منذ مطلع العام الماضي وحتى اللحظة شهدت محافظة حضرموت عمليات اغتيال متتابعة للقيادات الأمنية والعسكرية بصورة لم تكن معهودة خلال السنوات الماضية في هذه المحافظة التي يعرفها الجميع بهدوئها واتجاه معظم أبنائها للتجارة وغيرها من الأعمال الاقتصادية بعيدا عن العنف، وهو الأمر الذي أثار استغراب الجميع من تصاعد ظاهرة الاغتيالات فجأة بما يعني أن هناك قوى لا تريد أن تبقى صورة حضرموت كما كانت علية سابقا، بل تريد تحويلها إلى مستنقع للعنف والثارات من أجل تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية تتمثل في السيطرة عليها وإدارتها بالطريقة التي تحقق أهداف تلك القوى والجماعات المتطرفة والدموية الرافضة لوحدة اليمن وأمنه واستقراره. واعتبر محللون تتابع عمليات الاغتيالات في حضرموت مساع لترتيب وضع جديد في المحافظة وسط مخاوف من سقوط المحافظة في يد قوى وجماعات مسلحة وفصلها عن اليمن. ويشير مراقبون إلى وجود مخطط لتصفية تلك القيادات وتهيئة المحافظة للسقوط بعيداً عن الجمهورية وإحلال نظام بدل السلطات المحلية. وفي الوقت الذي اتسعت فيه عمليات الاستهداف أرجع مراقبون أسباب الانفلات الأمني إلى جملة عوامل منها ضعف الإمكانيات المادية واللوجستية، وعدم وجود تنسيق وتعاون بين الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى عوامل أخرى أبرزها السعي الحثيث من قبل القوى الداعية للانفصال بنشر الفوضى والانفلات الأمني لتوفير بيئة ملائمة للترويج لقضية الانفصال وتنفيذ أجندة على ضوئها يحققون مكاسب مادية كبيرة عبر الدعم المتدفق من الخارج ومكاسب على الأرض من خلال خلق تذمر كبير وسط المواطنين جراء تردي الأوضاع الأمنية وما يتبعها من آثار سلبية على الوضع المعيشي اليومي كون النشاط الاقتصادي يتدهور بتدهور الأوضاع الأمنية. وفيما الغموض يسيطر على المشهد الأمني يتساءل البعض عن دور السلطات المحلية والمركزية في إيقاف تلك الأعمال الإجرامية التي تثير الخوف والرعب في الوسط الاجتماعي كون تتابع عمليات الاغتيال واختطاف بعض القيادات الأمنية والعسكرية يعمل على تقليص هيبة الدولة ونفوذها، وهو الأمر الذي يستوجب على السلطات القيام بدور فاعل في ترصد مرتكبي تلك الجرائم وتقديمهم للمحاكمة وحل القضايا الأمنية بالقانون بدلا من لجوء المواطنين لحلها عن طريق التقطع كما حصل في قضية اختطاف أحد مسئولي الأمن لما لتلك الإجراءات من أهمية في إعادة هيبة الدولة وبسط نفوذها وتواجد الأجهزة الأمنية الذي بموجبة تستتب الأوضاع الأمنية وتعود الحياة إلى طبيعتها. ونظرا لتزايد أعمال الاغتيالات والنهب والسلب الذي استفزت أبناء حضرموت وأثارت ردود فعل مناهضة لها وقوية كان المجلس الثوري في حضرموت قد خرج في وقت سابق وأعلن عن ما أسماها ثورة غضب في حملة تحت شعار "حضرموت تستغيث" احتجاجاً على ما قال إنه انفلات أمني في المحافظة. وقال في بيان له إن ثورة الغضب هي من أجل حضرموت وما تعيشه من انفلات أمني وارتفاع في معدلات الجريمة ونهب مقدراتها وثرواتها وما تعانيه المحافظة من تهميش في التغييرات، ودعا الجميع للمشاركة في هذه الحملة من أجل وقف