ليست حرب خاطفة، حتى يتوقف النشاط السياسي ليعود بعد توقفها. تثبت الأحداث أننا إزاء معركة طويلة بحاجة إلى نشاط سياسي من نوع مختلف. الأسبوع الماضي بدأ البعض يصرح على استحياء عن الحاجة لإنعاش العملية السياسية شبه المعطلة منذ بداية الحرب. حتى وان جاء الحديث من باب التساؤل عن وجاهة إقصاء الرئيس هادي للحزب الاشتراكي اليمني، فهو في المحصلة النهائية حديث عن الأدوات السياسية الهزيلة المرافقة لعملية مجابهة الانقلابيين ومحاولة استعادة الدولة. يمثل الحزب الاشتراكي بخبرته العريقة والقدرات السياسية لكوادره، أملا أخيرا بالنسبة لأولئك الذين بدئوا استشعار مأزق أن الشرعية تفتقد لدليل سياسي وبرنامج واضح مواكب للعمل العسكري. فقد أنحصر النشاط السياسي حتى الآن، في التهافت على المناصب والامتيازات، وفي التكسب والاستحواذ من قبل بعض الأطراف دون إبداء أية اعتبارات لحساسية اللحظة الراهنة ومتطلباتها المختلفة. مع ذلك يمكن تسمية هذا النشاط أي شيء آخر إلا أن يكون نشاطا سياسيا، فعوضا عن كونه لا يخدم المعركة المصيرية في شيء، هو في المحصلة يتسبب في تشويه المقاومة ويضعف أية أمكانية قد تتوفر لهزيمة الانقلاب واستعادة الدولة المخطوفة. في ظل ميدان سياسي مختل، ونشاط محسوب على السياسة لكنه منحصر في ميدان آخر وربما ضد السياسة، من الطبيعي أن نجد حزب كالاشتراكي غير قادر على تسجيل حضور نوعي، يساهم في أحداث التوازن المطلوب، وبما يبلور برنامج ودليل سياسي، الحكومة الشرعية هي في أمس الحاجة إليه. على أن الاشتراكي ليس غائبا تماما عما يحدث، فهو في عمق المشهد السياسي من خلال ما قدمه ويقدمه من مواقف ومبادرات لوقف هذه الحرب العبثية خلاف ذلك فأعضائه وأنصاره في قلب المهمة الوطنية، يخوضون معركة التصدي للثورة المضادة، واستعادة الدولة. والاشتراكي إذا كان بحاجة لشيء ليقوم بدوره المعهود ويساهم في تعزيز معركة التصدي للانقلاب، فهو بالضرورة لن يحتاج للمناصب والامتيازات، قدر حاجته لتوفير مناخ وبيئة مناسبة، تعيد جميع الأطراف السياسية إلى أقرب نقطة استعادة ويكون الاشتراكي من ضمنها. وتأتي أهمية إيجاد هذه البيئة، من حتمية أن المعركة تحتاج كل الإمكانيات المتاحة والمتوفرة، لإحداث فارق حقيقي على الأرض بدلا من التعويل على الخارج، أو الارتهان لتعبيرات ما قبل الوطنية وتلك المشاريع المرعبة والمفخخة للمستقبل. خلال الشهر الأول من الحرب، مطلع أبريل من العام 2015، قدم الحزب الاشتراكي اليمني، رؤية متكاملة للوضع الراهن، وذلك عبر مبادرة سعت لإيقاف الحرب. أبرز ما قدمته تلك المبادرة هو أن أي حل يجب أن يعتمد في الأساس على المرجعيات المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216. أصبحت هذه المرجعيات التي حددها الاشتراكي بدقة، بمثابة حائط أخير تتكئ عليه الشرعية أثناء مجابهتها للانقلابيين وأثناء المشاورات التي دخلتها برعاية أممية، لتترجح كفة الشرعية على كفة الانقلابيين الذي أصبح كل همهم تجاوز هذه المرجعيات. لكن إشهار المرجعيات ثم التوقف عند هذه النقطة، لا يكفي لتعزيز الشرعية، بل أن الأمر بحاجة إلى برنامج متكامل يخاطب الشعب في المقام الأول. برنامج يعمل على تجذير مكاسب النضال الذي خاضه اليمنيين منذ ثورة فبراير وحتى اليوم، ويكون عند مستوى كل التضحيات، وهذا لن يحدث إلا بوجود مناخ سياسي ونشاط مواكب ومسئول. يفترض أن الأحزاب السياسية قد قامت بدورها المطلوب في جبهات القتال