العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    الاتحاد الأوربي يعلن تطور عسكري جديد في البحر الأحمر: العمليات تزداد قوة    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في مرمى ديبورتيفو ألافيس    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    نص المعاهدة الدولية المقترحة لحظر الاستخدام السياسي للأديان مميز    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    ليست السعودية ولا الإمارات.. عيدروس الزبيدي يدعو هذه الدولة للتدخل وإنقاذ عدن    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدمير ممنهج لبنية اليمن الزراعية وتورط مسؤولين حكوميين في تصفية الهيئة العامة للبحوث

لم يعد بمقدور القطاع الزراعي في اليمن، الاستعانة بماضيه المدهش في تطويع الأرض وترويضها، لإنتاج كل أصناف المحاصيل كما كان في السابق. ذلك أن هذا القطاع الذي يشكل نسبة 52٪ من قوة العمل، يواجه اليوم سيلا جارفا من الفساد والإهمال، وتحديات رسمية تدفعه نحو الاندثار، بدلا من استمراره في الإنتاج للحفاظ على الأمن الغذائي للبلاد.
قطاع الزراعة اليوم، يشهد تراجعا كبيرا منذ السبعينيات، وهي الفترة التي حقق فيها اليمن اكتفاء ذاتيا لا نظير له من المنتجات الزراعية، لدرجة أن البلد آنذاك (فترة حكم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي)، أصدر عملة معدنية ذهبية في العام 1974، و نقشت عليها عبارة ( لزيادة إنتاج المحاصيل الغذائية)، وبعد تلك الفترة، تراجع الاكتفاء الذاتي إلى 15٪ وتدنت مساهمة الناتج الزراعي في الدخل المحلي الإجمالي إلى 13٪، وما تزال مستمرة في التدني، والإخفاق.
فقبل 3 سنوات تقريبا، ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها محافظات البلاد عام 2011، ودخولها في دوامة من الاضطرابات، كانت ثمة مؤامرة ممنهجة تجري على واحدة من كبريات المؤسسات الزراعية المملوكة للدولة، وهي الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي؛ التي تعد أهم وأعرق مؤسسة وطنية في مجال أبحاث النباتات والمحاصيل الزراعية على مستوى اليمن والمنطقة، منذ أكثر من 30 عاما.
وما حدث بالضبط، أن أهم المزارع التابعة للهيئة، وأراضي المحطات البحثية العلمية المخصصة لتطوير القطاع الزراعي اليمني، تعرضت للنهب والسطو في 6 محافظات في الشمال والجنوب، وبتواطؤ مسؤولين حكوميين؛ معظمهم أفلتوا من العقاب.
الفساد يلتهم البحوث الزراعية
في مارس 2012، تفاقمت قصص الفساد في أروقة الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، الواقعة في محافظة ذمار، والتي تأسست في العام 1983 ولها أكثر من 14 فرعا في المحافظات، وتضم 8 محطات إقليمية للبحوث العلمية، وخمسة مراكز وطنية بحثية وتخصصية، وقد أنشئت هذه الهيئة بهدف تطوير وتحسين بيئة القطاع الزراعي ورفع مستوى الإنتاج وتحقيق معدلات أعلى للصادرات الزراعية، وهي تقدم خدماتها لشرائح المزارعين والمنتجين في اليمن.
ونتيجة لتفشي الفساد، تصاعدت احتجاجات الموظفين والعاملين بالهيئة، ونفذوا في 12 مارس 2012، اعتصاما أمام مقر الهيئة في ذمار، ومنعوا فيه رئيس الهيئة ونائبه من الدخول، وطالبوا بإقالة رئيس الهيئة ونائبه، ومن وصفوهم ب "رموز الفساد فيها".
اتهم المحتجون يومها، في بيان أصدروه (وبثته بعض المواقع الإخبارية) قيادة الهيئة، بما سموه "التلاعب بأموال الهيئة بدون وجه حق"، معتبرين ذلك "سببا لتغلغل الفساد في هيئة البحوث الزراعية"، كما اتهموا مدير الهيئة، ونائبه، "بالتلاعب بالميزانية المخصصة للبحث العلمي، والبالغة 70 مليون ريال "، بحسب بيانهم.
النهب بأوامر مسؤول سابق
اتضحت خفايا ذلك الفساد الذي طال الهيئة، بعد أسابيع قليلة من القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس عبد ربه منصور هادي، في إبريل 2012، لتعيين رئيس جديد للهيئة، وعزل رئيسها السابق، والذي قضى بتعيين الدكتور منصور العاقل، رئيسا لمجلس إدارة الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي ، وتعيين محمد الصديعي، نائبا لرئيس الهيئة للشؤون المالية والإدارية. لتطفو بعد ذلك الكثير من الحقائق المفزعة للحد الذي لا يمكن تخيله.
ففي تصريحه الذي بدا أشبه بمناشدة رسمية، نشرتها جريدة "26 سبتمبر" الحكومية، في عددها الصادر في 27 فبراير عام 2014. أفصح رئيس هيئة البحوث والإرشاد الزراعي، الدكتور منصور العاقل، عن تفاصيل سرقة ونهب أصول وممتلكات الهيئة، في جريمة تستهدف إبقاء الأمن الغذائي للبلد عرضة للتهديد، وليس أقل من ذلك.
يقول رئيس الهيئة، الدكتور العاقل: "تم الاستحواذ على كافة الوثائق الرسمية وتدميرها ولم تترك لنا أية وثيقة في مقر الهيئة في ذمار، وجرى نهب وتدمير مراكز السلالات بشكل نهائي، وإتلاف كل ما تحتوي من معلومات، ولم يتبق لنا سوى الكادر وهو العمود الفقري للهيئة ".
وكشف الدكتور منصور العاقل، عما هو أخطر، بالقول: "حاولنا استرداد الأراضي المنهوبة، وكانت البداية من مزرعة الحديدة وما تحتويه من مبان وأملاك وآبار وشبكات ري ومساكن، والتي اتضح لنا أن النهب كان بإيعاز من رئيس الهيئة السابق".
وأضاف: "كان أسلوبا تدميريا ممنهجا اتخذ بحق الهيئة وممتلكاتها من مزارع ومراكز بحثية، وبدأنا بتجميع الوثائق والملكيات الخاصة بها، وتم تجميع الكثير من الوثائق من البنك المركزي اليمني، ومن أماكن متعددة، وهناك بعض القضايا التي تخص مزارع الهيئة، أمام القضاء الآن".
وقال: "تعرضت المزارع البحثية التابعة للهيئة للسطو في كل من: تهامة وتعز، ومزرعة الكود في محافظة أبين، وكذلك مزارع الهيئة في سيئون والمكلا، بالإضافة إلى المحاولات المستمرة للسطو على مزرعة الهيئة في مأرب".
وبالنسبة لأولى مزارع البحوث العلمية التي تأسست في تعز خلال السبعينيات، قال رئيس الهيئة: "مزرعة البحوث في تعز تمت مصادرتها، وسيطرت عليها كهرباء تعز، وبعد فترة طويلة من الجهود والمتابعة تمكنا من الحفاظ على ما تبقى منها، وقمنا بتسويرها، بعد أن دخلناها بالقوة ، وكان جزءا منها سيتم تحويله لبناء مركز الأطراف لكننا وصلنا إلى الوثائق الخاصة بها ".
المكلا: مسؤولون يبيعون مزارع الدولة
بحسب وثيقة رسمية حررت في 28 إبريل عام 2013، تقدمت بها الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي بإقليم الساحل الشرقي في المكلا، والتي تضم المناطق الساحلية حضرموت، شبوة، والمهرة، ووجهت إلى رئيس استئناف نيابة الأموال العامة بحضرموت، ببلاغ ضد من وصفتهم "مجموعة من النافذين حاولوا أكثر من مرة السطو على أراضي ومزارع الهيئة الواقعة في الجهة الجنوبية من مستشفى ابن سيناء المطلة على شارع الستين المحاذي للبحر ". وبمساندة من مسؤوليين حكوميين بالمحافظة.
