أصبحت ظاهرة تدني مستوى التحصيل الدراسي من أبرز الظواهر التي تواجه العملية التعليمية في بلادنا والتي ألقت بظلالها على المؤسسة التعليمية والمجتمع والأسرة، وكادت ظاهرة تدني التعليم ومخرجاته أن تكون هي تلك المشكلة التي يجمع على وجودها كل التربويين والمهتمين وذوي العلاقة بالشأن التربوي والتعليمي. هذه الظاهرة تشكل مصدر إزعاج وقلق لآباء التلاميذ والطلاب بشكل خاص، وللمجتمع والمؤسسات التربوية والتعليمية بشكل عام، ولم تكن وليدة اللحظة بل نتيجة لتراكمات سنوات طويلة ناتجة عن خلل ما في أدوار عناصر العملية التعليمية – التعلمية . هذه الظاهرة لها أسبابها وآثارها السلبية على الأسرة والمجتمع وتنمية الموارد البشرية وإعاقة عجلة التطور والتنمية في مختلف المجالات والأصعدة وهي بحاجة إلى تشخيص أسبابها ووضع المعالجات للتغلب على نتائجها الكارثية، المدمرة. ولتسليط الضوء على ظاهرة تدني التحصيل الدراسي في مدارسنا التقت صحيفة "أخبار اليوم" عدداً من المشتغلين والمهتمين بالحقل التربوي – التعليمي والآباء والقائمين على التربية والتعليم بمديرية لودر م/ أبين وكانت خلاصة أحاديثهم في هذه السطور: * وجود هوة بين الأسرة ( المجتمع ) والمدرسة: أول المتحدثين كان الشيخ/ محمد فضل جعبل عضو المجلس القبلي العوذلي وعضو محلي م / لودر سابقاً، حيث يرى أن وجود هوة ما بين الأسرة من ناحية والمدرسة من ناحية أخرى تعتبر من الأسباب الأساسية لتدني تحصيل التلاميذ وانخفاض مستواهم التعليمي والثقافي والعلمي أولاً لعدم متابعة رب الأسرة لإدارة المدرسة لمعرفة مدى التقدم أو التأخر الدراسي لابنه أو ابنته مقارنة بمستواه التحصيلي خلال الفترات المنصرمة ومقارنة ما أحرزه من تقدم أو ما تعرض له من تعثر لتعزيز مواطن التقدم وتطويرها ووضع المعالجات لمواطن التأخر والتعثر الدراسي للتغلب عليها والحد من تأثيراتها المصاحبة لاحقاً، وثانياً لإهمال الإدارة المدرسية لدورها في متابعة وتقييم التلاميذ والقيام بالتواصل والاتصال مع الأسرة والمجتمع باعتبارها حلقة الوصل بين المدرسة والمعلمين والتلاميذ من جهة وبين الأسرة والمجتمع المحلي من جهة أخرى". ويرى جعبل أن نقص الوازع الديني والأخلاقي والمهني للمعلمين وتقصيرهم في أداء عملهم من أسباب" تدني التعليم في مدارسنا" إما لتذمرهم وإحباطهم نتيجة لظروفهم المعيشية والاقتصادية السيئة أو لعدم شعورهم بسمو وشرف وقدسية مهنة التربية والتعليم وعظمة شأنها في إحداث عملية التطور وبناء المجتمعات والحضارات منذ الأزمنة الغابرة وحتى عصرنا الراهن".
* عدم تأهيل وتدريب المعلمين والمعلمات أما الأخ/ عبدالله أحمد محمد مقبل فينظر إلى أسباب تدني مستوى تحصيل التلاميذ من جانب عدم تأهيل غالبية المعلمين والمعلمات في مدارسنا الأساسية والثانوية" مما يؤثر تأثيراً مباشراً على العملية التربوية والتعليمية " بعدم قدرة المعلم غير المؤهل على نقل المعارف والمعلومات لتلاميذه كما ينبغي أن تنقل إلى أذهانهم كاملة غير منقوصة، إما لنقص في معارف هذا المعلم أو لنقص في قدراته ومهاراته التدريسية والمسلكية، وحينما أقول غالبية المعلمين فيعني ذلك أنه يوجد معلمون آخرون يمتلكون مهارات تدريبية وتدريسية تؤهلهم لقيادة العملية التعليمية التدريسية إلى بر الأمان وإحداث الأثر الايجابي في التلاميذ أو الطلاب لتحقيق أهداف التربية والتعليم والمؤسسة التربوية والتعليمية وبما يضمن تطوير مداركهم ومعارفهم وقدراتهم ومهاراتهم وتطوير شخصياتهم المتعددة الجوانب العقلية والمهارية والوجدانية والنفسية والقدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات بشأنها واستخدامها في مواقف الحياة اليومية. ويرى أن من أسباب تدني التعليم هو عدم تفرغ بعض المعلمين للتعليم بل إنهم يشركون أعمالاً أخرى إلى جانب مهمتهم الرئيسة التدريس مما يؤثر على العملية التعليمية وانخفاض وتدني تحصيل التلاميذ وكذا لعدم وجود مبدأ العقاب والثواب من قبل الإدارات المدرسية بمحاسبة المقصرين وغير المواظبين من الهيئات التدريسية وعدم متابعة ومراقبة وتوجيه المعلمين لبذل جهود تسهم في قطع أكبر قدر من المادة المقررة مع ضمان توصيلها للتلاميذ بطرق سلسة ومناسبة مع مراعاة قدراتهم وإمكانياتهم وخصائصهم النمائية والمعرفية ومراحلهم العمرية، وكذا نقص الدور الإشرافي للموجهين والمشرفين التربويين تجاه بعض المعلمين ونزولهم إلى المدارس في فترات زمنية متباعدة وعدم متابعتهم باستمرار للمعلمين وتذليل الصعوبات التي تواجههم سواءً كانت علمية منهجية أو طرائقية تدريسية وغيرها".