عندما وقفت في وجه المليشيات وساعدت إلى حد كبير في منع سقوط البلد في يدها من خلال إسنادها للمقاومة الشعبية. والآن ينتظر من الأحزاب السياسية أن تنتقل من ميدان القتال إلى مجال السياسة مجددا، لكي تقوم بدورها في توعية المجتمع والتحريض في أوساطه وتبني توجهات تساهم في بلورة دور فاعل للقاعدة الشعبية للمقاومة الشعبية والجيش الوطني، بحيث تساهم هذه القاعدة في تحرير البلد. استثمار أكبر قدر من الإمكانات المتاحة والاستعدادات الهائلة التي توفرها القاعدة الشعبية وتوجيه كل ذلك صوب هدف تحرير البلد من المليشيات. تحرير الشعب اليمني يجب أن يكون في المقام الأول بفضل الجهود الواعية لهذا الشعب، وعندما يكون هناك تحريض سياسي يوجه الطاقات نحو أهداف واضحة، فإن الوصول إلى لحظة الاندفاع الشعبي، كفيل بتجاوز تلك الصعوبات الكبيرة والماثلة أمامنا اليوم، كفيل بجعلها مجرد ذكرى بائسة. وإذا كان يفترض أن العمل العسكري تنطبق عليه مقولة "اذا تغيرت الظروف في يوم واحد، تعين تغيير التكتيك في اليوم الثاني"، فمن باب أولى أن يسترشد العمل السياسي بهذه المقولة، لأن دقيقة تأخير ستعني سقوط مزيد من الضحايا وأيضا عدم المواكبة الذي هو سبب رئيسي وراء كل فشل. يصبح النشاط السياسي في الأوقات الأكثر عصفا وأثناء التحولات الكبيرة، جزء من التكتيك العسكري، وإستراتيجية جيدة لمعركة تخاض لأجل النصر وحده. لماذا برنامج سياسي؟ تواجه الحكومة الشرعية، تحالف طائفي متماسك، ولديه كل إمكانيات الصمود والاستمرار، كما أن أهدافه واضحة، ويأتي في مقدمتها عدم التفريط بالسلطة التي هي في نظر الحوثي وصالح حق خاص بهم وحدهم، إن لم يكن على أساس مناطقي كما جرى اعتبارها دائما، فعلى أساس سلالي كتعبير عن كون السلطة حق الهي. لا يكفي أن الهدف هو استعادة الدولة، لأن الدولة بمفهومها المعهود. بخصائصها تلك وواقعها لم تكن الدولة تمثل الغالبية العظمى من اليمنيين وترعى مصالحهم. ولكي يحدث فارق حقيقي، أصبح من المهم وجود برنامج سياسي متكامل، ودليل نظري (تثقيف سياسي وفكري). يفترض أن يكون الجهد السياسي مصاحب للجهد العسكري في الميدان وأيضا في المساحة التي تشكل الحاضنة القتالية والشعبية للمقاومة. ويصبح من الضروري أن يكون لدى المقاومة الشعبية برنامج سياسي مختصر يحدد الأهداف والمهام المباشرة والبعيدة. تلك الرؤية التي ستخاطب الشعب اليمني بأنهم لا يقاتلون من أجل استعادة الدولة فقط، ولكن من أجل هزيمة الثورة المضادة وتحقيق أهداف ثورة فبراير، والمتمثلة بإيجاد دولة المواطنة المتساوية التي ستأخذ على عاتقها تحقيق العدالة الاجتماعية وكل الطموحات المشروعة. مثل هذه الرؤية يعتقد كثير منا أنها ستمكن الحكومة الشرعية من استثمار الإمكانيات المتاحة لدى المجتمع، عوضا عن أنها ستجعله متماسكا ومندفعا في طريق تحرير كل شبر من أرض اليمن، لأن الطرف الذي يعزل السياسة في لحظات كهذه، هو بالضرورة يعزل القاعدة الشعبية ولا يمنحها دورا يليق بها، لهذا سيواجه مشقة بالغة في إحراز النصر حتى وان تجمعت له كل الأسباب الأخرى من دعم دولي ودعم عسكري خارجي، وإذا تحقق النصر فإن المشقة ستظل ماثلة أمام محاولات استعادة الدولة وان بحدود نفس الوضع الذي كان سائدا قبل الحرب. والآن أتساءل: ما الذي يمنع الرئيس هادي من دعوة الأحزاب السياسية إلى نقل عملها المركزي إلى عدن، لطالما أصبحت عاصمة مؤقتة؟ قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet