عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    ثلاثة مكاسب حققها الانتقالي للجنوب    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    وسائل إعلام غربية: صدمة في إسرائيل..الصاروخ اليمني يحرق مطار بن غوريون    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    اليمن الصوت الذي هزّ عروش الظالمين    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الثامنة)
نشر في أخبار اليوم يوم 30 - 07 - 2012


الزكاة
ولئن كانت الصلاة مطهرة النفس وتصفية الروح ، فإن الزكاة مطهرة المال وتصفية الكسب : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة:103)
ولقد جعل الله تبارك وتعالى الصلاة والزكاة مظهر الإيمان ودليل صحة العقيدة ، وأشار القرآن في الآية الكريمة : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة:11) , وهو بمفهومه يدل علي أن من قصر في أداء الصلاة والزكاة فليس من الإخوان في الدين .
وكان هذا المعني هو الذي فهمه أبو بكر رضي الله عنه حين قاتل مانعي الزكاة وأقره عليه صحابة رسول الله وأطلق علي كثير ممن منعوا الزكاة (المرتدون) : روي الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (لما توفي النبي ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه علي الله تعالى)؟ فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال . والله لو منعوني عقالاًً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم علي منعها . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) . وفي رواية عقالاً (والعناق الأنثي من ولد المعز ، والعقال الحبل الذي تقيد به الدابة) .
فانظر يا رعاك الله كيف عبر أبو هريرة رضي الله عنه عن مانعي الزكاة بقوله : (كفر من كفر) ، وكيف رأي أبو بكر أن منع الزكاة هدم للدين يستوجب قتال مانعها وأن شهد أن لا إله إلا الله ، وكيف أقر عمر رأي أبي بكر وعرف أنه الحق .
ولقد توعد الله ورسوله مانعي الزكاة أشد الوعيد ، فقال تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ , يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34-35) ، وفي الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يقول أنا كنزك ), والشجاع الأقرع هو الثعبان الخطر واللهزمتان هما الشدقان .
وفي الحديث كذلك :(ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة ، يقولون : ربنا ظلمونا حقوقنا التي جعلت لنا فيقول الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لأدنينكم ولأبعدنهم).
وإنما كان ذلك كذلك لان الزكاة نظام المشروعات وقوام الأعمال النافعة وتقويم الفطرة الشحيحة .. تعود السخاء وتدرب علي القصد وتطبع القلوب علي الحب وتدعو النفوس إلى الألفة وتنزع الأغلال والأحقاد ، وتدعو إلى التعاون والتساند في الخيرات وتجنب أصول الشرور والمفاسد ، وتخمد نار الثورات والفتن ..وكل امرئ يولي الجميل محبب ، ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا .
والزكاة مهمة من مهمات الحاكم : عليه القيام بجمعها ، وتنظيم تحصيلها والإشراف علي إنفاقها في مصارفها التي جعل الله لها . ولو أن الحكومات الإسلامية عنيت بشأن الزكاة لكانت لها مورداً حلالاً طيباً يغنيها عن الضرائب الجائرة والمكوس الظالمة ولأحيت بذلك فريضة ضائعة وركناً مهملا من أركان الإسلام . فأما إذا نسيت الحكومات الإسلامية واجبها حيال الزكاة جمعاً وإعطاءً ، فإن على الأفراد أن يقوموا بإحياء هذه الشعيرة وإعادة هذه الفريضة وإخراج حق الله لعيال الله ، فمن قصر في ذلك فإثمه على نفسه وجريرته على عنقه وجزاؤه أليم عند ربه .
وها أنت ترى أن أفراد المسلمين تغافلوا عن حق الله في أموالهم ولم يخروا نصيب الفقراء من إيرادهم ، مما قطع العلائق وأكثر الجرائم ولوث النفوس وزاد أحقادها وأضغانها .
رأى الإخوان المسلمون ذلك فأرادوا أن يكونوا الرعيل الأول يضربون للناس المثل عملياً في إحياء هذا الركن ، ويبدءون بأنفسهم فيخرجون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم ، فإذا نجحوا في ذلك كانوا حجة على المقصرين ودليلاً للراغبين ودعاة للقاعدين .
وقد سبقت إلى الخير في هذا الشأن برمبال القديمة من أعمال مديرية الدقهلية بالقطر المصري ، فجمعت الزكاة وصرفتها في مصارفها التي جاءت بها الآية الكريمة :
(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60).
