21 سبتمبر .. إرادة شعب    21 سبتمبر.. كرامة وطن    جدد موقف اليمن الثابت لنصرة فلسطين .. قائد الثورة: مسارنا الثوري مستمر في مواجهة الأعداء    الرئيس الزُبيدي يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة    تجارب سيادية لا تُنسى: ثروة الجنوب السمكية    في تقرير لها حول استهداف مقر صحيفتي " 26 سبتمبر " و" اليمن ".. لجنة حماية الصحفيين الدولية: "إسرائيل" تحولت إلى قاتل إقليمي للصحفيين    حين تُغتال الكلمة.. وداعاً عبدالعزيز الشيخ    في مهرجان شبابي كشفي شهدته العاصمة صنعاء احتفاءٍ بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر..    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    الدوري الايطالي: نابولي يواصل انطلاقته المثالية بانتصار مثير على بيزا    نجم باريس سان جيرمان عثمان ديمبيلي يفوز بجائزة الكرة الذهبية لعام 2025    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    رئيس مجلس القيادة يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    الدكتور ياسر الحوري- أمين سر المجلس السياسي الأعلى ل" 26 سبتمبر ":خلقت ثورة ال21 من سبتمبر وعياً وقوة لدى الشعب اليمني    الرئيس الزُبيدي يهنئ القيادة السعودية باليوم الوطني ال95    ثورة ال 21 من سبتمبر .. تحول مفصلي في واقع القطاع الزراعي    لمن لايعرف بأن الإنتقالي الجنوبي هو الرقم الصعب    ريال مدريد لن يرسل وفدا إلى حفل الكرة الذهبية    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    حزب الإصلاح يحمي قتلة "إفتهان المشهري" في تعز    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    11 عاما على «نكبة» اليمن.. هل بدأت رحلة انهيار الحوثيين؟    مصر تفوز بتنظيم كأس العالم للدارتس 2027 في شرم الشيخ    تعز..تكدس النفايات ينذر بكارثة ومكتب الصحة يسجل 86 إصابة بالكوليرا خلال 48 ساعة    وزارة الاقتصاد: توطين الصناعات حجر الزاوية لبناء الاقتصاد    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    قبيلة الخراشي بصعدة تقدم قافلة رمان للمنطقة العسكرية الخامسة    انتقالي مديرية الضالع يكرم طلاب الثانوية المتفوقين للعام الدراسي 2024/2025    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    سوريا تستسلم.. ونحن وراءها؟    اثنان من الحكام اليمنيين ضمن الطاقم التحكيمي لبطولة كأس الخليج للناشئين    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    وفاة خمس نساء من أسرة واحدة غرقا في أبين    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    الراحلون دون وداع۔۔۔    برشلونة يواصل ملاحقة ريال مدريد    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    عبد الملك في رحاب الملك    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الجهادي السابق هو جهادي تائب ؟
نشر في البيضاء برس يوم 07 - 03 - 2010

أناط اسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" بناصر البحري كبير حراسه الشخصيين، مهمات جسيمة من بينها ايجاد زوجة رابعة يمنية له، واطلاق الرصاص عليه إذا واجه خطر الوقوع في الأسر حيا. وتقول فكتوريا كلارك مراسلة صحيفة التايمز التي التقت البحري في صنعاء ان سلوكه دافئ وحيوي، ابتسامته خاطفة وحركاته رشيثة، ساحر، دمث ويرتدي قميصاً مكوياً حديثاً وساعة باهظة الثمن وفوطة ذات نقشة رصينة. وهو بعيد عن اي فكرة غربية لصورة الجهادي العنيف. وتفترض كلاك انه "عرف خطأ اساليبه واعاد تأهيل نفسه من الأساس".
