مع اقتراب نهاية العام المالي الثاني من عهد حكومة الوفاق، تتصاعد المخاوف من انكشاف المستور حول وضع الخزينة العامة للدولة التي تؤكد المعلومات أنها تمر بحالة حرجة لم يسبق لها مثيل. فيما قبل شهر رمضان المنصرم كانت الحكومة تنوي إقرار جرعة سعرية على المشتقات النفطية لإنقاذ الموقف، لولا أن قوى سياسية وعلى رأسها حزب الإصلاح الذي أبلغ الحكومة رفضه القاطع لأي جرع جديدة مهددا باللجوء للشارع، أفلحت الضغوط المختلفة في إرجاع الحكومة إلى الخلف لتفتح أعينها على وسائل غير الجرع التي كان صالح وخصوم التسوية ينتظرون إقرارها بفارغ الصبر. تتحدث معلومات عن اقتراح الحكومة على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المطالب بإصلاحات اقتصادية "ملحة" رفع سعر صرف الدولار بدل جرعة المشتقات النفطية لتعويض العجز في الموازنة، وهو المقترح ذاته الذي كان الرئيس هادي ناقشه أثناء زيارته لأمريكا مع رئيس صندوق النقد عن إمكانية تعويم العملة الوطنية. الشهر الماضي، أصدر هادي توجيهات لوزير المالية بصرف أكثر من 15 مليار ريال لوزارة الدفاع من الاحتياط المركزي تحت مبرر "أن الظرف لا زال معقد". الاحتياطي ذاته سجل خلال الأشهر الأخيرة تراجعا كبيرا. في المقابل تبدو الحكومة عاجزة عن وضع حد لتفجير أنابيب النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد، وتكتفي فقط بإعلان أسماء وسرد تقارير مالية بالخسائر الفادحة التي تتكبدها الخزينة. للمرة الأولى في تاريخ تصدير النفط تعجز إيرادات الصادر النفطي خلال النصف الأول من العام 2013م عن سداد قيمة فاتورة واردات مشتقات الاستهلاك المحلي، قال تقرير رسمي إن العجز بمبلغ 40 مليون دولار، التفسير الوحيد للأمر يشير إلى نمو ظاهرة التهريب وغياب رؤية اقتصادية سليمة وناجحة. في عدد سابق من "الأهالي" طرح خبير اقتصادي مبادرة علمية لإنقاذ الخزينة بدلا عن إقرار الجرع وتحميل المواطن ضريبة فشل الحكومة وفساد مؤسساتها، من بين تلك البدائل: تحصيل المتأخرات الضريبية ورفع السعر الجمركي وفحص ضرائب مرتبات القطاع الخاص وتوقيف الأرقام الضريبية وتسليم مرتبات الجيش والأمن والتربية عبر البنوك، وتنفيذ مشروع الزكاة. خلاصة الرؤية توفير 500 مليار ريال خلال 6 أشهر فقط. تحدث آخرون عن 100 مليار تصرف للأسماء الوهمية في الجيش ومثلها في وزارة الداخلية ومليارين رواتب وهمية في التربية و88 مليار ضرائب شركات الاتصالات لا تورد و3 مليار ريال فاقد إعفاءات مصانع الإسمنت التي تستنزف الموارد الطبيعية وتلحق أضرارا فادحة بالبيئة والإنسان والأرض وتجني أرباحا طائلة. فشلت الحكومة في إصلاح الفساد الذي تنامى في عهدها، تخلت عن وعود ترشيد الإنفاق وانتهاج التقشف، نفقات الترف والبذخ لأعضاء الحكومة أثقل الخزينة وساعد على جرها نحو الإفلاس، مليارات الريالات تنفق على السفريات من الدرجة الخامسة، وأضعافها تتدفق على أرصدة وحسابات شركة "تويوتا" نظير سيارات فارهة بالأمر المباشر. وتقول معلومات أن حكومة الوفاق أنفقت أكثر من 2 مليار ريال على 15 سفرية خلال 2012م. الوزير الذي وصل مجلس النواب ذات يوم على متن حافلة (باص) صار يملك اليوم أحدث الموديلات ويضم موكبه أنواعا مختلفة من السيارات والأطقم المرافقة، رئيس الوزراء ذاته الذي كتبت عنه الصحافة يوما بأنه يستخدم سيارته القديمة التي اشتراها قبل تعيينه وأنه يستخدم تلفون نوكيا قديم، يستقل اليوم سيارات مدرعة وأخرى من أحدث ما صنع. لا يجدي الحديث عن موارد البلاد الواعدة التي كان يفترض استغلالها بشكل أفضل. كان يعول على الحكومة في حال عجزت عن تحسين الوضع أن تبقي عليه –على الأقل- كما كان في عهد حكومات صالح والحيلولة دون مزيد من التدهور، لقد كان ذلك التعويل مجرد تقدير خاطئ. مرقة الجيران لم تستطع الحكومة مساعدة نفسها وقد تخسر مساعدة الآخرين، هكذا يبدو حالها مع المانحين. "الحكومة عملت أشياء، لكنها غير كافية، يمكن أن نصفها بأنها بطيئة" إنه أرحم توصيف قاله مدير البنك الدولي في اليمن وائل زقوت ل"الإعلام الاقتصادي". ويضيف: "كثير من المانحين لن يثقوا في إعطاء الحكومة أية أموال ما لم يكن هناك آلية للتحري، مصداقية الحكومة في مكافحة الفساد هي الآن على المحك". لقد فشلت في استيعاب