ولقد كنت عظيم الإشفاق شديد الخوف من انقسام الوحدة وانصداع الكلمة ، لأن في المسلمين الآن خصال تحول دون اجتماعهم على مثل هذا الخير ، ولا سيما إذا اتصل بالمادة والمال فما بالك إذا كان المشروع من أساسه مالياً ؟ كنت أخشى على إخوان برمبال شح الأغنياء وغلهم أيديهم عن الإعطاء ..وتهم الظنيين الذين يخلقون لكل شيء عيباً ولو كان هو الكمال مجسماً ، فيلمزون المطوعين بالرياء ويلمزون الجامعين بالمحاباة .. وجشع الآخذين الذين يود أحدهم أن لو كان ما جمع له كله ليس من غيره من منصب .. والعادات المتوارثة التي درجنا عليها والتي تجعل كل بيت ممن بقيت فيهم بقية من المحافظة على إخراج الزكاة يفضل أن يشرف بنفسه على صرف زكاة ماله ولا يؤثر بذلك غيرة مهما كان في هذا الإيثار من فائدة .
كنت أخشى على إخوان برمبال هذه المعوقات الأربعة وهي واضحة ملموسة في مجتمعاتنا مما يبكي ويؤسف ولكن إخوان برمبال وأهل برمبال كانوا أرفع من ذلك وأسمي فقرت بهم العين وسعدت بهم النفس واطمأن بعملهم القلب وأثبتوا للناس أن الطهارة إن خالطت نفوسهم والثقة إن تبودلت بينهم كفيلتان بتذليل كل عقبة .
لقد كان أغنياء برمبال أرفع من أن يمتنعوا عن أداء حق الله إذ داعي الزكاة بهم أهابا ..ولقد كان فقراء برمبال أرفع من أن تمتد أعينهم إلى حقوق إخوانهم فما هو إلا أن وصل إلى كل منهم ما قسم له من الزكوات المجموعة حتى سرت نفسه ولهج لسانه بالدعاء للمزكين وللمنظمين .. ولقد كان إخوان برمبال أحكم وأحزم بتوفيق الله تعالى من أن يدعو للتهم مجالا وللظنة شبهة . فتكونت منهم لجنة أولي لعمل الكشوف بالمستحقين أخذ عليها العهد والميثاق ألا تحابي ولا تجامل ولا تفشي سرا ولا تظهر عورة ثم تلتها لجنه أخرى للفحص عن هذه الكشوف ومراجعتها والتثبت من صحتها ثم لجنه ثالثة لتقدير الأنصبة المستحقة لكل من تثبت حاجته واستحقاقه ثم لجنه رابعه لمراجعة هذا التقدير وإقراره ثم لجنه خامسه للقيام بالتوزيع عمليا . وكان هذا النظام الدقيق الموفق مدعاة إلى الإعجاب والفرح من كل من شاهدوه أو علموا به أو رأوا آثاره الرضية في نفوس برمبال وجيران برمبال ..وكان أهل برمبال بعد ذلك أكبر من العادات وأسمي من القيود فاتبعوا الرشد وأثاروا التعاون وضربوا في ذلك أروع المثل في تحقيق أمنية كنا نحلم بها من زمن بعيد .
أفلست ترى أيها القارئ بعد هذا البيان أن الإخوان المسلمين قوم عمليون ... وأفلا يري الإخوان المسلمون في ذلك تحقيقاً لآمالهم فيعملوا علي أن نسمع في القريب عن هذه الخطوات الموفقة في بقية الشعب النشيطة (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78).
الجهاد عزّنا
مر الأسبوع الفائت ولم أناج القراء الكرام فيه بهذه الخطرات التي تمليها العاطفة ويفيض بها القلب عن جهود الإخوان المسلمين .ولا أكتم القراء الكرام أني وجدت لذلك ألم الحرمان ووخز الضمير لا لأننا نحب أن نرائي الناس بعملنا أو نظهرهم علي جهودنا , فقد يعلم الله أن الإخوان المسلمين يعملون وهم يبتغون وجه الله ويريدون بذلك رضوانه ولا ينتظرون من أحد جزاء ولا شكورا , ويعتقدون أنهم إنما يقومون ببعض ما يوجبه الإسلام علي أبنائه ولا يزالون بعد مقصرين . وإنما نحب أن نبلغ الناس دعوتنا ونحدد لهم وجهتنا ونكشف عن حقيقتنا ، لعلنا نجد منهم أعوانا على الخير وهداة إلى البر فيتضاعف النفع ويقرب المدى وتدنو الغاية ويتحقق ما نرجو من إصلاح شامل وإنقاذ عاجل .
