كيف لك أن تتخيل ذاكرة القهر التي تحيط بذهنية جيل شبابي فتي متسامح يتم سحقه؛ اعتبارا لنبل السلمية، وحركة الورد وهي تلوح على الأيادي، غير أن جيل العقد يريد أن يقضي على آخر دوائر التسامح بالنسبة لجيل الثورة السلمية. تخيلوا شباباً جمعوا أشلاء زملائهم من الأرصفة إلى القراطيس وهم يهتفون "سلمية"، وتكدست الخيام بجروح لا تنام لرفاق درب السلمية. نشطاء كثر أيضاً، البعض يعيش بكلية واحدة والبعض مفقوء العين ولا يزال يناضل، غير أن ذاكرة القهر تتضخم كل يوم على مرأى ومسمع من الجميع؛ جرحى متعبين، والبعض توفي بسبب نقص الأدوية، كما حصل للشهيد الحميدي في إب، وشباب في المعتقل منذ سنة ونصف، وآخر مختفٍ قسرياً، وهو الناشط "الكبودي". والأقسى من ذلك إهانة قدسية الشهيد بتحوله إلى وجبة تسوّل في الجمعيات الخيرية، ولم يكلف من ادعوا أنهم شركاء ثورة أنفسهم للضغط على الحكومة لإنشاء هيئة وطنية للشهداء والجرحى، وشباب آخرون مبعدون من أعمالهم، ومنقطعون لأكثر من عامين، ولا مؤسسات يعبر هذا الجيل من خلالها، ويبث رسالة الوعي المدني الجديد، كما حصل في سبتمبر وأكتوبر على الأقل، عند ما تم بث الوعي الجمهوري حينذاك من خلال ثلاث مؤسسات صحافية، هي: الثورة والجمهورية و14 أكتوبر. من ذاكرة القهر أيضاً ما بات يعرف بمؤتمر تحصين الجناة، ومحاولة الالتفاف على الهيئة المستقلة المكلفة بالتحقيقات بجرائم 2011، وعند ما دخل من كان يلقب ب"الحامل السياسي" التسوية كان السؤال الأصعب: أين سيذهب هذا الجيل الهادر المصدوم نفسيا بسبب تسرب حلم الثورة كأساس لتغيير جذري وتحول عميق؟ كانت الإجابة قاسية وعملية "تركه لذاكرة القهر تتضخم"، ويا خوفي من تراكم القهر لدى جيل كان أنصع جيل عرفه التاريخ اليمني. تخيلوا شباباً يلقون القبض على القناصة الذين قتلوا زملاءهم ويحملونهم ويسلمونهم للنيابة، يا لهذا التسامي والتسامح والسمو!! فكيف يتم كسر حلم هذا الجيل وإلحاق الأذى النفسي المستمر، وتفتيت تكويناته الثورية السلمية، وسحق الاعتبار السلمي، والتعامل بخفة مع طموحاته، وتقديم حكومة سيّئة الصيت لم تحسّن ولو بشكل طفيف الحياة اليومية للشعب، ما سبب لهذا الجيل حرجا مجتمعيا من أسئلة الناس الذين انجذبوا لخطاب هذا الجيل وسلميته واستبساله في ثورة أدهشت العالم وجاءت من أجل البحث عن الإنسان والوطن، فيما لا يزال ""المدكى" السياسي يمارس الغش والحذلقة بحق جيل سئم الزيف ورفض التعايش مع الغش.