إن من يرى السلطة هي الوطن ويرى الوطن هو السلطة يجعل من السياسة لعبة أطفال. وهذا ما كان حاصلاً في الشمال والجنوب سابقاً ومازال. فالجنوبيون، حالياً، متفقون على الهدف وغير متفقين على الزعامة؛ لأنهم مازالوا يرون السلطة هي الوطن ويرون الوطن هو السلطة ولم يدركوا بعد أن السلطة شيء والوطن شيء آخر. وهو ما جعلني محتاراً بعد تجربتي مع كبارهم وصغارهم، ومع ذلك دعوت كبارهم، ومازلت، إلى لقاء في أي مكان لإصدار بيان سياسي من نقطتين فقط دون أي نقاش، تتضمن الأولى: تأييدنا للنقاط التي قدّمها الشيخ أحمد الصريمة عند انسحابه من الحوار. وتتضمن الثانية: استعدادنا للمفاوضات الندّية بين الشمال والجنوب خارج اليمن وتحت إشراف دولي، وبعد ذلك نتشاور حول تشكيل فريق المفاوضات أو أن نسير على النقاط الأربع التي طرحناها قبل أكثر من سنة كأسس لتوحيد الحراك والتي يتبناها، حالياً، مؤتمر المكلا.
أمّا الشماليون، حالياً، فإنهم يكثرون من الحديث عن الوحدة وهم يرفضون هوية الجنوب فيها اعتقاداً منهم بأن وجود جنوبيين في السلطة هو الوحدة وأن الوحدة هي وجود جنوبيين في السلطة، لأنهم مازالوا ينظرون إلى الوحدة بأنها السلطة وينظرون إلى السلطة بأنها الوحدة ولم يدركوا بعد بأن السلطة شيء والوحدة شيء آخر. كما أنهم لم يدركوا أن رفضهم للمفاوضات النديّة بين الشمال والجنوب هو رفض للوحدة. وبالتالي كيف يمكن للجنوبيين في هذا الحوار أن يحلوا القضية مع طرف لايعترف بالوحدة أصلاً؟؟
فعندما يقول الشماليون إن الوحدة ليس لها ذنب، فإنهم بذلك يتحدثون عن وحدة مجرّدة وليس عن وحدة ملموسة، بينما نحن نتحدث عن وحدة ملموسة أسقطتها الحرب وحوَّلتها إلى احتلال. وبالتالي ألم يكن حديثهم عن وحدة مجرّدة هو لعبة أطفال؟؟
إن ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع هو قبول الدول الراعية للحوار بهذه اللعبة وإجبار بعض العناصر الجنوبية على المشاركة في هذا الحوار داخل اليمن كما لو كانت قضية شعب الجنوب قضية داخلية في إطار دولة الشمال مثل أي قضية من قضايا الشمال، بينما هي قضية وحدة سياسية بين دولتين أسقطتها الحرب وتتطلب مفاوضات ندّية بين الشمال والجنوب خارج اليمن وتحت إشراف دولي.
والأخطر من ذلك أن هذه الدول تدرك بان رفض الشماليين للمفاوضات الندية هو نكران للوحدة وعدم الاعتراف بها، ومع ذلك يتعاطون معهم.
وأخيراً جاءوا بكذبة الندّية في لجنة ال8+8 وأسقطوا مبدأ الندّية فيها بالصفة الحزبية، لأنه مجرد قبول الصفة الحزبية في اللجنة يسقط مبدأ الندّية فيها بالضرورة. ولهذا وللمزيد من التوضيح والتوعية للشباب نُورد النقاط الخمس التالية:
أولاً: أن هذا المؤتمر بحساب العقل والمنطق لا توجد له وظيفة غير دفن قضية شعب الجنوب، لأن مرجعية هذا الحوار هي المبادرة الخليجية الخالية من قضية الجنوب، وهي المبادرة التي حلت المشكلة بين المتخاصمين في الشمال وجاءت بهم جميعهم إلى السلطة وجعلت الشمال سلطة بلا معارضة، وأصبح بإمكانهم أن يتفقوا على كل شيء دون الحاجة إلى مؤتمر حوار وطني لو لم تكن وظيفة هذا المؤتمر هي دفن قضية الجنوب.