وإن كل يوم يمضي لا تعمل فيه الأمة عملاً للنهوض من كبوتها يؤخرها أمداً طويلاً .وإن في دعوة الإخوان لو فقهها الناس لمنقذاً ، وإن في منهاجهم لو اتبعته الأمة لنجاحاً , وإن في جهودهم لو أعينوا عليها لأملاً ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم .
وبعد فقد ورد في الصحيح ما معناه أن معاذاً t كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : (إن شئت يا معاذ حدثتك برأس هذا الأمر وذروة السنام منه . إن رأس هذا الأمر لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، وإن قوام هذا الأمر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله . إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله عز وجل , والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا أغبرت قدم في عمل تبتغي به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله ، ولا أثقل ميزان عبد كدابّه تنفق (أي تموت) في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله).
ذلك تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام وهو أعرف الناس بالإسلام وإن الإخوان المسلمين لا يحملون الناس علي غير الإسلام ومبادئ الإسلام ، ولا ينهجون إلا مناهج الإسلام وشعاب الإسلام .
وقد حدثتك عنهم في الصلاة والزكاة وما يريدون من أنفسهم ومن الناس حيالها ، وهي قوام الأمر ودعامته . فلأتحدث إليك الآن عن الإخوان المسلمين المجاهدين ، وماذا يريدون من أنفسهم ومن الناس حيال الجهاد في سبيل الله وهو من الإسلام ذروة السنام .
من الجهاد في الإسلام أيها الحبيب : عاطفة حيه قويه تفيض حناناً إلى عز الإسلام ومجده ، وتهفو شوقاً إلى سلطانه وقوته ، وتبكي حزناً علي ما وصل إليه المسلمون من ضعف وما وقعوا فيه من مهانة ، وتشتعل ألماً علي هذا الحال الذي لا يرضي الله ولا يرضي محمداً عليه الصلاة والسلام ولا يرضي نفساً مسلمة وقلباً مؤمناً .و(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) كما ورد في الحديث الصحيح .
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن يحملك هذا الهم الدائم والجوى اللاحق علي التفكير الجدي في طريق النجاح وتلمس سبيل الخلاص وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل وتتلمس فيها أوجه الحيل لعلك تجد لأمتك منفذا أو تصادف منقذاً ، ونية المرء خير من عمله والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تنزل عن بعض وقتك وبعض مالك وبعض مطالب نفسك لخير الإسلام وبني المسلمين ..فإن كنت قائداً ففي مطالب القيادة تنفق ، وإن كنت تابعاً ففي مساعدة الداعين تفعل ، وفي كل خير , وكلا وعد الله الحسني , والله تبارك وتعالى يقول (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ , وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة:120-121) .
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تأمر بالمعروف وأن تنهي عن المنكر ، وأن تنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ، وأن تدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وما ترك قوم التناصح الا ذلوا وما أهملوا التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر الا خذلوا , (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ , كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79) .
و من الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب :ان تتنكر لمن تنكر لدينه وان تقاطع من عادي الله ورسوله فلا يكون بينك وبينه صله ولا معامله ولا مؤاكله ولا مشاربه وفي الحديث : (إن أول ما دخل النقص علي بني اسرائيل انة كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فانه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو علي حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلو ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض).
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تكون جندياً لله تقف له نفسك ومالك لا تبقي علي ذلك من شئ . فإذا هدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام ودوي نفير النهضه لاستعادة مجد الإسلام كنت أول مجيب للنداء وأول متقدم للجهاد , (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة:111) , وفي الحديث: (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات علي شعبة من النفاق) رواه مسلم وأبو داود والنسائي .وبذلك يتحقق ما يريد الله من نشر الإسلام حتى يعم الأرض جميعاً .
ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب: أن تعمل علي إقامة ميزان العدل وإصلاح شئون الخلق وانصاف المظلوم والضرب علي يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه .
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر) رواه أبو داود والبخاري بمعناه ، وعن جابر رضي الله عنه : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) رواه ابن ماجه باسناد صحيح .
ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى ان لم توفق إلى شئ من ذلك كله : أن تحب المجاهدين من كل قلبك وتنصح لهم بمحض رأيك وقد كتب الله لك بذلك الأجر وأخلاك من التبعة . ولا تكن غير ذلك فيطبع علي قلبك ويؤاخذك أشد المؤاخذة : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ , وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ , إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة:91-93) .
وبعد فهذه بعض مراتب الجهاد في الإسلام ودرجاته فأين الإخوان المسلمون من هذه الدرجات؟
فأما أنهم محزونون لما وصل اليه المسلمون آلمون ، فعلم الله أن أحدهم يجد من ذلك ما يذيب لفائف قلبة وينال من أعماق نفسة ويحز في قرارة فؤادة ويمنعة في كثير من الأحايين الأنس بأهله وإخوانه والمتعة بكل ما في الوجود من لذة وجمال .
وأما انهم يفكرون في سبيل الخلاص ، فعلم الله أنه ما من فكرة تحتل أفكارهم وما من خطة تستهوى عواطفهم وما من شان يشغل عقولهم كهذا الشان الذي ملك عليهم رؤوسهم وقلوبهم واستبد منهم بشعورهم وتفكيرهم.
وأما أنهم يبذلون في هذا السبيل وقتا ومالا ، فحسبك أن تزور ناديا من أنديتهم لترى عيونا أذبلها السهر ووجوها أشحبها الجلد وجسوما أضناها النصب وأخذ منها الإعياء على أنها فتيّة بإيمانها قوية بعقيدتها ، وشبابا يقضون ليلهم إلى ما بعد انتصافه مكبين على المكتب أو عاكفين على المناضد وأترابهم في لهوهم وأنسهم ومتعتهم وسمرهم . ورب عين ساهرة لعين نائمة وإنما نحتسب ذلك عند الله ولانمتن به , (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17) .
فإذا سألت عن المال الذي ينفق علي دعوتهم فما هو إلا مالهم القليل يبذلونه في سخاء ورضاء وراحة وطمأنينة . وإنهم ليحمدون الله إذ ترقت تضحيتهم بالمال من درجة السخاء بكماليات العيش إلى درجة الاقتصاد من ضرورياته وإنفاق ما يقتصد في سبيل الدعوة , (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) , ما أسعدنا أن يقبل الله منا ذلك وهو منه وإليه .
وأما أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر : فقد بدأوا في ذلك بأنفسهم ثم بأسرهم وبيوتهم ثم بإخوانهم وأصدقائهم وهم يتذرعون في ذلك بالصبر والأناه والحكمة والموعظة وهل تري جريدتهم هذه إلا مظهراً من مظاهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل تري عظاتهم وأقوالهم إلا سبيلاً في هذه السبيل ؟ وأما ما بقي من درجات الجهاد فواجب الجماعة فعلي الجماعة أن تجيب , وإن الإخوان المسلمين في ذلك الرعيل الاول لا يدخرون وسعاً ولا يحتجزون جهداً ، وهم يعلمون منزلة ذلك من الإسلام ويعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من لقي الله بغير اثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة) رواه الترمذي وابن ماجه . وهم يسألون الله أن يوفقهم إلى لقائه وليس بهم ثلمات . وقد قال الله تعالى لنبيه : (لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) (النساء:84) ، وإنا لنرجوا أن نكون بذلك قد أبلغنا الجماعة ، وأن يكون هذا الصوت قد وصل إلى نفوسهم فوجد منها خصوبة يزداد بها عدد العاملين وتنتظم معها صفوف المجاهدين (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).
حق القرآن
ما رأيت ضائعاً أشبه بمحتفظ به ولا مهملاً أشبه بمعني بشأنه من القرآن الكريم في أمتنا هذه : أنزل الله القرآن الكريم كتاباً محكماً ونظاماً شاملاً وقواماً لأمر الدين والدنيا , (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42) .
وأعتقد ان أهم الأغراض التي تجب علي الأمة الإسلامية حيال القرآن الكريم ثلاثة مقاصد :
أولها : الإكثار من تلاوته ، والتعبد بقراءته ، والتقرب إلى الله تبارك وتعالى به ..
وثانيها : جعله مصدراً لاحكام الدين وشرائعه ، منه تؤخذ وتستنبط وتستقي وتتعلم ..
