تعليق العمل في المجمع القضائي بتعز احتجاجًا على اعتداء عسكريين    عدن.. البنك المركزي يوقف تراخيص أربع كيانات مصرفية    "حاشد" صوتكم لا خصمكم    الجماعي يطلع على سير أداء اللجنة المشتركة واللجان البرلمانية الدائمة    أمانة الانتقالي تواصل برنامج الهيكلة والإصلاحات التنظيمية    شرطة مأرب تستنكر حملة الإساءة والتشويه التي تستهدف الأجهزة الأمنية بالمحافظة    مسيرات راجلة ووقفات طلابية بمديريات محافظة صنعاء نصرةً لغزة    الاحمدي يستقبل لاعبي شبوة المنضمين إلى منتخب الناشئين    ميسي يغيب عن الملاعب لمدة غير محددة نتيجة إصابة عضلية    تضامن حضرموت يتعاقد رسميا مع المدرب السعودي بندر باصريح    الحزام الأمني بالعاصمة عدن يضبط ثلاثة متهمين بممارسة السحر والعبث بالآثار عدن    حجة.. وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس    "صهاريج عدن" على قائمة التراث العربي المعماري بقرار من الألكسو    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا غرق قارب مهاجرين باليمن    رئيس الوزراء يوجه بضبط أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية والتحقق من جودتها    حضرموت التاريخ إلى الوراء    سلطة التكنولوجيا هي الاولى    تقرير حقوقي يوثق 5618 انتهاكا ارتكبتها مليشيات الحوثي الإرهابية بحق النساء    القاضي المحاقري يشيد بجهود محكمة استئناف ذمار    مجلة أميركية: الحوثيون يستغلون تجارة الكبتاجون المخدر في تمويل عملياتهم العسكرية    تدشين فعاليات وانشطة الاحتفاء بالمولد النبوي بذمار    السامعي والخطاب التصالحي الوطني    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يعزي في وفاة المخرج الإذاعي سعيد شمسان    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    شرطة مأرب تضبط كمية من مادة الحشيش قادمة من مناطق المليشيا    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    لقب تاريخي.. ماذا ينتظر باريس وإنريكي في أغسطس؟    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    العالم مع قيام دولة فلسطينية    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    جحيم المرحلة الرابعة    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    إعلان قضائي    مرض الفشل الكلوي (15)    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قناة الجزيرة من الفوضى الخلاّقة إلى الوصاية على الشرعيّات...؟
نشر في الأضواء يوم 15 - 04 - 2012

أصبح من الواضح اليوم أن التغطية الإعلامية التي تقوم بها قناة الجزيرة للأحداث التي تجري في العالم بشكل عام وللأحداث التي تجري في الدول العربية بشكل خاص، ليست تغطية موضوعية أو مهنية، ولا تحقق الحد الأدنى من شعار الرأي والرأي الآخر الذي ظلت تسوقه منذ انطلاقتها في العام 1996، بل إن الأمر يتعدى ذلك ليتناقض مع ميثاق العمل الصحفي للقناة نفسها والذي تنشره على موقعها الإلكتروني، وتدعي الالتزام به دليلاً على مهنيتها وتأكيداً على مصداقيتها.
لسنا هنا لنذكر أمثلة على ذلك (فالحقيقة كالشمس لا يستطيع أحد أن يحجبها) ولسنا هنا أيضاً من باب الهجوم على القناة، ولكننا سنحاول استعراض معلومات عن قناة الجزيرة، ونحللها بهدف الوصول إلى جزء من حقيقة القناة ودورها السابق والحالي. هي إذا مجموعة من الأسئلة المنطقية حولها ونترك الإجابة للقارئ، وسوف نسلط الضوء على بعض من ممارسات الجزيرة التي شكلت خطراً حقيقياً على الأمة العربية، وتلاعبت إلى حد كبير بعقل المشاهد العربي. لا بد في البداية من الاعتراف بتلك الحرفية الكبيرة التي يؤدي بها كل العاملين في قناة الجزيرة عملهم، وليس المهنية الكبيرة إذ أن هناك فرقاً بين الحرفية والمهنية. فبينما تعني الحرفية إتقان الحرفة وصولاً إلى الإبداع فيها في بعض الأحيان، تعني المهنية أن تكون حرفياً مع مراعاة الأخلاق والصدق في العمل.

