وسط هذا الكم الهائل من الحروب والقتال شمالاً وجنوباً ووسطاً، ووسط هذا الجو غير الصحي من الشحن الإعلامي والبغض والكراهية بين أبناء الوطن الواحد وبعضهم البعض ووسط هذا الكم الهائل من أعمال القتل والتخريب وتدمير الوطن بسواعد أبنائه ووسط هذا الكم من المؤامرات الإقليمية والخارجية وسط كل هذه المتناقضات التي ستطيح بهذا الوطن الحبيب وستفتته، أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى دعوى صادقة لأن نتسامح وننسى جميعاً كل الزلات والأخطاء التي ارتكبها بعضنا تجاه الآخر فالوطن كبير ويسعنا جميعاً ونستطيع أن نتعايش جميعاً متحابين وبدون ضغائن أو كراهية وليمارس كل واحد منا سياسته في حزبه ووقت الانتخابات فقط ويعطي صوته لمن يحب ويعتقد أنه الأقدر على خدمة المواطنين وباستطاعته أن يقدم للكثير للوطن بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الطائفي أو المناطقي فهكذا تجري الأمور في معظم دول العالم وهكذا يفعل المواطنين في كل الدول المتحضرة. إذا وصلنا في بلادنا إلى هذا المستوى من التفكير والسلوك فعندها فقط نستطيع أن نبنى يمننا الجديد. ثلاث قضايا أساسية نتمنى أن تركز قيادتنا السياسية عليها حتى تحقق القضية التي تحدثت عنها في فقرة المقدمة: القضية الأولى: تقوية وتعزيز هيبة الدولة وذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تكوين جيش قوي يكون قادراً على حماية الوطن ووحدته من أي أخطار محتمله داخلياً أو خارجياً ويكون ولائه للوطن والوطن فقط وأن يقوم بحماية إرادة الشعب في اختياره لأي رئيس أو برلمان قادم ومن الضروري التأكيد هنا على التأني والتمحيص في اختيار قيادات وطنية ولائها للوطن وليس لأفراد أو لأحزاب أو لمناطقية أو لطوائف أو لمذهبيات هدامة ولا لجهات خارجية ولا ننسى معيار الكفاءة والمهنية عند اختيار هذه القيادات. القضية الثانية: تعزيز الجبهة الداخلية وتتم من خلال دعم وزارة الداخلية بوزيرها الجديد والنشط والتي تدل كل تحركاته أنه رجل مهني وعملي وسيقوم ببناء قوات أمنية قوية تتمتع بكفاءة عالية ولكن دعونا هنا ألا نركز على الأشخاص بل على المبادئ فمن المفترض أن أي وزير يتم اختياره لأي وزارة في المستقبل فيجب أن يكون فعلاً كفؤ وتم اختياره بعناية من حزبه أو من رئيس الحكومة. فعندما يكون الأمن قوياً ومنضبطاً وينصر المظلوم ويأخذ على يد الظالم ولا يأخذ الإتاوات من المواطنين ليقوم بواجبه الطبيعي يشعر المواطن بالأمان وهذه مرحلة هامة في بناء الدولة المدنية الحديثة. القضية الثالثة: هي قضية القضاء وهو بحاجة لاهتمام خاص من القيادة السياسية وهنا أسوق مثال لأهمية القضاء في تكوين أي دولة مدنية حديثة. بعد الحرب العالمية الثانية وبعد أن تم تدمير بريطانيا سأل أحد الصحفيين رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت وأعتقد إنه كان تشرشل فقال له كيف ستبني بريطانيا من جديد بعد أن دمروا كل شيء فرد قائلاً ...نعم دمروا كل شيء إلا القضاء فما زال لدينا قضاء قوي وهذا يكفي لبناء الدولة من جديد وهذا فعلاً ما حدث. وهذا يؤكد لنا ضرورة بناء قضاء قوي ليبني الدولة المدنية الحديثة. الحقد والكراهية والقتل والتدمير والتخريب وإسالة الدماء وعدم تقديم المجرمين والقتلة للمحاكمات العادلة وتشجيع المعتدين بل وحمايتهم لن تبني لنا أبداً الدولة المدنية الحديثة التي ننشدها جميعاً ويتمنى ولادتها كل يمني غيور ومحب لتراب هذا الوطن.