خاضت الحكومة في اليمن ست حروب ضد المتمردين الحوثيين شمال البلاد، إلا أن جهود الحكومة المركزية في تلك الحروب لم تكن مثمرة للقضاء نهائيا على هذا التمرد الخطير الذي بدأ يشعل فتيله في صيف 2004م. ترجمة: أمين عبدالله التمرد الحوثي في شمال الشمال مصطلح الحوثية وفكرها المعقد، إنها تلك الحركة الغامضة التي نمت وترعرعت وثبتت جذورها، ضاربة بها إلى الأسفل خلال سنوات حكم صالح. ما نصيب صالح في بزوغ هذه الحركة؟ هل كان صالح يغفل النتائج السلبية في بزوغ مثل هذا الفكر الإيديولوجي الخطير على مستقبل حكمه؟ أم أنه شخصيا ساعدها على الخروج والترعرع لأهداف خاصة مستقبلية أدركها صالح وأدركتها حاشيته المقربة من ذوي الرأي والاستشارة؟ الأهم من ذلك كله: كيف يقرأ السياسيون والمهتمون وذوو الاختصاص مستقبل الحوثية بعد أن فقد صالح الحكم جراء الثورة الشعبية في فبراير 2011م؟ منذ الوهلة الأولى للبزوغ لم يكن التمرد الحوثي في شمال الشمال هو ما يشغل بال الحكومة في اليمن، فهناك في المحافظات الواقعة في الجنوب يكشر تنظيم القاعدة أنيابه ويتبنى عمليات إرهابية تستهدف القطاعات الهامة في الدولة كحقول النفط والمشاريع التنموية، وترويع الأمن ومحاولة كسب القدر الأكبر من الأرض. إن رحلة الحوثية في المشهد اليمني من الخلية البسيطة التي لا ترقى إلى ما يشبه التنظيم الصغير إلى التنظيم «المتمرد» جعل الوضع أكثر تعقيدا حين أظهر إخفاق وفشل الحكومة المركزية في صنعاء والوساطات الإقليمية في المنقطة الوصول إلى حلول للقضاء على هذا التنظيم واحتواء هذا الصراع بين العامين 2010-2011م. في فبراير 2010 تم الاتفاق والإعلان عن وقف إطلاق النار والهدنة بين جانب القوات الحكومية والحوثيين، إلا أن ذلك كان يمثل في نظر البعض ترحيبا من الحوثيين أنفسهم ساعد على تطوير وتقوية هذا الصراع، كما حصل في كل مرة من المواجهات الدائرة بين الجانبين والتي كانت تنتهي بالهدنة. حتى الوقت الذي تسلم فيه الرئيس الجديد مقاليد الحكم في البلاد، ومرورا بأكثر من ست سنوات من الصراع، والانطفاء والاشتعال، ظلت أطراف داخل السلطة اليمنية -دائرة الرئيس السابق- تشهد توترات وصراعات داخل الدائرة نفسها. لقد بدا الأمر أن هذه الأطراف المتضاربة هي أطراف نافذة في الصراع، لا تمتلك القدرة على فض ومقاومة أهداف بعضها البعض بما في ذلك صالح نفسه. في نفس الوقت الذي لم تتمكن فيه الحكومة المركزية من استغلال واستثمار أشهر الهدنة التي تخللت هذه الحروب، من خلال التنفس العميق، ورسم التكتيكات الهادفة والاستعداد الكامل لإعادة الكرة على المتمردين الحوثيين، بما يضمن خروجها من هذا التعقيد الصعب. في ظل غياب أساسيات ومبدئيات إعادة تأهيل وترميم العلاقات بين الأطراف السياسية في اليمن اليوم، والإيمان بضرورة ترك الحسابات الخاطئة داخل الأطراف المتنازعة، سيكون على اليمن -كما كانت في ظل القيادة السابقة- دخول أتون صراعات جديدة واختلافات تضعه على مفترق طرق التصدع والانقسامات التي ستعود بنتائجها السلبية على مستقبل البلد، كما ستعود بتأثيراتها على المنطقة بأكملها. تطابق الشمال والجنوب رحل صالح عن السلطة بعد 33 عاما من الحكم الفردي والعائلي، وخلال فترة حكم صالح في الشمال والبيض في الجنوب عرفت اليمن طريقها إلى الوحدة، لم تكن الوحدة التي حققت أحلام اليمنيين عام 90م إنجازاً بطولياً خاصاً بصالح أو البيض. لقد جاء الشمال والجنوب إلى الوحدة عن تراض، سبق ذلك بأعوام محاولات الدمج والارتباط بين شمال اليمن وجنوبه إلا أن تلك المحاولات لم تفلح لظروف سياسية طارئة، أو لوجود فرضيات متعجرفة جعلت الشمال بيئة مختلفة عن الجنوب. اليمن بلد معروف بتاريخه القديم الذي يشهد بوحدة الجغرافيا، وحين نتحدث عن الوحدة في اليمن وما يواجهها اليوم من مطالب لفك الارتباط اليوم، نجد أن الوضع في هذا البلد يختلف تماما عن الوضع في السودان، والسبب يعود إلى أنه لا توجد أسباب تاريخية تدعو إلى ذلك، كما أن جنوب اليمن وشماله متطابقان في العناصر الضرورية الواحدة: اللغة والدين والثقافة والعنصر والأصل. بين الحوثية والقضية الجنوبية لقد بزغت إلى الحاضر اليمني مشكلة الحوثية في شمال الشمال لتدل على أن هذه