ثانياً: أن استدراج بعض العناصر الجنوبية إلى المشاركة في هذا المؤتمر وداخل اليمن وعلى مرجعية خالية من قضية الجنوب ودون قيادة سياسية جنوبية موحدة ودون آليّة المفاوضات الندية... الخ، كل هذه بحساب العقل والمنطق هي مقدمات لدفن القضية وليست مقدمات لحلها. ولهذا نقول للدول الراعية للحوار بأن تفصيل مصالح شعب الجنوب على مصالحهم لن يؤمّن مصالحهم وإنما سيخلق تربة خصبة للإرهاب، ونقول لهم بأن ما يؤمّن مصالحهم ويحميها هو تفصيل مصالحهم على مصالح شعب الجنوب وليس العكس بالضرورة أيضاً.
ثالثا: لقد دخل المؤتمر في مناقشة حل القضية دون الإقرار بأن حرب 1994م قد أسقطت مشروع الوحدة ودون الإقرار ببطلان الفتوى الدينية التي برّرت الحرب ودون الإقرار ببطلان ما جرى بحق الجنوب ومؤسساته بعد الحرب، بينما كل هذه القضايا هي الأساس الموضوعي للنقاش الموضوعي حول الحل. وبالتالي ما هو الأساس الموضوعي الذي على أساسه يناقشون الحل ؟؟
رابعاً: لقد أقر المؤتمر تشكيل فريق للقضية الجنوبية، كما يقولون، والقضية الجنوبية هي قضية شمال وجنوب وليست قضية أقاليم، ولكنهم حولوها إلى قضية أقاليم، وهذا خروج عن القضية الجنوبية التي يتحدثون عنها. وبالتالي ألم تكن هذه هي لعبة أطفال؟؟؟
خامساً: إن المطلوب من الدول الراعية للحوار إصدار مبادرة جديدة تؤكد على المفاوضات الندّية بين الشمال والجنوب خارج اليمن وتحت إشراف دولي، وأن يكون السيناريو لهذه المفاوضات هو:
أ- الإقرار بأن حرب 1994م قد أسقطت مشروع الوحدة السياسية بين دولة الشمال ودولة الجنوب وحولتها إلى استعمار باعتراف الرجل الثاني في النظام اللواء علي محسن الأحمر.
ب- الإقرار ببطلان الفتوى الدينية التي بررت الحرب وأباحت الأرض والعرض وحولت الجنوب إلى غنيمة على طريقة القرون الوسطى، لأن بقاءها يجيز ما جرى بحق الجنوب ويشكّل إهانة للشعب المسلم في الجنوب ويدخل الفتوى في التاريخ كفتوى شرعية دينياً ويجعل الحرب تدخل في التاريخ كحرب مشروعة دينياً، أيضاً، وتظل هذه الفتوى تشكّل خطورة أمنية دائمة على أبناء الجنوب، وخير دليل على ذلك قتل الشهيد جار الله عمر داخل مؤتمر حزب الإصلاح بحسب اعترافات القاتل ذاته داخل قاعة المحكمة.
ج- الإقرار ببطلان كل ما جرى بحق الجنوب ومؤسساته بعد الحرب؛ لأن القضية ليست قضية ممتلكاتنا التي نُهبت أو حقوقنا ومصالحنا التي تضررت على مدى 20 عاماً، وإنما هي قضية وطن فوق ممتلكاتنا وفوق حقوقنا ومصالحنا الشخصية وتسمو عليها.
د- الدخول في مناقشات الحل للقضية وإخضاع النتيجة للاستفتاء في الجنوب حتى تحصل على الشرعية؛ لأنه بدون ذلك ستظل النتيجة عبارة عن رأي شخصي لأصحابها مهما كانت قوتهم حتى ولو كانت القيادات السياسية الجنوبية كلها ما لم يصادق على هذه النتيجة شعب الجنوب .