صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة تهريب112 كيلو جراماً من آثار ومخطوطات اليمن إلى لبنان
نشر في الأضواء يوم 26 - 05 - 2012

لم تظهر عليه علامات السهر والارهاق وطيلة الرحلة المتجهة إلى بيروت لم يلحظ الجالسون جواره في الفرست كلاس أنه حتى تثاءب- ربما كان خياله يطوف به أعلى من الطائرة التي يركبها محلقاً في فضاء الثراء الذي ينتظره عند مجاوزة عتبة المطار.
في الأسفل منه كانت الطائرة تحمل 211 كيلو جراماً من تاريخنا داخل حقائب كتب عليها اسمه الرباعي بالعربية والانجليزية، كل شيء يسير وفق ما خطط له (ع.س). يعلن الكابتن عن قرب هبوطهم في مطار الشهيد رفيق الحريري ببيروت متمنياً أن يرافقوه في رحلة الإياب الذي لم يكن يخطر في بال الرجل الأربعيني الممسك جيداً بأرقام العفش الثمين »مستقبله وماضينا« ،التقط حقائبه بخفة ليساعده شاب كان في انتظاره منذ الواحدة ظهراً حتى الثالثة، وعقب مصافحته سأله عن ربطات القات المسافرة جواً من قلب جيبوتي وماإذا كانت قد تغيرت بفعل الحرارة، فتح »ع.س« أصغر حقائبه في إحدى صالات الوصول وظل ممسكاً بالكيس المقدر ما فيه 3.5 كيلو جرام دون أن يفلته مما دفع بالمنتظر محاولة سحبه غصبا وتعالت أصوات المتخاصمين الأول يريد أن يمنحه النصف والثاني يريد الكل، رمق أحد ضباط المطار العراك وهرول قابضاً على مسدسه نحو مصدر الأصوات وقاده حدسه للإمساك بالكيس وحامله الهادئ حتى اللحظة، انطلق الطرف الآخر هارباً دون أن يلاحقه أحد فيما بدأت سلطات المطار مباشرة التحقيق مع اليمني القادم من جيبوتي وأعيدت حقائبه أيضاً.
يقول محضر التحقيق أن الرجل ظل متماسكاً وتدريجياً تمالكه إرهاق السهر لم يكن قد أغمض عينيه منذ ليلتين وترك ليرتاح فيما تذهب أوراق القات للفحص المخبري وبعد يومين أي في 22/4/1102م عادت النتائج لتكشف أن في المادة التي يحملها مادتين محظور دخولهما لبنان قانوناً لارتفاع نسبة التخدير، تم استدعاء مختص الجمارك في المطار لتحريز عفش المتهم في طرود مرقمة وكانت المحتويات صادمة للموجودين، تاريخ بلد آخر يمر إلينا.. قال أحد المعنيين بالتحقيق في القضية للخبراء اليمنيين: أبقيناها في مخازن خاصة بالمطار لا نعرف غير أنها مخطوطات وآثار لها علاقة باليمن، استمر في حديثه مستغرباً.
زودت المحكمة اللبنانية برئاسة القاضي المعروف سعيد الرمازي بالأدلة الكاملة في ما يخص عشبة القات التي نادرا ما تزور بيروت »لقلة المستهدفين فيها« وأصدر الحكم ثلاثة أشهر سجن مع دفع خمس مائة ألف ليرة لبنانية »تعادل 370 دولاراً أمريكياً كغرامة، تنقل المتهم في إجاباته بين عدم علمه وبين كونه رسولاً ما عليه إلا إيصال الأمانة وجهله بالقانون.. وجميعها لم تشفع له، حمل الرجل إلى السجن وسط العاصمة ليختلط مع نظرائه من الأقطار الأخرى ووصلت الأنباء إلى السفارة اليمنية في لبنان »لم يتسن لنا معرفة كيفية وصول هذه الأنباء«.
