لقد حققت الحرب العالمية ضد الإرهاب أهدافها, بعد اعتقال أو قتل قادة تنظيم القاعدة وتحويله لمجرد فلول ساكنة ومنزوية في كهوف معزولة, الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال خطاب حالة الاتحاد في يناير الماضي. إن أي انسحاب مبكر من العراق يعني تعريض أمن بلادنا لخطر محقق, ان ما حدث في11 سبتمبر مجرد مشهد عابر لما يخطط الإرهابيون لأن يفعلوه بالولاياتالمتحدة لو لم يتم ايقافهم. بوش في خطاب اذاعي مارس الماضي للدفاع عن خطط العراق الجديدة. بسبب خوفنا وتخويفنا, غزونا دولتين, وقتلنا آلاف الناس في دول أجنبية ووضعنا أول نظام من نوعه في تاريخنا للتجسس علي بعضنا بعضا, وجمعنا معلومات عن ملايين الناس, كنا نعتبرها في الماضي معلومات خاصة وليس لحكومة شأن بها د. جون مولر, استاذ العلوم السياسية في جامعة أوهايو, ومدير مركز دراسات الأمن الوطني وصاحب كتاب مبالغة.. كيف خدعت الادارة الأمريكيين حول الإرهاب الذي صدر أخيرا في واشنطن واتهم فيه ادارة بوش بتضخيم خطر الارهاب, وتخويف الشعب لخدمة مصالحها. فبينما يواصل الكونجرس الضغط من أجل انسحاب عسكري, حذر بوش ونائبه ديك تشيني مرارا وتكرارا من أن بن لادن يعتزم تحويل العراق الي عاصمة للخلافة الإسلامية ومنطلق لشن هجمات علي الولاياتالمتحدة, ولكن الواقع أنه علي عكس تنظيم القاعدة الذي يقوده بن لادن في باكستان, فان مسئولي المخابرات الأمريكية وخبراء خارجين يؤكدون ان الفرع العراقي لايشكل خطرا كبيرا علي الأمن داخل الولاياتالمتحدة, ويعتقد الخبراء ان احتمال شن مثل هذا الهجوم من العراق تقلص لحد كبير خلال العام الماضي, ذلك لأن القاعدة العراقية مرت بالعديد من التغيرات الدراماتيكية خلال هذه الفترة. فبعد ان كان يعتقد ان القاعدة العراقية تضم آلافا من المقاتلين الأجانب, باتت قناعة خبراء الإرهاب الآن انه تنظيم عراقي الي حد كبير, حيث قدر المسئولون, نسبة العراقيين المشكلين له بنحو90% من مقاتلي التنظيم الذين يبلغ عددهم عدة آلاف, وهؤلاء يضعون نصب أعينهم الشيعة في العراق كهدف رئيسي لهجماتهم. والواقع أن فرع القاعدة في العراق خسر الكثير من موارده البشرية مع ارتفاع معدل ضحاياه من المدنيين الأطفال والنساء, حيث قدر وزير الدفاع روبرت جيتس عدد الأجانب الذين يتسللون من الحدود السورية الي العراق في الوقت الحالي للانضمام الي القاعدة بنحو عدة عشرات شهريا بعد أن كانوا يقدرون بعدة مئات, كما تقوضت مساعي التنظيم لتجنيد الجماعات القومية والعلمانية السنية العراقية بسبب تكتيكاته العنيفة والتعاليم الأصولية لمؤسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي. وبينما شنت الميليشيات الشيعية, بعد تفجير القبة الذهبية أو مرقد الإمامين العسكريين في مدينة سامراء الذي اعتبر أحد أهم أحداث عام2006 حيث شكل بداية لنهاية صبر الشيعة في العراق علي الهجمات التي يتعرضون لها وبداية شنهم لهجمات انتقامية مما زاد من احتمالات نشوب حرب أهلية وأدي الي تنامي المشاعر المناهضة للحرب في العراق بين الأمريكيين, في هذه الأثناء بدا ان بعض جماعات التمرد السنية غيرت موقفها من التحالف مع القاعدة. وهكذا فإن ما يؤكده تسلسل الأحداث وطبيعة أعمال العنف الواقعة في العراق, هو أن تنظيم القاعدة في العراق وحلفاءه من المتمردين مهتمون بما يجري داخل العراق لا بما يريده أسامة بن لادن من تكوين امبراطورية اسلامية علي حد تعبير بوش. فقد أكد مايكل ماكونيل مدير المخابرات الأمريكية عدم صحة الفكرة القائلة بأن تنظيم القاعدة يعتبر مستقبله في العراق, علي الرغم من كل خطب بن لادن النارية, وأوضح ان تنظيم القاعدة الرئيسي بزعامة بن لادن لاينظر الي العراق علي انه المركز القادم لعملياته بل يهدف بشكل أساسي حاليا الي انشاء قاعدته في أفغانستان. في الوقت نفسه, حذر خبراء أمريكيون من أن تنظيم القاعدة رغم تراجعه عسكريا, فهو يقاوم بفضل شبكة الانترنت التي تمكنه من البقاء علي اتصال مع أنصاره ومن نشر أيديولوجيته لتجنيد المزيد من العناصر, حيث أكدت ريتا كاتز مديرة معهد سايت الذي يراقب المواقع المتطرفة علي الانترنت أن هذه الشبكة سمحت للتنظيمات المتطرفة بالاستمرار رغم قوة الولاياتالمتحدة العسكرية. وأوضحت ان فلول القاعدة وطالبان يواجهون المزيد من الصعوبات في التواصل والتنسيق عبر وسائل الاتصال التقليدية التي يمكن رصدها بسهولة لكن الانترنت توفر لهم وسيلة تواصل سهلة وفورية. وأوضحت المتخصصة في الارهاب ان زعيم القاعدة أسامة بن لادن ومساعده أيمن الظواهري ما زالا رغم عزلتهما علي اتصال مع انصارهما من خلال بث التصريحات عبر الانترنت الي جميع أنحاء العالم. وتثير قدرة القاعدة علي التنسيق بفضل الانترنت مخاوف الخبراء الذين يدعون الي عدم الاستخفاف بالخطر الذي يمثله التنظيم الإرهابي, وحذر دانيال بنجامين الخبير في مؤسسة بروكنجز, من انه بعد خمس سنوات علي اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر2001 أصبح الخطر الإرهابي اليوم متنوعا ومعقدا وأصعب للفهم, أكثر من أي وقت مضي. *مروة فودة