الطقس المتوقع في مختلف المناطق حتى مساء اليوم الجمعة    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    مليار دولار التكلفة الأمريكية لإحباط هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    إصابة 3 أطفال بانفجار مقذوف شمالي الضالع    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عائلته تشكو تجاهله رحيل مصطفى محمود صاحب "العلم والإيمان"
نشر في البيضاء برس يوم 31 - 10 - 2009

شيعت مصر اليوم أحد أنجب أبنائها د. مصطفى محمود عن عمر يناهز 88 عاما ، بعد أن ترك بصمات واضحة في العلم والفكر والبحث وأضاء الطريق لملايين من الناس حول العالم ، وكانت له أياد بيضاء في مجال العمل الخيري ومنها مستشفى وجمعية خيرية شهيرة باسمه في حي المهندسين يتوافد إليها عشرات الناس كل يوم .
يواري الثرى جثمان الكاتب الفقيد في مدافن الأسرة في مدينة السادس من أكتوبر، ويقام العزاء ليلاً في سرادق كبير في جامع مصطفى محمود في المهندسين.
وخلافا للتوقعات خلت جنازة مصطفى محمود من رموز المجتمع ، وشيعه البسطاء بدموعهم الغزيرة .
وقالت "أمل" ابنة الراحل ل"محيط" أن والدها رحل في هدوء، بلا مقدمات سوى تدهور الحالة الصحية التي أدخل على إثرها العناية المركزة ، مضيفة : "كان نائماً في سكينة تامة لكنه لم يستيقظ مرة أخرى، لقد كنت معه طوال الوقت لكنه لم يتحدث ولم يترك وصية"، ونفت أن يكون والدها أصيب بفقدان الذاكرة أو الاكتئاب كما أشيع منذ فترة .
أما قريبته "نورتان" فأكدت أن د. مصطفى كان دائم الصلة بعائلته ويودهم، وكان دائم التحدث معهم حول الصلاة وقراءة القرآن باعتبارها الأعمال الباقية للإنسان في أخراه ، وكان يكرر مقولته بأن القرآن أفضل ما يؤنس وحشة كبار السن تحديدا والإنسان عموما .

تشييع الجثمان
وقالت ل"محيط" أن صلته بربه كانت شغله الأساسي بالحياة ، ورددت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" ، معتقدة أن مصطفى محمود رحل مخلفا الثلاثة أشياء ، ويحسب له هؤلاء المرضى المحتاجين الذين وجدوا نافذة نور في جمعيته الخيرية .
أما ابنة خالة الراحل "نيرة مصطفى" فكانت تغالب دموعها وهي تؤكد أيضا أن د. مصطفى ترك أثرا بالغا في أسرته كلها، وكانت الجماهير حريصة على متابعة برنامجه الشهير "العلم والإيمان" كل يوم اثنين، وكشفت أنه امتنع بإرادته عن الحديث في الفترة الأخيرة من حياته ، وكأنه يسبح في حالة من التأمل الكامل .
وتحدثت ل"محيط" أيضا إحدى الممرضات المشرفات على علاجه ، وقالت أنه كان ينصحها وزميلاتها كثيرا وخاصة بقيمة التواضع والتعاون ، وأن يحرصن على القراءة دوما ، وقالت أن أوراقه وكتبه لم تكن تفارقه حتى لحظاته الأخيرة في الحياة .
من جانبه استنكر د . أحمد عبد العليم نائب رئيس جمعية "مصطفى محمود" الخيرية وأستاذ جراحة التجميل خروج جنازة لا تليق بصاحبها العالم والمفكر المصري الكبير ، وقال ل"محيط " أنه تعرض للتجاهل حيا وميتا ، ورغم احتشاد مئات المواطنين من محبي د. مصطفى محمود ، إلا أن رموز المجتمع وشخصياته الرسمية غابوا جميعا لسبب غير معروف .
أنشأ د. مصطفى عام 1979 مسجده في القاهرة المعروف ب "مسجد مصطفى محمود" ويتبع له ثلاثة مراكز‏ طبية‏ تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظرا لسمعتها الطبية، وشكل‏ قوافل‏ للرحمة‏ من‏ ستة عشر طبيبًا‏، ويضم المركز‏ أربعة مراصد‏ فلكية ، ومتحفا للجيولوجيا‏، يقوم عليه أساتذة متخصصون. ويضم‏ المتحف‏ مجموعة‏ من‏ الصخور‏ الجرانيتية،‏ والفراشات‏ المحنطة‏ بأشكالها‏ المتنوعة‏ وبعض الكائنات‏ البحرية‏.
