روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : ما ترك فينا فقيراً إلا أغناه ولاة ستبقى لهم ذكرى طيبة بسبب أعمالهم الطيبة ومنهم الوليد بن عتبة فماذا عمل ؟ ( يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ورد علينا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان(1) المدينة والياً، وكأن وجهه ورقة من ورق المصحف، فوالله ما ترك فينا فقيراً إلا أغناه، ولا مديوناً إلا أدى عنه دينه، وكان ينظر إلينا بعين أرق من الماء، ويكلمنا بكلام أحلى من الجنى ... تغدينا يوماً عنده، فأقبل الفراش بصحفة، فعثر في وسادة، فوقعت الصحفة من يده، فوالله ما ردها إلا ذقن الوليد، وانكب جميع ما فيها في حجره فبقي الغلام متمثلاً واقفاً ما معه من روحه إلا ما يقيم رجليه، فقام الوليد فدخل، فغير ثيابه، وأقبل علينا تبرق أسارير جبهته، فأقبل على الفراش وقال: يا بائس ما أرانا إلا روعناك. اذهب، فأنت وأولادك أحرار لوجه الله تعالى. ) فهذا الوالي فكر في المسلمين قبل أن يفكر في نفسه وعياله فوفقه الله عزوجل وأعانه فأستطاع بكل سهولة ويسر أن يغني الفقراء ويقضي الدين عن المدينين !! وعاش هو نفسه في رغد العيش لكن بعد أن شبعت رعيته وأثنت عليه !! وحسبه ثناء حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ! لعلك استقللتها فأزيدك المسلمون كرماء في رمضان وغيره فقد ( جاء رجل إلى يحيى بن الصحابي طلحة بن عبيد الله، فقال له: هب لي شيئا، قال: يا غلام أعطه ما معك، فأعطاه عشرين ألفاً، فأخذها ليحملها فثقلت عليه، فقعد يبكي، فقال: ما يبكيك؟ لعلك استقللتها فأزيدك، قال: لا، والله ما استقللتها، ولكن بكيت على ما تأكل الأرض من كرمك، فقال له يحيى: هذا الذي قلت لنا أكثر مما أعطيناك ) فمن يقتدي بهذه الفعال في هذا الشهر المبارك فيتعاهد أهله وجيرانه ؟ وسيكسب رضى الرحمن وثناء الإخوان والأهل والجيران . كريم سددت خَلَّته بالله عليك تأمل هذه الحكاية جيدا ( لما حضرَت بن سعيد بن العاص الوفاةُ قال لبنيه : يا بنيّ، أيُّكم يقبل وصيتي؟ فقال ابنه الأكبر: أنا . قال: إن فيها قضاء ديني، قال: وما دينك يا أبت؟ قال: ثمانون ألف دينار، قال: يا أبت فيم أخذتها؟ قال: يا بني في كريم سددت خَلَّته، ورجل جاءني في حاجة وقد رأيت السوء في وجهه من الحياء، فبدأت بحاجته قبل أن يسألها .) وقل لي : هل في هذا الزمان مثل هؤلاء ؟ فإن قلت : نعم . قلت لك : جئني بقصصهم وخبرهم وعلي نشرها . أضيع للمملكة وأهلك للرعية ( قيل: لا شيء أضيع للمملكة وأهلك للرعية من شدة الحجاب. وقيل: إذا سهل الحجاب أحجمت الرعية عن الظلم، وإذا عظم الحجاب هجمت على الظلم.) حجبه الله يوم القيامة ( قال ميمون بن مهران، كنت عند عمر بن عبد العزيز، فقال لحاجبه: من بالباب. فقال: رجل أناخ ناقته الأن، يزعم أنه إبن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له أن يدخل، فلما دخل قال: حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ولي شيئاً من أمور المسلمين ثم حجب عنه الناس حجبه الله عنه يوم القيامة " ، فقال عمر لحاجبه: الزم بيتك، فما رؤي على بابه بعد ذلك حاجب. ) الخيانة والإثم وشى واش بعبد الله بن همام السلولي إلى زياد بن ابيه (2) فقال : إنه هجاك فقال زياد: أجمع بينك وبينه؟ قال: نعم، قال: فبعث زياد إلى ابن همام فجيء به فأدخل الرجل بيتاً، ثم قال زياد: يا ابن همام! بلغني أنك هجوتني، قال: كلا أصلحك الله ما فعلت، ولا أنت لذلك بأهل، قال: فإن هذا أخبرني - وأخرج الرجل - فأطرق ابن همام هنيهة، ثم أقبل على الرجل فقال: وأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت، وإما قلت قولاً بلا علم فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلةٍ بين الخيانة والإثم فأعجب زياد جوابه، وأقصى الساعي ولم يقبل منه. أخذت بحلقه فخنقته !! قدم شرحبيل بن الحارث الغساني - وكان من أهل بيت الملك - موسماً من مواسم العرب، وحضرت ذلك العام بكر بن وائل، فخطب شرحبيل مية بنت عمرو بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو أصم بني ربيعة، فقال له أبوها: هي لك وقومها بيدك، فوالله ما في غسان ملك أحب إلي صهراً منك، فأنكحه إياها، فاحتملها شرحبيل إلى أبيه الحارث بن مرة، فكانت معهم وانقطعت إليهم بكر بن وائل وذلك في أيام الطوائف قبل ملك بني نصر بالحيرة، فبينا هو نائم ذات ليلة هي بين يديه، إذ أقبل أسود سالخ (3) يهوى إلى الفتى فاتحاً فاه والسراج تزهر، حتى إذا أهوى إليه أخذت بحلقه فخنقته حتى مات، ثم جعلته بين أثناء الفراش، وكان أبوه إذا أصبح غدا عليه هو وأمه تعظيماً له، ثم يأتيه الناس فيسلمون عليه فلما اجتمع الناس أهوت إلى الأسود فأخرجته ميتاً، فذعر الشيخ فقال: من قتل هذا؟ فقالت: أنا قتلته ولو كان أشد منه لقتلته، فقال: يا شرحبيل خل عنها، فهي - وأبيها - للرجال أقتل، فكره شرحبيل أن يعصي أباه فسار بها وبمالها حتى إذا دنا من أرض بكر بن وائل بعث معها من يلحقها بقومها، فقالت: لو مضيت بي إلى أبي كان أحب إلي، فقال: واسوءَتاه! أنظر إلى أبيك وقد طلقتك في غير ذنب، فقدمت إلى أبيها، فدعا قبيصة ابن هانئ بن مسعود فأنكحها إياه، فقال شرحبيل: زوجتني غراء من خير نسوةٍ ... نماها إلى العلياء عمرو وعامرُ فلما ملأت صدري سروراً وبهجة ... عزمت بحق ليس لي فيه عاذرُ فطلقتها من غير ذنب أتت به ... إلي سوى أني بمية غادرُ سرى في سواد الليل أسود سالخٌ ... إلي وقد نامت عيونٌ سوامر فأهوت له دون الفراش بكفها ... فأصبح مقتولاً فهل أنا شاكر فقال أبوه: لعمري لئن طلقتها إن مثلها ... إذا طلب القوم من النساء قليل ولكنني حاذرتها أن تعيدها ... فتصبح محجوباً وأنت قتيل وأصبح في غسان أبكي بعبرةٍ ... عليك ورزئي عند ذاك جليل حكمة شعرية خيرُ أيامِ الفتى يومٌ نَفَعْ ... واصطناع العُرف أبقى مصطَنَعْ ما يُنالُ الخيرُ بالشر،ولا ... يَحصُدُ الزارع إلا ما زَرَعْ ليس كلُّ الدهر يوما واحدا ... ربما انحط الفتى، ثم ارتَفَعْ الهامش (1)الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تولى المدينة عام 57ه ، وكان رجلاً رفيقاً سرياً كريماً وقد أراد الناس في الشام أن يتولى الخلافة عام 64ه فأبى، ومات في نفس العام رحمه الله تعالى . (2)في سنة 39ه ولى علي بن أبي طالب زياد بن أبيه على أرض فارس، وكانوا قد منعوا الخراج والطاعة وتمردوا وأخرجوا عاملهم من بين أظهرهم، فسار إليها في هذه السنة فدوخ أهلها وقهرهم حتى استقاموا وأدوا الخراج وما كان عليهم من الحقوق، ورجعوا إلى السمع والطاعة، وسار فيهم بالمعدلة والامانة، وصفت له تلك البلاد بعدله وعلمه وصرامته. وولاه معاوية بن ابي سفيان العراق عام 48ه فعامل أهل العراق معاملة قاسية وكان شديد الوطأة عليهم وسامهم الخسف ومع هذا فقد كان من أهل الفصاحة ت 53ه . (3)السالخُ الأَسْوَدُ من الحيات شديدُ السواد وأَقْتَلُ ما يكون من الحيات إِذا سَلَخَت جِلْدَها وأَسْوَدُ سالخٌ غيرَ مضاف لأَنه يَسْلَخ جلده كلَّ عام ولا يقال للأُنثى سالخة ويقال لها أَسْوَدَةُ ولا توصف بسالخة وأَسْوَدانِ سالخٌ لا تثنى الصفة في قول الأصمعي وأَبي زيد وقد حكى ابن دريد تثنيتها والأَول أَعرف . ( [email protected] )