بالأمن والاستقرار تبني الشعوب حضارتها، تبدع العقول، وتنطلق الأفكار، ويتقدم التعليم، وتتطور الزراعة، وتزدهر الصناعة، ويتحسن الاقتصاد، ويتجاوز المجتمع عوامل الضعف وأسباب التخلف، وحين يفتقد الناس الأمان تتحول اهتماماتهم وإمكاناتهم إلى توفير الحماية لأنفسهم وأهلهم وأموالهم، ويتراجع إنتاجهم، ويتجمد نشاطهم الإقتصادي وتضعف ثقتهم بالآخرين من حولهم... المسلمون اليوم يبددون طاقاتهم في الصراعات بينهم، ومن أجلها يهدرون إمكاناتهم ومواردهم، العالم يتقدم ويتأخرون؛ يشيد ويهدمون، يتعلم ويجهلون؛ يقوىٰ ويضعفون، ومنذ أن سقطت دولتهم الجامعة لم تقم لهم قائمة، نجح أعداؤهم في بذر الشقاق بينهم فصاروا دولاً كثيرة لاوزن لها بين دول العالم. أضحت سكاكين الأنانية والطغيان والبغي تعمل في جسد المسلمين الواهن: عداوة وبداوة، تمزيقاً وتفريقاً، بغضاً وكراهية، لم يجعلوا من الاختلاف تنوعاً وتكاملاً، ولا من السعة سعادة ورخاءً، ولا من الثروات نماءً وتقدماً، ولا من الكثرة قوةً وتعاوناً!! ماتزال أمتنا مشغولة ببعضها لا بما ينفعها: تآمر وتنافر، كيد وحروب، غلوٌ وتطرف، استعداء واستكبار، وكم يحزن المرء وهو يرى الإمكانات الهائلة لشعوبنا مشتتة مبددة، جعلت القوة ضعفاً وذلاً، والغنى فقراً وحاجة، لم تصحو من غفلتها، ولم تستفد من خيراتها، ولم تأخذ بتجارب الشعوب من حولها، ولم تأخذ بالحد الأدنى من التعاون والتكامل والتعايش فيما بينها، ولم تلتزم بهدي دينها العظيم. ذلك حال أغلب دولنا العربية والإسلامية على تفاوت بينها، ولن نذهب بعيداً فاليمن اليوم يعاني من الاضطراب والانفلات، وترتفع فيه دعوات الفوضى والطيش، وتبدو البلاد على شفا جرف هارٍ، فلا الدولة حزمت أمرها، ولا القوى السياسية وقفت بجدية لتنفيذ ما اتفقت عليه، ولا الدول الراعية ضغطت لمنع التدهور، ولا المجتمع الدولي جاد في مساعدة اليمنيين للخروج من أزمتهم!! بسبب التوتر القائم والتحشيد والتهديد، يخسر الوطن والمواطن كل يوم من قُوتِه وأمنه، تسوء الظروف المعيشة، ولا تجد اليد العاملة فرصاً للعمل، وبعض رجال الأعمال بدأ يفكر بالرحيل إلى حيث يجد الأمن والاستقرار، وتتحمل السلطة وجميع القوى السياسية مسؤولية المآلات الكارثية التي تتجه إليها البلاد!! لا يزال بالإمكان تدارك الأمر، والبداية في قيام الدولة بواجباتها الدستورية والقانونية، والحزم لإيقاف الحروب والاقتتال، فليس مقبولاً أن تُضعِفَ الدولة نفسها؛ فهي قوية بشعبها، وحين تنتصب قائمة وتغادر مربع العجز ستجد جميع أبناء وفئات الشعب معها، الجندي في موقعه، والقائد في معسكره، والموظف في مكتبه، والمسؤول في مؤسسته، والتاجر في مستودعه...فإرادة القيادة وعزيمتها تصنع القوة، وتوجد الأمن، وتردع العابثين، وتسكت المرجفين، وتزرع الأمل، وتشجع الخائفين، وتنقذ الطائشين من شرور أنفسهم.. نحن - اليمنيين - إن لم نساعد أنفسنا ونحزم أمرنا، ونمضي فيما توافقنا عليه، ونفرض التعايش منهجاً وسلوكاً؛ ونرفض العنف واستخدام السلاح لتحقيق المطالب، فلا مبادرة ولا تسوية، ولا مخرجات حوار، ولا الدول العشر، ولا مجلس الأمن سيفيدنا، ولن يكون هؤلاء جميعاً أكثر حرصاً على مصلحتنا من أنفسنا، وعلى كل من يحب اليمن أن يبتعد عن تحويلها إلى ساحة لحرب تهلك الحرث والنسل، فما تزال (بَلدَةٌ طَيِبَةٌ وَرَبٌ غَفُورٌ) وفيها متسع للوئام والعيش بسلام...