فقطر ليست دولة بترولية ثرية وإن كان الغاز المسال هو مصدر دخلها الأول مثل السعودية أو الكويت لتتحمل كل هذا الإنفاق الخرافي على قناة الجزيرة بدون أي هدف. فأمير قطر له علاقات قويه جداً بأمريكا، وهو واحد من أفضل أصدقائها (أتباعها) وحلفائها في المنطقة وقد تجسدت هذه الصداقة (التبعية) في إقامة أكبر قاعدة عسكريه أمريكية في المنطقة في قطر والرجل لم ينكر أبداً علاقته القوية بالكيان الصهيوني الأمر الذي يجعله يقيم مكتب للتمثيل التجاري لإسرائيل في قطر بدون أي مبرر وله تقريباً زيارات سنوية للكيان الصهيوني كما نعلم.
فهل ينفق الرجل كل هذه الأموال ليقيم وينشئ قناة إخبارية يمكن أن تعمل بحق ضد حلفائه وأصدقائه في واشنطن وتل أبيب؟
أما القول أن رغبة أمير قطر في إنشاء قناة تهتم بالديمقراطية في قطر وغيرها، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يدعي إنسان أن صاحب قناة الجزيرة يؤمن بحريه الكلمة وحرية الإعلام، وأنه كلف نفسه كل هذا الإنفاق لخدمة ذلك، فهو أمير قطر أي أن نظام الحكم أميري ملكي، الأمير فيه يحكم حكماً مطلقاً، لا وجود لمجلس شعب أو نواب ولا وجود لأي رقابة شعبية على إدارته هو أو حكومته لشؤون بلاده، بل ولا يجرؤ أحد من شعبه أن ينطق بكلمة عنه أو عن أسرته على الرغم من معرفتنا كيف تولى أمور الحكم؟ وما هي الصراعات التي نشأت داخل العائلة الحاكمة؟ وكيف تم تصفية الكثيرين من العائلة الحاكمة إن لم يكن جسدياً ففكرياً وعن طريق الإلغاء والإقصاء والحبس والإقامة الجبرية والإبعاد؟ وكثير منا يعرف دور الشيخة موزة رابعة زوجاته في إدارة شؤون الإمارة ورسم علاقاتها خصوصاً مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالكلمة الحرة الوحيدة التي يؤمن بها هي كلمة نفاق أو كلمة كاذبة تنفي عنه ما هو فيه، وأتصور أن وضع حرية الكلمة في قطر وحرية الإعلام في قطر أوضح من أن ينخدع أحد فيه، سيما وأن لا خبر عن داخل قطر منذ نشأة الجزيرة.

وحتى في الوقت الذي انبرت فيه القناة بالحديث عن الأزمة الإقتصادية الأخيرة التي عصفت بأمريكا وأوروبا وانعكست على دول العالم، ركزت القناة على دبي باعتبارها الأكثر تضرراً في الوطن العربي وركزت على مدى الضرر الذي لحق بها وعن اقتصادها شبه المنهار وكيف اضطرت إلى بيع عدد كبير من أصولها لجارتها إمارة أبوظبي. دون أن تأتي على ذكر أثر الأزمة على قطر ومشروعاتها وعلى النهضة العمرانية التي توقفت بشكل شبه كامل ومن منطق قراءة ما تذهب إليه محطة الجزيرة، أسجل العديد من النقاط التي أتمنى أن تعجب من يَطرب للجزيرة وشفافية الخبر حين يطل علينا مذيعوها وكأنهم يحاربون في قاعدة السيلية.