وتكشف إحدى الوثائق التي حصلت عليها "الأولى"، تعرض مواقع وأراضي هيئة البحوث الزراعية في المكلا، للاعتداء والسطو من قبل نافذين. وتشير الوثيقة المذيلة بتوقيع وزير الزراعة، المهندس فريد مجور، والموجهة إلى محافظ حضرموت في تاريخ 22 إبريل عام 2013، إلى تورط مدير مكتب عقارات وأراضي الدولة، ومدير مكتب الأشغال العامة بمديرية المكلا، بصرف أراضي المحطة البحثية لأحد النافذين ومنحه رخصة بناء عليها.
وطبقا للوثيقة، اتهم وزير الزراعة "مكتب العقارات بالمحافظة ومكتب الأشغال بالمكلا بالسطو على فرع هيئة البحوث الزراعية، من خلال دعمهم لأحد النافذين دون امتلاكه أي سند قانوني"، وأكد الوزير "أن الأرض مملوكة للدولة، وتعود ملكيتها لهيئة البحوث الزراعية ويتم استخدامها للجانب البحثي الزراعي ". ولدينا الوثائق التي تثبت ملكيتها للهيئة وطالبت مذكره وزير الزراعه، محافظ حضرموت: "التوجيه للجهات المختصة بتوقيف عملية الاعتداء والسطو على أراضي المحطة البحثية، وضبط المعتدين وإحالتهم إلى نيابة الأموال العامة".
إلى ذلك، ناشد مدير فرع الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي بالمكلا، وفقا لمذكرته الرسمية "الحكومة والجهات الحكومية حماية ممتلكات الدولة مشيرا إلى تعاون مدير عام أمن محافظة حضرموت، العميد فهمي محروس، الذي أعطى توجيهاته لذوي الاختصاص بتوقيف المتنفذين من السطو على موقع الهيئة".
أبين: مزرعة الكود ضحية الإهمال والإرهاب
لا يعرف الكثيرون، أن جنوب اليمن، شهد قيام مؤسسة علمية بحثية عريقة في القرن الماضي، كانت تضاهي كبريات المؤسسات العلمية والبحثية في المجال الزراعي في العالم. والتي عرفت باسم مركز البحوث الزراعية في منطقة الكود في أبين.
تأسست محطة الأبحاث الزراعية بالكود في العام 1955 في أبين، وبدأت بإدخال عدد من الأصناف الزراعية لمحصول القطن نتيجة سنوات من الأبحاث التي بدأ العمل فيها عام 1946 وبحسب المعلومات لم يقتصر النشاط البحثي للمحطة على تطوير محصول القطن صنف "طويل التيلة" فقط، بل شمل كافة الأنواع النباتية في المناطق الجنوبية والشرقية.
وبحلول الوحدة اليمنية، وبعد حرب صيف عام 1994، تعرض هذا المركز للكثير من الإهمال الحكومي المتعمد، وطاله الفساد، ووصل لحد تضييق الخناق على كوادره العلمية، وتقليص ميزانيته المالية وموارد التقنية، وإعاقة برامج البحث العلمي، التي أسهمت في تطوير القطاع الزراعي لأكثر من 60 عاما . واليوم أضحى هذا المركز مدمرا كليا.
وفي نهاية أكتوبر عام 2013، أطلق الدكتور محمد آدم، أستاذ الفسيولوجيا بكلية ناصر للعلوم الزراعية في جامعة عدن، مبادرة وطنية خلاقة بعثها لقائمة بريدية الكترونية تضم عشرات العلماء والأكاديميين؛ دعاهم إلى تكوين (جماعة أصدقاء مركز البحوث الزراعية في الكود)، والضغط على الحكومة، لإعادة تأهيل هذا المركز العريق بدعم برنامج عاجل، يرد له الاعتبار.