وثالثها: جعله أساساً لأحكام الدنيا منه تستمد وعلي مواده الحكيمة تطبق .
تلك أهم المقاصد والأغراض التي أنزل الله لها كتابه وأرسل به نبيه وتركه فينا من بعده واعظاً مذكراً وحكماً عدلاً وقسطاساً مستقيماً . ولقد فهم السلف رضوان الله عليهم هذه المقاصد فقاموا بتحقيقها خير قيام , فكان منهم من يقرأ القرآن في ثلاث ومنهم من يقرأه في سبع ومنهم من يقرأه في أقل من ذلك أو أكثر . ولقد كان بعضهم إذا شغل عن ورده من القرآن نظر في المصحف وقرأ بعض الآيات الكريمة وقال : حتى لا أكون ممن اتخذوا هذا القرآن مهجوراً . فكان القرآن ربيع قلوبهم وورد عباداتهم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار .ورضي الله عن الخليفة الثالث الذي لم يسل المصحف والحصار علي بابه والسيف علي عنقه
تمني كتاب الله أول ليلة وآخره لا في حمام المقادر
ويرحم الله ذلك الذي لم يجد في رثائه من أن يقول :
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
وأنت إذا رجعت إلى سيرهم لم تجد واحدا منهم هجر كتاب الله أو ترك تلاوته أسبوعاً واحدا فضلا
عن شهر كامل فضلا عن السنين والأعوام . ولا أحب أن أطيل عليك بما أشرقت به كتب السير واستنارت بضوء سناه صحائف كتب التاريخ . وهم حينما أرادوا أن يستنبطوا أحكام دين الله كان القرآن أول المصادر ، وما الأول إذن ان لم يكن كتاب الله ؟ وها أنت ترى أن المصطفي صلى الله عليه وسلم قد أقر معاذا حين سأله بم يحكم ، فقال بكتاب الله وبدأ به ثم ثنا بالسنة المطهرة. وقد علمت أن عمر رضي الله عنه حظر علي كثير من الصحابة الكرام أن يحدثوا الناس وهم حديثوا عهد بالإسلام بالأحاديث والوقائع حتى يفقهوهم في كتاب الله أولا ويقفوهم علي حلاله وحرامه . وقد علمت كذلك أن الأئمة من صدور التابعين وتابعيهم بإحسان أمثال سعيد بن المسيب ما كانوا يسمحون للناس بتدوين فتاويهم حذر الانصراف بأقوالهم عن كتاب الله . ولقد مزق سعيد الصحيفة من يد من دوّن إفتاءه وقال : تأخذ كلامي وتدع كتاب الله ثم تذهب تقول قال سعيد قال سعيد ! عليك بكتاب الله وسنة رسوله .
أفلست ترى من هذا وغيره أن السلف الصالحين رضوان الله عليهم قد جعلوا كتاب الله تعالى أصل الأصول التي يستنبطون منها دين الله وأحكامه .
وما كانت أحكام الدنيا عندهم الا وفق ما يأمر به ونزولاً علي حكمه .. حقوق تؤدى وحدود تقام وأحكام تنفذ وأوامر تسري لا إلغاء ولاتعطيل ولا تعليل ولا تأويل .
كذلك كان ، يوم كان الإسلام غضاً طرياً ، وثمر الدين بالغاً جنياً ، ويوم فهم المسلمون حكمة وجود القرآن بينهم كما علمهم رب القرآن ونبي القرآن , (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) (صّ:29).
ثم دالت تلك الدولة ، وذهب ماكان للقرآن علي عقول الناس وألبابهم من صولة ، وسرت في ألسنتهم وعقولهم لوثة العجمة ، فإذا هم في ناحية والقرأن في ناحية أخرى وبين الناحيتين بعد المشرقين :
سارت مشرقة وسرت مغرباً شتان بين مشرق ومغرب
فأما التعبد بتلاوة القرآن وقرائته آناء الليل وأطراف النهار فالنذر اليسير منا من عني بذلك وعمل عليه .. وأما بقية المتعبدين فلهم فيما وضعوا لأنفسهم ووضع لهم شيوخهم من أوراد وأحزاب ووظائف وصلوات ما تركوا به كتاب الله وأحلوه محله حفظاً و اهتماماً وتعبداً وتلاوةً وترديداً وتكراراً .
