رغم كل مؤشرات الحرب التي تلوح في أفق صنعاء، فإن ثمة حلا سياسيا يلوح من بعيد.. فالجماعة الحوثية تدرك ماذا يعني الاقتحام العسكري لعاصمة شديدة المركزية مثل صنعاء، التي تكاد تبتلع كل مؤسسات ومصالح الدولة اليمنية فيها، بل أن جزءً كبيراً من التجارة يتمركز في صنعاء، وفي اعتقادي أن التعقيدات التي يبديها زعيم الجماعة الحوثية هي من أجل كسب الوقت، ومنح طهران فرصة أكبر في التفاوض مع واشنطن: داعش بغداد ودمشق مقابل حوثة صنعاء. أما الرئيس هادي فهو الكاسب الأوحد من المبادرة الوطنية التي أدارها وأخرجها بعناية "بديلاً للمبادرة الخليجية" فهي تحقق له خمسة أهداف مجتمعة: سيصبح رئيس دولة بصلاحيات كاملة، وليس رئيساً توافقياً مقيداً بمبادرة خليجية، وسيكون رئيس الوزراء من اختياره وتحت سلطته، وليس مشروطاً أن يكون من حصة أحزاب المشترك، وستكون الوزارات السيادية "الداخلية والخارجية والدفاع والمالية" من حصة الرئيس الشخصية، وليست مناصفة بين فريقين، وسيضعف الأحزاب القوية ويصعد الصغيرة، من خلال إعطاء كل حزب وزارتين فقط، وسيتخلص من قيم وأهداف ثورة فبراير 2011 التي جاءت به ومن�'ت عليه كثيراً. ورغم مساوئ المبادرة الوطنية لا تزال الجماعة الحوثية ترفضها، وتعتبرها التفافا على مطالب الشعب، دون توضيح ما هي تلك المطالب.. وأياً كانت مساوئ المبادرة فإنها أفضل وأرقى من توجيه آلاف البشر لترديد الصرخة في توقيت محدد!! ليلة الجمعة الماضي شعرت بالألم يعتصرني وأنا أقرأ منشورات عن تحديد زعيم الجماعة الحوثية موعد التاسعة مساءاً للخروج من المنازل والبيوت والمحلات والسيارات لترديد الصرخة.. أكاديميين ومثقفين ومهنيين ورعاع يخرجون كبغبغاوات ليهتفوا بالموت لأمريكا.. شعار لا ينتمون إليه ولا ينطق باحتياجاتهم ولا يدعو لبناء مستقبلهم.. أتخيل صديقي اليساري العتيد وقد خرج من شرفة بيته يصرخ كمن ينفخ في قربة مقطوعة، ثم يعود مبحوح الصوت ومجروح الضمير.. أتخيل الناشطة الحقوقية وهي تدعو أطفالها وتهرول نحو الشرفة في الموعد المحدد، لتهين عقلها الذي ظننته ذات يوم ليبراليا منفتحا، ومتجددا.. أتخيل شاباً يأمر من كهف في أقاصي الشمال البروفيسور أحمد شرف الدين "رحمه الله" أن يخرج من بيته عند التاسعة مساءاً ليصرخ بالموت لأمريكا.. ماذا سيفعل البروفيسور العظيم، وأستاذ القانون الإداري بجامعة صنعاء لأكثر من عقدين؟! لا أكره أحداً... وفي كل كتاباتي ومقابلاتي التلفزيونية أدعو الأخوة الحوثيين إلى التحول إلى حزب سياسي يعمل وفق أهداف وبرامج سياسية ويحمل رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، يحمل رؤية للحياة، وليس صرخة للموت.. تمنيت عليهم أن يستوعبوا التاريخ، وأن يقرأوا سيرة جماعات العنف، ويروا كيف تأخذ دورة العنف الكاملة ثم تنتهي، كما حدث لطالبان في أفغانستان، والشباب المجاهدين في الصومال. لا أريد لهذه القوة الحوثية أن تنتهي.. أريدها أن تمثل إضافة للساحة السياسية نوعاً، وكماً، أريدها أن تضيف للسياسة ما تفتقد إليه من الأداء السياسي والعمل الشريف، والترتيب المنتظم والملتزم.. أريد للحوثيين مستقبلاً سياسياً لا يتمترس خلف قوة السلاح. أما الدعوة للصراخ عند التاسعة فهي نفس مطلب الخميني في فبراير 1979 حين كان يطلب من المواطنين الصعود إلى أسطح المنازل عند التاسعة مساءاً لترديد الصرخة لمدة نصف ساعة، تعبيراً عن تضامنهم مع الثورة!! وهي أسلوب لا يقل سوءاً وتشويهاً عن مطلب الإمام أحمد من شعبه في خمسينيات القرن الماضي أن يأخذوا بالقطرنة (دهن الوجه بزيوت السيارات المحروقة) خوفاً عليهم من الجن!! *صحيفة الناس [email protected]