يقول الدكتور آدم: "تحول المركز لمجرد مبنى تابع لهيئة البحوث والإرشاد الزراعي في ذمار، ولم يشبع نهم التدميريين والمنتقمين من كل شيء جميل، فكانوا أن مدوا بأذرعهم الطويلة عبر ما سمي ب" أنصار الشريعة "(وهو أحد فروع تنظيم القاعدة)، ليجهزوا على ما تبقى من المركز من حجر وشجر ومختبرات وأجهزة ووثائق ليبقى أثرا بعد عين، لكنهم واهمون، لأن الأيدي التي بنت هذا المركز، وطورته وحافظت عليه وعلى ألقه، قادرة على بعثه من تحت الرماد ".
ودعا الدكتور آدم بالقول: "أدعو الجميع أفرادا ومؤسسات حكومية وغير حكومية، لمؤازرة هذه الدعوة ليستعيد مركز البحوث الزراعية في الكود مكانته كمؤسسة علمية بحثية مستقلة، تخدم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلد".
وخلال السنتين الماضيتين، لم تسلم مزرعة الكود من النهب أيضا؛ فبحسب رئيس هيئة البحوث والإرشاد الزراعي، منصور العاقل: "تعرضت مزرعة الكود في أبين للسطو، وقد تم إعادة الآبار التي دمرت جراء الحرب ويتم إصلاح المزرعة".
البحوث الزراعية اليوم .. لا شيء جديد
هل ستشهد هيئة البحوث والإرشاد الزراعي تغييرا حقيقيا، بعد كل ذلك التدمير الذي تعرضت له، وهل ستعمل الإدارة الجديدة بشكل وطني ومسؤول، أم أنها ستظل على خطى الفساد السابق؟
هذا السؤال يشغل بال جميع الكوادر والعاملين في الهيئة كما يشغل بال الجمهور العام، ولعل "علي محمد الحاجبي"، أحد الموظفين بالهيئة، تساءل هو الآخر في تعليق له، نشره على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "البحوث الزراعية .. مؤسسة وطنية بحثية .. انحرفت كثيرا عن مسارها وهدفها الذي أقيمت من أجله، فهل ستعمل القيادة الجديدة كل جهدها من أجل تصحيح المسار؟ أم أن الأمور ستستمر على ما كانت عليه مع تغيير الوجوه فقط ".
"هناك انحرافات لا تزال كبيرة في الهيئة، والباحثون لايزالون عابثين بالعمل البحثي لا يهمهم سوى الكم والميزانيات، وكم سيكسبون من هذا البحث. ولايزال المزارع اليمني غائبا عن البحوث، وهو الذي ينبغي أن تعمل البحوث من أجل حل مشاكله .." قال الحجبي.
ويضيف الحاجبي: "مر عام أو أكثر، والأمور إلى الأسوأ بالتغييرات التي أجرتها القيادة مع انشغالها أكثر في الأمور المالية، والعمل البحثي غائب جدا".
ينبغي اليوم على هيئة البحوث الزراعية، إعادة النظر في ما هو قائم، والقيام بالكثير من الجهد، من أجل إعادة الاعتبار للبحث العلمي المرتبط أساسا بتكوين الهيئة، والذي تراجع كثيرا خلال الفترة الماضية، لدرجة توقفت فيها الهيئة عن تنفيذ أي بحث علمي زراعي، لتطوير وإنتاج التقنيات الزراعية الحديثة.
فالجميع يدرك أن القطاع الزراعي هو القطاع الأساسي لليمن، كونه لا يتأثر بالتقلبات الخارجية كما تتأثر بقية القطاعات كالنفط مثلا؛ ولكي ينهض هذا القطاع ينبغي الاهتمام بالبحث العلمي الزراعي، كون انتعاش الزراعة اليمنية مرتبطا بعودة هيئة البحوث الزراعية لدورها العلمي.
وفي هذا السياق، يقول علي الحاجبي، بمرارة: "البحوث الزراعية شمال الوطن، ولدت وترعرعت في تعز .. واحتضرت في ذمار وستموت في مسقط رأسها تعز، وسيشيع جثمانها في صنعاء، وسيتم العزاء في ذمار".