* الحشو في المقررات الدراسية أما الأخ/ سليم حسن علي هيثم من الشخصيات التربوية بالحميشة لودر فيرى أن المقررات الدراسية يغلب عليها طابع الحشو في المعلومات، حيث تفتقر إلى المواصفات والمعايير التقويمية من حيث ملائمتها لمستويات التلاميذ وترابط محتوى المقررات بطريقة تسلسلية ومنطقية ومتكاملة مع المواد الدراسية الأخرى ومواكبتها للتطورات العلمية المتسارعة في ظل تكنولوجيا العصر مما يؤثر على التدريس سلباً وتنعكس آثاره على أداء المعلمين وتحصيل التلاميذ، ومن جانب آخر فإن عدم حداثة مناهج التعليم وعدم ارتباطها ببيئة التلاميذ لا تحقق الأهداف المرجوة منها وتكون عاملاً رئيسياً في تدهور العملية التربوية والتعليمية وما ينتج عنها من تدني للتعليم وفي تحصيل التلاميذ وبالتالي ما ينجم عن ذلك من عدم قدرتهم على مواصلة دراستهم في المراحل التعليمية اللاحقة ولا سيما مرحلة التعليم الجامعي التي يصعب الإستمرار فيها إذا لم يتوافر لدى الدارس قدر واف من المعلومات والقدرات والمهارات الأكاديمية والمسلكية التي من الممكن تطويرها مستقبلاً.
* آثار تدني مستوى التحصيل الدراسي لتلاميذنا ويوجز الأستاذ/ محمد صالح العبار بكالوريوس تاريخ جامعة عدن الأضرار الناتجة عن هذه الظاهرة بأنها تتمثل في اضطرار كثير من التلاميذ من ذوي المستويات المتدنية إلى التسرب المدرسي وترك الدراسة وحرمانهم من مستقبلهم وخروجهم إلى الشارع ليخوضوا معترك الحياة وهم غير جاهزين عقلياً وجسدياً ونفسياً لهذه التجربة القاسية والجديدة عليهم، فيذهبون مجبرين للعمل في الأعمال الشاقة التي لا تناسب أعمارهم وأما أن يبقوا في جيوش العاطلين عن العمل وما يصاحب تلك الظاهرة القاتلة من حالات الإحباط والتذمر واللجوء إلى استخدام العنف أو السرقة وغيرها من الأعمال الغير مستحبة وإما أن يستمروا لمواصلة دراستهم ويواجهون مصاعب وعراقيل شتى في المراحل المتقدمة إذ لا يستطيعون مواكبة أقرانهم من ذوي المستويات المتوسطة والعالية وإن تخرجوا لا يقدرون على إتقان العمل ميدانياً، وبشكل عام يؤدي تدني مستوى التعليم إلى وجود مجتمع هزيل في بيئة هشة لا يستطيع مواجهة التحديات ومواكبة التطورات العصرية في عالم لا مكان فيه إلا للقادرين على تكييف الطبيعة لصالحهم بالعلم والتكنولوجيا والصناعة وغزو الفضاء ومعرفة أسراره وآفاقه الرحبة. وإن تدني التحصيل الدراسي ينتج جيلاً أمياً يودي بالبلاد والعباد إلى أنفاق مظلمة ويسير بها في طرق غير مأمونة العواقب قد تقذف بمن فيها إلى الهاوية ويبقى حالهم كحال أحد المعلمين حين سأل تلميذاً له ما عاصمة بريطانيا ؟ فأجاب التلميذ : لندن فصرخ هذا المعلم الذي ما زال يمارس مهنة التعليم حتى اليوم في وجه تلميذه قائلاً: لقد أخطأت الإجابة يا .... لندن إذاعة وليست عاصمة دولة والبرازيل منتحب كرة قدم وليست دولة فهل فهمت أم لم تفهم ؟ فقال التلميذ الآن فهمت يا أستاذي!. ومن آثار تدني التعليم تأثيره على الفرد والأسرة والمجتمع والوطن ككل وينجم عنه كثير من المشكلات التي تعصف ببنيان المجتمع وكيانه والتي تؤدي إلى إثارة الفتن والتناحرات والصراعات بين أفراده وشرائحه وأطيافه نتيجة نقص الوعي الثقافي والمجتمعي بسبب تدني المستوى التعليمي والفكري والثقافي لعناصر هذا المجتمع ويؤثر على إعاقة عملية التنمية بمختلف أنواعها البشرية والخدماتية والتربوية التعليمية – التعليمة.