وكشف البحري ، وهو من جنوب اليمن ، انه ولد في ميناء جدة حيث كان والده وجده عاملي ميكانيك في شركة بن لادن للانشاءات. وغادر المملكة العربية السعودية عام 1990 حين كان في الثامنة عشرة من عمره، وذلك بعد سماعه خطبة القاها اسامة بن لادن، وتوجه الى الجهاد ضد الروس في افغانستان. وفي البوسنة حيث امضى البحري فترة التسعينات، عمل في تدقيق الدوافع الدينيّة للمجندين الجهاديين من اجل القتال في سبيل قضية مسلمي البوسنة.
وانضم البحري الى بن لادن في قندهار عام 1996، لكنه غادر افغانستان في اكتوبر عام 2000، بعدما اختلف مع بعض رفاقه إثر تعرضه للإعتقال والسجن في صنعاء عقب الهجوم على المدمرة الاميركية "يو اي اس كول" في عدن. وكان البحري منجم معلومات للمحققين الاميركيين الزائرين في خفايا مؤامرة الحادي عشر من سبتمبر، وأُفرج عنه بعد موافقته على المشاركة في دورة لإعادة تثقيفه دينياً وتعهده أمام الله بأن لا يفعل ما يسيء الى حكومة الرئيس علي عبد الله صالح. ومنذ عام 2002 اشتملت نشاطاته على العمل سائق لسيارة اجرة، وثلاثة لقاءات مع الرئيس صالح ودورات في التسويق والبيع والبرمجة اللغوية العصبية شبه العلمية بعد ما أصبحت رائجة.
هذا الرجل الذي توسل ذات يوم كي يسمح له بن لادن بالمشاركة في عملية استشهادية، بلغته انباء عن ان الرئيس اوباما لن ينفذ وعده بغلق معتقل غوانتانامو بحلول يناير 2010، ودون ضمانات ثابتة بإيداع معتقلي غوانتانامو ال 215 السجن أو إخضاعهم للمراقبة الشديدة حين يعودون الى اوطانهن وهي ضمانات أظهر اليمن عجزه عن تقديمها علما بأن أكثر من تسعين يمنياً يشكلون أكبر مجموعة عربية في المعتقل واميركا تعتبر ان الخطر الذي يترتب على إخلاء المعتقل كبير للغاية.
مأزق اوباما دفع البحري الى التفكير، "إذا كان رئيس اميركا لا يستطيع الوثوق بالرئيس صالح لإبقاء المعتقلين اليمنيين بعيدا عن متاعب الجهاد ، لماذا لا يكلفه هو ناصر البحري، بفتح وادارة مركز آمن لإعادة تأهيل المعتقلين العائدين واعادة تثقيفهم؟ مَنْ يتفوق على جهادي سابق مسلح الآن بقدرات اقناع لغوية عصيبة في فهم الجهاديين الآخرين ومساعدتهم؟ ولا تنتهي القصة عند هذا الحد بل اشار البحري الى انه رغم شخصيته اللطيفة وحيويته، ليس بالرجل الذي يمكن ان تتعامل معه الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب.
لم يكن البحري وحده من حذّر من تحول اليمن الى افغانستان ثانية، ومن الفراغ الذي لن يجد تنظيم "القاعدة" صعوبة في استغلاله وملئه. ولكنه طرح رؤية اوسع، تكون العربية السعودية فيها محاصرة بين فكي كماشة معادية تتألف من عراق، ملأ الجهاديون الفراغ الذي تركه رحيل القوات الاميركية عنه، ودولة اسلامية حديثة النشأة في اليمن، مع سير الصومال على الضفة الأخرى من البحر الأحمر في الطريق نفسه. واعلن البحري "حينذاك سيكون الأمر إما معنا او ضدنا"، كما قال بوش. فتنظيم القاعدة هو الجماعة الوحيدة في العالم الاسلامي التي لديها برنامج متماسك للمستقبل. ونحن نريد ان يكون العالم كله موحداً وعلى مستوى واحد مع الغرب والصين والهند"، بحسب البحري.
