قبل أن يعض اليمنيون أصابع الندم حيال استنساخ السيناريو المصري إلى ما قبل إعلان النتائج النهائية على الأقل؛ على الحكومة اليمنية أن ترفع درجات استعدادها للقادم، وتُحدد آليات مدروسة لمواجهة الهجمات الآتية من «الزعيم النصف المعارض داخل المؤتمر الشعبي العام» علي صالح. وعلى الرئيس اليمني أن يجفف من عرق صلعته قليلاً ليعرف كيف يفكر بوضع حدٍ للتنامي المضطرد لفلول النظام السابق. وتعد كلمة «فلول» من صميم اللغة العربية، وتعنى: الكسر أو الخلل الذي يصيب حد السيف، وتأتي بمعنى «المنهزمين». وإسقاطاً على أوضاع دول الربيع العربي فإنها تعني الفئة الباقية من النظام السابق التي تمارس ذات السياسة في عهد نظام جديد بعد أن كُسرت شوكة النظام القديم وخارت قواه. تدريجياً بدأت فلول النظام اليمني من استرداد العافية بعد التمترس خلف ترسانة إعلامية بإمكانيات هائلة، والتمسك ببعض وحدات الجيش اليمني ولبس طاقية ظل في حكومة الوفاق الوطني، وزرع رجال لممارسة الهمس في أذن الرجل المتبتل في صومعة مركز القرار. ليس بالتمرد وحده يعيش الفلول، أو الترسانة الإعلامية وصناعة ظل لمراكز القرار في البلد، لقد تجاوزوا ذلك الحد مستفيدين من ثغرة العقلانية الزائدة في تكتل اللقاء المشترك، وتعاطُف الرئيس اليمني الذي يأبى أن يظهر بأعين شباب الثورة بلباس التواطؤ مع الفلول. نال هادي أصوات الناخبين من قبل الثوار لإسناده بالشرعية الثورية حتى يتمكن من اتخاذ قرارات شُجاعة كثيراً ما يُرددها هؤلاء في ساحة الستين بالقرب من منزل الرئيس الذي يؤدي صلاة الجمعة في حوش منزله ويستمع إلى خطيب الثورة، وربما كان من الذين أمّنوا والخطيب يدعو على تخليص اليمن من مصائب صالح كما يتناقل بعض الساخرون ولا يستبعد الجادون ذلك الحد. الترسانة الإعلامية الداهية علي صالح -والداهية تأتي بمعنى المصيبة- رتب كافة أوراقه كي يتسنى له برفقة أتباعه من ممارسة دور التنغيص على السياسة اليمنية وعرقلة عملية التسوية السياسية بالأدوات المتاحة. ومن يمتلك رأس المال والألسن السليطة يستطيع اقتناء السلعة التي تخدم المالك، هذه المعادلة الاقتصادية تنطبق على الوضع السياسي القائم في اليمن أو تيار الناشط السياسي النشط علي صالح. بعد أن افتقد النظام السابق الإعلام الرسمي اتجه لبعض الإعلام الأهلي لمقارعة سياسة الحكومة في قادم الأيام بِحِدة لا متناهية، خصوصاً وأن بوادر الحرب الكلامية تلوح في الأفق السياسي عبر بعض الوسائل المقربة من النظام السابق وبعض الأجهزة الأمنية التابعة لأقارب علي صالح. بخطط مدروسة ومرسومة حدد الرجل أدواته والتي من ضمنها وسائل الإعلام، وما لم تولي الحكومة والقوى السياسية البروز المفاجئ لوسائل إعلامية بشكل قانوني فإن المرحلة المقبلة ستقوم على التعبئة والشحن، بالنظر لافتقار وسائل الإعلام الرسمي (المرئي والمسموع) لتحديد أهداف الرسالة الموجهة إلى الجمهور وبلورتها بالقالب المناسب. في بداية هذا العام تم إطلاق قناة اليمن اليوم وتم التعاقد مع مجموعة ال LBC لإدارة القناة، وفي الثاني والعشرين من مايو كان على صالح قد تقمص دور الكاتب وجلس القرفصاء ممتشقاً قلمه الحاد ليكتب افتتاحية صحيفة اليمن اليوم، متمنيا للييمن الخير، اليمنيون يعرفون بأنه عندما يجاهر بأمانيه فإنه يضمر العكس ويبذل كل جهده لتحقيق ما يناقض أمنياته! وما يجب التنبه له بأن «زعيم النظام السابق -بوصف وسائل الإعلام التابع لمؤتمر الشعبي العام وملحقاته- يعرف قواعد اللعبة السياسية جيداً وأهمية الإعلام لتوجيه الضربات المتتالية لخصومه بلا هوادة، وعند هذه الجزئية يكون التوضيح الذي يؤكد النوايا المبيتة ل «حراس البوابة» الذين قاموا بصناعة ظل لوسائل الإعلام الرسمية حيث وأن لهم (محطة تلفزيونية، وصحف يومية، ومحطة إذاعية على ال FM ومواقع إلكترونية) مع إغفال الوسائل المقربة بالطبع. قد يكون الإعلام المقرب من صالح يتعامل مع الرجل من جانب سيكولوجي بحت بحسب ما يقتضيه الطب النفسي خصوصاً وأن المانشيتات والعناوين لا تكف عن استخدام لفظتي (الزعيم، الرئيس). استراتيجية الشهيد الحي! كان قادة النظام البائد يتصفون بالأحياء فقط، وكان يُرهقون اليمن في متاعب البحث عن لقمة العيش فضلاً عن العدالة الاجتماعية ومبدأ المساواة في المواطنة. وبعد حادثة النهدين صاروا شهداء أحياء في إشارة للجراحات التي لحقت بهم في الحادثة. المحاذير الأخلاقية حتمت على الساسة عدم الاقتراب لاستثمار حادثة النهدين، هذه النقطة تحديداً جعلت من النظام السابق يستثمرها لا أخلاقياً لإعادة لململمة الشمل ضمن استراتيجية «الشهيد الحي».