أولا: لقد أنجزت الجزيرة مهمتها الأولى بأن نقلت الصورة التي تريد أمريكا ومعها الاتحاد الأوروبي وغدت طرفاً مصدقاً تبنى على أساسه التقارير... وكم سمعنا من أمريكا وأوروبا أن الجزيرة كاذبة وبخاصة في الموضوع الفلسطيني واللبناني.
ثانياً: نجحت المحطة في إظهار هويتها السياسية بعد سنوات طويلة من التخفي وراء شعارات كبيرة... أقنعت فيها الشارع أنها صوت الحقيقة.
ثالثاً: تمكنت الجزيرة من توسيع دائرة مراسليها حول العالم ولكن هذه المرة بلا حدود وأعطت للمراسل حق الكلام حتى الثمالة... ودون أن يدخل في دورات تؤهله لذلك... فكل مراسل له الحق في الاتصال متى شاء ومتى رغب والخط لا يقطع إلا في حالة واحدة أن يخرج عن المتفق عليه. رابعاً: علمتنا الجزيرة أن لغة الأرقام تنبع من حالة الود والخصام... فالسعودية والبحرين لا يعدان... أما سورية وليبيا فهما تحت المجهر.
خامساً: أظهرت المحطة كم الحب الذي تختزنه للشعوب العربية إلى درجة أنها نسيت أو تناست أن تغطي الكثير من الأحداث الفلسطينية والانتهاكات الصهيونية اليومية... وهذا بحد ذاته سؤال مشروع لمن يرى فيها منبراً حراً يناصر قضايا الشعوب العربية.
سادساً: قد يكون للجزيرة جمهورها العريض الذي يرى عكس ما نراه، ولكن لن يطول الوقت حتى تؤكد لهم عكس ما يعتقدون وبخاصة أنها بدأت بحربها على رموز الممانعة وتهكمها على دول الممانعة.
سابعاً: من يتابع الصحافة الصهيونية فسيجد قلة بل ندرة بالمقالات التي كانت تهاجم الجزيرة وأصبحت اليوم مرجعاً للقناة العاشرة، ومن يشكك بذلك فليتابع القناة الصهيونية العاشرة.
ثامناً: دون أن تقصد جعلتنا نفتش في مفرداتها عن أسباب انفلاتها من عقالها، والبحث في سياسات لدول عربية قدمت نفسها على أنها تخدم قضايا الأمة وتحاول أن تكون متوازنة لدرء الشبهات.
تاسعاً: ما دامت الجزيرة حريصة كل هذا الحرص على القضايا العربية، فلماذا لا تفتح ملف القواعد الأمريكية في الخليج، ودور قاعدة السيلية في قطر ودورها في الحرب على العراق والعلاقات السرية والعلنية مع الكيان الصهيوني والمكاتب التجارية.

