حلم الوحدة العربية كان ولا زال يؤرق العيون ولاعتبارات كثيرة لم ينعم العرب به حتى تاريخه , فالتجارب السابقة للوحدة قتلت في مهدها, والنزوع للانفصال رسم خريطة متعرجة في الأرض العربية, وليس من الصعب تلمس حدودها بالنظر للواقع الراهن: حدود مصر في كمب ديفيد وحدود ليبيا في أفريقيا وحدود العراق تحت الاحتلال الأمريكي وسوريا تصارع المخططات المحاكة لعودة أراضيها المحتلة, والحبل على الجرار ومستقبل حدود الدول العربية لم يستقر بعد ولا ندري على أي شاكلة ستكون السودان والسعودية وفلسطين والأردن والصومال والصحراء الغربية ... الخ. بقيت الوحدة اليمنية صامدة بوجه الرياح العاتية من كل صوب , وبهذا تشكل الوحدة نقطة مضيئة في تاريخنا الحديث وهي مهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى , إذ تظهر هنا وهناك نوايا تمارس في الواقع وترسم الخرائط من أجل سرقة وتجيير هذا الانجاز العظيم كما حصل في التجارب السابقة . يعتقد هؤلاء المختفين وراء شعارات النضال ألمطلبي أن الوحدة هي السبب فيما يعاني منه المجتمع وهم بذلك يخطئون الهدف حتماً , إذ أن حماية الوحدة هي أحد المقومات الأساسية لحل المعضلات القائمة وليس العكس , ففي أرجاء اليمن كل اليمن المشكلات واحدة نبه إليها باني الوحدة اليمنية الفريق على عبد الله صالح رئيس الجمهورية في كل خطبه الموجهة لجماهير اليمن محذراً من الفساد والبطالة وسوء التوزيع وتكافؤ الفرص في التنمية الشاملة, موجهاً النداء للجميع ببدء الحوار البناء لدراسة المشكلات التي تواجه الجميع ووضع أطر حلها بشكل موضوعي وعلى أرضية صيانة الوحدة كخط أحمر لا يسمح تجاوزه . في الجانب الأخر نجد أن غالبية القوى السياسية على الساحة اليمنية تتفق مع هذا الاتجاه وتدعم الأمرين معاً أي حماية الوحدة كخط أحمر للجميع ومناقشة المشكلات بالحوار الجاد وتجاوز الحالة المرضية التي يصاب بها البعض معتقداً أن الوحدة هي المشكلة . واستناداً لكل الحقائق والتجارب نرى أنه مطلوب من الجميع ما يلي: - العمل على حل المشكلات القائمة بتوجيه السهام للمصيبة الكبرى التي تهدد المجتمع وهي الفساد المالي والإداري المحمول على أكتاف قلة يمكن وقفها ومعالجة آثار وانعكاسات عبثها بمصير الدولة وخارج الدولة.وقد تنبهت الدولة لذلك وتم تشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد منذ زمن وعلينا تفعيل عملها وهذه مسؤولية الجميع ومن يهمهم مستقبل اليمن الموحد. - سحب البساط من تحت أرجل العابثين وراكبي موجة الصعوبات القائمة سيرا نحو يمن موحد فيه ضبط وحزم مالي وإداري وعلم متطور وقوة تحميه أكثر من أي وقت مضى. - الحوار البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي بروح ديمقراطية, وتجربة اليمن بالخصوص ليست قاصرة فهناك المجالات مفتوحة في الصحافة والمنتديات والمجلس والمرجعيات والمؤسسات في الدولة التي تفتقر لمثلها دول كثيرة عربية وغير عربية وما علينا إلا أن نغتنم فرصة الاستفادة منها بشكل جيد. شرط أن تكون نقطة الانطلاق والبدء هو رفع قدرات اليمن والمواطن للارتقاء إلى مستوى حماية الوحدة من العبث. إن ذلك ممكن التحقيق ويفتح العيون إلى ما يجري بعقل ووعي مفتوحين, ونحن على يقين أن صرح الوحدة هو أمانة في أعناق الجميع وغير محصوراً بفئة أو حزب بحد ذاته وعلينا فقط الارتقاء إلى هذا المستوى ونفوت الفرصة على أعدائها.