عندما يتناهى إلى مسامعك تصرحيا للإدارة الأمريكية يفيد بمساندتها للديمقراطية في دولة ما ، فثق أنك أمام لعنة تحل على تلك الدولة. ذلك أن المفهوم الأمريكي للديمقراطية الذي تسوقه لباقي لدول العالم يختلف كليا" عن المفهوم الذي تطبقه في إطارها الجغرافي. وقد تجلى المفهوم الأول في الكثير من البلدان التي لعبت فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية دورا رئيسا ظاهرا أو دورا مستترا في "تطبيق الديمقراطية" ، ففي كل الحالات جلبت الولاياتالمتحدةالأمريكية الويلات والدمار لمعظم -إن لم يكن كل- تلك البلدان. كما لا ينكر أحدا تلك النماذج الناصعة للديمقراطية الأمريكية التي وزعتها على العالم! منها على سبيل المثال لا الحصر: ديمقراطية ابو غريب وغوانتانامو وديمقراطية الطائرات بدون طيار في اليمن وديمقراطية سجون السي آي إيه الموزعة على الكثير من دول أوروبا وأمريكا الجنوبية والتي ترتكب فيها أبشع الجرائم والانتهاكات ضد الإنسانية. وفي الشأن المصري ، ورغم أن السند الأول للديمقراطية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط (المملكة السعودية) كان قد حسم موقفه مبكرا من الإنقلاب العسكري ، فدعمه منذ بداياته الأولى، على خلاف الموقف الأمريكي الذي بدى مترددا وخجولا في البداية وفضل تحريك أحجار الشرطنج من خلف الستار، غير أن أحدنا لا يمكنه أن يجزم بأن برميل النفط السعودي قد أثر على الموقف الأمريكي الذي ظهر جليا يوم أمس على لسان وزير الخارجية الأمريكي - (ولو على افتراض أن المملكة تعتبر الشأن المصري خطا أحمر لما قد يمثله من خطر على مستقبل تأثيرها السياسي في المنطقة) - وذلك لمعرفتنا بأن المملكة السعودية ذاتها ليست سوى جنديا مخلصا للولايات المتحدة تنفذ أجندتها وترعى مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. غير أن تفاهمات بين الدولتين دائما ما تحدث بشأن سياستيهما التدميرية تجاه قضايا المنطقة ، فلم يحدث أن شهدنا حالة اختلاف صريحة لمواقف هاتين الدولين بشأن مصير إحدى الدول الأخرى، فهي تكاد تكون معدومة تماما عبر التاريخ الحديث والمعاصر، إذ أنهما يختطان نفس الخط الذي يوصل في النهاية إلى إبقاء العالم في حالة من اقتتال وحروب متواصلة ، دون أدنى حساب لما تخلفه تلك الحروب من خسائر وجرائم إنسانية مهولة في الدول التي تشتركا في تدميرها. ويأتي تفسير الولاياتالمتحدة للأحداث في مصر ، متسقا ،من جهة، مع تفسيرها للديمقراطية التي اسقطته من قبل على عديد من بلدان العالم، من بينها العراق وأفغانستان وسوريا والصومال، وغيرها. وفيما أننا لا ندري متى كانت الجيوش العربية سندا للديمقراطية ومنقذا لها، خلافا عن كونها السبب الأول لكل الكوارث السياسية والاقتصادية في وطننا العربي ، وبمساندة الدول التي تروج لديمقراطيتها الزائفة والملعونة. غير أننا على دراية بأن تصريح وزير الخارجية الأمريكي يأتي ،من جهة أخرى، متسقا تماما مع الرغبة السعودية في تدمير مصر والقضاء على كل آمال المصريين - بل والشعوب العربية كافة - في بناء دولة قوية تتصدر المشهد العربي وتدافع عن قضايا الشعوب العربية. وطالما وقد التقى الموقف الأمريكي والسعودي ،صريحا، بشأن مايحدث في مصر فإن ذلك يعني في ما يعنيه قراءة الفاتحة على الديمقراطية الوليدة في مصر، ذلك إن لم يكن قراءة الفاتحة على مستقبل مصر كدولة.