وبما أن قناة الجزيرة قناة قطريه أقامها حاكم قطر، وينفق عليها بأموال قطر، فالمنطق أن يكون الشأن القطري على قمة أولويات قناة الجزيرة. ذلك أن للإعلام دوراً مهماً في الرقي بمستوى الدول وفي تحقيق قدر من الرقابة والشفافية وغير ذلك. ولكن منذ أنشئت قناة الجزيرة لم يحدث أن تعرضت في أي من برامجها إلى ما يحدث في قطر، موقف غريب حقاً فهل هو ناتج عن أن القائمين على قناة الجزيرة يرون أن دولة قطر أصغر وأضأل من أن يهتم بها متابعو برامج الجزيرة ؟ أم أن قطر تحولت إلى جنة حقيقية على الأرض حيث العدالة والحرية وتكافؤ الفرص والمساواة وتوزيع الثروات، وحيث لا يوجد مشكلات تحتاج إلى أن تلقى عليها قناة الجزيرة الأضواء؟

أتصور أنه لا هذا ولا ذاك فقطر دولة عربية ولها الكثير من المواقف التي قد نتفق معها أو نختلف معها ولكنها مواقف تستحق أن تناقش على قناة الجزيرة والشأن الداخلي في قطر يهم كل عربي باعتبارها دولة عربية شقيقة مثلما يهمنا أمر ليبيا والسودان والصومال وجزر القمر وكلها دول عربية ولكن أتصور أن هناك خطاً أحمر على قناة الجزيرة ألا تقترب أبداً من الشأن الداخلي في قطر وقناة الجزيرة حريصة على التقيد بهذا الخط الأحمر، فكل العاملين بها يدركون حقاً ما قد يحدث إذا فكروا مجرد التفكير في تجاوز هذا الخط الأحمر الذي فرضه صاحب القناة، وبذلك لا يكون هناك أي مجال للحديث عن أن الانتصار لحرية الكلمة وحرية الإعلام كان أحد أسباب إنشاء قناة الجزيرة.
اِن دولة قناة الجزيرة، تحاول وبسلاح ''الجزيرة'' تغيير الخريطة السياسية للمنطقة برمتها، ومصادرة القرار السياسي لقوى وَجدت نفسها مربوطة بخيط هذه الإمارة الصغيرة، ومعلقة في فضاء جزيرتها، فإما أن تنصاع وتعلن الطاعة (وتأخذ المال والدعاية) وإما بالإمكان إسقاطها بسهرتين تلفزيونيتين تحريضيتين. ويبدو أن حكام تلك ''الجزيرة'' الإعلامية، انهمكوا في الدور تماماً، لدرجة أنهم يتصرفون في المنطقة الآن، كقوة عظمى.
قوة قوامها: محطة تلفزيونية ومليارات لا تحصى من الدولارات، ورصيد يبلغ صفراً من الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان. أي أن الحراك العربي الذي بدأ لأجل الديمقراطية والحرية والمشاركة في القرار السياسي، ولأجل أن يكون المواطن العربي حراً كريماً في بلده، يراد له أن ينتهي عند عرش هذا الأمير النفطي أو ذاك، وهم التابعون أصلاً لقوى استعمارية خارجية، ولا يملكون قياد قرارهم السياسي، ويقال لنا الآن، أن إعلامهم يعمل لمصلحة الشعوب وحريتها وكرامتها. هؤلاء الذين يُعتبر انتقادهم من قبل أي مواطن في بلادهم جريمة لا تغتفر، ومن الكبائر التي لا كفارة عنها سوى القتل أو السجن أو النفي. لا بل إنهم يحرّمون التظاهرات شرعاً في بلادهم وفي هذا فتاوى شهيرة وواضحة.
لقد فهم الشعب التونسي إلى حد كبير هذه اللعبة، وعاد الغنوشي من قطر محملاً بالأموال (ومباركاً برضى الأمير ورضى فقيه الإمارة والناتو) ليجد معارضة كبيرة لأي تدخل من هذه الإمارة الصغيرة في شؤون البلاد، وتهديدات بإخلاء المجلس التأسيسي ومحاصرته، في حال حضر ذاك الأمير، جلسة المجلس، وألغيت الزيارة، قبل أن يعلن عنها بشكل رسمي.
وفي مصر، تحدث الإعلام المصري وأكد أن المتظاهرين في ميدان (الانفوشي) في الإسكندرية، طردوا مراسلاً للجزيرة حال وصوله إلى المكان.