وما نحرم تلاوة الأوراد الصحيحة ، ولا نحول بين الناس والأدعية والأحزاب التي لا تخالف ظاهر الشريعة . ولكن نقول لهم : كتاب الله أولى أولاً ، رتبوا على أنفسكم منه أحزاباً تصل قلوبكم به وتربط أرواحكم بفيضه وإشراقه ، ثم اذكروا الله بعد ذلك بما شئتم من الصيغ التي تنطبق علي أحكام الدين . أما أن تهملوا القرآن جملة وتجعلوا عبادتكم كلها مما وضعتم لأنفسكم أو وضع غيركم لكم فترك لكتاب الله ، وإهمال لحقوقه .
وأما استنباط الأحكام منه فقد وقع الناس في جهالة بكتاب الله تجعل بينهم وبين ذلك حجاباً كثيفاً وسداًُ منيعاً ، مما اضطرهم إلى القناعة بالملخصات والرضا بالتعليقات وقصر هممهم عن السمو إلى ما هو أرقي من ذلك من الغايات .
وأما تطبيق أحكامه الدنيوية فقد استبدلها القوم بغيرها وأحلوا سواها محلها ، وجعلوا تشريع الأجانب وما وضع الفرنسيون والرومان أساساً لتشريعهم ومصدراً لأحكامهم . وبذلك تعطلت أحكام كتاب الله وأصبحت بين المسلمين نسياً منسياً وفيها علم الله لهم كل خير لو كانوا يسمعون .. واكتفى المسلمون بعد هذا كله من القرآن الكريم بأن جعلوه تمائم لأمراضهم وزينة لمجتمعاتهم وسلوة في حفلهم وأفراحهم وأحزانهم . وليتهم إذ جعلوه كذلك أعطوه حقه بل تراهم في محله لاهين غافلين لاعبين منصرفين إلى اللغو والحديث واللهو العبث ، والله تبارك وتعالى يقول : (وَإِذَا قُرِئَ القرآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (لأعراف:204) .
كان القرآن فيما مضى زينة الصلوات فأصبح اليوم زينة الحفلات ، وكان قسطاس العدالة في المحاكم فصار سلوة العابثين في المواسم وكان واسطة العقد في الخطب والعظات فسار بواسطة العقد في الحلى والتميمات , أفلست محقاً حين قلت : ما رأيت ضائعاً أشبه لمحتفظٍ به من كتاب الله ! تناقض عجيب في هذا الموقف منا أمام القرآن : أننا نعظمه ، ما في ذلك شك .. ونذوذ عنه ، ما في ذلك شك .. ونقترب إلى الله به ما في ذلك شك ، ولكن ياقوم : أخطأتم طريق التعظيم وتنكبتم سبيل الذود عنه وضللتم عن جادة التقرب إلى الله به .
أليس من الإضاعة لكتاب الله أن ترى المراكز التي كان القرآن يعفي منها عدداً عظيماً من القرعة العسكرية صارت اليوم خلواً ممن يحفظه ويتقدم للمعافاه به ؟
أوليس من الإضاعة لكتاب الله أن ترى الطالب يدخل الأزهر الشريف وهو يحفظه لأن ذلك شرط دخوله ، ثم يخرج منه وقد نسيه لأن القرآن لم يشترط في إجازته بنهاية مدة تعليمه. فتراه إن خرج ليكون إماماً يصلى بالناس قصر بهم ، وإن كان واعظاً استند إلى فقهاء الريف الحافظين في عظاته ودروسه ، وإن كان محامياً أو قاضياً لجأ إلى المصحف في تصحيح الآيات التي يستشهد بها من كتاب الله ! إننا حقيقةً أضعنا كتاب الله وكأنه بيننا كتاب أثري لا يسري مفعوله ولا ينفذ حكمه ، وهذا في الحقيقه أصل ما أصابنا من بلاء وشر .
وإذا علمت هذا أيها القارىء الكريم .. فاعلم أن الإخوان المسلمين يحاولون في جد أن يعودوا هم أولاً إلى كتاب الله ، يتعبدون بتلاوته ويستنيرون في تفهم أقوال الأئمة الأعلام بأياته ويطالبون الناس بإنفاذ أحكامه ويدعون الناس معهم إلى تحقيق هذا الغاية التي هى أنبل غايات المسلم في الحياة , ولله الأمر من قبل ومن بعد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.