كيف لقيادات مصلحة الجمارك السابقة والحالية أن تدوس على اللوائح والقوانين وترقي موظفين لديها، إلى مدراء عموم، وهم متهمون بقضية تزوير في المحكمة ولم يتم الفصل فيها؟! هذا ما تكشف عنه الوثائق الخاصة بالقضية المرفوعة من نيابة الاموال العامة بالأمانة - برقم (114) لسنة 2000م جسيمة - الى محكمة الاموال العامة، والتي اتهمت فيها النيابة 14 شخصا بتزوير محررات رسمية منسوبة لمصلحة الجمارك وهيئة استكشاف النفط، عبارة عن استمارات طلب اعفاء جمركي وإدخال مؤقت بأسماء شركتي كنديان اوكسيد نتل وتوتال يمن. وكان من ضمن المتهمين مدير عام في المصلحة ورئيس قسم.. وتنص المادة 63 من القرار الجمهوري رقم 122 لسنة 1992م بشأن اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم 19 لسنة 1991م، أنه (لا يجوز النظر في ترقية او ترفيع الموظف في الحالات التالية (أ) الموظف المحال الى التحقيق الاداري او القضاء طوال مدة النظر في قضيته…. الخ)، إلا أن قيادات الجمارك لم تطبق اللائحة على المتهمين. وبدأت القضية في المحكمة عام 2000م ولم تصدر حكمها سوى في 27 أكتوبر 2010م، وخلال فترة التقاضي التي دامت عشر سنوات تمت ترقية "ج. ج" (المتهم رقم 11) من نائب مدير عام وتعيينه مديرا عاما لمنفذ جمركي. وعملا بمبدأ المساواة في ترقية المتهمين -السائد في الجمارك- ترقى ايضا "ع. أ" (المتهم رقم 12) من رئيس قسم الى مدير ادارة ومن ثم نائب مدير عام وصولا الى تعيينه مديرا عاما. الترقيات تمت قبل ان تفصل المحكمة في القضية، في مخالفة صريحة للقوانين واللوائح الحكومية ومنها أيضا، قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 27 لسنة 1998م بشأن لائحة الجزاءات والمخالفات المالية والإدارية في المادة 39 الفقرة (ب) التي تنص على أنه (يعتبر الموظف موقوفا حكما اثناء فترة التحقيق الجنائي او الحبس الاحتياطي قبل صدور الحكم مهما كانت مدته وعلى الوحدة الادارية متابعة سرعة استكمال التحقيق واصدار الحكم). ترقيات وسيارات تجاهل اللوائح والقوانين يشير وكأن مصلحة الجمارك دولة ذات سيادة، لها قوانينها ولوائحها الخاصة، وليست معنية بتطبيق التشريعات اليمنية، فقوانين الاخيرة تعتبر الموظف المتهم في النيابة او المحكمة في حكم الموقوف حتى يصدر الحكم.. فضلا عن أن المتهم يتم ايقاف راتبه عملا بالفقرة الأولى من المادة رقم 40 من لائحة الجزاءات والمخالفات المالية والادارية، التي تقول (مع مراعاة احكام المادة 39 من هذه اللائحة، يتقاضى الموظف الموقوف نصف راتبه الكامل خلال فترة التوقيف قبل التحقيق واثناءه…. الخ). وتقول الفقرة الثانية من نفس المادة انه (يستحق الموظف النصف المتبقي من راتبه عن فترة التوقيف مهما كانت العقوبة التي اسفر عنها التحقيق باستثناء عقوبة الفصل). كل ذلك لم تطبقه (جمهورية مصلحة الجمارك الصديقة)، التي تنص لوائحها -على ما يبدو- بأن الموظف المتهم بقضايا تزوير يستمر في عمله مع ميزة الترفيع الوظيفي السريع عملا بالمثل (القانون يعوي والفساد يسير). وتقول المصادر في الجمارك إن المتهم الأول تمت ترقيته الى مدير عام في عهد رئيس المصلحة السابق علي الزبيدي الذي عين لاحقا في منصب وكيل وزارة المالية لقطاع الايرادات. وفي عهد رئيس المصلحة الجديد محمد زمام تم تعيينه في منصب مدير عام جديد وفوق ذلك صرفت سيارتان نوع (برادو) قيمة كل واحدة تسعة ملايين ريال. والسؤال هو لماذا لم تطبق عليهم قيادة الجمارك المادتين السابقتين من لائحة الجزاءات والمخالفات المالية والإدارية او قرار رئيس الجمهورية؟ وإن لم يكن وكلاء المصلحة بركات وشمسان والمراني هم الذين قاموا بالترشيحات الى قيادة المصلحة مطلع 2010م، فهل كان الفراشون في الجمارك هم من تورطوا بترشيح المتهمين وتستروا على الوضع القانوني؟! 72 مليون ريال المصدر في محكمة الاموال العامة الذي زود الصحيفة بصورة من الحكم، أكد ان مصلحة الجمارك لم تتقدم بطلب استئناف الحكم او تنفيذه منذ صدوره في سبتمبر 2010م حتى الآن، خاصة وأن الفقرة الثانية من منطوق الحكم نصت على (الزام المحكوم عليه الأول بدفع الرسوم الجمركية والعوائد المستحقة لمصلحة الجمارك عن البضائع التي أدخلها بموجب الاعفاءات والتعهدات المزورة بمبلغ وقدره 72 مليون و480 ألف ريال).. ما يشير الى أن قيادة الجمارك ليس همها استعادة اموال الدولة التي اهدرت بسبب التزوير. مدير عام يمارس التزوير وتكشف وثائق أخرى عن قيام مسئول في الجمارك يدعى "ع. م" بتزوير سنوات خدمته وتعديلها للإفلات من شبح التقاعد الذي كان سيطاله عام 2001م. والموظف المذكور يعمل حاليا مديرا عاما لمكتب الجمارك في جهة رسمية.. إذ تبين الوثيقة الاصلية - المنسوخة من ملفه الوظيفي - انه التحق بالوظيفة العامة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 6 نوفمبر 1971م، وبموجب القانون فقد بلغ اجل التقاعد عام 2001م كونه امضى 30 عاما في الخدمة.. إلا أن تلك الوثيقة تعرضت لعملية تزوير (الصحيفة تحتفظ بالنسختين الاصلية والمزورة) وتم تعديل سنة التحاقه بالوظيفة العامة الى عام 1979م. وعلى اعتبار ان التزوير مسموح في الجمارك، فإنه بالتاريخ الجديد يفترض ان يكون قد احيل للتقاعد عام 2009 لكنه ما يزال في منصبه، ويصنف ضمن قائمة مدراء العموم المخلدين في الجمارك فهو قد امضى 41 عاما في الخدمة الوظيفية حتى نهاية 2012م.. فما الذي سيغري موظفا في جهة غير ايرادية على تزوير سنوات خدمته؟ لكن في الجمارك التي تشق الرشاوى طريقها الى منازل الكثير من مسئولي المصلحة، فإن البقاء في الخدمة مغري حتى للتائبين والركع السجود. يشار إلى أن هناك 17 مديرا عاما - غالبيتهم من مدراء مكاتب الجمارك في المنافذ البرية والجوية والبحرية - قد تجاوزوا سن التقاعد وسنوات الخدمة منذ زمن طويل لكن قرارات التقاعد لا تطالهم. صخر لسعته ذبابة ال(تسي تسي) منذ شهر ونصف تقريبا ما تزال الصحيفة تنشر تقارير عن الفساد الجاري في الجمارك والنهب المنظم للمال العام، استنادا الى العشرات من الوثائق التي تمكنت الصحيفة من الحصول عليها بصورة أو بأخرى في سياق اصرارها على تعرية الفساد والمفسدين في الجمارك. أما وزير المالية صخر الوجيه المعني بإيجاد معالجات للحد من الفساد المستشري بصورة مخيفة في مصلحة الجمارك، فقد علق على ما تنشره الصحيفة بحسب مصادر خاصة بقوله "انا عارف بس ما قد تفرغت للجمارك". قد تكون التركة الثقيلة التي ورثها عن اسلافه، لكن المخاوف أن يكون الوزير قد غط في نوم عميق وكأن ذبابة ال(تسي تسي) المسببة لمرض النوم قد لسعته وبات احد ضحايا المرض الاكثر انتشارا في مناطق عدة في افريقيا ولم يتم اكتشاف علاج فعال للمرض. والاخطر أن لا يكون قد امتلك رؤية واضحة لمواجهة قوارض الجمارك، الذين يتجاوزون توجيهاته كما حصل في قضية اعفاء شركة نفطية.. فضلا عن نجاح بعض قيادات المصلحة في استغفال الوزير بتقديم مقترحات لقضايا معينة تبين له لاحقا انه تم التلاعب به كدمية كما حدث مع شحنة العاب نارية ضبطت مؤخرا.. لا يعقل ان تكون فاتورة واردات اليمن من السلع اكثر من 2 تريليون و700 مليار ريال العام الماضي بينما لا تصل ايرادات الجمارك 50 مليار ريال. * المصدر: صحيفة الناس الأسبوعية