وفي ليبيا، بعد أن أثبتت منظمات دولية كثيرة، كذب معظم الادعاءات التي أوردها هذا الإعلام في بداية الحراك بقصد تعميق الأزمة لهدف وحيد هو استجلاب الناتو واحتلال ليبيا ونفطها (فإعلام الجزيرة تحدث عن ''الآلاف'' الذين قتلوا بالقصف من الطائرات، وهذا ما نفته كل المنظمات التي ذهبت لتقصي الحقائق)، وبعد دعم لا حدود له لقوى الحركة الإخوانية دون غيرها، دعائياً ومالياً وعسكرياً، تخرج الآن أصوات من طرابلس، لتعلن الضيق بالتدخل القطري في الشؤون الداخلية بل وفي أدق التفاصيل، ورفض هذا التدخل نهائياً.

اِن قناة الجزيرة لا تخفي ميولها القرونوسطية ذات اللون الواحد الذي لا يمكن للمرء الخطأ حوله: فهي معادية للفكر القومي العربي وإن تبدي بعض ما تقدمه على أنه عروبي بشكل ما ولكنه في حقيقة الأمر ليس إلا من منظور إيديولوجي يحلم في عودة بسراب ''الخلافة العثمانية'' البائدة.
أما اليوم فقد تبين للمواطن العربي تجييشها الذي لا يصب في مصلحة أحد إلا مشروعها القرونوسطية الذي لو تحقق فلن يحصد سوى المزيد من تشرذم وتابعية الشعوب العربية للآخرين غربيين كانوا أم ''عثمانيين جدداً'' أم تتاراً مستجدين أم مماليك مستنسخين. ولم يعد خافياً علينا اتخاذ (الجزيرة) للقرضاوي أباً روحياً لها، وهذا ما يبرهن ويثبت معطيات قرونوسطية (الجزيرة) فهو الذي شرّع الاغتيال السياسي في أكثر من مرة، ومنها حين شرعن اغتيال القذافي والذي ورغم موقفي واختلافي مع نظامه السابق، إلا أنني لن أقبل بشرعنة اغتياله، لأني رافض لمبدأ القتل لتسوية الخلافات السياسية أو غير السياسية.
فالقرضاوي هذا لم أستسغ يوماً الاستماع إليه، أرجو المعذرة لصراحتي الزائدة ولا حتى النظر إليه، فأسلوبه مشتت ولغته سقيمة الإيقاع والوقع.
والسؤال: كيف أصبح القرضاوي واجهة علماء الدين؟ كيف صار الناطق بإسم الإسلام والأمة العربية والإسلامية؟ فالقرضاوي وبعد تحريضه المتكرر على القتل وبعد هذيانه في إرضاء من لا يزال على أرضهم، لم يبق لي إلا أن أرجح أنه لم يصل إلى ما وصل إليه لو لم يسخر فتواه و''علمه'' لأصحاب البترودولار ومن يسوسهم.
أعرف أنه يمكن للكثيرين أن يتطوعوا للدفاع عن القرضاوي ورفض كلامي، لا لشيء يستحقه الرجل، ولكن فقط لأنه رجل دين، والبعض يؤمن أن رجل الدين له حصانة أو قداسة، ولكني أقول وبعد كل الأخطاء القاتلة من مفتي الناتو، لم يعد له حصانة ولا قداسة، أرفض إلباسهما لأي فرد من المجتمع، ذلك أني أومن أن لا أحد فوق النقد والمسائلة، ومن أراد الديمقراطية وبناء مجتمع مدني فعليه أن يعرف أن الأمور لا تستقيم مع أحد فوق القانون، بمن فيهم رجال الدين، وإلا رجعنا إلى العصور الوسطى التي لا عودة لها مهما افتعل المجرمون من مسوغات دموية لعودتها.