نزيف الاغتيالات والاختطافات وليسود حضرموت الأمن والاستقرار وإحداث التغيير المنشود. وقال رئيس المجلس صلاح باتيس آنذاك إن حضرموت ستشهد موجة غضب عارمة، ودعا كل المكونات الثورية بمختلف فئاتها وانتماءاتها في المحافظة ساحلها وواديها وجزيرة سقطرى أن "ننتفض وأن نثور وأن نغضب لهذه المحافظة بالطرق السلمية". وأضاف في صفحته على الفيس بوك إن ما تشهده حضرموت مسلسل إجرامي منظم يستهدف كوادر حضرموت دون أي رادع ودون أي ضبط للجناة من قبل السلطة المحلية بأجهزتها المختلفة محملا حكومة الوفاق الوطني ورئيس الجمهورية كامل المسؤولية بسبب عدم إحداث تغيير يذكر في المحافظة. النهب والسلب ثقافة دخيلة تنفذها قوى رافضة للتغيير على الرغم من عدم تعرض أبناء المحافظات الشمالية وغيرهم من البساطين والتجار في حضرموت لأي أذى أو نهب من قبل أبناء المحافظة خلال السنوات الماضية برز خلال الشهور الماضية أعمال نهب وسلب لهؤلاء التجار بصور سيئة تكرس المناطقية وتعزز نبرة الانفصال، لكن الجميع يدرك أن من قام بتلك الأعمال هم مجاميع مسلحة تعمل لصالح تيار الانفصال الذي يقوده علي سالم البيض بتمويل من إيران تنفيذا لمخطط إيراني يهدف إلى تقسيم اليمن لتحقيق مكاسب سياسية وتقوية المذهب الشيعي نكاية بالسعودية وغيرها من دول الخليج. وامتدت أعمال الفوضى ومظاهر الانفلات الأمني من الاغتيالات السياسية والعسكرية إلى الخطف والنهب وممارسة أعمال تضر بالمصالح العامة وممتلكات المواطنين والتي كان آخرها إحراق محلات ملابس في سيئون بعشرات الملايين يملكها أحد أبناء المحافظات الشمالية، وأثارت تلك الحادثة ردود أفعال قوية واستياء سكان المنطقة وأبناء حضرموت وأبناء المحافظات الجنوبية عموما كونها تسيء إلى حضرموت وثقافة أبنائها جميعا، وعكس ذلك الاستياء من الأعمال التخريبية أن أبناء حضرموت لا يريدون تلك الأعمال الدخيلة على المحافظة ولا يرضون بها وكل ما يجري هي محاولات فاشلة لجر حضرموت إلى مربع العنف من قبل القوى الرافضة للتغيير وللوحدة في الجنوب لتنفيذ مخططات خارجية وإبراز ولاء القيادات القائمة على تلك الأعمال لإيران لكسب مزيد من التمويل والمال. وفي إطار أعمال الفوضى التي تشهدها المحافظة تعرضت عدد من المقرات الحكومية وغير الحكومية للنهب، حيث قالت مصادر في فرع نقابة الصحفيين في 19نوفمبر الماضي إن مجهولين قاموا بالسطو على فرع مبنى النقابة في مدينة المكلا وسرقوا محتوياته. وكشف المصدر بأن اللصوص الذين قاموا بعملية السطو تمكنوا من سرقة جهاز كمبيوتر وبروجكتر وأثاث ومحتويات أخرى من داخل المقر الذي يشرف على محور حضرموتوشبوة والمهرة. في السياق ذاته قالت الشرطة المحلية في مدينة المكلا عاصمة حضرموت في 23 أكتوبر الماضي إن لصوصاً لم تعرف هويتهم تمكنوا من سرقة مدافع أثرية كانت موضوعة أمام مبنى المحافظة ولاذ اللصوص بالفرار، ولم تتمكن الشرطة من القبض عليهم. وبسبب تزايد مظاهر الانفلات الأمني خرج دعاة وخطباء مساجد بمدينة القطن محافظة حضرموت ببيان في الثاني من ديسمبر الماضي حمل الجهات المختصة المسئولية الكاملة تجاه الحالة الأمنية المزرية التي آلت إليها