في قلب العاصمة صنعاء يقف العمال ساعات تمتد من الفجر وحتى الظهيرة، ينتظرون عملاً يخفف عنهم شدة الفقر واحتياجات الحياة. تفطرت أقدامهم من شدة البرد وأجهدت أجسادهم لسوء التغذية.حياتهم كلها تعاسة وشقاء.. لا عمل يخفف عنهم آلامهم وأحزانهم، ولا حكومة تشعر بما يعانون. تركوا مناطقهم وقراهم يبحثون عن عمل يسدوا به رمقهم ويوفروا من خلاله قوت أسرهم؛ لكنهم لم يجدوا إلا البرد والجوع والمرض. عندما تنظر إليهم وهم يتسابقون باتجاه السيارات القادمة نحوهم و"يتشاجرون" فيما بينهم، كل واحد منهم يريد أن يسبق الآخر إلى عمل ذلك الزبون القادم يقولون بألم وحسرة وفي نفس الوقت بشجاعة قل نظيرها، كنا في مقدمة المنظمين لثورة الشباب التي كنا نعتقد وما زلنا بأنها هي من ستزيح عنا هذا الواقع الكئيب والمزري، وكنا نستجيب لنداءات شباب الثورة ونخرج في مقدمة الصفوف واستشهد وأصيب منا الكثير والجميع يعلم ذلك. جميل عابد أحد العمال الذين التقينا بهم في حرج عمال القاع، تحدث إلينا بألم عن واقعه المرير وعيشته الضنكا، يقول: الحراج يمتلئ بالناس العاطلين عن العمل، وإذا جاء أحدهم يبحث عن عامل الكل يهرع إليه، وهذا هو حالنا دائماً، وبالكاد نجد عملاً ليوم أو يومين في الأسبوع، وأحياناً تمر أسابيع دون أن نجد عمل. وأضاف، أكثر من شهرين وأنا في صنعاء لم أستطع أن أوفر ما أرسل به لأسرتي وأردف يقول أتمنى من حكومة الوفاق أن تلفت إلينا وتشعر بما نحن فيه، وأن توجد لنا فرص عمل وتخفض أسعار المواد الأساسية التي أزداد سعرها في الآونة الأخيرة. أما صالح الرجل المسن الذي يعمل في البناء أكثر حرقة وحزناً من أخيه جميل حيث يقول: لي أكثر من شهرين وأنا هنا دون عمل، بعت كل ما لدي حتى التلفون السيار الذي أتواصل به مع أسرتي، وأضاف، كنا نتوقع في ظل حكومة الوفاق سنكون أفضل حالاً من الحكومات السابقة خصوصاً بعد ثورة الشباب التي اندلعت بسبب الأوضاع المعيشية المتدهورة. وقال إن الذي جعلنا ننتفض ضد النظام السابق هو الظلم والفساد وتدهور المعيشة والجرعات المتعاقبة التي حولتنا إلى دولة فاشلة. وأضاف حكومة الوفاق التي كنا نعول عليها ونقول بأنها ستكون أفضل من الحكومات السابقة، وسوف تتحسن أوضاعنا في عهدها بحلحلة مشاكلنا، ابتداءً بمشكلة البطالة التي هي السبب الرئيسي للفقر، وكذلك خروجنا ضد النظام السابق.. لكنها خيبت امالنا، والسبب هوالمناصفة والمقاسمة الذي جعل مسؤولينا يتفرغون للمناكفات الحزبية ويتخلون عن مسؤوليتهم تجاه شعبهم ويتركونه يرزح تحت وطأة الفقر والبطالة والفساد. هذا وقد كانت أكثر الفئات تضرر ابان الأزمة هي فئة العمال خصوصاً عمال البناء الذين تضررت أعمالهم بسبب الأحداث التي وقعت في العامين الماضيين. وكان من الأسباب الرئيسية التي أشعلت ثورة الشباب في فبراير الماضي هو التدهور الاقتصادي وانتشار البطالة بين الشباب. لذلك على الحكومة التوافقية إذا كانت فعلاً تريد ردم الفجوة وتجسير الهوة بينها وبين شعبها أن تهتم بقضاياه وتعمل على حلها وتطوير بنيته التحتية التي من خلالها؛ سينهض البلد في كل المجالات، هذا إذا كانت فعلاً حكومة رشيدة.