ما أن أطلق الناشط الشيعي ياسر الحبيب تصريحات مسيئة للسيدة عائشة زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا وسارعت الكويت لاحتواء تداعياتها الكارثية عبر اتخاذ خطوات حاسمة لتخفيف حدة التوتر بين السنة والشيعة . ففي 19 سبتمبر / أيلول ، قررت الكويت رسميا حظر التجمعات العامة في البلاد ، وجاء في بيان لمدير الإدارة القانونية في وزارة الداخلية الكويتية العميد أسعد الرويح "هذه فتنة ويجب أن توقف". وأشار الرويح في هذا الصدد إلى حظر أي موكب أو مظاهرة أو تجمع في الشوارع والميادين العامة والتي يزيد عدد المشاركين فيها عن عشرين شخصا. وأضاف أن المخالفين يواجهون عقوبة بالسجن سنتين ، مشددا على أن وزارة الداخلية "تمارس دورها" انطلاقا من "حرصها على أمن واستقرار البلد". وجاء القرار السابق بعدما أعلنت مجموعات سنية عدة في الكويت اعتزامها تنظيم تجمعات عامة للمطالبة بترحيل الناشط الكويتي الشيعي ياسر الحبيب من منفاه الاختياري. وكان ياسر الحبيب مؤسس جمعية "خدام المهدي" أقام خلال شهر رمضان احتفالا في لندن بمناسبة ذكرى وفاة السيدة عائشة وأطلق في الاحتفال تصريحات مستفزة للمسلمين في كافة أنحاء العالم ، حيث وصف أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ب "عدوة الله وعدوة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم "، كما اتهمها بأنها "هي من قتلت رسول الله عليه الصلاة والسلام وأنها تتعذب في النار وتأكل الجيف وهي معلقة من رجليها وهي تأكل من لحم جسدها". وفور إطلاق التصريحات السابقة ، تفجرت عاصفة من الغضب داخل الكويت ، بل ووصل الأمر إلى ما يشبه بوادر "الفتنة الطائفية" ، حيث طالب نواب من السنة الحكومة بالسعي إلى تسلم الحبيب أو سحب الجنسية الكويتية منه وهددوا باستجواب رئيس الوزراء أو وزير الداخلية إذا لم تتحرك الحكومة ، وفي المقابل ، طالب نواب شيعة بتدابير مشابهة مع ناشطين سنة انتقدوا الشيعة . وبالنظر إلى أن الدعوات السابقة تهدد استقرار الكويت بشدة ، فقد سارعت للحكومة للتحرك لإجهاضها سواء عبر قرار حظر التجمعات العامة أو من خلال التأكيد على ملاحقة الحبيب قانونيا. فقد أكد وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الكويتي روضان الروضان أن الجهات الحكومية المعنية ستتخذ كافة الإجراءات القانونية تجاه المدعو ياسر الحبيب ، مشددا على أن الحكومة لن تتوانى في اتخاذ جميع الإجراءات بحق كل من يتعرض بالإساءة للمعتقدات الدينية والمساس بأمهات المؤمنين والصحابة الكرام والرموز الإسلامية. واعتبر الروضان في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية في 19 سبتمبر أن ما أثاره ياسر الحبيب في شريط مصور نشره على موقعه الإلكتروني يعد "خروجا عن تعاليم الدين الإسلامي بجميع مذاهبه التي تدعو إلى ضرورة احترام زوجات الرسول محمد عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام وتعزيز الوحدة الإسلامية والتلاحم بين المسلمين". حل وسط
مجلس الأمة الكويتي ويبدو أن الخطوات السابقة كانت بمثابة حل وسط لاحتواء تداعيات تصريحات الحبيب دون تأجيج غضب السنة والشيعة على حد سواء . ولعل الحكومة الكويتية استندت في قراراتها السابقة إلا أن هجوم الحبيب على السيدة عائشة هو تصرف فردي لا يعبر عن شيعة الكويت الذين سارعوا لوصف الحفل الذي أقامه في لندن بأنه "مشبوه وانتهاك لحرمة رسول الله وإثارة لمشاعر المسلمين وتأجيج للضغائن والأحقاد والفتن ". وكانت الفاعليات الشيعية الكويتية استنكرت بشدة الإساءات التي أطلقها الحبيب بحق أم المؤمنين عائشة ، وقال أمين عام التحالف الإسلامي الوطني في الكويت الشيخ حسين المعتوق إن تصريحات "المنحرف" الحبيب تأتي بدعم من جهات مشبوهة تصب في خدمة المخابرات العالمية. وأضاف " نحن بريئون منه ومن الكثير من معتقداته الفاسدة التي من بينها اتهام عرض الرسول الأكرم والذي لا خلاف بين المسلمين سنة وشيعة في حرمة المساس به". وتابع في بيان له "ما يقوم به هذا الشخص وأمثاله من الفسقة والمنحرفين لا يمثل الشيعة بأي وجه من الوجوه". وأعرب المعتوق عن اعتقاده بأن هدف تصرفات الحبيب المشينة ليس سوى نشر العداوة والانحرافات والضلالات الباطلة في أوساط المسلمين . ولم يقتصر الغضب على شيعة الكويت ، بل إن "المجمع العالمي لأهل البيت" في إيران أدان هو الآخر بشدة "التهم الباطلة غير اللائقة لبعض زوجات النبي" ، مؤكدا أن من يطلقون تلك التهم لا يمثلون شيعة أهل البيت. ويبدو أن السيرة الذاتية للناشط الشيعي ياسر الحبيب تؤكد أيضا أنه لا يمثل شيعة الكويت بصفة خاصة والشيعة بصفة عامة ، بل إنه وصف من قبل كثيرين من الشيعة بالانحراف وإثارة الفتنة والجهل والسفاهة والعمالة للقوى المعادية للإسلام . ومعروف أن ياسر الحبيب يقيم في لندن منذ عام 2004 بعد أن غادر الكويت هربا من حكم بالسجن عشر سنوات بسبب تصريحات مسيئة حول أول وثاني الخلفاء الراشدين . وبالنظر إلى أنه اعتاد التطاول على الصحابة وأهل البيت ، فإنه بات منبوذا ليس فقط داخل الكويت وإنما في كافة أرجاء العالم الإسلامي أيضا . وأمام ما سبق ، فإنه لا بديل أمام سنة وشيعة الكويت سوى التصدي وبقوة لمن يسعون لإثارة الفتنة المذهبية ، وتبقى حقيقة هامة وهي أن الشيعة الذين يشكلون نحو ثلث الكويتيين البالغ عددهم 1,1 مليون نسمة ولديهم تسعة أعضاء في مجلس الأمة المؤلف من خمسين مقعدا إضافة إلى وزيرين في الحكومة المؤلفة من 16 وزيرا لم يتورطوا يوما في إثارة أية قلاقل في تلك الدولة الخليجية وكانوا دوما بمثابة حائط صد منيع ضد المخططات الأمريكية والإسرائيلية الهادفة لإثارة الفتنة بين السنة والشيعة في كافة أرجاء العالم الإسلامي .