انتشرت في اليمن خلال العامين الماضيين "صيحة" الاغتيال بالدراجات النارية والتي استهدفت وتستهدف عددا من القيادات العسكرية والأمنية والضباط وأفراد الأمن السياسي، مثيرة عدداً من الأسئلة غامضة الإجابات من قبيل : من المسؤول؟ ومن التالي؟ وفي حين يتم توجيه الاتهام لعناصر تنظيم القاعدة في اليمن، تظهر حقيقة مفادها أن بعض المستهدفين إن لم يكن معظمهم، لا ينتمون لوحدات عسكرية منخرطة في مواجهات مباشرة مع القاعدة وهو الأمر الذي يؤكد الدوافع السياسية وراء عمليات الاغتيال هذه خصوصا مع تزايد وتيرتها في الآونة الأخيرة متزامنة مع اقتراب نهاية المرحلة الانتقالية للبلاد. من جهة أخرى، تظل القيادات العسكرية الكبيرة في منأى عن عمليات الاغتيال التي وبكل غرابة لم تستهدف حتى الآن، وتتبادل القوى السياسية الاتهامات بشأن المسؤولية عن هذه العمليات، ويتأجج الانفلات الأمني يوما بعد يوم. 1 – تعريف مصطلح الاغتيال : ● لغةً : القتل غيلة، إذ أن الغِيلة بالكسر تعطي هنا معنى الخديعة والاغتيال، أي أن لا يتمكن من قتله إلا بالاحتيال، لذلك يقال: "غاله: أهلكه كأغتاله وأخذه من حيث لم يدرِ". ● اصطلاحاً : " استهداف شخص ما من قبل جهة معينة مهيمنة على سلطان معين لها نفوذها وقوتها وجاهها وسلطانها الخاص بها، وهذه الجهة قد تكون فردا أو مجموعة أشخاص يعملون في الحقل ذاته، فيراد هنا بالشخص المغتال الموت واستعجال قدره، وتعجيل اختفاءه من على وجه الحياة، لان في قتله وتصفيته هدوء وصفاء للجهة التي أرادت قتله، فيتم تصفيته وقتله دون أن يعلم انه سيقتل، وبالذات الأشخاص الذين لم يتمكن منهم لامتناعهم امنيا وعسكريا، أو الأشخاص الذين في قتلهم قتلا علنيا إثارة للمشاكل والاضطرابات السياسية، وما شابه ذلك، فيقتل الشخص المعني بهذه الطريقة ولدوافع سياسية عديدة ". 2 – الاغتيالات عبر التاريخ : تُجمع أغلب المصادر والوثائق على أنَّ أول عملية اغتيال في التاريخ كانت حادثة قتل قابيل لأخيه هابيل وأن الاغتيال عملية قديمة قدم النفس البشرية. وقد توالت الاغتيالات عبر التاريخ القديم قبل ميلاد المسيح (كاغتيال يوليوس قيصر) وبعده تحت عدة مسميات ولعدة أسباب كالانتقام وتصفية الخصوم والتصارع على السلطة، ولا زالت هذه الأسباب وغيرها خلف عمليات الاغتيال حتى اليوم. ولم يكن عهدُ الإسلام استثناءً، فقد شهدَ عدة عمليات اغتيال مثيرة للجدل كان أبرزها محاولات اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل قريش واليهود والتي كان منها الشاة المسمومة التي جاءت بها اليهود للرسول عن طريق زينب بنت الحارث بعد غزوة خيبر عام 7ه والتي أكل منها الرسول ثم لفظها لما أحس بطعم السم، ويُعتقد أن أثرها بقيَ وكان سببا في مرض وفاة الرسول الأكرم الذي روي عنه أنه قال : "ما زالت أكلة خيبر تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهري". أما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت أشهر الاغتيالات وأنجحها تلك التي طالت ثلاثة من الخلفاء الراشدين وأودت بحياتهم حيث اغتال أبو لؤلؤة المجوسي عمر بن الخطاب رضي الله عنه واغتال الخوارج عثمان بن عفان رضي الله عنه بيد الأسود التجيبي واغتال عبدالرحمن بن ملجم علي بن أبي طالب كرم الله وجه. وفي العصرين الأموي والعباسي وما بعدهما لم تكن الأمور أفضل حالا، بل إن التاريخ يشير إلى تزايد وتيرة الاغتيالات التي نذكر منها : اغتيال الخليفة عمر بن عبدالعزيز للمحافظة على كرسي الخلافة في أبناء عبد الملك بن مروان والأمويين، واغتيال العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أحد أمراء البيت العباسي بأمر من هارون الرشيد خوفا من مطالبته بكرسي