لن تتوقف الحالة الطائفية التي تغذيها طهران عن السيلان في حدود العراق وسوريا ولبنان والبحرين، بل تجاوزتها إلى اليمن ومنها ستتمدد من خلال التشبيك مع الأقليات الشيعية في المناطق السعودية والخليجية عموماً لتشكل جماعات ضغط وعصاغليظة تستخدمها إيران لبسط نفوذها ورسم حدود إمبراطوريتها فأحلام الدولة الفارسية لم تزل تداعب العمائم السوداء. هذا واقع الحال والشواهد كثيرة، وفي الحالة اليمنية يمكن الرجوع إلى ما قاله الدكتور عبد الكريم الإرياني مؤخراً بشأن الوسيط العُماني، وكيف كانت ترسل الاتفاقات بين الرئاسة والحوثيين إلى صعدة ومنها إلى طهران قبل الموافقة عليها. ارتهان الجماعات الشيعية في المنطقة العربية للقرار الإيراني بات أمرا لا يمكن اخفاؤه، وجزء من قوة الحوثي ونفوذه هو ارتباطه بالحبل السري الإيراني ومن شاء التأكد أكثر فما عليه سوى مراجعة كشوف الزيارات إلى لبنان التي تحولت إلى كعبة يحج إليها آلاف الزوار سنوياً لتأدية فروض الطاعة والولاء للتومان الإيراني. وفي اليمن يعتقد النظام القديم إن بإمكانه التحكم في مسار الأحداث التي ساهم في صناعتها، وهو ما يمني به الممولين الإقليميين ويسوّقه لديهم وأنه في لحظة فارقة سيقلب ظهر المجن على الصديق اللدود لكنه ينسى أن الدخول ليس كالخروج كما يقال، وأن الحالة الناشئة لن تكون بندا في أجندته وإنما هي امتداد لمشروع يتجاوز حلقات الصراع الداخلية إلى ما هو أكبر من الجميع. حتى اللحظة لا زال صراع الأقوياء في المنطقة من خلال الوكلاء وباستخدام قفازات طائفية، فدول البترودولار تصب الزيت على النار خارج حدود بلدانها، لكن الحلقة تتوسع يوما بعد يوم وفي لحظة ما سيُصبِح توجيه الأحداث والتحكم في مسارها أمرا في غاية الاستحالة وما داعش عنا ببعيد. ما لم تدركه طهران أن الآلة التفكيكية التي تمولها حقول النفط الإيرانية لن تفضي إلى حالة نفوذ كامل وإنما تصنع قنبلة موقوتة ستودي بالمنطقة برمتها وفي المقدمة من ذلك نظام الملالي. وما لم تدركه الأنظمة العربية البليدة إنها بسعيها الحثيث إلى كبح جماح شعوبها في التوق نحو التحرر لن تطيل عمرها بل على العكس تعجل ساعة وفاتها وتساهم في صياغة واقع جديد لن تكون هي أحد صناعه. وما لم تدركه الحركات والطوائف التي تستخدمها طهران لتحقيق النفوذ المتوخى هو تجاهلها لكونها أقلية وأنها بحاجة إلى حالة التعايش التي تعمل على نسفها أكثر من غيرها، كما أنه ليس بمقدورها تحقيق ما يُراد منها فالوضع القائم في المنطقة إنما هو حالة عابرة ولن يدوم طويلا. التعقيدات كبيرة واللاعبون كُثر والأجندات متشابكة ومعقدة، وما هو معلوم بالضرورة أن واقعاً جديداً يتشكل وأن هذا الواقع سيكون أكبر من طاقات وقدرات العابثين بمستقبل المنطقة وشعوبها.