فجر الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك في مقال نشره بصحيفة ‘الإندبيندنت' البريطانية موجة سياسية لم تهدأ بعد في مصر، مقال تحدث فيما كان يتردد بين أوساط بشكل سري عن أن الفائز الحقيقي في الانتخابات المصرية كان الفريق أحمد شفيق وبنسبة بلغت 50.7%، واشار المقال أن تغيير النتيجة جاء بعد تهديد أمريكي للمجلس العسكري بأن فوز شفيق يعني دخول مصر في ‘حالة من الفوضى' التي لا يمكن السيطرة عليها، وهو ما لن تسمح به واشنطن نظرا لمكانة مصر وأهميتها بالنسبة للمصالح الحيوية الأمريكية.. مقال كان يمكن اعتباره من مقالات الكتاب الحاقدين لتيار ‘الاسلام السياسي' أو صحفيي ‘الفلول' كما يحلو الوصف لكل من يخالف آخر رأيه اليوم في ‘المحروسة'، لكنه لم يكن لأن كاتبه شخص معلوم للجميع ، وصحيفة انحازت مبكرا ومنذ الشرارة الاولى للشعب المصري ضد نظام مبارك واستبداده وفساده ونشرت أرقاما عن حجم الفساد كان ‘مرجعية' لكثير من المتحدثين لاحقا عنه في مصر خلال ‘زمن مبارك'، لذا من الصعب اعتبار الكاتب بأنه صحفي ‘فلول'.. ولكن المدهش جدا والمثير الى حد العجب أن قيادة الاخوان المسلمين لم تتحدث مطلقا عن ما جاء في المقال وما ألمح له عن ‘صفقة اخوانية أمريكية' فرضت على مصر لاعلان فوز مرسي بالنتيجة خلافا للحقيقة..
صمت ‘الجماعة' على ما أورده الكاتب البريطاني فيسك، سمح لكثير من كتاب مصر لاحقا ولقوى عدة أن ترفع الصوت رويدا رويدا للتحدث عن ‘صفقة ما' حدثت، وعشية وصول وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الى مصر، إنفتحت ‘خزائن المعلوماتية' للتحدث عن معالم ‘الصفقة السياسية' التي أشار لها ‘فيسك' وخرجت المظاهرات الشعبية ضد كلينتون وأمريكا وهتفوا :'تسقط المؤامرة الأخوانية – الأمريكية'، بل ذهب البعض الى اعتبار قدوم هيلاري الى مصر لاستكمال الصفقة والضغط على المجلس العسكري بتسليم السلطة كاملة للرئيس مرسي، وهو ما أكدته الوزيرة بصريح العبارة بقولها ‘على الجيش المصري أن يعود لثكناته'، وهي العبارة التي استخدمها الرئيس مرسي في خطابه بجامعة القاهرة، قبل أن يتراجع للخلف قليلا في خطاب لاحق بذات اليوم.. زيارة هيلاري كلينتون أتاحت للبعض المصري أن يكشف عن ‘ملامح الصفقة' المستندة الى تصريح الرجل القوي في ‘جماعة الاخوان المسليمن' خيرت الشاطر قبل اعلان فوز مرسي بأيام، بأن العلاقة مع أمريكا هي علاقة إستراتيجية، ‘الصفقة' تقوم على مرتكزات أهمها الحفاظ على معاهدة ‘كمب ديفيد' بكل ابعادها، والعمل على الحفاظ على حدود مصر الجنوبية هادئة وايضا منع ‘حماس' من القيام بأي ‘عمل عسكري' من قطاع غزة، والابتعاد عن ‘ايران' وتعزيز العلاقة مع دول الخليج في أي مواجهة معها.. فيما اشار أحد الخبراء الأمنيين في مصر أن هناك مخطط أمريكي – اسرائيلي للعمل على تصفية القضية الفلسطينية من خلال اعادة مشروع ‘توطين فلسطيني وتوسيع قطاع غزة' في سيناء.. ربما هناك ما لم يتم الكشف عنه بعد في هذه الصفقة حيث شاع الكلام عنها كثيرا في