الخلافة من بعد وفاة الرشيد لأن العباس بن محمد كان من الشخصيات المرموقة في المجتمع . بعيدا عما سبق، وتحديدا في التاريخ الحديث يمكن الإشارة إلى عدة عمليات اغتيال مشهورة طالت عددا من الرؤساء والشخصيات منها اغتيال أبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدةالأمريكية عام 1856م لإلغائه العبودية واغتيال الدوق النمساوي فرانز فرديناند في 28 يونيو 1914 في سراييفو والذي كان سببا في إشعال الحرب العالمية الأولى . بالنسبة للعالم العربي فإن من أشهر الاغتيالات ذات الدوافع السياسية : اغتيال إبراهيم الحمدي رئيس اليمن الشمالي عام 1977م واغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981م وحادثة اغتيال الشيخ أحمد ياسين أحد قادة حركة حماس عام 2004م من قبل الكيان الإسرائيلي الذي يشك أيضا في تورطه بموت الرئيس الراحل ياسر عرفات. 3 – تاريخ الاغتيالات في اليمن : شهد اليمن خلال تاريخه الطويل عدة عمليات اغتيال، الكثير منها نجح وقلة هي من باءت بالفشل. فقد ورد أن غالبية ملوك بني نجاح في اليمن اغتيلوا بالسم كما ورد أن أهل الحبشة اغتالوا سيف بن ذي يزن بحرابهم نتيجة ما ألحق بهم من استعباد وسبي . وفي تاريخها المعاصر، وتحديدا منذ العام 1948م اجتاحت اليمن موجة اغتيالات منها ما عُرف ومنها ما لم يُعرف ولعل أبرزها في ذلك اغتيال الإمام يحيى حميد الدين واغتيال أبو الأحرار محمد محمود الزبيري عام 1965م وعدة اغتيال أخرى نذكر منها : - اغتيال محمد أحمد نعمان وزير الخارجية السابق عام1972م - اغتيال رئيس الوزراء عبدالله الحجري. - اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي عام 1977م - اغتيال العقيد عبدالله الحمدي عام 1977م - اغتيال الرئيس أحمد الغشمي عام 1978م - اغتيال الرئيس سالم ربيع علي عام 1978م - اغتيال مجموعة احداث يناير 1986م : عبدالفتاح إسماعيل وصالح مصلح قاسم وعلي شائع هادي وعلي عنتر ومحمود عشيش، بالإضافة إلى عشرات السياسيين - اغتيال حسن علي الحريبي عام 1992م - اغتيال أمين نعمان عام 1992م - اغتيال العقيد ماجد مرشد عام 1993م - محاولة اغتيال عبدالواسع سلام عام 1993م - محاولة اغتيال ياسين سعيد نعمان عام 1993م - محاولة اغتيال علي صالح عباد مقبل عام 1993م - اغتيال جارالله عمر عام 2003م 4 – حرب الاغتيالات ما بعد 2011م : تقول إحدى الإحصائيات أن عدد من تم اغتيالهم من قيادات وضباط وأفراد أمن سياسي قد تجاوز التسعين وتقول أخرى بأن العدد تجاوز المئة وكل ذلك في ظل شلل وعجز تامين من قبل السلطات عن كشف ملابسات هذه الاغتيالات أو على الأقل القبض على مرتكبيها من سائقي الدراجات النارية رغم انتشار نقاط التفتيش في أنحاء أمانة العاصمة. ويشير هذا العجز لدى البعض إلى تورط بعض القيادات العسكرية والسياسية في عمليات الاغتيال حيث أن التكرار المتطابق لنمط العمليات خلال عامين يجعل من اتهام تنظيم القاعدة في اليمن أمرا ساذجا وتضليليا ويجعل من تهاون الجهات الأمنية والسياسية أمرا مقصودا. وتحت عنوان : ( حرب اغتيالات في اليمن )، أشار جمال جبران في موقع الأخبار الإلكتروني إلى كون عمليات الاغتيال دليل على اختراق شبكة المعلومات حيث كتب أن استهداف ضباط الأمن " إشارة قوية إلى حقيقة امتلاك الجهات التي تنفذ عمليات الاغتيال طرقاً متفوقة في تحديث معلوماتها بطريقة آلية تساعدها على تحديد أماكن وجود الشخصيات المطلوبة، حتّى لو غيّرت أماكن إقامتها. وهو الأمر الذي أثار أسئلة مرتعشة حول حقيقة اختراق شبكة المعلومات في تلك الأجهزة الأمنية وقواعدها، بطريقة جعلتها مكشوفة بهذا القدر الواضح، وهو الأمر الذي لم يكن حاصلاً من قبل، ولا في أي وقت سابق".