الأموال المرصودة من المانحين وهي بمليارات الدولارات وبتعبير أكثر فهما، لم ترحم المواطن ولم تترك رحمة غيرها تنزل! التعويل على مياه "مرقة الجيران" ومنح ومساعدات الآخرين خيار أقرب للانتحار، مع ما يعني ذلك من إبقاء البلاد مرهونة بيد الخارج على حساب سيادة وأمن البلد. الارتماء في أحضان المانحين وانتظار المساعدات بيع للوطن وانتقاص من سيادته.. الدولة ليست جمعية خيرية رأسمالها صدقة الآخرين وخدماتها تطوعية. قد لا تجد الحكومة في يوم اللبن البلدي ولا مرقة الجيران. فزاعة النظام القديم "الحكومة ترمي أخطائها على الآخرين" قالها لعلي صالح وإن كان أراد بها باطل فهي حق محض. لا تزال الحكومة حبيسة ضعفها ورهينة فشلها وقلة تدبيرها، تتستر وراء فزاعة مخلفات النظام القديم. الأسواق تشتعل بنيران الارتفاع المستمر في الأسعار، خصوصا المواد الغذائية، فأين الحكومة!؟.. إنها جرعة هادئة طبخها التجار. لم يعد المواطن يحلم بأي إصلاحات، يريد فقط منع التدهور أكثر. الانفلات الأمني يفتك بالمدن والمحافظات، ومناطق مختلفة تنتظر وصول الدولة لبسط نفوذها.. الدماء التي تستنزفها الدراجات النارية "الموتورات" الخاطفة "المجهولة" والعبوات الناسفة ورصاصات كاتم الصوت تفوق كثيرا الدموع المتدحرجة على خدي رئيس الحكومة. البلدان تدار بالعقول وليس بالعواطف، والأقوال لا تؤكل المواطن عيش أو ترفع في مستوى دخله. يتعرض موكب رئيس الحكومة أو أحد أعضاء حكومته لرصاص عابر فتقوم الأرض ولا تقعد ويخسر جهاز الأمن السياسي أكثر من 136 من كوادره وضباطه فيمضي الأمر هادئا. يتقاتل أبناء المناطق في أكثر من جبهة وتستخدم الجماعات المسلحة دبابات ومدرعات لتدمير المنازل وقصف القرى فتتحول الحكومة إلى منظمة مجتمع مدني فتقوم بدور الناشطين الحقوقيين والسياسيين وتلعب دور المعارضة، تصدر بيانات للإدانة والاستنكار والمناشدة و.... تجرف السيول عشرات اليمنيين وتقتل الحوادث المرورية المئات، لا يعني ذلك للحكومة شيئا. تغرق محافظة مثل الحديدة، عروس البحر الأحمر، في مياه المجاري لأكثر من شهر ول نسمع بأي إقالة أو استقالة، ليخرج المحافظ المعين من صالح معلنا أن المشكلة تحتاج لحلها 30 مليون دولار، ينقصه فتح حساب بنكي لجمع التبرعات والمساعدات، بدل أن تقوم بواجبها تستثمر الحكومة تلك المأساة التي تهدد بكارثة إنسانية فتستنجد بالدول المانحة وتطلب حفنة من الملايين. لأكثر من عام ومشكلة عمال النظافة لا تزال قائمة، توجيهات حكومية "مشفرية" ومنظورة هي الأخرى عالقة في أدراج أمانة العاصمة ومكاتب المحافظين. يمكن فقط زيارة أحد أحياء العاصمة الغارقة في أكوام القمامة وطفح المجاري وحفريات الشوارع لمعاينة الكارثة. المئات من العمال مطلبهم زهيد جدا، يريدون فقط تثبيتهم، لا يريدون منحهم رواتب تعادل راتب الجندي أو المدرس، رواتبهم دون ال30 ألف ريال، تبدو الحكومة عاجزة عن حل قضيتهم وهي قضية إنسانية قبل أن تكون عادلة من غير الأخلاقي أن يتم المزايدة بها واستثمارها. ربما أغلب العمال لا يعلمون أن رئيس الحكومة الذي تعهد لهم ذات يوم بحل مشكلتهم، تعهد ذات يوم أيضا بمنع صرف موازنة المشائخ والنافذين المقدرة ب13 مليار ريال من الخزينة العامة ولم يف بوعده حتى اليوم. باسندوة هو ذاته من تعهد باجتثاث الفساد، وقال يوما: "على جثتي إذا استمر الفساد". المواطن ينتظر رؤية مخرجات التغيير في واقع حياته، يريد أن يلمسها في أسعار الرغيف وسعر الكأس "الليم"، أن يرى نتائجها في إدارة الأمن والمدرسة وأي مصلحة حكومية. الركون إلى "بعبع" التوافق والتشبث بمخلفات الماضي، نتج عنه ضعف الحكومة وبالتالي أتاح للرئاسة فرصة التدخل والتوغل تحت مبرر سد الثغرات وملء الفراغ. حالة التوافق جنبت الحكومة كثير من الأصوات المعارضة، فالقيادي الإصلاحي محمد قحطان الذي تحدى حكومات صالح إعادة سعر البيضة إلى ماقبل انتخابات الرئاسة 2006، لم يعد صوته بارزا، موانع التوافق والمرحلة الاستثنائية قيدت كثير من الأصوات، وفي كل مرة يرتفع صوت ما تواجهه الاتهامات بالوقوف في طريق التسوية وتعكير التوافق. كان الأستاذ علي الجرادي قد وصف حال حكومة الوفاق في الأيام الأولى بالأيادي المرتعشة، لكن الوضع اليوم يبدو بصورة مختلفة، إنها أيادي مشلولة.