في الساحة اليمنية تتواجد جمعيات كبيرة وتعمل طوال العام في مختلف مشاريعها الخيرية والتنموية وبمختلف محافظات الجمهورية، وبالمقابل هناك جمعيات صغيرة بحجمها ونطاق عملها يظهر عملها في فترات محددة وخلال شهر رمضان خاصة. الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمنيون أفرزت ظهور جمعيات خيرية أخذت في النمو والاتساع والانتشار، وشملت معظم المحافظات، لكن عند النظر لنشاط معظم تلك الجمعيات فإنها لا تخلو من سلبيات كثيرة تكتنف دورها مما جعلها ذات نشاط موسمي لا ينعكس بشكل إيجابي لترجمة الأهداف والشعارات التي تحملها في لوائحها وأنظمتها المختلفة. ويعد شهر رمضان فرصة للتنافس في العمل الخيري ومساعدة المحتاجين وتتنوع المشاريع من إفطار الصائم إلى إعانة الأسر الفقيرة، كسوة العيد، لحوم الأضاحي وغيرها. والأسوأ وجود الجمعيات الوهمية ذات العمل الموسمي في رمضان يتم استغلالها لمصالح شخصية ومردود مشاريعها الرمضانية غير ملموسة في المجتمع وفئاته المستهدفة، أما الجمعيات الفاعلة فأنها تمثل نقطة التواصل بين فاعلي الخير والفئات المستهدفة. ويعتبر عبدالواحد السلامي، مدير الرعاية الاجتماعية في جمعية بناء الخيرية، أن العمل الخيري في بلادنا لم يرتق بعد إلى المستوى المؤسسي باستثناء نماذج قليلة جداً، ولهذا فإن نفعه وأثره على المجتمع ضئيل -حد قوله. لافتاً إلى أن عمل معظم الجمعيات الخيرية موسمي يقتصر على رمضان فقط أو الأعياد "وكأن الفقراء يظهرون في رمضان فقط، بينما تغلق غالبية الجمعيات أبوابها طوال العام، وهذا بحاجة إلى إعادة نظر في أنشطة بعض هذه الجمعيات!". مصادر التمويل عن التساؤلات التي يطرحها البعض حول مصادر تمويل الجمعيات يحدثنا د.عبدالمجيد فرحان، أمين عام جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية، ويقول: نعتمد في تنفيذ مشاريعنا الخيرية كغيرنا من المنظمات والجمعيات العاملة في هذا المجال على مساهمة الجانب الحكومي، والتبرعات المقدمة من أهل الخير، والشراكة مع الهيئات والمنظمات العربية والدولية". ويضيف: "وكل هذا يتم بشفافية وتحت إشراف ورقابة الجهات المعنية التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية والعمل، وبموجبه نرفع تقريراً سنوياً وكل ثلاث سنوات ونعمل على توظيف واستغلال التمويل الذي نحصل عليه في كفالة الأيتام ورعاية الأسر الفقيرة، حيث إننا نسير وفقاً لكشوفات مفصلة تضم 27 ألف يتيم مكفول و10 آلاف يتيم خرجوا إلى سوق العمل". تصحيح العمل الخيري يشدد عبدالواحد السلامي، مدير الرعاية الاجتماعية في جمعية بناء الخيرية، على ضرورة تصحيح مفهوم العمل الخيري وذلك حتى لاتسهم الجمعيات والمنظمات الخيرية في زيادة أعداد العاطلين ونسبة البطالة في المجتمع وذلك باستمرارها في توزيع المساعدات المادية والمواد الغذائية على الأسر الفقيرة واكتفاءها بذلك "بل ينبغي عليها أن تحول فئات المجتمع المستهدفة من فئات مستهلكة إلى فئات وأسر منتجة، ولذا يجب على الجمعيات والمؤسسات باعتبارها مسئولة عن كل فئات المجتمع أن تنتقل بهم من عملية الاحتياج إلى عملية الإنتاج، وذلك من خلال مشاريع التنمية المستدامة التي تعد وتؤهل الأفراد وتحولهم من مستهلكين إلى منتجين يعتمدون على أنفسهم وذواتهم". من جهته يحدثنا صالح الضيف- مدير عام الجمعيات والاتحادات بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل قائلاً: رغم عدم امتلاك الوزارة للإمكانيات التي تسهل لها النزول المباشر إلى الجمعيات والمنظمات الخيرية والرقابة على مصادر تمويلها إلا أنها تقوم بالتأكد من أسماء الجهات المانحة وقيمة المنحة وإقراضها من خلال إجراءات تجديد تصاريح الجمعيات والمنظمات الخيرية وتقاريرها السنوية"، ويضيف أنه