أرادت السفارة التدخل وبعثت بمذكرة إلى الخارجية وجهات الاختصاص في الداخل لإرسال خبيرين ليقوما بعملية فحص المخطوطات والآثار التي أقلعت عبر دولة ثالثة »تجاوبنا فوراً مع نداء السفارة وسارعنا في إجراءات سفر اثنين من كفاءاتنا. يقول الدكتور مجاهد اليتيم وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات: وصباح يوم 32/4/2102م حملت ذات الطائرة برقم رحلة أخرى الخبيرين يحيى الخزان أمين دار المخطوطات وعبدالرقيب شاهر باتجاه بيروت وقد اختارا نفس خط سير الطريق الذي عبره (ع.س) منذ عام، لقد كنا في غاية الحماس للقيام بهذه المهمة العظيمة.
يروي الخزان ولم تفصل سوى ساعات بين زمن وصولهما وساعة البدء في العمل: صباحاً توجهنا إلى رؤية أعز ما يملكه اليمن، يقول شاهر الذي كان يدير إدارة الاقتناء في دار المخطوطات بصنعاء، كان الرجل قد دافع عن ضعفه بالادعاء أن ما يحمله ليس أصلياً وهو ما جعل الإثبات ضرورياً.
فتحت الغرفة المعدة جيدا لتخزين الطرود أمام الخبيرين تجاوباً مع التصاريح التي يحملانها.
حين رأيناها أول مرة هالنا المشهد من كل ما نرى، إننا أمام متحف متنقل حمله شخص واحد »الخزان متحدثاً بذات الاستغراب« وضعت أمام الفريق المخطوطات وقبل أن يلمسوها تأكدوا أنها حقيقية وطلبوا أدوات وقائية حفاظاً على سلامة الماضي وارتديا كفوف الأيدي أولاً.
يعود تاريخ أول هجرة للمخطوطات اليمنية إلى 1761م، حين وصلت بعثة علمية دانمركية إلى اليمن ومات معظم أفرادها ويوم خروجها أخذ الرحالة كارستين نيبور مجموعة من المخطوطات وصلت جميعها إلى المكتبة الملكية في كوبنهاجن وشوهدت معروضة في العام 1979م وفقاً للدراسة التي أجرتها الباحثة انتصار العمري ونالت بموجبها درجة الماجستير من كلية آداب صنعاء منذ أعوام.
وفي مقارنة بسيطة بين الأهداف نجد أن نيبور أراد إثبات وصوله إلى الأرض المحرمة دخولها والغامضة، والآخر أراد بيعها طامساً هويتها »قام بقطع الصفحة الأولى والأخيرة من كل مخطوط حتى لا يعرف تاريخه وأنه قديم يمنع إخراجه من البلاد، يفسر أحد الخبراء سر قطع الورقتين من كل مخطوط وهو ما عقد مهمة تحديد المؤلف والناسخ والتاريخ الدقيق.
لم تمر من هنا
ينفي المكتب الأمني في مطار صنعاء إن كانت مثل هذه المخطوطات قد مرت منه ويعتقد أحد المناوبين الذي قال إنه لا يحق له الحديث في هذه المواضيع أنها ربما عبرت من منافذ أخرى بصورة فردية أو جماعية، أما نحن فنمنع كل من يحاول إخراج الآثار والمخطوطات، يزكي هذا الحديث القاضي محمد محمد الكستبان وكيل نيابة الآثار وانه بالفعل تصادر هذه الأشياء الأثرية لكن المشكلة أن القضايا لا تحال إلينا كالجهة الوحيدة المخول لها النظر فيها وللأسف يتم أحيانا التصرف من قبل سلطات المطار.
يعرض أمين دار المخطوطات نماذج لمخطوطات عثر عليها العاملون في المطار مع مسافرين يمنيين وأجانب وقاموا بمصادرتها واستدعائنا لاستلامها حتى انهم أحيانا يسلموننا مخطوطات قد لا تكون قديمة وعادية وقادمة من وجهة أخرى حاملا بيديه إحدى الرقائق الطويلة والمطوية والمتضمنة صورة للسيد المسيح عليه السلام وإلى جواره السيدة مريم العذراء وألواناً زاهية يبدو عليها الحداثة، ويقول أمين الدار: هذه ليست جلداً وهي عبارة عن قطعة مصنوعة حديثا للتداول وقد صودرت على حاملها.
يشير هذا إلى عدم وجود الخبرة الكافية لدى العاملين في منافذنا للتحديد الدقيق واتخاذ القرار المناسب إذا كان ما ضبطوه مخطوطا أو تقليدا أو صورة لمخطوط.