قناة الجزيرة قناة ناطقه باللغة العربية فقط حتى وقت قريب في كل برامجها وهو ما يعنى أن المستهدف لها هو المتلقي العربي وليس أحداً سواه وهو ما يؤكد حقيقة أنها ليست قناة لنقل وجهة النظر العربية إلى الآخر، وليست قناة للدفاع عن الحقوق العربية أمام الآخر بل هي قناة عربية للعرب فقط، ويبدو جلياً من نوعية البرامج التي تقدم والتي كانت تستهدف النزاعات بين الدول العربية، والخلافات داخل الدولة الواحدة بين طوائفها وعرقياتها وحتى بين التوجهات الفكرية وبين أصحاب المواقف السياسية ضمن الدولة الواحدة، وهو الأمر الذي لم يترك أثراً إيجابياً على المواطن العربي في أي دولة كان. ثم جاء ما يسمى ب(الثورات العربية) وكانت الطامة الكبرى حيث رأينا الحقائق تشوه والأخبار الكاذبة تنتشر والتحريض الداخلي وغياب الرؤى والحلول.
فقناة الجزيرة انفضح أمرها، وأصبح أدائها الإعلامي مثل لوحة فسيفسائية جديدة من تركيب للألوان عجيب وهجين: من التعتيم الكامل على ما يجري في بلد، إلى التشديد الكامل على ما يجري في ثان إلى التحريض على نظام في بلد ثالث وهكذا دواليك، والضحية في هذا كله هي الرسالة الأصل: الخبر هكذا يتحول الخبر إلى موقف سياسي: بحجبه هنا وبتضخيمه هناك. بل هكذا يقع إنهاء الخبر من الأساس والتعويض عنه بالموقف السياسي. فالكيل بمكاييل أصدق وصف ل ''فلسفة قناة الجزيرة''، فهي هنا ثورية تبز الثوريين أنفسهم وتملي عليهم الخيارات والشعارات، وتخلط بين حابلهم ونابلهم، فتستضيف منهم النبيل والنظيف، مثلما تستضيف منهم من أجمع القوم على طويل خدمته لإسرائيل، وهي محافظة ورجعية تلوذ بالصمت على شرائع القرون الوسطى، ولا ببنت شفة تنبس عما يجري وراء ستار التعتيم المطلق، وما أغنانا عن القول أن الانتهازية والنفاق جوهر أية سياسة تكيل بمكاييل: في السياسة أو في الفكر أو في الإعلام، إذ هي تفتقر إلى أي مبدأ أو وازع أخلاقي يعصمها من السقوط المعنوي وفقدان الصدقية التي هي رأسمال السياسة والإعلام في عالم اليوم.
فلسنا في جملة من يتوهمون أن في وسع الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة، وهو خطاب إيديولوجي أن يكون خطاباً ''موضوعياً'' و ''محايداً'' ومنزهاً عن أي انحياز. ولكن بين ''الحياد'' الكامل و (المستحيل) والانحياز السافر المفضوح مسافة غير قابلة للاختصار.
فنحن الآن لا نتحامل على قناة الجزيرة، لكننا نريد كشف الحقائق والدعوة إلى أخذ الحيطة من إعلام الجزيرة الموجه، وأن يدرك هؤلاء القائمون على محطة الجزيرة، بأنه كان لدينا فلسطين واحدة جريحة، وبفضلهم وفضل سياساتهم صار لدينا أكثر من بلد عربي جريح، ألم يسألوا أنفسهم من المستفيد الأول من نشر الفوضى في عالمنا العربي؟ ولماذا لم تلعب قناة الجزيرة دوراً إيجابياً يعود بالنفع على الأمة العربية وتلاحمها مادامت قناتهم تهتم بمصالح الأمة العربية وشؤونها بحسب ما يقولون، كأن تعمل على دفع الشباب للتظاهر والمطالبة بالوحدة العربية وفك حدود الدول العربية فيما بينها، وأن تشحن الشعوب للتظاهر لإيقاف الاستيطان في فلسطين وتحرير القدس الشريف المحتل. فمعركتنا القادمة نحن مثقفي هذه البلاد العربية مع (الجزيرة) التي طلّقت الروح المهنية وامتهنت التجييش، وأعطت لنفسها حق الوصاية على الشعوب وعلى حاضرنا ومستقبلنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.