مصر، لكن لم يعد سرا القول أن الموقف الأمريكي قبل اعلان النتائج كان موضعا للريبة والدهشة وتدخل غير مقبول، عندما تولى وزير الدفاع والسيدة هيلاري الضغط العلني على المجلس العسكري ثم تهديد مصر.. تصريحات كانت مثار جدل عام، لكن الجدل جاء كرد فعل على ‘التدخل الأمريكي'، قبل أن تتكشف بعض ‘الحقائق' عن ‘الصفقة' بين الاخوان وأمريكا.. قد يجد البعض شيئا غير مفهوم فيما يقال عن صفقة كهذه، بل وربما يستاءل البعض عن مغزاها في ظل الحراك العربي.. والحقيقة السياسية المعلومة جدا أن الولاياتالمتحدة هي أكثر القوى عداءا لبناء أنظمة حكم ديمقراطية في بلادنا تستند فعلا الى أن ‘الشعب مصدر السلطات'، أنظمة تستمد قوتها من شعوبها وليس من ‘حماية أمريكية مدفوعة الثمن'، فالنظم الديمقراطية العربية خطر حقيقي على ‘المصالح الحيوية الأمريكية' في المنطقة والمتجسدة في ‘السيطرة ونهب الثروات العربية' والتحكم في المنطقة الجغرافية الأهم في العالم كونها ممرا استرايجيا لمختلف القارات، وقواعد عسكرية واساطيل بحرية تحتل مياه المنطقة العربية وتتواجد فيها وكأنها أرض أمريكية، الى جانب خطر النظم الديمقراطية على دولة إسرائيل وجودا وأمنا، عناصر تدرك واشنطن أنها معرضة تماما للنهاية أو الانحسار أو بحدها الأدنى تغيير في التعامل، وهي لا يمكن أن تسمح بها في ظل الأزمة التي تعيشها عالميا وانحسار ‘نفوذها' في غير المنطقة العربية، مترافقة مع أزمة اقتصادية ألحقت ضررا كبيرا ب'الهيبة الأمريكية' أمام قوى تنمو بسرعة كالصين وروسيا وبلدان أمريكا الجنوبية المتحررة من القبضة الأمريكية.. عوامل تجعل من أمريكا تميل أكثر لقوى ‘الاسلام السياسي' خاصة وأنه كان حليفا استراتيجيا لها في أكثر معارك ‘المواجهة' خلال فترة ‘الحرب الباردة' بينها ومنظومة الدول الاشتراكية والتحررية العربية والدولية، وتميل تلك قوى ‘الاسلام السياسي' بطبيعتها الاقتصادية للمثل الرأسمالية وايضا ستكون أكثر قربا من ‘النظم العربية المحافظة'.. ولا يخفى من خلال التجربة صعوبة أن تحتمل جماعة الاخوان المسلمين ‘تداولا سلميا للسلطة' .. وتجارب السودان و'حماس' وسلوكها المبكر في مصر مؤشرات، وهي عوامل تريح المنهج الأمريكي الجديد..
والسؤال هل يمكن لمخطط الصفقة – المؤامرة السياسية أن يكتمل كما هي تجارب سابقة، الجواب يبدو أنه من الصعب أن تستطيع واشنطن فرض ذلك في ظل تغير المناخ العام في المنطقة وعودة الروح للحضور الروسي ووجود قوى آمنت بقدرتها على التغيير.. ملامح الرفض لا تقل قوة عن ملامح الصفقة..والآيام لا تزال حبلى بانجاب من يقول تسقط المؤامرة ولا للتدخل الأمريكي..
ملاحظة: كل وطني وعروبي يصاب برعشة عند رؤيته مظاهرة أو هتاف ضد اليانكي الأمريكي مهما كان حجمها.. المهم أن يبقى الصوت حاضرا..أجمل الهتافات دوما ضد المستعمر بكل تلاوي تنويه خاص: لم نعرف سببا لعدم حضور السيدة هيلاري لرام الله.. أضاعت فرصة على أهلنا في ‘بقايا الوطن' أن يرجموا موكبها بالبيض الفاسد والبندورة..! خيرها بغيرها مدام !