ويقول وكيل وزارة الثقافة إنهم مستعدون للتعاون مع سلطات المطار لتدريب كوادرهم جيدا بحيث يصبحون قادرين على تحديد الممنوع والمسموح.
فيما يتعلق بالآثار يتواجد مندوبو آثار من الهيئة العامة للآثار في المنفذ لكن وكيل نيابة الآثار يتهم آخرين باتخاذ إجراءات فاصلة في القضايا دون العودة إلى النيابة وهو ما يخلط الأوراق، »نناشدهم أن يتوقفوا عن ممارسة اختصاص غيرهم حفاظا على تاريخ البلاد العريقة«.
من مطار الحريري
لأسبوعين ظل العمل يجري داخل مطار الحريري شاملا الإجازات الرسمية »هناك ذهبنا في مهمة أردنا إنجازها دون التفكير بشيء آخر وقد كان الجانب اللبناني متعاونا«، يقول عبدالرقيب شاهر، واستمر التقرير الذي يعده الخبراء بالازدياد كل ساعة تقريبا فكلما يتمكنوا من فك شفرة مخطوط يضيفون التفاصيل الجديدة.
وصل عدد المخطوطات المجاميع إلى 30 مخطوطة ومطويات جلدية مكتوبة بالمداد الأسود والحبر الأحمر وعددها 47 بالخط الجعزي وهو خط كان سائدا بين اليمن والحبشة في حقبة زمنية معروفة، وحسب التقرير هناك 4 مخطوطات فقط من المذكورة وصل وزنها إلى 26 كيلو جراماً وهناك 12 لوحة تتضمن رسومات مختلفة و16 تروساً خاصة بالمحاربين »الصحون المعدنية التي يحملها الجنود أثناء المعارك لحماية أنفسهم من طعنات السيف« وتتضمن نقوشا مختلفة ولم يصل الفريق إلى تحديد تاريخ دقيق لصناعتها »كانت يوما تحمي الجنود من الموت لكنها لم تحم المتهم من الوقوع في السجن« يقول شاهر ضاحكاً.
ومن بين المضبوطات حقيبة ممتلئة بالخرز والأحجار الكريمة والمرجان والعقيق وينص القانون على منع خروج العقيق بكميات تجارية وما يسمح به أفصاص صغيرة تقدم كهدايا في الخارج.
ويضيف التقرير وجود أربع قطع خشبية وثلاث قطع شبيهة بدولاب صغير يفتح لتظهر الأشكال والصور القديمة وهناك تماثيل لأشكال منها امرأة جالسة واضحة المعالم.
ومن وجهة نظر الفريق أن أهم المخطوطات مخطوط في الطب يعود عمره إلى ما قبل 400 عام ويتضمن معلومات قيمة ودليلاً على التحضر الذي عاشوه حينها، وهناك مخطوط في التصوف وجميع المخطوطات مغلفة بالجلد المزين بالنقوش.
ولمواجهة صعوبة تاريخ المخطوطة بعد أن نزع منها الورقتين الأولى والأخيرة اعتمد الفريق على طريقة الفترة الزمنية التي عاش فيها الخط المكتوبة به المخطوطة فلكل خط زمن ظهور وازدهار واختفى من الاستخدام والانتقال إلى غيره ولتجاوز عدم وجود أجهزة الكترونية مع الفريق استعان كل واحد منهم بسنوات خبرته في العمل مع المخطوطات وهي 30 عاماً للخزان ونصفها لشاهر وهي كافية لمعرفة كل شيء تقريباً.
يقول اليتيم معلقاً على الكفاءة: نحن نثق بطواقمنا ونحترم سنوات خبرتهم التي يتعلمون خلالها كل جديد وقديم.
مسيرة احتجاج
لم يتمكن الخبراء من مقابلة المتهم ولم يعلم بوصولهم حسب أحد أقاربه في صنعاء والذي نظم مع آخرين مسيرة احتجاج قبل أسابيع إلى رئاسة الوزراء مطالبين بإطلاق سراحه والكشف عن آخرين ربما لهم دور في المحنة التي وصل إليها لكن هذا لا يعني شيئاً بالنسبة لنيابة الآثار التي تتخذ من أحد مباني صنعاء القديمة مقراً، وحين ذهبنا إليها كشف لنا وكيل النيابة القاضي محمد الكستبان عن أمر لم يكن متوقعا بمجرد ذكرنا لاسم المتهم وتسليم نسخة من تقرير الفريق العائد من بيروت والذي يعتبر أنهى دوره. نادى الكستبان على مسؤول الملفات في النيابة »احضر ملف ع.س«.
