على عكس صالح وشغفه وإدمانه لإرتجال الخطب في كل مناسبة صغيرة وكبيرة، يبدو هادي زاهداً في الكلام لا تسعفه لهجته في استخدام عبارات دبلوماسية يمكن حملها على أكثر من وجه أو عبارات منمقة لدغدغة عواطف المواطنين البسطاء، ولذلك كان خطابه الأخير يحمل الكثير من الصراحة التي تعكس واقع الوضع الحالي للبلاد ووضعه كرئيس انتقالي توافقي يعاني بين مطرقة المنصب وسندان الواقع. وفي كل الأحوال فانه يجب إعطائه الفرصة قبل الحكم على كلامه ومدى التزامه بما يقول وتحويله لأفعال لا سيما وقد مل الشعب من كثرة الخطب والكلام والوعود الزائفة التي وصلت لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية. كلام هادي عن عجلة التغيير التي دارت وأنها لن تعود للوراء ومن يحلم بذلك فهو يعيش في كوكب آخر عبارة عن رسالة واضحة لصالح وعائلته أن يتجاوزا الحلم لأن البلاد تشهد مرحلة تختلف تماماً عن السيناريو الذي رسموه في أذهانهم مسبقاً لمستقبل اليمن السياسي واستمرار تربعهم علي عرشه، وهو كذلك رسالة لغيرها من القوى على الساحة أن معادلة الحكم في اليمن تشهد تغييراً كبيراً يمثل فيه العامل الخارجي الدور الأكبر وهو ما كرره هادي عدة مرات في سياق كلامه ملوحاً ومهدداً بقرارات دولية تطال من يحاول عرقلة العملية السياسية المتفق عليها في المبادرة الخليجية، وحين يؤكد هادي على هذا فإنه يدرك جيداً أهمية هذا العامل بالنسبة له كأهم ما يمكنه الاتكاء عليه في ظل انقسام الجيش وضعف سيطرة وزارة الدفاع الموالية له على القوات المسلحة وغياب الدعم الحزبي له ممثلاً بالموتمر نتيجة لسيطرة صالح عليه، لكنه بالإضافة لذلك ألمح لاعتماده على الالتفاف الشعبي حوله والذي ظهر جلياً في الانتخابات الرئاسية باعتباره محل الاتفاق بين مختلف القوى ويمثل المخرج لتجنب الحرب وسفك الدماء. وفي هذا السياق كان الرئيس هادي واقعياً وهو يوضح أن خيارات اليمنيين كانت ومازالت محدودة في كيفية إحداث التغيير السياسي، وهذه الخيارات الآن باتت مرسومة ومحددة ولم يعد هناك مجال للأخذ والرد. ولعل نفيه لموضوع التمديد للفترة الانتقالية أو التغيير الوزاري يصب في هذا الاتجاه . وفي نفس الوقت فهو يؤكد أنه لا مفر من مواصلة العمل وفقاً للمبادرة الخليجية وآلياتها وأهم ذلك هو مشروع الحوار الوطني والذي أوضح أنه سيأخذ فترة قد تمتد لسته أشهر يتم من خلالها إعادة صياغة شكل النظام السياسي والإداري في البلاد وتعديل الدستور والإعداد للانتخابات للعودة بالبلاد للوضع الدستوري الاعتيادي. وهو بذلك يطالب الجميع بالتعاون معه للذهاب نحو الحوار الوطني باعتباره الطريق الوحيد المجمع عليه دولياً لاستقرار الوضع في اليمن لأن ذلك لم يعد شأناً يمنياً داخلياً بل تشرف عليه الأممالمتحدة وتراقبه وتتابعه الأطراف الإقليمية والدولية لتأثير الوضع في اليمن علي المنطقة والعالم. بدى هادي في خطابه متفائلا بما تم تحقيقه خلال الفترة السابقة والتغير الذي حدث مقارنة بالأوضاع في نفس الوقت من العام الماضي وهو يشير إلى عودة الكهرباء والمواد النفطية وزوال شبح الحرب من صنعاء وكثير من المناطق، وبالتأكيد أن هناك تحسناً لكن ينبغى أن يدرك الرئيس أن البلاد تمر بمرحلة تغيير كما ذكر سلفاً وعليه فان الناس تتطلع للأفضل وتريد أن تشعر بهذا التغيير في تفاصيل حياتها اليومية المتمثل في ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة وتوفير الكهرباء والمياه ومحاسبة الفاسدين. النبرة الحازمة التي تكلم بها الرئيس لاقت ترحيباً من قبل الناس لكنها بالتأكيد تحتاج أن تتبع بقرارات حازمة حتى تصبح خطابات الرئيس القليلة ذات مصداقية بين أوساط الشعب، فطوال العقود السابقة تعود الناس على خطابات رنانة عبر وسائل الإعلام في المساء ولكنها تتحول إلى أضغاث أحلام في الصباح، ولهذا السبب فان خطابات المسؤولين الرسميين لم تعد تمثل أهمية للمواطن العادي ذلك أن تأثيرها لا يتجاوز التصفيق وقت الخطاب، وفي الناحية الأخرى يدرك الرئيس جيداً عواقب إصدار قرارات لا يمكن تنفيذها ولتجاوز هذه المعضلة يحتاج الرئيس لمزيد من الشفافية مع الشعب عبر وسائل الإعلام حتى يتمكن من حشد الناس خلف قراراته وإجبار المتمردين على قبولها وبذلك تستمر عجلة التغيير في الدوران.