وتمنى البحري في معرض حديثه مع الصحفية فكتوريا كلارك لو انه لم يترك افغانستان "ويا ليتني كنتُ لم أزل مع شيخي" ، في اشارة الى اسامة بن لادن. وعن هجمات 11 سبتمبر قال البحري "لأن الوقت حان كي تذوق المجتمعات الغربية بعض المرارة التي يذوقها العالم الاسلامي. ولكننا ضد الحكومات ولسنا ضد الشعب". واضاف البحري "ان الغربيين احرار في استبدال حكوماتهم عندما لا يحبون ما تفعله. وآمل ان اتمكن ذات يوم من العودة الى الجهاد ولكن إذا لم أعد فآمل ان يكون ابني مجاهدا". ولكن ابن البحري لم يُبد اهتماما بآمال والده. فهو في الحادية عشرة من العمر ويقول البحري انه يريد ان يكون ميكانيكيا.
تخرج الصحفية فكتوريا كلارك من لقائها مع ناصر البحري حائرة وقلقة، بانطباع مؤداه "ان البحري ليس مغفلاً ولا ساذجاً" دافعا اياها الى خلاصتين، "أولاً ان يكون المرء جهادياً سابقاً لا يعني انه جهادي تائب، وثانياً ان الإقبال بحماسة على اعتماد الممارسات الغربية في العمل والحلم بعقد مع الحكومة الاميركية ليس مانعاً طبيعياً امام ارتكاب فظائع ضد الحكومة الاميركية نفسها والشعب الاميركي". كما تلاحظ الصحفية كيف ان اليمن يتحدى ويخلط تسلسل الأفكار المنطقية والسرديات المنتظمة التي يفضل الغربيون ان يتعاملوا بها. وهي تقول ان التحديدات التي تفرضها هذه المفارقة، على قدرة المراقب الخارجي على فهم البلد وشعبه، قد تفسر من احدى النواحي السبب في عدم دراسة اليمن وفهمه كما تُدرس وتُفهم المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.
وقد تكون الاهتمامات الأمنية عاملاً آخراً يسهم في ذلك. "وإذ تعتبر الحكومات الغربية ان اليمن أخطر من ان يزوره أحد دون ان يكون لديه عمل ضروري فان هذا البلد الأفقر والأكثر قبلية في الجزيرة العربية يزخر بالسلاح ويُحكم حكماً فاسداً ويعاني من تمردين داخليين احدهما امتد الى العربية السعودية".وبعد فترة مديدة كانت وكالات الأنباء تكتفي بوصفه "موطن اجداد اسامة بن لادن"، وأخذ اليمن منذ مطلع 2010 يستقطب اهتمام العالم أكثر من أي وقت مضى.
في يوم عيد الميلاد حاول انتحاري لكنه فشل في تفجير طائرة قادمة من امستردام فوق ديترويت. واقتُفيت آثار المؤامرة الى اليمن حيث قال المشتبه به انه تدرب وتسلح بالعبوة الناسفة لتفجيرها على متن الطائرة. والآن إذ يأتي اليمن بعد باكستان وافغانستان في مجال اعداد الارهبيين وتدريبهم وايوائهم صار أخيراً يُنظر اليه بوصفه يشكل تهديداً خطيراً للأمن الدولي .كُتب وقيل الكثير عن مساهمة الدعم الاميركي لاسرائيل، ورد فعل الولايات المتحدة على هجمات 11 سبتمبر، في تجنيد عناصر للتنظيم وأقل من ذلك بكثير عن المساهمة التي قدمتها في انتشار الجهاد. والسؤال المتعلق بكيف يمكن ان يُحكم بلد مثل اليمن أو تُحكم باكستان أو افغانستان أو الصومال كدولة قومية وما إذا بالامكان ان تحكم كدولة حديثة ، له تأثير حاسم على قدرة الحاكم على مكافحة النزعة الجهادية.