فلسفته وأعماله
".. لو‏ سئلت‏ بعد‏ هذا‏ المشوار‏ الطويل‏ من‏ أكون؟‏! هل‏ أنا‏ الأديب‏ القصاص‏ أو‏ المسرحي‏ أو‏الفنان‏ أو‏ الطبيب؟‏ لقلت‏: كل‏ ما أريده‏ أن‏ أكون‏ مجرد‏ خادم‏ لكلمة‏ لا‏ إله‏ إلا‏ الله‏، وأن‏ أكون‏ بحياتي‏ وبعلمي‏ دالا‏ًً على‏ الخير" .. بهذه الكلمات لخص العالم الجليل الراحل د. مصطفى محمود هدفه بالحياة في كتابه الشهير "رحلتي من الشك إلى الإيمان".
مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، من الأشراف، ينتهي نسبه إلى عليّ زين العابدين ولد عام 1921، وكان توأما لأخ توفي في نفس العام، وعاش مصطفى في مدينة طنطا، درس الطب وتخرج عام1953 و لكنه تفرغ للكتابة والبحث عام 1960 تزوج عام 1961 و انتهى الزواج بالطلاق عام 1973 وله منه ولدين "أمل" و "أدهم". وتزوج ثانية عام 1983 وانتهى هذا الزواج أيضا بالطلاق عام 1987
وقد ألف 89 كتابا تتراوح بين القصة والرواية الصغيرة إلى الكتب العلمية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الفكر الديني والتصوف ومرورا بأدب الرحلات.

وقدم 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير "العلم والإيمان" وقام الدكتور مصطفى محمود بإنشاء مسجد في القاهرة باسمه هو "مسجد مصطفى محمود" عام 1979 ويتبع له "جمعية مسجد محمود" والتي تضم "مستشفى محمود" و "مركز محمود للعيون" ومراكز طبية أخرى إضافة إلى مكتبة و متحف للجيولوجيا وآخر للأحياء المائية ومركز فلكي.
بداية النبوغ
بدأ حياته متفوقًا في الدراسة، حتى ضربه مدرسٌ للغة العربية؛ فاكتأب ورفض الذهاب إلى المدرسة ثلاث سنوات، وما إن رحل ذلك المدرس عن مدرسته، حتى عاد مصطفى وبدأت تظهر موهبته وتفوقه وحبه للعلم!
في منزل والده أنشأ معملاً صغيرًا، أخذ يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الصراصير، ثم يقوم بتشريحها، وفيما بعد - حين التحق بكلية الطب- اشتُهر ب"المشرحجي"، نظرًا لوقوفه طول اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما.
كان مرهف الحس يجلس على شاطئ النيل صغيراً، يتأمل ويصنع المراكب الورقية ويقذف بها في المياه، وكان يحب الموسيقي خاصة آلة "الناي" وحينما سئل يوماً عن الناي ولماذا يؤثر فيه قال: "حي ينفخ في حي".
الأدب والطب
على الرغم من احترافه الطب متخصصًا في جراحة المخ والأعصاب، فإنه كان نابغًا في الأدب منذ كان طالبًا، وكانت تنشر له القصص القصيرة في مجلة "روز اليوسف"، وقد عمل بها لفترة عقب تخرجه، مما دفعه لاحتراف الكتابة، وعندما‏ أصدر‏ الرئيس‏ عبد‏ الناصر‏ قرارًا‏ بمنع‏ الجمع‏ بين‏ وظيفتين‏، كان‏ مصطفى‏ محمود وقتها‏ يجمع‏ بين‏ عضوية‏ نقابتي‏ الأطباء‏ والصحافيين‏، ولذا قرر‏ الاستغناء‏ عن‏ عضوية‏ نقابة‏ الأطباء‏، وعندما سئل ماذا يملك الطبيب من إمكانات تشجعه على أن يكون أديبًا وفنانًا؟ أجاب بأن "للطب علاقة وثيقة بالحياة وأسرارها وخفاياها، فالطبيب هو الوحيد الذي يحضر لحظة الميلاد ولحظة الموت، وهو الذي يضع يده على القلب ويعرف أسرار نبضه، وكل الناس يخلعون ثيابهم وأسرارهم، بين يدي الطبيب، فهو الوحيد الذي يباشر الحياة عارية من جميع أقنعتها، وبما أن الطب علم، والأدب علم، فالتكامل في الحياة البشرية قضى بأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر، يعني الطب والأدب، وكذلك الطبيب والأديب".
تيار المادية
تأثر مصطفى محمود بتيار المادية السائد في عصره وقال عن ذلك في أحد كتبه: "احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين".