ثلاث دقائق تقريبا كان الشاب الذي يرتدي نظارات طبية يضع ملفا أصفر ممتلئا بالأوراق أمام القاضي »تفضل« وانصرف.
بدأ القاضي في تقليب الأوراق وبصوت شبه منخفض يردد »أعرفه جيداً«، كي يقنع الفريق الذي لا يرى جدوى بقائه كسجين في الغربة دون محاكمة وهو ما أوصوا به في تقريرهم.
يخاطبهم القاضي: أنا مع عودته مصحوباً بالمضبوطات كي نبدأ إجراءاتنا.
يضم الملف حكما غريبا على (ع.س) دفع عشرين ألفاً غرامة لقيامه بتهريب آثار من قبل والقبض عليه متلبساً.
لقد شجعه هذا الحكم على التمادي وتكرار عبثه بالآثار »يبيعون بلادنا بملايين الدولارات ويحكم عليهم بغرامات رمزية«، يقول الكستبان غاضبا: حين صدر الحكم السابق لم يكن القاضي محمد قد تولى مهامه لكنه عرف عن الرجل الذي نال حكما لاعقوبة فيه، الفريق يبدو متعجبا أن يكون المتهم صاحب سوابق في سرقة التاريخ وان يلقى حكماً كهذا ولم تصدر تعليقات منهم.
يقول وكيل النيابة: إن أحكام القانون ستكون في انتظاره على أرض المطار هذه المرة موضحا »غرامة وسجن ومصادرة للمضبوطات بحوزته لأنه قام بتهريبها إلى بلد آخر«.
يخول القانون ويمنح التقرير القادم من بيروت الحق لوكيل نيابة الآثار إرسال مذكرة عاجلة إلى وزارة الخارجية، وهي بدورها تخاطب نظيرتها في لبنان لإعادة المتهم مع المضبوطات، لقد ظهر انشراح الكستبان حين قدم الخبراء تفصيلاً عن كيفية إثبات يمنية المخطوطات ورغم إزالة الأوراق التي تحمل أسماء المؤلفين من البعض إلا أنها بقيت في البعض الآخر وقد قدمت كأدلة كافية إلى الجانب اللبناني وقانون حقوق المخطوطات الدولي ينص على أن المخطوطة تعود إلى البلد المنتمي إليها المؤلف أو الناسخ، ومن الإثباتات أن الأسماء الموجودة في المخطوطات تنتهي بأسماء مناطق معروفة في اليمن وموثقة.
يقول مصدر في الخارجية إن الوزارة تتفاعل مع مثل هذه القضايا وستبدأ إجراءاتها عند وصول الطلب من النيابة المختصة.
لكن مصدراً آخر في الزيارة الثانية للوزارة قال إن هناك اتفاقيات تحكم مثل هذه الأمور وإذا ما كانت هناك اتفاقية بين اليمن ولبنان تنص على تبادل المتهمين في قضايا مماثلة فسيتم التسليم وسنقوم نحن بالمخاطبة أو ستتولى وزارة الداخلية التنسيق مع وزارة الداخلية اللبنانية ليتجه مبعوث أمني من بلادنا ويعود مرفقا بالمتهم والمضبوطات أو حتى تقوم الداخلية اللبنانية بإرسال أحد ضباطها لمرافقة المتهم شرط أن تكون الرحلة مباشرة بين بيروت وصنعاء دون أي توقف، »ترانزيت« ودورنا في تهيئة زيارة الضابط المرافق والإجراءات القانونية اللازمة للزيارة.
كيف حصل عليها
ترجح الباحثة في المخطوطات انتصار العمري صاحبة كتاب »المخطوط بين الوصف والتحليل« أن يكون الرجل كغيره عثر على هذه الكنوز من خلال التنقل بين المناطق والقيام بالشراء من أقارب ملاك المخطوطات، هناك من ورثوا عن آبائهم أو أجدادهم الكثير من المخطوطات التي لا تقدر بثمن ولكنها بالنسبة للأجيال الحالية مجرد موروثات ورثوها عن آبائهم إلى جانب الموروثات الأخرى«.