وحيال ذلك، يتوجب علينا الذعر، فبمجرد أن تختفي محاصيلنا الزراعية التي طورها الأجداد، ستحل المجاعة التي يصعب تفاديها، فعشرات المحاصيل التي اشتهر بها اليمنيون بدأت الآن بالانقراض التدريجي، لدرجة أننا صرنا نفتقد البن، ونستورد "الثومة" من الصين.
الكارثة التي ينبغي على الحكومة تفاديها، هي مغبة محاصيلنا الزراعية، كي لا يفقد اليمن إرث الأرض وأمنها الغذائي في آن، فاليوم ما من خطط رسمية لدى حكومة الوفاق الوطني لإنعاش قطاع الزراعة ورفدها، وليس ثمة مؤشرات تدل على ذلك.
اليمن إحدى أهم 7 مناطق في العالم وجدت فيها أصل البذور الزراعية
ثمة تركة عظيمة امتازت بها الأرض اليمنية. تركة منحت البلد سمعة تاريخية إبان حقبة اليمن السعيد؛ إنها الزراعة التي برع الفلاح اليمني بتطوير تقنياتها بخصوصية مدهشة. فعبر العصور؛ لم يضعف اليمن إلا في تلك المراحل التي قل فيها الاهتمام بالزراعة .. مضت هذه الحقيقة التاريخية تبرز إحدى مراحلها اليوم فبحسب تصنيف "القبو الدولي للبذور" في سفالبارد بالنرويج الذي افتتح في عام 2008، فإن اليمن تعتبر واحدة من ضمن 7 مناطق في العالم ، صنفت على أنها مهد الزراعة القديمة. والتي حددها العالم الروسي الكبير "نيكولاي فافيلوف" في أوائل القرن العشرين، ضمن أبحاثه الهامة في مضمار أصول النباتات والبذور، وهو الأمر الذي كشفت عنه مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" العربية، في عددها العاشر، يوليو 2011.
انظروا إلى ما قاله العالم "فافيلوف"، والذي كتب "أن جميع المحاصيل الزراعية التي نأكلها اليوم، طورت ونوعت قبل حوالي 10 آلاف عام، في 7 مناطق في العالم اعتبرت بأنها أصل مناشئ النباتات السبعة المزروعة على الأرض وهي: اليمن ومصر والحبشة وأجزاء من أميركا الجنوبية وأميركا الشمالية، بالإضافة إلى أجزاء من أوروبا وآسيا.
إن خريطة "مناشئ المحاصيل المزروعة"، التي وثقها القبو الدولي للبذور بالنرويج (وهو أكبر بنك في العالم لحفظ البذور من الانقراض)، أوضحت أن اليمن يعد منشا لمحاصيل القمح والشعير والشوفان والقطن.
وقديما، اعتمدت اليمن على محاصيلها الزراعية كاحتياطي نقدي للبلد، حتى فترة الخمسينيات، ويشير أحد المصادر التاريخية إلى أن اليمن إبان حكم الإمامة، اشترت بعض المشتقات النفطية من بينها مادة الكيروسين "الجاز" التي كان يستخدمها السكان لإنارة المصابيح، من الجارة السعودية عن طريق مقايضتها بمحاصيل البن والحبوب عوضا عن المال.
وما تبقى من إرث اليمن الزراعي في الوقت الراهن، يكمن في كونه امتلك بنكا لحفظ البذور والأصول الوراثية منذ الخمسينيات (ضمن 1400 بنك بذور في العالم)، والذي يعرف باسم المركز الوطني للأصول الوراثية، والذي يحتفظ بأكثر من 5 آلاف نوع وعينة نباتية و 60 محصولا زراعيا ، وهو يتبع هيئة البحوث والإرشاد الزراعي، التي لم تتعاف بعد من أضرار الفساد والإهمال الحكومي المتعمد خلال فترة النظام السابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.