لقد اندلع قتال جديد بين الحكومة والمتمردين الحوثيين في الشمال الذين يبحثون عن حكومة ثيوقراطية. واضاف التقريرالذي نشرته الصحيفة تحت عنوان" تنظيم القاعدة يبحث عن معقل جديد في اليمن"أن الحكومة اليمنية تدعي أن جماعة المتمردين الحوثيين تتلقى مساعدة سرية من إيران، الأمر الذي تنفيه طهران. وقد انضمت السعودية أيضا إلى القتال في اليمن، وذلك باستخدام الطائرات الحربية لقصف مواقع الحوثيين من أجل وقف تقدمهم على الحدود السعودية اليمنية. يقول كريستوفر بوسيك، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط بمعهد كارنيجي للسلام الدولي: " في اليمن حالة رهيبة فإن محاربة تنظيم القاعدة ليس من الدرجة الأولى في أولوياتها، وربما ليس حتى من الدرجة الثانية. وهذا يعني المزيد والمزيد من المساحات المتوفرة هناك للقاعدة أو للمنظمات المنحازة لها". قال مايكل ليتر مدير المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب مؤخرا أمام إحدى لجان الكونجرس: "لقد شهدنا عودة ظهور تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية باعتبار اليمن ساحة قتال رئيسية وقاعدة إقليمية محتملة لعمليات تنظيم القاعدة حيث يمكن أن تخطط لهجماتها من هناك وتدرب المجندين وتسهل تحرك نشطاءها. ويمكن لزعماء القاعدة أن يستخدموا المجموعة والوجود المتزايد للمقاتلين الأجانب في المنطقة لاستكمال قدرة العمليات عبر الحدود''. أما بيتر بيرغن، المتخصص في شؤون القاعدة لدى مؤسسة أمريكا الجديدة في واشنطن، فيقول إن اليمن في وسط حرب أهلية، والجميع هناك يملكون السلاح وهي منطقة جبلية. إذن هذا النوع مشابه لأفغانستان في التسعينات". من جانبهم اعتبر مراقبون سياسيون هذا التوجه الذي يجعل المسئولين الأميركيين يصرون على نهجه يأتي في سياق الضغوط الأميركية على اليمن لإيقاف حربها ضد التمرد بصعدة وفتح جبهة جديدة لها مع القاعدة.