البلاد، مطالبين بحماية المواطنين وتفعيل دور المؤسسة الأمنية للقيام بواجباتها على أكمل وجه. وأهاب الدعاة والخطباء في بيان صادر عنهم بالشخصيات الاجتماعية البارزة بمديرية القطن بالتحرك السلمي لمناصحة من ولاهم الله المسئولية وأن يأخذوا بأيديهم على الحق، وطالبوا أبناء المديرية بالوقوف ضد من يتآمر على أمن البلاد واستقرارها وأن لا يكونوا سبباً في تدهور أمن بلادهم وأن يكونوا يقظين لذلك. ودعا البيان جميع خطباء المساجد والدعاة بحضرموت الوقوف وقفة واحدة تجاه مثل تلك الأعمال ونبذها وإيضاح حرمة الاغتيالات والتفجيرات وأعمال الاختطافات، كما دعا جميع شباب حضرموت الوقوف وقفة جادة دون أي اختلافات وتوحيد الصف للصالح العام وعليهم أن لا يتعرضوا لأعراض وأموال المواطنين أو قطع الطرقات العامة. نظرة أبناء حضرموت إلى قيادات الحراك في إطار الحديث عن الوضع السياسي بحضرموت فإن الخلافات التي عصفت بقيادات الحراك خلال الفترات الماضية جعلت معظم أبناء حضرموت ينظرون إلى قيادات الحراك المنادية بالانفصال لمجرد كونها ظاهرة إعلامية تتسابق على المنصات والزعامة، ولذلك صار غالبية أبناء حضرموت يدركون أن الحفاظ على الوحدة هو الخيار الوحيد للوصول إلى بر الأمان والخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلد، وأن الانخراط في إطار الدعوات المناقضة لذلك الخيار ليس إلا مزيدا من التدهور والتشظي بحسب ما أكده أحد أبناء حضرموت أثناء تبادل الحديث معه عن الوضع السياسي في حضرموت قبل مجيئه إلى صنعاء قبل أسبوعين. وتعد محافظة حضرموت أكبر المحافظات مساحة حيث تمثل 36% من مساحة الجمهورية اليمنية وتمثل مساحات شاسعة من ساحل البحر العربي حيث يبلغ طول ساحلها حوالي 450 كم، كما أن بها جزء من صحراء الربع الخالي. وتتكون حضرموت من 30 مديرية وعاصمتها هي مدينة المكلا وأكبر مدنها. وتأتي المكلا في المرتبة الثالثة ضمن أهم المدن بعد صنعاء وعدن، ويحد محافظة حضرموت من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الجنوب البحر العربي ومن الشمال الغربي محافظتي مأرب والجوف ومن الشرق محافظة المهرة ومن الغرب محافظة شبوة وتبعد عن العاصمة صنعاء حوالي (794) كيلو متراً، وتمتلك محافظة حضرموت الكثير من المناطق السياحية المتميزة بطبيعتها الجميلة الساحرة وواحات النخيل الواسعة المنتشرة في أجزاء متفرقة من المحافظة. ومن الأنشطة الرئيسية التي يمارسها سكان المحافظة الزراعة والاصطياد السمكي والثروة الحيوانية، حيث تصل نسبة إنتاج المحاصيل الزراعية إلى (5.8%) من إجمالي الإنتاج الزراعي في الجمهورية، وأهمها التمور والحبوب والمحاصيل النقدية، ويعد قطاع الأسماك الرافد الاقتصادي الأول لسكان المحافظة كونها تقع على شريط ساحلي طويل يمتد على شاطئ البحر العربي، ويمتاز بكثرة وتنوع الأسماك والأحياء البحرية، وتضم أراضي المحافظة بعض الثروات المعدنية منها حقول النفط وموارد معدنية أهمها الذهب. قوى داخلية وأطراف خارجية تتجاذب حضرموت في ظل الأحداث التي تشهدها المحافظات الجنوبية منذ 2007م وحتى اللحظة خرجت العلن قوى داخلية وأطراف خارجية تتجاذب