وإذا كان حكم اليمن مهمة دقيقة وخطرة، بدقة وخطورة الرقص على رؤوس الأفاعي، كما يروق للرئيس صالح ان يشكوا للصحافيين الأجانب، فان دلالات ذلك خطيرة على الغرب. ولا بد ان تكون فائدة اليمن كحليف للغرب في الحملة العالمية ضد العنف الجهادي محدودة. ولكن الرئيس صالح ربما كان يحاول، كما يعتقد كثير من اليمنيين، ترحيل المسؤولية عن اخفاقاته اليهم.
ويمكن تلخيص قصة اليمن خلال نصف الألفية الماضية على انها سلسلة من المحاولات الفاشلة قامت بها قوى خارجية للاستعاضة عن هياكل اليمن وقيمه القبلية الراسخة بهياكل وقيم الامبريالية العثمانية اولاً، فالامبريالية البريطانية تالياً، ثم القومية العربية بنسختها الناصرية فالماركسية على الطريقة السوفيتية بعدها. ورغم ان نهاية الحرب الباردة اتاحت لليمنيين ان يوحدوا اشطار حظوظهم في دولة واحدة، فان الاندماج المتعجل الذي اتفقت عليه صنعاء وعدن في عام 1990 أدى الى حرب اهلية طاحنة قصيرة في عام 1994. بعد ستة اعوام انحسر مرة اخرى وبشدة الرهان على ازدهار جمهورية اليمن بسبب انتشار النزعة الجهادية. ويعمل تضافر الفقر المتفاقم في اليمن مع أُفول ثلاثين عاماً من حكم الرئيس صالح على إذكاء استياء شعبي يقدم خدمة مباشرة لتنظيم اقليمي متسع ومنتعش اتخذ من اليمن قاعدة له انه تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية .
وكشف البحري ، وهو من جنوب اليمن ، انه ولد في ميناء جدة حيث كان والده وجده عاملي ميكانيك في شركة بن لادن للانشاءات. وغادر المملكة العربية السعودية عام 1990 حين كان في الثامنة عشرة من عمره، وذلك بعد سماعه خطبة القاها اسامة بن لادن، وتوجه الى الجهاد ضد الروس في افغانستان. وفي البوسنة حيث امضى البحري فترة التسعينات، عمل في تدقيق الدوافع الدينيّة للمجندين الجهاديين من اجل القتال في سبيل قضية مسلمي البوسنة.
وانضم البحري الى بن لادن في قندهار عام 1996، لكنه غادر افغانستان في اكتوبر عام 2000، بعدما اختلف مع بعض رفاقه إثر تعرضه للإعتقال والسجن في صنعاء عقب الهجوم على المدمرة الاميركية "يو اي اس كول" في عدن. وكان البحري منجم معلومات للمحققين الاميركيين الزائرين في خفايا مؤامرة الحادي عشر من سبتمبر، وأُفرج عنه بعد موافقته على المشاركة في دورة لإعادة تثقيفه دينياً وتعهده أمام الله بأن لا يفعل ما يسيء الى حكومة الرئيس علي عبد الله صالح. ومنذ عام 2002 اشتملت نشاطاته على العمل سائق لسيارة اجرة، وثلاثة لقاءات مع الرئيس صالح ودورات في التسويق والبيع والبرمجة اللغوية العصبية شبه العلمية بعد ما أصبحت رائجة.
هذا الرجل الذي توسل ذات يوم كي يسمح له بن لادن بالمشاركة في عملية استشهادية، بلغته انباء عن ان الرئيس اوباما لن ينفذ وعده بغلق معتقل غوانتانامو بحلول يناير 2010، ودون ضمانات ثابتة بإيداع معتقلي غوانتانامو ال 215 السجن أو إخضاعهم للمراقبة الشديدة حين يعودون الى اوطانهن وهي ضمانات أظهر اليمن عجزه عن تقديمها علما بأن أكثر من تسعين يمنياً يشكلون أكبر مجموعة عربية في المعتقل واميركا تعتبر ان الخطر الذي يترتب على إخلاء المعتقل كبير للغاية.