في حالة وجود أي شبهة في التمويل الذي تحصل عليه الجمعية تقوم الوزارة مباشرة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بالتحري واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه ذلك. ويصل الدعم الذي تمنحه الوزارة للجمعيات إلى أكثر من «250» مليون ريال موزع ما بين 56% للاتحادات النوعية و54% لمنظمات لا يزيد عددها عن «50» منظمة على مستوى الديوان. وعن دعم المنظمات المتواجدة في المحافظات يضيف الضيف: تخضع هذه المنظمات لقرار السلطة المحلية، وأعطى القانون الحق للجمعيات والمنظمات الخيرية في التخاطب مع الجهات المانحة لدعمها، كما أن نجاح العمل الخيري متعلق بقيادات الجمعيات والمنظمات الخيرية". ويذكر مدير عام الجمعيات والاتحادات بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل أن القانون اليمني كان واضحاً في تطرقه لمسألة التمويل، حيث تنص إحدى مواده على أنه يحق للمنظمات الأهلية التواصل مع الجهات الممولة في الداخل والخارج للحصول على التمويل بعلم الوزارة، ويشير إلى أن بعض المنظمات الأهلية أخذت الشق الأول من النص القانوني وتجاهلت الشق الآخر وهو ما يتعلق بعلم الوزارة حيث إنها لا تمارس مبدأ الشفافية والوضوح في هذه المسألة ولا تعلن حتى مجرد إعلان عما تحصل عليه من مساعدات ومنح -حد قوله. ويرى أنه لا بد من وجود اتفاق من أجل ضبط هذا النص بما من شأنه تقديم الفائدة للجميع.. مؤكداً أن وزارة الشئون الاجتماعية والعمل وعبر قطاع التنمية الاجتماعية ألزمت نفسها بنصوص قانونية على أن تقدم الدعم العيني والمادي بحسب إمكاناتها المتاحة للمنظمات الأهلية. 7 آلاف جمعية ومنظمة يوضح حميد أحمد معوضة، نائب مدير عام الجمعيات والاتحادات بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أن هناك ما يزيد عن سبعة آلاف منظمة أهلية وتعاونية تم تأسيسها حتى نهاية 2009م، وما يزيد عن 300 مليون يتم صرفها سنوياً مقابل الدعم الخاص بالمنظمات الأهلية والتعاونية، ويعتبر هذا دليلاً واضحاً على اهتمام الدولة والحكومة بهذا الجانب.. ويشير إلى أنه ويتم تسهيل الصعوبات التي قد تواجه المنظمات، إلى جانب منح منظمات المجتمع المدني العديد من المزايا بينها الإعفاءات الجمركية الضريبية لكافة ما تتحصل عليه المنظمات سواء كانت هبات ومساعدات أو غيرها. ويعترف معوضة بأن هناك قصوراً من قبل الوزارة في ما يتعلق بعملية الرقابة الدائمة نظراً لعدم توفير المكافآت المالية وعدم اعتمادها من قبل وزارة المالية. ابتزاز في استخدام صور الفقراء ينتقد البعض استخدام الجمعيات والمؤسسات الخيرية صور الأطفال والفقراء والمحرومين لاستدرار عطف ودعم الآخرين. ويتم عرض صور الأطفال والأسر الفقيرة المستفيدة من التبرعات والصدقات والزكاة على شاشات التليفزيون ووسائل الإعلام والإعلانات التي تهدف إلى جلب الدعومات والمعونات. ويرى قانونيون أن الحد الأدنى من حقوق الإنسان والطفل هو توفير الرعاية له ولأسرته دون التشهير بهم، منتقدين ما وصفوه باعتياد بعض الجمعيات التشهير بالأطفال والعائلات، وهو باعتبارهم "ظلم بين وعبء إضافي يتحمله المستفيدون من عطاءاتى تلك الجمعيات، حيث تظهر صورهم ويتم استخدامهم فى إعلانات، وهو ما يتنافى وحقوق الإنسان ويتنافى مع القيم الدينية والمجتمعية السائدة". معاذ الوصابي، محامي، يقول "إن جميع المؤسسات والجمعيات لا بد أن تبحث عن صورة أو وسيلة أخرى لطلب الدعم خلال حملاتهم الإعلامية التي تزداد خلال شهر رمضان لمساعدة المحتاجين". وأكد الوصابي ضرورة نبذ المجتمع مثل هذه السلوكيات التي من شأنها التشهير بالانسان، مؤكدا أن استمرار تلك المؤسسات في الإعلان عن طلب المساعدات من خلال ظهور وفضح الفقراء قد يعرضهم لملاحقات قانونية.