النفوذ في حضرموت وفي مقدمتها تيار الحراك المنادي بالانفصال برئاسة علي سالم البيض الموالي لإيران بدعم إيراني كبير، وأيضا قيادات أخرى تدعمها المملكة العربية السعودية، وأيضا تحركات تجار الخليج من حضرموت إلى دبي. واتخذت القضية الجنوبية منحى مختلفاً برزت فيه القضية الحضرمية بشكل لافت، فيما أفرز المؤتمر الجنوبي ظهور كيانات وقيادات جديدة في الحراك، حيث ظهرت قيادات بارزة في الحراك من بينها حسن باعوم وحيدر العطاس ومليارديرات حضارم ورموز وقيادات حضرمية تجلس إلى جوار مسئولين سعوديين وخليجيين في العاصمة السعودية الرياض في الفترات السابقة. وكان لافتا مهاجمة محمد علي أحمد لقيادات في الحراك واتهامه لها بالذهاب إلى إيران لاستجدائها، وتأكيده أن السعودية لها أجندة بمحاربة هذا المد الإيراني، وإشارته إلى أن إيران طلبت من قيادات الحراك تجنيد وتعليم وتدريب 6500 شاب من الجنوب. وكان عضو المجلس الأعلى لتحرير واستقلال الجنوب ناصر الخبجي قال لصحيفة "الأخبار" اللبنانبة (12 أكتوبر 2012م) إن السعودية تريد إدارة القضية الجنوبية لا حلها. وخلال الفترة الماضية استقبلت السعودية قيادات جنوبية من الداخل والخارج تحت يافطة مساعي سعودية وخليجية لإقناع الحراك الجنوبي بالدخول في الحوار الذي أعلنت فصائل الحراك رفضها القاطع المشاركة فيه، لكن الملاحظ أن تلك القيادات لا تخرج عن كونها أدوات سعودية أريد تحريكها والاستفادة منها بما يخدم أجندات المملكة. بصورة علنية ومن العاصمة السعودية برز الحديث عن القضية الحضرمية بعيدا عن القضية الجنوبية. للمرة الأولى تلتقي قيادات في الحراك الجنوبي مع سلاطين ورجال أعمال وتجار من محافظة حضرموت في ظل حديث عن استقلالية حضرموت لدرجة الحديث عن انفصال حضرموت. اللافت أن يجري الحديث عن أن تكون حضرموتوشبوة إقليما فيدراليا متزامنا مع حديث عن وعود سعودية خليجية لقيادات حضرمية بتحقيق "ما بوسعهم" وفقا لما ذكرت صحيفة الديار اللبنانية التي أشارت إلى أن السعودية تدعم انفصال حضرموت. وبحسب الصحيفة فقد ناقش الاجتماع في ديسمبر الماضي امتلاك حضرموت "كل مكونات الدولة المستقلة وتختلف عن الجنوب واليمن جغرافيا وديمغرافيا، ويتسم أهلها بالمدنية وتشبه كثيرا دول الخليج والسعودية الجارة على وجه التحديد". وطالبت قيادات حضرمية شاركت في الاجتماع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني "بحل عادل لقضية حضرموت وفق المعايير الدولية وإعطاء شعب حضرموت حق تقرير مصيره". وقال بيان صادر عن تكتل "عصبة القوى الحضرمية" الخميس الماضي إن قيادة الكتلة طالبت خلال الاجتماع بتطبيق قرارات الأممالمتحدة الصادرة عامي 1963 و1965، والتي تنص على "حق تقرير المصير لشعب حضرموت". مع أن قراري مجلس الأمن الدولي (2014، 2051) بشأن اليمن قد أكدا على وحدة واستقرار اليمن. وفي الاجتماع طالب الشيخ عبدالله بن محسن الكثيري "بحل قضية حضرموت وفق المعايير الدولية وإعطاء شعب حضرموت حق تقرير مصيره لا للإلحاق ولا للضم فحضرموت كيان وهوية وتاريخ لا جنوبية ولا شمالية". جدول يوضح بعض عمليات الاغتيال بحضرموت منذ مطلع العام الماضي