إذ ليس من محض الصدف استقبال العائدين من الرياض بشكل متتابع هذه الأيام. لقد استطاع جناح صالح في حزب المؤتمر من استثمار عودة «جرحى النهدين» وعلى ذلك الأساس رتب ترتيباً منظما يليق بحفاوة العودة، وحدد الزمن، وجهز دعوات الاحتشاد، فيما كانت وسائل الإعلام متأهبة لتصوير حدث استقبال «الشهداء الأحياء» قبل مرورهم إلى ميدان السبعين وقراءة الفاتحة على الجنود الذين سقطوا في جريمة ال21 من مايو. ويُغالي المتشيعون في السياسية باستخدام حادثة النهدين والاستشهاد بها في مناحي شتي، وفي المقابل تتكلس الأطراف المحسوبة على الثورة تحت سيطرة الإحراج، ويتعاملون مع الحادثة من جانب تحليلي حذر حتى لا يشوبه التشفي وتوظيف الحادثة بشكل غير لائق. واستغل فريق الشهداء الأحياء هذه النقطة لتلميع رموز النظام البائد ومسح ما تركته لهب الحادثة من بقع مدهونة بالرماد. حيث أصبح يوم الأربعاء أشبه بكرنفال -على مدى الأسبوعين الفائتين- يحتفل به المؤتمر وزعيمه الراهن الذي يتسيد يوم الأربعاء، ويتصدر الصفحات الأولى بمانشيت عرض «الرئيس الحي يستقبل الشهيدين الحيين» ليتفاجأ المتابع أن الرئيس هو «رئيس المؤتمر». هيكلة المؤتمر الشعبي المعارض!! بلغ حزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن درجة التعقيد؛ نظراً لممارسته اللعبة السياسية بأكثر من وجه. ويتفنن رئيس الكتلة البرلمانية في حزب المؤتمر بإظهار الحزب بالمُعارض اللدود على قرارات مجلس النواب، وهو الذي كان يرفع يده تأييداً لقرارات المجلس ويُذيل كلامه بعد كل مُداخلة ب «مع المادة كما وردت». حزب المؤتمر الشعبي يتقمص دور المعارض رغم أنه وحده ممثل بنص الحكومة فضلا عما لديه من مختلف مؤسسات الدولة -إن لم يكن جميعها- وبالرغم من أن صالح لا يزال في منصبه المفضل لممارسة فعل ضرب السياسة بالعلاقات الاجتماعية للمجتمع اليمني، مُعتمداً على استراتيجية مهمة: إعادة إنتاج النظام بوجه تُمَكْيجُه أفعال مُعَارِضة لسياسية حكومة الوفاق والرئيس هادي. يمتطي صالح صهوة خيل الحزب ويتحرك ببطء، وتلك الحركة ليست سوى ترويض لخوض سباق فقز الحواجز، هي في الحقيقة «كرنفالاً لصناعة الأزمات قد تُخاض باسم «المؤتمر الشعبي العام». ليس المؤتمر بهيئة الحزب، إنما الجناح المتشدد الذي يقوده المذكور ليُري خصومه (نصف الحكومة حالياً) كيف تكون المعارضة الحقيقية، كما قالها من قبل. إذن مهمة صالح هي صناعة قوة عشوائية تتشتت في فهمها القوى الحاكمة، وهذا ما يؤكد استعداد الرجل للتحالف مع أي «جماعة» لتحقيق ما ينبو إليه، وإن كانت هذه التحالفات خارجة عن القانون، فضلاً عن خروجها على إطار العرف السياسي العام الذي يتيح تذويب جليد المشاكل مع الاحتفاظ بأخلاقيات الاتفاق وشكله. في حجة قبل ما يقارب من شهر قام فرع المؤتمر باحتفائية تُمجد «الزعيم» كما تصفه وسائل إعلام المؤتمر بحضور رئيسة رابطة صحفية لا وجود لها، والشاهد من الاحتفائية أن أعضاء من لجنة التنظيم كانوا حوثيين. وإلى جوار ذلك لا تبدو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام جادةً في هيكلة الحزب، وإبعاد علي صالح من مهمة الرئيس. وكان من المقرر أن يتم تعيين علي محمد مجور أمينا عاما، وعبدالقادر هلال أمينا عاما مساعدا للشئون التنظيمية بديلا عن صادق أمين أبو رأس، وعبده محمد الجندي بديلا عن الأمين العام المساعد لشئون الإعلام سلطان البركاني، وياسر العواضي أمينا عاما مساعدا لقطاع الاقتصاد والإدارة والخدمات بديلا عن يحيى الراعي، ونعمان الصهيبي رئيسا للدائرة المالية بدلا عن محمد دويد، وعبدالسلام الجوفي رئيسا للدائرة التربوية والتعليمية بدلا عن حسين حازب -حسب ما كشفه قيادي في المؤتمر ل «الأهالي نت» في 24 ابريل الماضي. بينما سيترأس عبدالكريم الإرياني الحزب، ويجري تعليق صالح في مهمة الرئيس الشرفي. وهو ما لم يحدث منه شيء حتى الآن.