مأزق اوباما دفع البحري الى التفكير، "إذا كان رئيس اميركا لا يستطيع الوثوق بالرئيس صالح لإبقاء المعتقلين اليمنيين بعيدا عن متاعب الجهاد ، لماذا لا يكلفه هو ناصر البحري، بفتح وادارة مركز آمن لإعادة تأهيل المعتقلين العائدين واعادة تثقيفهم؟ مَنْ يتفوق على جهادي سابق مسلح الآن بقدرات اقناع لغوية عصيبة في فهم الجهاديين الآخرين ومساعدتهم؟ ولا تنتهي القصة عند هذا الحد بل اشار البحري الى انه رغم شخصيته اللطيفة وحيويته، ليس بالرجل الذي يمكن ان تتعامل معه الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب.
لم يكن البحري وحده من حذّر من تحول اليمن الى افغانستان ثانية، ومن الفراغ الذي لن يجد تنظيم "القاعدة" صعوبة في استغلاله وملئه. ولكنه طرح رؤية اوسع، تكون العربية السعودية فيها محاصرة بين فكي كماشة معادية تتألف من عراق، ملأ الجهاديون الفراغ الذي تركه رحيل القوات الاميركية عنه، ودولة اسلامية حديثة النشأة في اليمن، مع سير الصومال على الضفة الأخرى من البحر الأحمر في الطريق نفسه. واعلن البحري "حينذاك سيكون الأمر إما معنا او ضدنا"، كما قال بوش. فتنظيم القاعدة هو الجماعة الوحيدة في العالم الاسلامي التي لديها برنامج متماسك للمستقبل. ونحن نريد ان يكون العالم كله موحداً وعلى مستوى واحد مع الغرب والصين والهند"، بحسب البحري.
وتمنى البحري في معرض حديثه مع الصحفية فكتوريا كلارك لو انه لم يترك افغانستان "ويا ليتني كنتُ لم أزل مع شيخي" ، في اشارة الى اسامة بن لادن. وعن هجمات 11 سبتمبر قال البحري "لأن الوقت حان كي تذوق المجتمعات الغربية بعض المرارة التي يذوقها العالم الاسلامي. ولكننا ضد الحكومات ولسنا ضد الشعب". واضاف البحري "ان الغربيين احرار في استبدال حكوماتهم عندما لا يحبون ما تفعله. وآمل ان اتمكن ذات يوم من العودة الى الجهاد ولكن إذا لم أعد فآمل ان يكون ابني مجاهدا". ولكن ابن البحري لم يُبد اهتماما بآمال والده. فهو في الحادية عشرة من العمر ويقول البحري انه يريد ان يكون ميكانيكيا.
تخرج الصحفية فكتوريا كلارك من لقائها مع ناصر البحري حائرة وقلقة، بانطباع مؤداه "ان البحري ليس مغفلاً ولا ساذجاً" دافعا اياها الى خلاصتين، "أولاً ان يكون المرء جهادياً سابقاً لا يعني انه جهادي تائب، وثانياً ان الإقبال بحماسة على اعتماد الممارسات الغربية في العمل والحلم بعقد مع الحكومة الاميركية ليس مانعاً طبيعياً امام ارتكاب فظائع ضد الحكومة الاميركية نفسها والشعب الاميركي". كما تلاحظ الصحفية كيف ان اليمن يتحدى ويخلط تسلسل الأفكار المنطقية والسرديات المنتظمة التي يفضل الغربيون ان يتعاملوا بها. وهي تقول ان التحديدات التي تفرضها هذه المفارقة، على قدرة المراقب الخارجي على فهم البلد وشعبه، قد تفسر من احدى النواحي السبب في عدم دراسة اليمن وفهمه كما تُدرس وتُفهم المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.