إلى جوار دار المخطوطات يقف رجل في منتصف العمر حاملا معه مخطوطة مضمونها عبارة عن مصحف وعلى الرجل تبدوا الحيرة والتردد للدخول أو الخروج فقد طلب منه آخر مرة أن يترك المخطوط وينتظر دور استلامه الثمن كونه ملكاً خاصاً. يرى القانون أن من حق الناس امتلاك المخطوطات والاحتفاظ بها وللدولة الحق في شرائها منهم حسب ما تقره لجنة تقدير القيمة، مصدر التردد ما يكشف عنه أمين دار المخطوطات في الداخل فالاعتماد الضئيل للدار لا يسمح بالاقتناء من الورثة ومحاسبتهم فوراً وعلى من يقبل ترك مخطوطاته أن ينتظر سنوات قد تتجاوز الثلاثين عاما إذا استمر اعتماد ثلاثة ملايين في السنة مقابل شراء مخطوطات ونحن لم نحاسب من سلموا مخطوطاتهم منذ سنوات كثيرة ومازالوا ينتظرون.
ومفسراً يقول: لكن هذا لا يحق لهم أن يذهبوا بها إلى الخارج ولهم الحق في الاحتفاظ بها دون تهريبها وهو ما يرجح أن يكون (ع.س) قد استفاد منه، فالكثيرون مستعدون للبيع.
تتلقى الدكتورة عميدة شعلان أستاذة الآثار القديمة جامعة صنعاء العديد من العروض أثناء زيارتها للمناطق الأثرية برفقة طلابها وبحكم أن ملامحها مقتربة من ملامح وجوه دول أخرى فالكثير من الأهالي الذين لديهم أي شيء أثري يقدمونه إليها لتشتريه وهو ما يجعلها تستغرب من الاستعداد للتنازل عن قيمة حضارية تتمثل في القطع الأثرية والمخطوطات.
الباحثة انتصار العمري وخلال ما يزيد عن ثلاثة أعوام لإنجاز دراستها تلقت الكثير من الأسئلة حول ما إذا كانت تريد شراء مخطوطات بمجرد سماعها تتحدث.
وبالعودة إلى سجلات التصنيف في الدار لم يرد ذكر أي من المخطوطات المحتجزة، ما يعني أن الرجل جمعها من أماكن عديدة وجمع معها الأحجار الكريمة والآثار الثمينة وذهب لبيع ثروة البلاد لصالحه الشخصي، وسنرى أين سيصل به غضب مؤلفين قضوا حياتهم في الكتابة باليد مستخدمين جلود الحيوانات والمواد الأولية التي يصعب التدوين بها لولا إرادتهم التي يبدو أنها مازالت حية كي تلاحقه إلى مطار الشهيد رفيق الحريري، تدور استفسارات الخبراء.
جريمة جديدة
هناك جريمة أخرى اقترفها المتهم يذكرها الدكتور عبدالغني الشرعبي رئيس قسم علم الآثار الأسبق في جامعة صنعاء وهي متعلقة بالقطع الأثرية، يقول «تفقد القطعة الأثرية قيمتها الحقيقية عندما يتم نقلها من مكان العثور عليها وندخل كمختصين في متاهة تحديد الموقع الجغرافي للقطعة والذي بموجبه نتمكن من قراءة أشياء كثيرة تهم التاريخ».
وما إذا كانت التحقيقات مع المتهم ستفيد في تحديد مكان العثور عليها يقول الشرعبي إن المشكلة تبدأ عندما يبدأ تداولها فهي تنتقل من شخص إلى آخر ويختفي معها سر المكان الأولي لتصبح مجرد قطعة قديمة بلا تاريخ ولا صلة لا بالمكان ولا بالقطع الأخرى، إنها تشبه شراءك لبضاعة مجهولة المنشأ.
يستمر أستاذ العمارة القديمة غاضباً: محل قطعة الآن تحتاج إلى دراسة حالة وأجهزة ومقارنات وهي مهمة ليست يسيرة لنعرف أين كانت ونضع صورة كاملة عن الحضارة التي ترتبط بها القطعة الأثرية.
* صحيفة الثورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.