المشكلة لا تمنع من وجود فرضيات نتحدث أن لها ارتباطات بقضية الوحدة اليمنية، وما حملتها من أهداف وطموحات أهمها إقامة الدولة المدنية، والإيمان بالقيم الاجتماعية والثقافية الواحدة والمناداة بالمساواة وإقامة مؤسسات العدل والقانون. إن الحوثية كظاهرة معقدة صنعتها ظروف معقدة أيضا، لا تقف عند أي حدود ولا تقبل أي تسوية أو حلولاً، كما أنها لا تؤمن بإقامة أي مشروع نهضوي مدني حديث يستطيع اليمنيون من خلاله الانتقال من الحكم الديكتاتوري للفرد والعائلة الواحدة، وضرورة فرض الحاكم بالقوة دون حق الاختيار والمشاركة، إلى الحكم المدني الذي يرفض التوريث والنصوص التاريخية المجحفة. إنها مشكلة نابعة من إيديولوجية حملتها مسارات تاريخية تؤمن بوجود تفاوت في القيم الاجتماعية والثقافية لها جذور ضاربة بالحياة السياسية في شمال اليمن قبل انطلاق ثورة 26 سبتمبر. بالنسبة لما يخص قضية الجنوب يبدو أن المشكلة قد تفاقمت من عجز النخبة في التعامل الدقيق مع هذه القضية، إضافة إلى أنها لا تحمل إيديولوجية أو فكراً إيديولوجياً بل تعود لعوامل موضوعية تظهر أزمة الثقة بين الطرفين، لقد تفاقمت هذه المشكلة بعد 94م إبان الحرب الأهلية، واستعصت على الحل بسبب نوع المنهج الذي تعاملت معه النخبة السياسية الحاكمة المنتصرة مع هذه المسألة. إن أهم ما يميز القضية الجنوبية أن أبعادها لا تأخذ عمق فكر الحوثية المعقد، إنها قضية تتمثل في البعد الاقتصادي والاجتماعي، وما يرتبط بالظلم الاقتصادي والتهميش السياسي، ثم البعد الخاص ببناء الثقة. وهكذا، ما يزيد من تميز القضية الجنوبية ويجعلها أكثر سهولة وتجاوزا يقبله الجميع -على عكس الحوثية ذات الفكر العنيد والتجاوز الخطير في القيم الاجتماعية- أنها سياسية كاملة يمكن حلها بإعادة توزيع السلطة، كما أنها تظلمات اقتصادية يمكن حلها من خلال معادلة جديدة أو من خلال ترتيبات إدارية تقوم على الفيدرالية. الفكر الحوثي.. تجاوز الحدود تحت هذا العنوان «حرب طفيفة أم معضلة كبيرة؟ الحرب على الحدود اليمنية السعودية» كتب «سيمون هيندرسون» بحثه المتعلق بالظاهرة الحوثية في شمال اليمن، وما هي الأهداف والمشروعات الغامضة والخاصة بهذه الظاهرة الخطيرة خصوصا بعد دخول المملكة العربية السعودية على خط الحرب مع الحوثيين حين تسلل المقاتلون الحوثيون إلى الأراضي السعودية في الحرب الأخيرة التي دارت بين الطرفين نهاية العام 2009م. لقد جعل «هيندرسون» من هذا البحث مادة ثرية، وتحليلا كاملا للحرب الدائرة بين قوات الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين في محافظة صعدة شمال اليمن، على خطوط التماس بين الحدود اليمنية السعودية. لقد أكد الباحث أن التطورات الأخيرة فيما يتعلق بالمتمردين الحوثيين يضاف على ذلك التطورات العسكرية، قد دفعت بالقوات السعودية إلى التدخل لوقف التمدد الحوثيون باتجاه الأراضي السعودية، كما أن التحذير ذا اللهجة الحادة الذي أطلقه وزير الخارجية الإيراني من التدخل الأجنبي ودعم الحكومة اليمنية في الحرب الدائرة -في إشارة واضحة إلى التدخل السعودي- ينذر بتحول الحرب شمال اليمن إلى الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران، وبالتالي لن تقف الأمور عند هذا الحد بل ستقود إلى أزمة إقليمية كبرى لها عواقب وخيمة على أمن المنطقة والخليج وإمدادات النفط عبر مضيق باب المندب وخليج عدن الذين يمر خلال طريقهما المائي الملاحي كميات النفط الخليجي الضخمة التي تغذي مصانع وأسواق البلدان الغربية، كما أن اشتداد ساعد الحوثيين وفرض واقع وجودهم شمال اليمن كقوة كبيرة في ظل الوضع الإقليمي والدولي الذي يشهد ترديا أمنيا بالغا سيكون مردوده تزايد عناصر القاعدة في اليمن في ظل هذه التطورات الجارية يخشى من تحول اليمن إلى دولة فاشلة. السلطات اليمنية أنها ضبطت خلايا إيرانية ناشطة في اليمن تقدم مثل هذه المساعدات كما أعلنت السلطات في وقت سابق أنها ضبطت سفينة إيرانية محملة بالأسلحة قبالة الساحل اليمني يعتقد أنها تحمل أسلحة للحوثيين. هوامش: عنوان المقال: Small war or big problem? Fighting on the Yemeni-saudi border الكاتب: Simon Henderson / Policy watch (Washington Institute