أجدها مفارقة تستحق الوقوف أمامها؛ فقد افتتح المؤتمر الشعبي حياته السياسية بذهنية "رجل إطفاء"، عليه أن يحتوي النار المتصاعدة من كل اتجاه: الجبهة واليسار، البعثيين والناصريين والاخوان، والمشايخ المسيسين و"المبترعين" بعد المال وفارق الصرف، واختتم عمره بإشعال حرائق في كل اتجاه، حتى داخل جسده هو، وكأن المؤتمر لم يطفئ حرائق مطلع الثمانينات بل ادخرها لنفسه. تمكن الرئيس صالح يومها من احتواء الجميع في "مؤتمر" جامع ودعا إليه جميع أطياف "الشعب"، وجعله "عاماً" لا حكر فيه ولا وصاية لأحد، مستنيراً ومسترشداً بحكماء وعقلاء البلاد: الإرياني، الأصبحي، العنسي، الحدي، العماد، وتم استيعاب كل الفرقاء، وخرج المؤتمر الذي تأسس في 24 أغسطس 1982 برؤية وطنية فريدة اسماها "الميثاق الوطني"، وكان نبراساً بحق، ولو عمل صالح وأركان نظامه بنصف ما فيه لكانت اليمن من الدول المتقدمة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً. مرةً قلت لقيادي مؤتمري: "لو عمل المؤتمر بثلث ما في "الميثاق الوطني" لما ترك لبقية الأحزاب من أنصار"... رد بتحسر: عملنا لأنفسنا! المؤتمر، الحزب السياسي الذي التهم ثلثي مقاعد البرلمان، وثلثي خزينة الدولة، وثلثي المساعدات والمنح والقروض، وثلثي المؤسسة العسكرية في حروب قادته العبثية، اليوم يخسر ثلثي مكانته وقيمته الشعبية والأخلاقية، بسبب تصرفات جيل "النزق السياسي" داخله... بعد أن أبدا قدراً من التماسك مع حلفائه السياسيين، خلال فترة عامي 2011 - 2012م. وأعتقد أن تصريحات القيادي المؤتمري ياسر العواضي واتهامه للرئيس هادي بالضلوع في تفجيرات جامع الرئاسة، ستصب في مجرى الانهيار الأخلاقي والسياسي للمؤتمر، فالعواضي قال ذلك أثناء لقاء للأمانة العامة للمؤتمر مع حلفائه من الأحزاب السياسية، وأيده الأكوع، ودويد، والعجي، والتزم الإرياني الصمت، ولم يرد عليه غير وزير الاتصالات أحمد بن دغر، وطالبه بأن يقول "كلاماً مسئولاً"، ولعل العواضي نزع حجر الزاوية، ايذاناً بتفتيت المؤتمر، واشعال الحرائق فيه، لينقسم المؤتلفة إلى مؤيد ومعارض وصامت. يجب على عقلاء المؤتمر أن يتداركوه، ويلتقطوا هذا الجسد قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، فالتاريخ يمضي في ممرات ضيقة، لا تمكنه من الالتفات إلى الوراء، والركب ليس فيهم من عنده استعداد لانتظار "حصان" المؤتمر المتعثر بالخيبات، والمثقل بالتاريخ السيء، والفرقاء أمام مفترق طرق مجهولة، وليس بمقدور أحد ادعاء امتلاك الخارطة، غير أن الاجماع شبه تام على أن البلد فيه من الأزمات ما يكفي ل100 سنة قادمة، ولا تنقصهم "شكوك" العواضي وحاشية صالح بأن هادي وراء تفجيرات جامع الرئاسة، "حتى تأكدت الشكوك الآن بإقراره الإفراج عن المتهمين" حسب قول العواضي. لعل العواضي تحدث بصفته أحد جرحى الحادث، ويشعر بالغبن من قرار الإفراج عن شباب ثوار أبرياء، ولعله أيضاً ساق تهماً لهادي ليشفي غليل صالح. صحيفة الناس