النظام السوري لازال يبحث باستمرار عن الذراع التي تمكنه من أقلمة صراعه الداخلي مع الثوار، حيث يعد الاعتداء الأخير على الحدود التركية والذي راح ضحية خمسة مواطنين أتراك أخر تلك المحاولات التي تمثل إستراتجية (عليا وعلى أعداءي)، فالنظام السوري يحاول الهرب إلى الأمام ويحاول رهن الأمن الإقليمي ببقائه في سدة الحكم وهو الأمر الذي قد حسمه الثوار منذ ما يزيد عن السنة والنصف. السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة على الساحة السياسة و الدبلوماسية اليوم هو شكل وموعد الرد التركي الذي كان ولازال على استحياء وهو ما قد يعكس حالة الخوف التركية والدولية تجاه الولوج في حرب مع النظام السوري وحليفاه الإقليميين (إيران وحزب الله) وهذا يعود لأسباب عدة تخص الفاعلين الدوليين في الملف السوري وأهمهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي الرقم واحد في حلف الناتو، والواضح اليوم ومن خلال النظر إلى السياسة الخارجية لأمريكا أنها دخلت في خانة اللافعل بسبب اقتراب الانتخابات الرئاسية والتي حقق فيها رومني تقدما بارزا على الرئيس الحالي اوباما عقب المناظرة التلفزيونية التي جرت بينهما ما سيدفع اوباما إلى مضاعفة اهتمامه بملف الانتخابات على حساب الملفات الأخرى ومنها السوري. بعيدا عن أميركا نعود إلى تركيا التي يبدو أنها غير راغبة في الإقدام على خطوة جديدة وحاسمة تجاه سوريا ونظامها القمعي ويوعز ذالك إلى عدة أسباب يتصدرها الرفض الشعبي لهذه الخطورة المصيرية فاستطلاعات الرأي هناك توضح أن أكثر من 60% من الشعب التركي لا يؤيد قرار الدخول في حرب. يبدو أن الإعلام الرسمي التركي لم يقوى إقناع الرأي العام برغبة أردغان الرامية إلى تصعيد الصراع السياسي مع الأسد إلى صراع عسكري قد ينهي المأساة المستمرة هناك، هذا إذا كانت هناك رغبة حقيقيتاً أصلاً، فتركيا تعيش نهضة اقتصادية مستدامة قد يهددها ويوقف من عجلتها قرار الحرب مع النظام السوري. دبلوماسيا تركيا لا تود تأزيم علاقتها مع جارتها الإيرانية أكثر وليست مستعدة لجر المنطقة إلى حرب إقليمية من الممكن أن تصبح عالمية في حالة تدخلت روسيا والصين لمواجهة دول حلف الناتو. في المجمل لا يزال المجتمع الدولي سعيدا جدا بممارسة دور المتفرج باستثناء عدد دول الجوار السوري التي تتحمل قدرا من عبئ اللاجئين إليها.. ومن الواضح أيضا أن التدخل العسكري في سوريا - والذي طالب به كلا من أمير قطر الشيخ خليفة آل ثاني ورئيس فرنسا فرنسوا هولاند- ليس ضمن أجندة الناتو الآن على الأقل، فهو يملك أكثر من ذريعة لفعل ذالك وأخرها الاعتداء الأخير حيث تمثل تركيا الحدود الجنوبية للحلف، ولكن يتضح جليا تخاذل المجتمع الدولي تجاه التزاماته الأخلاقية في سوريا الأمر الذي يدفع جميع المتعاطفين والمتضامنين مع الثورة السورية إلى التعويل على سواعد الثوار في الأرض لأنها وحدها من تصنع الفارق وتغير المشهد. مؤخرا ظهرت تصريحات تركية رسمية تمتدح فاروق الشرع نائب الرئيس السوري وتقول انه عقلاني لم تكن له يد مشاركة في المجازر المرتكبة وبإمكانه أخذ مكان الأسد كرئيس لسوريا أثناء فترة الانتقالية تقر من خلال اتفاقية سياسية تنهي من حالة العنف، هذه التصريحات جاءت على لسان وزير الخارجية التركي داود أغلو وهو ما يشير إلى أن تركيا تبحث عن حلول سياسية تمكنها من القفز على خيار الحرب الذي يتهددها، فكل المشاريع السياسية التي كانت توضع لحل الأزمة السورية منيت بالفشل لسببين الأول رفض الأسد لخيار الرحيل وثانيا غياب الشخصية البديلة التوافقية المجمع عليها من الطرفين، ولكن اليوم تتقبل المعارضة بأغلب أطيافها اسم الشرع كبديل. ويأتي التغزل التركي بالشرع كخطوة إستباقية لزيارة وزير الخارجية السوري لتركيا وهو ما قد يمهد لحل قادم وإن كنت مقتنع بأن الحل السياسي قد مات لان النظام والمعارضة وصلا إلى نقطة اللاعوده.