في وجوه الفقراء ما يغني عن قراءة التقارير المتتابعة عن الوضع الاقتصادي والمعيشي لليمنيين.. وفي تجاعيد الوجوه ما يغني عن تتبع إحصائيات الفقراء والجياع والمرضى الذين لا يجدون دواء.. وفي حيرة عيون الشباب ما يقول إن هناك فرصة عمل لا تزال مفقودة، وكل واحد من مئات الآلاف من الشباب يعتقد أنها فرصته.. وفي هذه الصورة التي نشرها أحدهم على حائطه ما يختزل المشهد كله، والصورة لطفلة غلبها الفقر في البيت وغلبها النعاس في السوق وهي تبيع العلك. ومن الغريب أن هذه الصورة في العاصمة صنعاء التي تعتبر الأفضل بين المحافظات اليمنية، والأغرب أنها في منطقة بباب اليمن -كما قال صاحبها، وذلك يختزل المشهد اليمني برمته إذ غدا هذا المنظر عنوانا لليمن على بابها. هل نعست هذه الطفلة تحت غلبة النوم، أم أغمضت عينيها تحت غلبة الواقع البائس هربا إلى واقع في الحلم الذي تغمض عينيها حتى تراه؟ أسئلة كإجاباتها الضائعة، وكلا السؤال والجواب بلا معنى ولا أهمية، وإنما السؤال الهام هو: متى تفتح هذه الطفلة عينيها على الواقع الخالي من الإهانة المذابة في الهواء؟ وجوابه الأهم في عداد الإجابات المفقودة التي أعيت الشعب اليمني بحثا بلا جدوى!! ما أحدثته الثورة من تغيير سياسي في اليمن ليس بالشيء البسيط أو القليل، ثم ليختلف الناس في تقدير حجم هذا التغيير السياسي وما إذا كان في المستوى المطلوب والمتوقع والمفترض أم دونه أم أعلى منه؟ وما لا خلاف عليه هو أن هذا التغيير السياسي يجب أن ينعكس على الجانب الاقتصادي والمعيشي للناس. والحديث عن الاقتصاد والمعيشة ليس خاضعا للأمزجة، بل هو حديث عن شيء مادي ملموس وظاهر. المنظمات العاملة في الشأن الإنساني تستنجد لليمن حيث بلغ الجوع مبلغا غير مسبوق والتقارير الدولية ترسل نداءاتها لتجنيب اليمن آثار كارثة أصبحت واقعا، وغارت العيون في وجوه الملايين من أبناء الشعب اليمني فيما لم يسبر غور القضية أحد ليخرج للناس مبررا لهذه القطعية المستمرة بين التغيير السياسي المتواصل وبين التغيير في المجال الاقتصادي المرتبط بمعيشة الناس؟ بالطبع هناك من يملكون المبرر «المعلب» ليسكبوه في أفواه الجياع حديثا عن الاستراتيجيات والمدى البعيد الذي يتطلبه انعكاس التغيير السياسي على الاقتصاد والمعيشة، ولا يجيد هؤلاء الجياع محاورة الغارقين جميعا في شئون السياسة والأعراض الجانبية لعملية التغيير، ولا يملك هؤلاء الجياع مفردات كافية لخوض هذا الحوار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. الذين فقدوا وظائفهم العام الفائت لم يعودوا إليها إلا بنسبة ضئيلة.. الشركات التي استغنت العام الفائت عن قرابة نصف الموظفين لم تقم -في الغالب- بإعادة نصفهم اليوم.. المؤسسات التي خفضت الرواتب والأجور إجباريا العام الفائت فضلا عن إيقاف المخصصات الإضافية استهوت اللعبة ولا يزال أغلبها متوقفا عند تلك الإجراءات ولم يجار عملية التغيير السياسي الحاصل في البلد، والذين كانوا يبحثون عن عمل أو مصدر داخل يسد رمقهم لم يبرحوا موقعهم، والعسكريون المعلقون بلا رواتب ولا عمل يقدرون بالآلاف.. إلى آخر هذه الأوجاع ولكل جرح وجع في مكانه من جسد الوطن المنهك. بوسع أي شخص أن يذهب مع المثقفين ورجالات السياسة ليخوضوا حديثا وجدالا لا ينتهي عن التغيير السياسي: واقعه وآفاقه ومستقبله.. سيذهب هؤلاء إلى أبعد نقطة، لكن ملايين الفقراء والجياع والمعوزين سيظلون قابعين في مواقعهم لا يلتفتون إلى شيء مما تثيره تلك النخب حولهم من الجلبة ذهابا وإيابا، لأن التغيير السياسي في نظرهم ليس إلا لقمة مشبعة.. أيها السادة: وما يزال هؤلاء الملايين بانتظار هذه اللقمة!!