مر حوالي اكثر من 25 عاما على ما بات يعرف باحداث مكة 1987 بعد قيام بعض الحجاج الايرانيين بمظاهرات عارمة خلال موسم الحج في تموز (يوليو) من ذلك العام ما ادى الى مواجهات عنيفة بين قوات الأمن السعودية والمتظاهرين الإيرانيين اسفرت عن مقتل اكثر من 400 شخص من بينهم 275 من الحجاج الإيرانيين، 85 من السعوديين، بالاضافة الى 45 حاجاً من بلدان أخرى و إصابة المئات. وتوترت العلاقات بين البلدين اثر هذه الحادثة ولم تتعاف لسنين ومنع الايرانيون من الحج حتى العام 1991. وما زالت مرارة تلك الحادثة عالقة في اذهان الطرفين حتى هذا اليوم. نحن الان في ظروف جديدة تختلف عن تلك الفترة اذ لم يعد مبدأ تصدير الثورة ضمن سياسة الجمهورية الاسلامية المنهجية المعلنة. لكن بدلا من ذلك هناك مؤسسات عسكرية كفيلق القدس وسياسية وثقافية تحت مسميات مختلفة تنتشر بدعم من تنظيمات وجماعات اسلامية موالية لنظام ولاية الفقيه في المنطقة وما ورائها. بعد الغزو الاميركي للعراق وسقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين-رحمهالله- الذي كان يلعب دور المتصدي لايران وتوسعها في المنطقة، اصبحت السعودية المنافس الاكبر والوحيد تقريبا للقيام بهذا الدور. قبل اكثر من عامين اصبحت الساحة اليمنية حلبة صراع او محطة لتسجيل نقاط وحرب بالوكالة كما وصفها البعض بين ايران والسعودية، وزادت من تدهور العلاقات المتوترة اصلا بينهما. فبعد اندلاع المعارك بين الحوثيين والجيش اليمني في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 وجهت ايران تحذيرا مبطنا للسعودية من التورط في الشأن اليمني ودعم الحكومة اليمنية في قمعها للحوثيين. وقال منوشهر متكي وزير الخارجية الايراني آنذاك في اشارة الى السعودية: "على من يصبون الزيت على النار ان يدركوا انهم لن يكونوا بمنأى عن الدخان". ولا تكاد ازمة تنتهي بينهما حتى تتفجر اخرى. وجاءت احداث "الربيع العربي" لتلقي بظلالها بقوة على العلاقات بين البلدين. فمنذ احداث اليمنوالبحرين مرورا بمحاولة اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير المفترضة وحتى اندلاع الثورة السورية، وعلاقاتهما تزداد سوءا اليوم تلو الاخر. فاثناء الاحتجاجات في البحرين ندد وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في نيسان (ابريل) من العام الماضي بتصريحات نظيره الإيراني بشأن البحرين. وقال في حديث أن تصريحات وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي بان دخول القوات السعودية إلى البحرين "ستكون له عواقب وخيمة" واتهامه الرياض ب "تأجيج الطائفية"، انما تؤدي الى "إثارة الفتنة والقلاقل" في المنطقة. وقد ساهمت قضية الجزر المتنازع عليها بين الاماراتوايران في تأجيج الموقف. فقد وقفت السعودية ومعها دول مجلس التعاون دوما الى جانب الامارات العربية المتحدة في خلافها مع ايران حول الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى) في الخليج التي احتلتها ايران عام 1971 في عهد الشاه. ورفضت إيران في شهر حزيران (مايو) الماضي تصريحات وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل حول الجزر المتنازع عليها مع الامارات. ووصف الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست هذه التصريحات ''بانها مزاعم مكررة وتدخل في شؤون ايران الداخلية'' مؤكدا على "ايرانية الجزر الى الابد". السجال