كانت المشكلة الفلسفية الحقيقية التي كان يبحث عنها هي الدين والحضارة، أو العلم والإيمان، وما بينهما من صراع متبادل أو تجاذب؛ ففي كتابه "رحلتي من الشك إلى الإيمان" يقول: "إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح، وإعجابي بموهبة الكلام ومقارنة الحجج التي تفردت بها، كان هو الحافز، وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب، لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي، وأعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد الطفولة".
وعلى الرغم من هذه الأرضية المادية التي انطلق منها؛ فإنه لم يستطع أن ينفي وجود القوة الإلهية، فيقول: "تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون، التي تنظمه في منظومات جميلة، من أحياء وجمادات وأراضٍ وسماوات، هو الحركة التي كشفها العلم في الذرة وفي ال"بروتوبلازم" وفي الأفلاك، هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء".
حتى وجد في داخله صوت الفطرة يناديه وقاده إلى معرفة الله، هكذا كانت رحلته من الشك إلى اليقين تمهيدًا لفض الاشتباك بين العلم والإيمان، وذلك عن طريق علوّ الإنسان بالمادة إلى ما هو أبعد أفقًا وأرحب مدًى.
حتى جاءته فكرة برنامجه الشهير "العلم والإيمان" التي عرضها على التليفزيون المصري فاعتمدوا له 30 جنيها مصريًا فقط للحلقة الواحدة! في حين أن البرنامج كان يستلزم السفر للخارج ومتابعة آخر الأبحاث، حتى قابل رجل أعمال شهير، فحدثه في أمر البرنامج، فإذا به يخرج دفتر الشيكات، قائلا له: "لن أناقشك في النفقات، ولكن المهم خروج هذا العمل العلمي والديني إلى النور".
ولاقى البرنامج نجاحًا كبيرًا، ومع ذلك بعد سنوات فوجئ الراحل مصطفى محمود بإبعاد هذا البرنامج الجماهيري عن خريطة التليفزيون المصري دون إبداء الأسباب.
منهج الإسلام
كان مصطفى محمود دائم التأكيد أن الإسلام منهج ليس من فكره الصراعُ الطبقي، بل يهدف إلى التوازن بين الفرد والمجموع، وليس إلى تذويب الأفراد في المجموع كما في الاشتراكية، ولا إلى التضحية بالمجموع لصالح قلة من الأفراد كما في الفكر الرأسمالي.
وأوضح أن الأيديولوجية الإسلامية تعمل على إشباع الحاجات الروحية للإنسان، وليس المادية فقط، فالمسلم حينما يتصدق أو يزكي فهو يتعامل مع الله، لما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد المحروم، وهذا - عند مصطفى محمود- ما يعطى للمنهج الإسلامي خصوصية وسموًا في الهدف، إذ يشعر المسلم برقابة من الله ورقابة من الضمير، وعلى ذلك فالصبغة الروحية للنشاط الاقتصادي شرط من شروط الإسلام، فليس في الإسلام انفصال بين ما هو روحي وما هو مادي.
شاهد على عصره
يقول جلال العشري في كتابه "مصطفى محمود شاهد على عصره": " كان مصطفى محمود يتعاطى الأشياء بعقله، ثم يعيها بوجدانه ثم يجسدها بقلمه، فإذا هي مسرحية أو رواية أو قصة قصيرة، فإذا هي قطعة من الواقع وشريحة من الحياة، أو هي بنية حية فيها دسم الواقع ونبض الحياة، فنه القصصي غير قابل للتمذهب، استطاع أن يفلسف حياته ويحيا فلسفته، وأن يتخذ من أزماته النفسية الحادة وزلازله الباطنية العنيفة وتجاربه الحية وخبراته الوجدانية مادة لأدبه".
كان السؤال المحوري في قصصه القصيرة هو مشكلة تعالي الإنسان على ذاته وعلى ذوات الآخرين، أما في رواياته فكان المشكل هو: إلى أين يريد الإنسان أن يصل؟ وألاّ يؤدى هذا العلُوّ على كل شيء إلى اللاشيء؟ وما هي المستحيلات التي لابد أن يواجهها؟ وهذه المستحيلات عنده هي: الإنسان، المجتمع، الزمن، التاريخ، وروح العصر. ويبرز ذلك الفكر في رواياته: "المستحيل" و"الأفيون" و"العنكبوت" و"الخروج من التابوت" و"رجل تحت الصفر"، ذلك هو المنهج الفلسفي الذي بنى رواياته عليه.