وقد تكون الاهتمامات الأمنية عاملاً آخراً يسهم في ذلك. "وإذ تعتبر الحكومات الغربية ان اليمن أخطر من ان يزوره أحد دون ان يكون لديه عمل ضروري فان هذا البلد الأفقر والأكثر قبلية في الجزيرة العربية يزخر بالسلاح ويُحكم حكماً فاسداً ويعاني من تمردين داخليين احدهما امتد الى العربية السعودية".وبعد فترة مديدة كانت وكالات الأنباء تكتفي بوصفه "موطن اجداد اسامة بن لادن"، وأخذ اليمن منذ مطلع 2010 يستقطب اهتمام العالم أكثر من أي وقت مضى.
في يوم عيد الميلاد حاول انتحاري لكنه فشل في تفجير طائرة قادمة من امستردام فوق ديترويت. واقتُفيت آثار المؤامرة الى اليمن حيث قال المشتبه به انه تدرب وتسلح بالعبوة الناسفة لتفجيرها على متن الطائرة. والآن إذ يأتي اليمن بعد باكستان وافغانستان في مجال اعداد الارهبيين وتدريبهم وايوائهم صار أخيراً يُنظر اليه بوصفه يشكل تهديداً خطيراً للأمن الدولي .كُتب وقيل الكثير عن مساهمة الدعم الاميركي لاسرائيل، ورد فعل الولايات المتحدة على هجمات 11 سبتمبر، في تجنيد عناصر للتنظيم وأقل من ذلك بكثير عن المساهمة التي قدمتها في انتشار الجهاد. والسؤال المتعلق بكيف يمكن ان يُحكم بلد مثل اليمن أو تُحكم باكستان أو افغانستان أو الصومال كدولة قومية وما إذا بالامكان ان تحكم كدولة حديثة ، له تأثير حاسم على قدرة الحاكم على مكافحة النزعة الجهادية.
وإذا كان حكم اليمن مهمة دقيقة وخطرة، بدقة وخطورة الرقص على رؤوس الأفاعي، كما يروق للرئيس صالح ان يشكوا للصحافيين الأجانب، فان دلالات ذلك خطيرة على الغرب. ولا بد ان تكون فائدة اليمن كحليف للغرب في الحملة العالمية ضد العنف الجهادي محدودة. ولكن الرئيس صالح ربما كان يحاول، كما يعتقد كثير من اليمنيين، ترحيل المسؤولية عن اخفاقاته اليهم.
ويمكن تلخيص قصة اليمن خلال نصف الألفية الماضية على انها سلسلة من المحاولات الفاشلة قامت بها قوى خارجية للاستعاضة عن هياكل اليمن وقيمه القبلية الراسخة بهياكل وقيم الامبريالية العثمانية اولاً، فالامبريالية البريطانية تالياً، ثم القومية العربية بنسختها الناصرية فالماركسية على الطريقة السوفيتية بعدها. ورغم ان نهاية الحرب الباردة اتاحت لليمنيين ان يوحدوا اشطار حظوظهم في دولة واحدة، فان الاندماج المتعجل الذي اتفقت عليه صنعاء وعدن في عام 1990 أدى الى حرب اهلية طاحنة قصيرة في عام 1994. بعد ستة اعوام انحسر مرة اخرى وبشدة الرهان على ازدهار جمهورية اليمن بسبب انتشار النزعة الجهادية. ويعمل تضافر الفقر المتفاقم في اليمن مع أُفول ثلاثين عاماً من حكم الرئيس صالح على إذكاء استياء شعبي يقدم خدمة مباشرة لتنظيم اقليمي متسع ومنتعش اتخذ من اليمن قاعدة له انه تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية .
(الصورة لناصر البحري)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.