*المعالجات التي من شانها الحد من الظاهرة ويرى المعيد بكلية التربية لودر قسم اللغة العربية الأستاذ/ صالح أحمد السعدي أن من بين المعالجات أن يتم إعادة النظر في تأهيل المعلمين والمعلمات الذين تنقصهم المهارات التربوية والتدريسية والطرائقية وتوفير المناخات المناسبة لبيئة تعليمية مدرسية وفي غرفة الصف وأن تضطلع إدارات المدارس بواجباتها في توفير كافة التسهيلات والإمكانيات المادية والمعنوية من الوسائل التعليمية والمختبرات والمكتبات وتحفيز المعلمين النموذجيين وتشجيع التلاميذ على التنافس والمشاركة الفعالة في الأنشطة الصفية واللاصفية وبالمقابل أن يقوم المعلمون والمعلمات ببذل قصارى جهودهم لإيصال المفاهيم والحقائق والمعلومات وكل عناصر المعرفة إلى التلاميذ من خلال تنويع أساليبهم وطرائق تدريسهم المناسبة وتطوير كفاءاتهم المهنية والعلمية والطرائقية ليكونوا قادرين على أداء مهامهم التدريسية على أكمل وجه وأن يقيموا علاقات ممتازة مع التلاميذ تقوم على العطف والتواضع والاحترام المتبادل والتقدير وأن يشعروهم بقيمتهم ويهتمون بهم ويصقلون مواهبهم وقدراتهم وإبداعاتهم وتشجيعهم على التفكير الإبداعي والناقد والبحث والاستقصاء والاكتشاف كل تلك الأساليب سوف تحد من مشكلات تدني مستويات التحصيل العلمي وسوف تعمل على إثارة التفاعل الصفي والاتصال والتواصل بين المعلم وتلاميذه وما ينتج عن ذلك التفاعل من تثبيت للمعارف والمعلومات وتطوير للمهارات والقدرات. ومن المعالجات ما يتعلق أيضاً بالمعلمين من خلال إقامة الدورات الإنعاشية لهم بين الحين والآخر لتمكينهم من الاستفادة باستخدام أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا العلم وثورة المعلومات بهدف تطوير أنفسهم في التخصصات الخاصة بهم وتطوير استخدامهم لطرائق التدريس والوسائل التعليمية وإنتاجها واختبار صلاحيتها للاستخدام في غرفة الصف. ويرى أن للمسجد دوراً تنويرياً وتربوياً تعليمياً لا يقل عن دور المعلم وتأهيله وغيرها من الأدوار التي تطرقنا اليهافي الحد من تدني تحصيل التلاميذ. ومن جانب آخر ينبغي أن تعمل الحكومة على تحسين المستوى المعيشي والاقتصادي للمعلمين كي لا ينشغلوا بمثل تلك المشكلات الاقتصادية التي قد تؤثر سلباً على أدائهم وما يسببه من آثار سلبية هو الآخر على سير العملية التربوية والتعليمية تفضي في آخر المطاف إلى تدني التعليم وتدهور مستوى التحصيل الدراسي لتلاميذنا وفلذات أكبادنا كما يقع على الأسرة واجب الاهتمام بالأبناء وتوثيق علاقة الأسرة والمجتمع بالمدرسة لإضفاء عوامل التكامل والتعاون المثلى التي من شأنها الإسهام وضع الأساس المتين لبناء مداميك العملية التعليمية وتفعيل محوريها الرئيسيين المعلم والتلميذ.
* الخلاصة : تدني مستوى التحصيل الدراسي يكاد أن يكون ظاهرة عامة يعاني منها المجتمع والتربية والأسرة ككل، ليس في بلادنا بل في معظم دول العالم النامي، وفي استطلاعنا هذا تطرق المتحدثون إلى أبرز الأسباب والنتائج والمعالجات لظاهرة تدني مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ في مدارسنا، من وجهة نظرهم وبالتأكيد فإن هناك لابد أن تخطر في أذهان القراء الكرام أفكار أخرى بخصوص محاور هذا الاستطلاع ونحترم مثل تلك الأفكار ونأمل أن نهتدي إلى تناولها بطرق وأساليب مناسبة لنستعرضها في استطلاعات أخرى تتعلق بالجانب التربوي والتعليمي ننوي تسليط الضوء عليها في أعداد لاحقة للصحيفة إن شاء الله.