معاركه
دخل مصطفى محمود في حياته عدة معارك، ووجهت إليه عدة اتهامات، أهمها:
اتهام منتقدوه له بأن مواقفه السياسية متضاربة، تصل إلى حد التناقض في بعض المواقف، إلا أنه لا يرى ذلك، ويؤكد أنه ليس في موضع اتهام، وأنّ اعترافه بأنه كان على غير صواب في بعض مراحل حياته هو ضرب من ضروب الشجاعة والقدرة على نقد الذات، وهذا شيء يفتقر إليه الكثيرون ممن يصابون بالجحود والغرور، مما يصل بهم إلى عدم القدرة على مواجهة أنفسهم والاعتراف بأخطائهم.
اشتهر بهجومه المتواصل على الصهيونية، وأكد أن اليهود وراء هذه الشبكة الأخطبوطية للفساد والإفساد في العالم كله، مما تسبب في لزوم حارس‏ بباب منزله منذ‏ سنوات‏،‏ بتكليف‏ من‏ وزارة‏ الداخلية،‏ لحراسته بعد‏ التهديدات‏ التي‏ تلقاها.
نشر في مقالاته أفكارًا كثيرة كانت مثار جدل بين المثقفين، كدعوته إلى علم النفس القرآني، ويقصد به محاولة فهم النفس فهمًا جديدًا مؤسسًا على القرآن والسنة، وهي بمثابة محاولة للخروج بعلم نفس إسلامي جديد، ومثل تنبُئه بسقوط الحضارة الغربية وانهيار الرأسمالية وتوابعها دون أن يطلق المسلمون رصاصة واحدة، بسبب الترف والتخمة وعبادة الشهوات والغرق في الملذات، كحضارات كثيرة ذكرها لنا التاريخ.
وتأتي الأزمة الشهيرة المعروفة باسم "أزمة كتاب الشفاعة" والتي وقعت عام 2000م لتثير الكثير من الجدل حوله وحول أفكاره، وتتلخص فكرة الكتاب في أن الشفاعة التي سوف يشفع بها رسول الله عليه الصلاة والسلام لأمته، لا يمكن أن تكون على الصورة التي نعتقدها نحن المسلمون، ويروِّج لها علماء وفقهاء الشريعة والحديث!! إذْ الشفاعة بهذه الصورة تمثل دعوة صريحة للتواكل الممقوت شرعًا، وتدفع المسلمين إلى الركون إلى وهم حصانة الشفاعة، التي ستتحقق لنا لمجرد الانتساب إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. وعليه ظهر مصطفى محمود وكأنه منكر لوجود الشفاعة من أساسها!

عزلته
كان مصطفى محمود يعترف بالضعف البشري، في الفترة الأخيرة اعتلت صحته وأصيب بجلطة في المخ ثم تعافى بعدها ولكنه آثر العزلة، كان يعتبر حياته‏ هجرة‏ مستمرة‏ نحو‏ إدراك‏ الحياة‏ والبحث‏ عن‏ الحقيقة‏، وكل‏ كتاب‏ قام‏ بتأليفه‏ هو‏ محطة‏ على‏ طريق‏ هذا‏ السفر‏ الطويل‏، وعلى الرغم من‏ ذلك‏ فهو‏ -‏‏على‏ حد‏ تعبيره‏‏-‏ مازال‏ في‏ بداية‏ الطريق‏، وكل‏ ما‏ كتبه‏ يعد في‏ نظره‏ بعيدا‏ جدًا‏ عن‏ أحلامه‏، وبالتالي‏ ابتعاده‏ عن‏ الحياة‏ الاجتماعية‏ لا‏ يعني‏ أنه‏ أنجز‏ المهمة.
