ذات يوم كان أستاذ جامعي مصري في جامعة صنعاء يلقي محاضرته، وبينما هو مسترسل في المحاضرة إذا بطالب يدلف إلى القاعة من غير استئذان، وكان هذا الطالب يلبس لباسا شعبيا من لباس المحافظات الشمالية.. قطع الطالب المحاضرة وأجبر الأستاذ على متابعته بعيونه الذاهلة حتى استقر على أحد الكراسي، فيما ظلت عيون الطلاب الجالسين تتنقل بين الطالب الواصل متأخرا، ووجه الدكتور المشدوه.. استقر الطالب على الكرسي واتجه الجميع صوب الدكتور فإذا به يضرب كفا بكف ويقول: في كل مكان الصعايدة في الجنوب إلا في اليمن!! أبناء المحافظات الشمالية -كأبناء المحافظات الجنوبية- يتوقون لدولة النظام والقانون، يتوقون لحياة عصرية هادئة وجميلة، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف بعد بسبب هؤلاء «الصعايدة» الذين يفرضون على الجميع طريقة تفكيرهم وسلوكهم، ورغم ذلك يعترف أبناء هذه المحافظات -في الغالب- أن حياتهم تحكمها الفوضى وأنهم «صعايدة». باتجاه المحافظات الجنوبية، عرف الناس معنى الدولة أيام الاستعمار رغم مساوئ الاحتلال، ثم في حقبة ما بعد الاستقلال حتى الوحدة رغم مساوئ الشمولية والاستبداد، وتكفلت العشرون عاما التي بعد الوحدة بتعديل نسبة «الصعايدة» في عموم الوطن، وأصبح في كل من المحافظات الشمالية والجنوبية «صعايدة» يحولون دون التقدم، وإن كان أكثر «الصعايدة» في المحافظات الجنوبية حالقين الدقون ولابسين الكرافتات. على سبيل المثال: هذا المهندس حيدر أبو بكر العطاس يقول: قد يأتوا الآن بجنوبيين آخرين إلى مؤتمر الحوار ولكن هذا يمكن أن يسبب الانفجار. طبعا كلام الباش مهندس واضح، ومعناه بتعبير أوضح: نحن الجنوبيون فقط، ونحن من يتحدث باسم الجنوب وإلا بانقرح أبوها.. ويا ترى: ما الفرق بين كرفتة العطاس وعسيب يحيى الراعي؟ وما الفرق بين جزمة العطاس اللماعة والجديدة والتي لا يبلسها إلا باستخدام «اللبيسة» البلاستيكية الناعمة، وبين جزمة يحيى الراعي التي يكرفس مؤخرتها ويلبسها مثل الصندل!؟ وهذا مثقف آخر من صعايدة المحافظات الجنوبية يقول: شعب الجنوب هو من يقرر الفيدرالية أو فك الارتباط. طيب ومع احترامي للبدلة السفاري الأنيقة: من الذي فرض على الجنوبيين هذين الخيارين فقط وحصر وقصر الأمر عليهما؟ وهذا ثالث يقول عن أحد الأحزاب السياسية إنه لو صدق واختار نصف ممثليه في مؤتمر الحوار من الجنوبيين فهو لن يختار إلا من لا يمتون للجنوب وقضيته السياسية بصلة سوى صلة جنوبيتهم كجغرافيا. يا جماعة: اسمها قضية جنوبية، وهي قضية سياسية حقوقية مرتبطة بالجغرافيا (جنوووبية)، فمن هو الذي يحدد ويفرز الجنوبيين ويصنفهم بين شخص له صلة بالقضية وشخص لا يمت إليها «بصلة» وشخص لا يمت إليها «بثومة»؟ ومن ينتزع من الجنوبي الاشتراكي جنوبيته لمجرد أنه حزبي؟ ومن يصادر عن الإصلاحي الجنوبي رأيه بسبب انتمائه لحزب سياسي؟ إن أبسط عقل منصف لن يقول -وقد وصل الحال إلى ما وصل إليه- إلا أن ل»شعب الجنوب» أن يقرر.. أن يقرر وجميع الخيارات أمامه متاحة، أما أن نعطيه حق التقرير ونحن من يختار له الخيار الذي عليه اختياره فهذا منطق «صعايدة» لا يرون إلا أنفسهم ولا يحترمون أحدا.. ذات يوم من أيام 2008 أو 2009 نصح أحدهم علي صالح (كبير الصعايدة) بالنظر إلى القضية الجنوبية باهتمام ومعالجتها بجدية فرد عليه مستنكرا: تشتوني أسلم حقل المسيلة لناصر النوبة!؟ وبين «صعايدة» الجنوب من يتحدث بنفس المنطق ويقول: الشمال كله مركب على حقنا النفط. وهكذا هي الحكاية عند الطرفين: بير نفط!! وكأنه لو انفصل الجنوب فلن يكون هناك «صعايدة» نافذون يسرقون بير المسيلة؟ طيب، ووفق هذا المنطق: في حال تحقق حلم هؤلاء وانفصل الجنوب، ألن يتحدث الحضارم بنفس المنطق ويقولوا: دولة الجنوب العربي كلها عالة على حضرموت، ونحن أحق ببئر المسيلة ويطالبوا بفك الارتباط؟ ساعتها -وبناء على هذا- لن يكون أمام بقية أبناء الجنوب العربي سوى ميناء عدن، ومن حق عبده مقطري وسعيد أغبري وحسن أصبحي وجميع أبناء تعز المقيمين من الزمن الأول في عدن إلا أن يرفعوا شعار «عدن للعدنيين»!! قرأت وسمعت كثيرا في القضية الجنوبية، ومبادرات ورؤى بشأنها، وربما لم أجد أفضل رؤية ممن دعا ذات يوم لإيجاد نظام انتخابي صحيح تعبر مخرجاته عن الشعب بلا تزوير ولا مغالطات من أي نوع، ثم ليقرر الجنوبيون مصيرهم بناء عليها. وأضيف إلى كلامه: بل ربما سيكون الشماليون في ذلك الوقت (بعد سنة أو أقل أو أكثر) هم من يطالبون بفك الارتباط أو الانفصال، وقد يطالبون بالاستقلال، أو بحق تقرير المصير عموما.. وطبعا لا أحد يدري ما هو ذلك المصير!! * عن صفحة (سنارة) الساخرة في الأهالي