بين السعودية وايران لا يقتصر على القضايا السياسية. فمنذ عقود والخلاف بينهما قائم في مجال السياسة النفطية داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك). حتى انه في سبعينات القرن الماضي تفجرت ازمة بين البلدين حينما احتجت ايران الشاه على سياسة السعودية النفطية وعلى وزير نفطها آنذاك الشيخ احمد زكي يماني شخصيا لابقائه على اسعار نفط منخفضة "لصالح اميركا والدول الغربية" واتهمته بالتفريط بمصالح دول "اوبك" والاضرار بمصالح ايران. وشاطت ايران الجمهورية الاسلامية غضبا في الشهر الماضي حين اعلنت السعودية عن استعدادها لسد حاجة السوق من النفط بسبب النقص الناجم عن تراجع صادرات ايران النفطية او نتيجة للحظر المفروض عليها. للسعودية هواجس في ما يتعلق ببرنامج ايران النووي الذي تخشى ان تكون ايران تسعى من خلاله الى صنع اسلحة نووية. وترى السعودية ودول الخليج الاخرى ان حصول ايران الشيعية على سلاح نووي الى جانب وجود اسرائيل نووية - بغض النظر عن من يمثل الخطر الاكبر بالنسبة اليها واولويات الصراع - سيشكل تهديدا مباشرا لمصالحها وسيغير موازين القوى بشكل يهدد امنها القومي والوطني. وهو ما حدا بالسعودية ودول خليجية اخرى، حسب ما تردد في وسائل الاعلام في الآونة الاخيرة، بالتفكير باقامة برامج نووية للطاقة السلمية يمكن من خلالها تطوير قدرات وتقنيات عالية تمكنها من تطوير اسلحة نووية، لو دعت الحاجة لذلك، على غرار ما تفعله او تنوي فعله ايران حسب رؤيتهم. وتقف السعودية الى جانب الدول الغربية في مواجهتها مع ايران حول ملفها النووي. وفي آخر مناوشة كلامية بين الطرفين رفضت إيران بشدة تصريحات الامير سعود الفيصل امس التي قال فيها ان إيران تسعى لإتلاف الوقت في محادثاتها النووية واتهمها بالتدخل في شؤون دول المنطقة، واعتبرتها "تصريحات غير مقبولة ولا أساس لها من الصحة". ويمثل الوضع في سورية نقطة خلاف شديدة بين ايران والسعودية. وقد اصبحت الساحة السورية الان بؤرة صراع رئيسية بينهما. فالسعودية "دفعت"(بضم الدال) ان صح التعبير للوقوف الى جانب الثورة السورية في ضوء ما تمليه المعادلة السياسية في المنطقة. اذ ترى في سقوط النظام السوري هزيمة لايران و"مشروعها الشيعي" واضعافاً لتحالفاتها في المنطقة خاصة مع الجماعات الشيعية في العراق وحزب الله في لبنان. وتعي انه في ظل هذا التقييم فان ميزان الربح والخسارة هو في صالحها في المدى القصير والمتوسط على الاقل. لذا فهي ترمي بثقلها وراء المعارضة السورية والجيش السوري الحر. وايران لا خيار امامها سوى دعم نظام الرئيس السوري بشار الاسد بكل قوة والحؤول دون انهياره. فهي من جانبها ايضا تخشى مجيء نظام سوري جديد ربما يضم في مكوناته الاساسية قوى اسلامية سنية "معادية" لها ومتحالفة مع منافستها السعودية صاحبة "المشروع السني الوهابي"، ما قد ينذر بنهاية مشروعها السياسي الديني في شرق المتوسط ويهدد مصالحها. وحسم الموقف في سوريا سيحسم جانباً كبيراً من الصراع بينهما ويغير موازين القوى لصالح احدهما. الملف السوري هو الرهان الاكبر بالنسبة الى كل منهما ويمثل الورقة الاربح لهما، لو حسمت الامور لصالح اي من القوتين، ليس على مستوى العلاقات بينهما فقط، وانما على صعيد علاقة كل منهما بالدول الاخرى في المنطقة وخارجها والذي بالتأكيد سيكون له تداعيات كبيرة على الاوضاع الداخلية للبلدين ايضا. الاوسط