‏حياته‏ كلها‏ كانت‏ قراءة‏ لدرجة‏ أن ابنته "أمل" تقول إنهم كانوا يظنون أنه‏ غير موجود‏ في‏ المنزل‏ بسبب‏ اعتكافه‏ على‏ الكتب بالساعات‏،‏ وازداد حبه للقراءة بعدما‏ اعتزل‏ التأليف‏ بكل‏ أنواعه‏‏، وكان لا يشاهد التليفزيون‏ إلا‏ لمتابعة‏ الأخبار،‏ وأصبحت‏ عبارة‏ "شيء‏ مؤسف" تعليقه‏ الوحيد‏ على‏ معظم‏‏ ما‏ يراه‏، وكان ميّالا إلى العزلة ويعترف بأنه فقد‏ ملكة‏ الابتكار.‏
‏يقول‏ عن رؤيته للحياة: "قررت‏ بعد‏ الفشل‏ الثاني "يقصد زواجه"‏ أن‏ أعطي‏ نفسي‏ لرسالتي‏ وهدفي‏ كداعية‏ إسلامي‏ ومؤلف‏ وكاتب‏ وأديب‏ ومفكر‏. وقد‏ اقتنعت‏ تماما‏ بأن‏ هذا‏ قدري‏، ورضيت‏ به‏. ومنذ‏ هذا‏ الحين‏ وأنا‏ أعيش‏ في‏ جناح‏ صغير‏ بمسجدي‏ بالمركز‏ الإسلامي‏. أغرق‏ وحدتي‏ في‏ العمل‏ وتعودت‏ أن‏ أعطي‏ ظهري‏ لكل‏ حقد‏ أو حسد‏ ولا‏ أضيع‏ وقتي‏ في‏ الاشتباك‏ مع‏ هذه‏ الأشياء‏ وأفضل‏ أن‏ أتجنبها‏ وأتجنب‏ أصحابها‏ حتى‏ لا‏ أبدد‏ طاقتي‏ في‏ ما‏ لا‏ جدوى‏ وراءه‏.. انتصاراتي‏ على‏ نفسي‏ هي‏ أهم‏ انتصارات‏ في‏ حياتي‏.. وكانت‏ دائما‏ بفضل‏ الله‏ وبالقوة‏ التي‏ أمدني‏ بها‏ وبالبصيرة‏ والنور‏ الذي‏ نور‏ به‏ طريقي".
أهم مؤلفاته
ترك الراحل إرثا هائلا من الكتب الفكرية والأدبية والطبية ومنها : الإسلام في خندق، زيارة للجنة والنار، عظماء الدنيا وعظماء الآخرة، علم نفس قرآني جديد، الإسلام السياسي والمعركة القادمة، المؤامرة الكبرى، عالم الأسرار، على حافة الانتحار، الله والإنسان، أكل العيش، شلة الأنس، رائحة الدم، لغز الموت، لغز الحياة، الأحلام، اينشتين والنسبية، في الحب والحياة، يوميات نص الليل، المستحيل، العنكبوت، الخروج من التابوت، رجل تحت الصفر، الإسكندر الأكبر، الزلزال، حوار مع صديقي الملحد، هل هو عصر الجنون؟ الغد المشتعل.
آراؤه السياسية
كان د. مصطفى صديقا شخصيا للزعيم الراحل أنور السادات ولم يحزن في حياته أكثر من حزنه على مقتله وهو هنا يقول: "كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلا رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم".
كما كان حزينا علي حالة العزلة الثقافية المحيطة بالعالم العربي، واللهاث وراء عملية النصب الكبرى التي تدبرها أمريكا للعالم تحت مسمي "العولمة والتغيير". وفي رأيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تحمل بداخلها بذورا متناقضة قد تؤدي بها إلى نفس مصير الاتحاد السوفيتي.
هاجم الشيوعية وهاجم الديمقراطية الأمريكية معللا ذلك بأن الشيوعية أثبتت فشلها وها هي قد سقطت، أما الديمقراطية فهو لا يهاجمها في حد ذاتها، وإنما يهاجم الديمقراطية الهشة المزيفة التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية بعناصر ورموز ومجموعات مصالح.
وله رأي خاص في شأن السياسة الأمريكية الآن، إنها تسعي لتأسيس امبراطورية علي النمط الروماني القديم، وهذا ما تأكد بعد انهيار النظام الشيوعي وهو ما تأكد أكثر بعدما اتخذت أمريكا أحداث 11 سبتمبر ذريعة لاجتياح أفغانستان والعراق.
ويعرب عن حزنه للموقف العربي المتخاذل وسلبيته والتي يرجع السبب فيها لغياب الديمقراطية الحقيقية ووجود فجوة بين الشعوب والحكام مما لا يتيح لهم الاتحاد وهذا شئ خطير، ولكنه كان يحمل بداخله دوما نظرة تفاؤليه جعلته يقول: "..لا تعول علي الظاهر فسيأتي العدل قريبا، وربما ما يفعله الطغاة هو خير لنا كي نجتمع ونتحد، وكل ما ينقصنا لحدوث هذا العدل هو وجود ديمقراطية بصيرة".

وكان الراحل هو أول من بشر بزوال دولة إسرائيل، قائلا: "..أن كل ما نراه من هرولة بعض الدول في اتجاه إسرائيل سواء دولا عربية أو إسلامية، ربما يكون من قبيل إدارة الصراع بين هذه الدول وإسرائيل، أو أن بعضها يتخذ من إسرائيل وسيلة للحصول علي رضاء أمريكا او تجنب نقمتها في الفترة الراهنة، وزوال إسرائيل مرهون بحدوث الصحوة العربية والانتباه للخطر الداهم الذي يهدد الجميع".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.